أخبار عاجلةمقالات

العمل التطوعي وأثره في الصحة النفسية … بقلم الدكتورة هلا السعيد

إيسايكو: العمل التطوعي وأثره في الصحة النفسية … بقلم الدكتورة هلا السعيد

قال تعالى: ﴿ ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم ﴾ (البقرة: 158)
وقال: ﴿ فمن تطوع خيراً فهو خير له ﴾ (البقرة: 184).
ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (خير الناس أنفعهم للناس)
أن عملية التطوع من أهم المواضيع التي يجب أن تطرح وتناقش و تنال أهمية كبرى.. والعمل التطوعي من أقوى العوامل المؤثرة في إعداد الجيل الجديد لأنها تدخل ضمن تكوينهم خلقياً ونفسياً واجتماعياً. فيخرج جيل يقدر معنى العطاء، والعمل الإنساني، جيل يتجرد من الأنانية، والرياء، ويدرك أن المال القليل يساهم بإسعاد أناس يحتاجون فعلاً للمساعدة، في البلدان الفقيرة، والمنكوبة، أو تلك التي ترضخ تحت سطوة الحروب أو المجاعات.
وحيث يعتبر العمل التطوعي تجسيداً عملياً لمبدأ التكافل الاجتماعي، باعتباره يمثل مجموعة الأعمال الخيرية التي يقوم بها بعض الأشخاص الذين يتحسسون الآم الناس وحاجاتهم، الأمر الذي يدفعهم الى تقديم التبرع بجهودهم وأوقاتهم وأموالهم لخدمة هؤلاء الناس طلباً لتحقيق الخير والنفع لهم. فالتطوع يجب ان يكون نابع عن اقتناع بالعمل وبمساعدة الاخرين، وحيث إن الانخراط في الأعمال التطوعية يعكس آثاراً فردية واجتماعية ونفسيه هامة تؤدي إلى اثار علي المستوي الاجتماعي فهي تقوي الترابط بين افراد المجتمع ، وعلي المستوي الشخصي حيث تساعد على تمتع الاشخاص الذين يقومون بالأعمال التطوعية بالصحة النفسية وتدفعهم الى الاستمرار بالعمل التطوعي وزيادة الخدمات التي تقدم إليهم مع استمراريتها وجدتها.
ويعتبر العمل التطوعي أسمي درجات التضحية في سبيل المصلحة العامة، باعتباره أحد أنماط السلوك الإنساني الذي يعكس شخصية الفرد ومدى ثقافته وظروف تنشئته البيئية ودرجة انتمائه وتوافقه مع المجتمع الذي يعايشه بعاداته وتقاليده ونظمه المختلفة، كما يعد التطوع سلوكاً تربوياً ينشأ عليه الفرد ويؤثر فيه مدى ما اكتسبه من علم وخبرات توظف في عديد من الأنشطة والمجالات تبعاً لميول الفرد وظروف البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
أن الإنسان خلق للعطاء وان التطوع له أبعاد قومية ووطنية وأخلاقية وله تأثير في بناء الأمم وتغيير المجتمعات وربط الفرد بأخيه الإنسان، التطوع والاعمال الخيرية هي مسؤولية مجتمعية تقع على الافراد والمؤسسات من اجل تحقيق المصلحة العامة.
وهنا يجب ان نشير لاهمية العمل التطوعي في جبر الخواطر سواء كانت بابتسامة او كلمة ، أو دعاء، أو موعظة، او مساعدة، ( من سار بين الناس جابرا للخواطر ادركته العناية ولو كان في جوف المخاطر )  وجبر الخواطر عبادة يعبر عن  خلق إسلامي عظيم، ويدل على سمو النفس البشرية ، وعظمة القلب، وسلامة الصدر ، ورجاحة العقل….. وجبر الخواطر طريقنا للصحه النفسيه.

