“الجروح التي تسبب بها الاستعمار الألماني تحتاج إلى تريليونات الدولارات لكي تلتئم”
[ad_1]
- سامانثا غرانفيل
- ويندهوك-ناميبيا
بين المياه الزرقاء للمحيط الأطلسي والكثبان الرملية الذهبية الفاتنة على الساحل الناميبي، توجد أراضي معسكر اعتقال ألماني سابق.
فوق هذه الأراضي وفي بداية القرن العشرين تحديدا، تعرضت قبائل عرقية أوفاهيريرو وعرقية ناما للعنف الجنسي، والعمل القسري، و الاستخدام في التجارب الطبية المروعة، حيث مات الكثيرون جراء المرض والإرهاق.
يقول أواهيميسا كابيهي، إن قلبه يثقله الحزن والألم حين يقف أمام بقايا أسلافه.
ينحدر كابيهي من عرقية أوفاهيريرو، وهو أيضا عضو مجلس مدينة سواكوبموند، حيث وقعت العديد من الفظائع.
يشرح كابيهي أن ما حدث منذ أجيال ما زال له تأثير عميق على حياته.
يقول: “سُلبت ثروتنا، المزارع، الماشية، كل شيء، لا ينبغي أن يلازمني حتى الآن الشعور بمرارة المعاناة لمجرد الحديث عن الأمر”.
ويضيف مشيرا إلى معاناة قبائل أوفاهيريرو وناما: “لا ينبغي علينا أن نظل تحت وطأة المعاناة”.
وقد صف المؤرخون ما حدث بين عامي 1904 و 1908، في ما يعرف الآن بناميبيا، بأنه أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
كان ذلك عندما قتلت القوات الاستعمارية الألمانية وشردت الآلاف من قبائل أوفاهيريرو وناما بعد انتفاضتهم ضد الحكام الاستعماريين.
وتشير التقديرات إلى أن تلك الحقبة شهدت مقتل 60 ألفا على الأقل من أفراد قبائل أفاهيريرو الذين كان يبلغ عددهم مئة ألف، بجانب عشرة آلاف من قبائل ناما الذين كان يبلغ عددهم عشرين ألفا.
في مايو/أيار الماضي، اعترفت الحكومة الألمانية رسميا لأول مرة بفظائع الحقبة الاستعمارية.
وأقرت ألمانيا بأن المجازر التي ارتُكبت ترقى إلى الإبادة الجماعية، وتعهدت بتقديم “مبلغ مالي كبادرة اعتراف منها بالمعاناة الهائلة التي لحقت بشعوب تلك المنطقة”. لكن ألمانيا لم تصف هذه البادرة بأنها تعويضات.
“نريد الأرض”
المبلغ الذي تقرر تقديمه هو 1.1 مليار يورو (1.3 مليار دولار ، 930 مليون جنيه إسترلينيي) على أن يُدفع على مدى 30 عاما، ويجب أن يستفيد منه في المقام الأول أحفاد من طالتهم المجازر من عرقيتي أوفاهيريرو وناما.
لكن الأحفاد، بمن فيهم كابيهي، لا يرون في ذلك الاتفاق اعتذارا صادقا عما حدث.
يقول كابيهي واصفا تلك التسوية: “كانت تلك نكتة القرن”.
ويتابع: “نريد أرضنا. المال لا يعني شيئا”.
“نريدهم أن يأتوا ويقدموا اعتذارا صريحا وواضحا، المال هو فقط طريقة للإقرار بوقوع خطأ”.
“ولا نريد فتاتا، بل نريد تريليونات، وحتى هذه قد لا تكون كفيلة بشفاء جراحنا”.
يقول كابيهي إن أوفاهيريرو فقدت بصفتها مجموعته عرقية قرنا من التقاليد والثقافة وسبل العيش، وذلك أمر لا يمكن أن يُثمن.
الأرض والموارد الطبيعية التي تم الاستيلاء عليها، تركت عائلته في فقر مدقع لأجيال متلاحقة.
ويعتقد نشطاء حقوق الإنسان أن العدل يقتضي أن تشتري الحكومة الألمانية أراضي الأجداد، التي أصبحت الآن في أيدي المجتمع الناطق بالألمانية، وتعيدها إلى أحفاد عرقيتي أوفاهيريرو وناما.
“سحب السكين”
إن قيمة التعويضات لها تأثير يتجاوز ألمانيا وناميبيا، ويمكن أن يشكل سابقة للبلدان الأخرى ذات الماضي الاستعماري.
الأكاديميان الأمريكيان، كيرستن مولن، وساندي داريتي، اللذان يدعمان دفع تعويضات لأحفاد ضحايا تجارة الرقيق، يجادلان بأن هذا يعني أن أي تعويضات قد تُقدم، ستكون على الأرجح صغيرة، وستكون ملاذا أخيرا لتلك الدول.
في كتابهما “من هنا إلى المساواة”، أشارا إلى الناشط الأمريكي في مجال حقوق الإنسان مالكولم إكس، صاحب المقولة الشهيرة: “لا تغرز سكينا في ظهر رجل لعمق تسع بوصات ثم تسحبها ست بوصات وتدعي أنك أحرزت تقدما”.
في حالة ألمانيا وناميبيا، اتفقت مولين مع زميلها داريتي على أن “المساعدة التنموية” لا يمكن اعتبارها بالضرورة الترياق لشفاء جرح السكين، لكن يمكن أن ينظر لها على أنها الخطوة الأولى.
يقول داريتي: “التسوية الألمانية التي هي بمثابة سحب السكين بشكل جزئي ليست تعويضات، لكنها ضرورية، أما التعويض الحقيقي يستلزم تضميد الجرح لضمان شفائه”.
ويمضي للقول: “وبالتالي، إذا نظرت إلى هذه المساعدات التنموية على أنها شكل من أشكال سحب السكين بشكل جزئي، فهي بالتأكيد ليست تعويضات”.
هناك أيضا بعض المفارقة في الجدل الدائر حول التعويضات في ناميبيا، بالنظر إلى أن ألمانيا شكلت في الواقع سابقة في تسعينيات القرن التاسع عشر.
يشير المؤرخ الألماني، هورست دريشسلر، إلى أنه قبل الإبادة الجماعية، طالبت ألمانيا قبائل أوفاهيريرو وناما بتعويضات بعد أن قاموا بانتفاضة ضد المستعمرين.
أتت تلك التعويضات على شكل ماشية، إذ قدمت القبائل حينها حوالي 12000 حيوان، قدّرها المؤرخ الألماني الأمريكي توماس كريمر بأنها تعادل حديثا ما بين 1.2 مليون دولار و 8.8 مليون دولار، وهو ما يجادل بأنه يجب إضافته إلى التعويضات.
بالنسبة إلى كريمر، المتخصص في التعويضات، يقول إن تعويضات ألمانيا لناميبيا ما هي إلا البداية، وإن التعويضات التي يجب أن تدفعها القوى الاستعمارية السابقة الأخرى ستأتي حتما، والمسألة باتت مسألة وقت.
يعود ذلك جزئيا إلى التركيبة السكانية المتغيرة للبلدان ذات الأغلبية البيضاء في الغرب، حيث سيُجبر التنوع السكاني المتزايد تلك الحكومات على مواجهة مظالم الماضي.
يقول كريمر: “الضغط قد لا يأتي من قبل أفراد الجماعة التي وقعت عليها المظالم فحسب، إذ هناك احتمال أن يشعر الناس بالتضامن العاطفي مع الأشخاص الذين تأثروا بالظلم تاريخيا، حتى لو كانوا هم أنفسهم جزءا من المجموعة التي ارتكبت الظلم”.
[ad_2]
Source link