الصحة النفسيه:
لا يختلف اثنان في أن الصحة النفسية والسعادة القلبية، وما يتبعها من طمأنينة، وسكينة، واستقرار نفسي، هي أهداف منشودة لكل إنسان على هذه المعمورة، مهما كان منصبه أو درجته المهنية، أو حالته المادية، أو طبيعته الاجتماعية؛ فالغني في قمة غناه ينشد الصحة النفسية والطمأنينة القلبية والراحة والاستقرار، والفقير في أدنى درجات فقره، هو كذلك.
وينشد تلك المعاني الرجل والمرأة، الكبير والصغير ، حتى المريض في مرضه، على ما فيه من اعتلال ومرض، ينشد هذا الاستقرار النفسي، ويسعى للتكيّف والتوافق مع ما ابتلاه الله به.
ومن المتفق عليه أنّ أنجح سبل الصحة النفسية والطمأنينة القلبية عبادة الخالق سبحانه وتعالى ، فكلما تقرب الإنسان لربه، وتزلف إليه بمحبوباته وطاعاته، نال حظه من سعادة القلبِ، وطرب الروح، وصحة النفس. يقول الله تعالي {مَنْ عَمِلَ صَالِـحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٧٩].
وعلى قدر بعد الإنسان عن خالقه تكون العقوبة فلا تسل عنه بعد وقد غمر بالهموم والغموم، والأمراضِ، والمشكلاتِ النفسية.
وصدق الله بقوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

آثار العمل التطوعي في الصحة النفسية:
1 – إشباع بعض الحاجات النفسية: 
إن مما لا يخفى أهمية الاهتمام بالحاجات النفسية، والسعي في إشباعها بما يناسبها، وذلك لصدها عن التوجه لما لا يناسبها وهذا له تأثير عكسي في التوازن النفسي، ومن أهم تلك الحاجات:
أ – إشباع الجانب الديني والروحي: 
عندما يمارس المتطوع الأعمال التطوعية بمجالاتها المختلفة من منطلق تعبدي فإنه بذلك يشبع هذا الجانب الديني والروحي في نفسه ، فهو يمارس عبادة لا تقل أهمية عن العبادات الأخرى، بل هي عبادة متعدية وأجرها وفضلها خير من العبادة القاصرة.
ب – إشباع الحاجة إلى الإنجاز والنجاح:
الحاجة إلى الإنجاز مفهوم فرضي، يدل على حالة نفسية داخلية، تدفع الشخص إلى النشاط والعمل والإنجاز، وهي تنمو بالإشباع، وتضعف بالحرمان.
ج – إشباع الحاجة إلى الاحترام والتقدير الذاتي:
توجد لدى الكثيرين الحاجة أو الرغبة في تقدير أنفسهم تقديراً عالياً مع احترام الذات، كما توجد لديهم الرغبة في أن يقدرهم الآخرون.
وتعطيل هذه الحاجة يؤدي بالفرد إلى الإحساس: بالنقص والضعف والعجز، كما يؤدي إلى تثبيط العزيمة، أو إلى أي اتجاهات تعويضية، أو الشعور بالإخفاق الذي قد يؤدي إلى الصراع النفسي.
د – إشباع الحاجة إلى الانتماء والحب:
حينما يُشبِع الفرد حاجاتِه الفسيولوجية وحاجاته الأمنية بصفة أساسية وطبيعية، تظهر له الحاجات الاجتماعية كدافع رئيس يوجه سلوكه.
وهذه الحاجات الاجتماعية تتعلق برغبة الفرد في أن يشعر بالانتماء للآخرين، وبقبول الآخرين له، وبالصداقة والمودة.
وفي الوقت نفسه يرغب أيضاً بأن يعطي هو نفسه الصداقة والمودَّة للآخرين.
و – إشباع الحاجة إلى المسؤولية: 
من الحاجات الملحة للإنسان الحاجة للمسؤولية حيث اشعره بأنه بلغ مصاف الرجال الكبار ومنزلتهم، إضافة إلى أنها تصرفه عن كثير من مظاهر العبث واللهو، وتشعره أنه فوق ذلك كله. وقد كان صلى الله عليه وسلم يدرب أصحابه على حمل المسؤولية في شتى المناسبات ليضطلعوا بأعباء القيادة من بعده فكان يستشيرهم في كل مناسبة، وكثيراً ما يعدل عن رأيه إلى رأيهم.. وهذا ما تبنيه المؤسسات التطوعية الخيرية في نفوس أبنائها فهي تزيد الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية.
2 – توجيه الانفعالات وضبطها: 
عرف علماء النفس الانفعالات بتعريفات عدة، منها: أنها تغير مفاجئ يشمل الفرد كله (نفساً وجسماً). والممارس للعمل التطوعي هو من أقدر الناس على توجيه انفعالاته وضبطها وذلك لأنه تمرس من خلال المواقف التي يشارك فيها عبر مجالات التطوع على كيفية التعامل مع تلك الانفعالات.
3 – تفريغ الطاقة: 
يحمل الإنسان طاقة هائلة في نفسه، وهذه الطاقة طاقة حيوية محايدة تصلح للخير، وتصلح للشر، وتصلح للبناء، وتصلح للهدم، والمهم أن لا يختزنها أكثر مما ينبغي؛ فالاختزان الطويل بلا غاية عملية مَضرة بكيان الإنسان.
والعمل التطوعي يمارس دوره في تفريغ الطاقات، عبر مجالاته المختلفة والمتنوعة فكل مجال له حاجته من المجهود والطاقة البدنية، فينخرط المتطوع في تلك الأعمال التطوعية، وقد أفرغ طاقته فيها عبر مجهود بدني مناسب. ومن ثم نجد أن العمل التطوعي قد ساهم بمصرف طبيعي لتفريغ الطاقة وهو ما يجعل المتطوع يعيش سكينة النفس، وطمأنينة القلب، ويتنعم بالصحة النفسية فليس ثمة طاقة مختزنة تعكر سعادته.
4 – شغل أوقات الفراغ: 
كثيراً ما يعيش الشباب اهتمامات غير جادة، ويتعلق باللهو العابث (وربما المحرم)؛ لذلك فالاولي غرس الاهتمامات والقضايا الجادة لديهم فينصرفون تلقائياً عن التعلق باللهو والعبـث الفارغ إلى الأمور الجادة. ومن ذلك مثلاً : أن يمارس الشباب بعض الأعمال التطوعية إذ فيها متسع ومساحة واسعة لملء الفراغ الذي يعانيه كثير منهم وذلك باستقطاع أيامٍ وساعاتٍ من برنامجه اليومي ليشارك في هذه الأعمال التطوعية حسب تخصصه وميوله.
5 – الرضا والطمأنينة النفسية:
يجد المتطوع أثناء قيامه بعمله التطوعي وبعْده مشاعر من الرضا عن النفس، والراحة النفسية بما قدمه من مساعدة للآخرين، وهذه السعادة والطمأنينة هي مطلب جميع البشر فهم يبحثون عن كل ما يزيل عنهم الغم والهم، (ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق، في القول والفعل بأنواع المعروف).
6 – توجيه العواطف وضَبْطها:
إن العاطفة مهمة للإنسان في حياته لأنها تدفعه إلى فعل الأشياء التي يتعاطف معها، وتدفعه إلى ترك الأشياء التي يكرهها بدافع داخلي. بشرط: أن تكون العاطفة وراء العقل، وأن يكون العقل قائدها فالنفس لا بد أن تتجه بعواطفها: إما للخير أو للشر، وهذا ما يساهم فيه العمل التطوعي الخيري؛ حيث يساهم في توجيه العواطف الوجهة الصحيحة.
7 – تعالج الأمراض النفسية والجسدية: 
إن في الأعمال التطوعية تربية ذاتية نفسية للمتطوع حيث يؤدي ذلك إلى الصحة النفسية ففي العمل التطوعي علاج لقسوة القلب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتحب أن يلين قلبك، وتُدرِك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطْعِمْه من طعامك يَلِنْ قلبُك، وتُدرِك حاجتك)[صحيح الجامع: 80]. وفي رواية: (إذا أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم)[مسند الإمام أحمد: 2/263]
8-يساهم في تهذيب الأخلاق: 
للأخلاق منزلة عظيمة في التصور الإسلامي، والمتأمل في النصوص الكثيرة الواردة في فضل الأخلاق ومكانتها تدله على ذلك. يقول صلى الله عليه وسلم : (إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقاً)[رواه البخاري]، ويقول صلى الله عليه وسلم : (ما من شيء أثقل في الميزان من حُسْن الخُلُق)[صحيح أبي داود]. 
والعمل التطوعي يساهم في تهذيب أخلاق المتطوع وتحسينها وذلك من خلال مخالطة الناس، ومعايشتهم إبان عمله التطوعي. يقول صلى الله عليه وسلم : (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [صحيح الجامع:6651]

الموضوع من كتاب الدكتورة هلا السعيد
ثقافة العمل التطوعي (آفاق متجددة )
اصدار / دار الوسيل ( قطر) ٢٠٢١

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى