قصة “تمثال الحرية” بين مصر و فرنسا و أمريكا
[ad_1]
أرسلت فرنسا مؤخرا إلى الولايات المتحدة نسخة مصغرة من تمثال الحرية كانت محفوظة فى متحف الفنون والحرف فى العاصمة الفرنسية باريس ليتم نصبه في جزيرة إليس في نيويورك خلال فترة الاحتفالات بعيد الاستقلال في الرابع من يوليو/تموز المقبل.
وبعد ذلك سيتم إرسال هذه النسخة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لتنصب أمام مقر إقامة السفير الفرنسي هناك طوال العقد المقبل.
وفي مثل هذا الوقت أيضا من عام 1885 كان قد وصل تمثال الحرية إلى نيويورك قادما من فرنسا كهدية من الشعب الفرنسي للولايات المتحدة بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأمريكية.
وتم نصب التمثال عام 1886 في موقع متميز يطل علي خليج نيويورك ليكون في استقبال كل زائري البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين.
ويرمز “تمثال الحرية” إلى امرأة تحررت من قيود الاستبداد، التي ألقيت عند إحدى قدميها. وتمسك هذه المرأة في يدها اليمنى مشعلا يرمز إلي الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتابا نقش عليه بأحرف لاتينية “4 يوليو 1776″، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي.
ويشار إلى أن التمثال الضخم المصنوع من النحاس قام بتصميمه فريدريك بارتولدي بينما صمم هيكله الإنشائي غوستاف إيفل.
وأعلن تمثال الحرية أثرا وطنيا عام 1924 وفي عام 2009 أعيد فتح تاج التمثال أمام الجمهور لأول مرة منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول من عام 2001.
ويبلغ ارتفاع التمثال 46 متراً من قاعدته وحتى الشعلة، وينتصب على قاعدة حجرية ارتفاعها 27 مترا مثبتة على أساس بارتفاع 20 مترا على شكل نجمة.
ويقول مسؤولو الحدائق الوطنية الأمريكية، التي تشرف على التمثال، إن 3.5 مليون شخص يزورون جزيرة الحرية، المقام بها التمثال، في ميناء نيويورك سنويا.
فما هي قصة هذا التمثال؟
تمثال الحرية عبارة عن امرأة ترتدي وشاحاً يونانياً وتحمل مشعلاً في إحدى يديها، وتمسك بالأخرى كتابا، ويتغنى الملايين باسمها، فمن هي؟
إنها الحرية كما تخيلها الفنان الفرنسي فريدريك أوغستيه بارتولدي الذي صمم تمثال الحرية الشهير القائم عند مدخل مدينة نيويورك، والذي أصبح أحد أشهر التماثيل في العالم، ورمزا عالميا للحرية.
واستخدم بارتولدي، الذي ولد في اقليم الألزاس الواقع شمال غرب فرنسا عام 1834، السلاسل المفككة عند قدم التمثال للتعبير عن التخلص من الطغيان، واستخدم تاجاً له سبعة أعمدة للتعبير عن القارات والبحور السبع في العالم كما جاءت في الأساطير اليونانية، ويحمل التمثال كتابا عليه عبارة باللاتينية هي “4 يوليو 1776″، وهو يوم عيد الاستقلال في الولايات المتحدة.
ويظهر التمثال بصورة من يخطو إلى الأمام للتعبير عن التقدم نحو الحرية، ويحمل مشعلا للتعبير عن أن الحرية تتحقق بالاستنارة، ومن هنا جاء الاسم الرسمي للتمثال وهو “الحرية تنير العالم”.
وأزيح الستار عنه رسميا في 28 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1884 بعد إتمام صناعته في ورش العاصمة الفرنسية باريس.
وقرر الرئيس الأمريكي وقتها غروفر كليفيلاند قبول تمثال الحرية بالنيابة عن الشعب الأمريكي كهدية من فرنسا للتعبير عن الصداقة بين الشعبين.
فلاحة مصرية
ويقول موقع إدارة الحدائق الوطنية الأمريكية إن بارتولدي درس في وقت مبكر من حياته المهنية الفن والنحت والعمارة على نطاق واسع.
وانطلق بارتولدي في عام 1855 في رحلة غيرت حياته في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط مع بعض زملائه الفنانين.
وعندما زاروا أبو الهول وأهرامات الجيزة في مصر، اكتشف بارتولدي شغفه بالمنحوتات الضخمة بحسب موقع إدارة الحدائق الوطنية الأمريكية.
وقد أعربت الحكومة المصرية في عام 1869 عن اهتمامها بتصميم منارة لقناة السويس. فصمم بارتولدي تمثالا ضخما على شكل امرأة ترتدي وشاحا وتحمل شعلة، وسماها مصر.
كما قال ريجيه أوبير، مدير متحف بارتولدي في مدينة كولمار مسقط رأس بارتولدي في فرنسا، في تقرير نشرته بي بي سي في عام 2005 إنه من اللافت للنظر أن النسخة الأولى من تمثال الحرية كانت من المفترض أن تكون في قناة السويس في مصر، وليس عند مدخل نيويورك في الولايات المتحدة.
وأضاف قائلا إن بارتولدي أعجب كثيراً بأعمال قدماء المصريين، واستوحى منها فكرة المرأة التي تحمل مشعل النور كي تكون منارة لقناة السويس التي كان يجري العمل في حفرها في ذلك الحين، وكان من المفترض افتتاحها عام 1869.
وتابع أوبير قائلا إن بارتولدي عاد لمصر مرة ثانية عام 1869، وقدم فكرته إلى الخديوي إسماعيل، حاكم مصر وقتها، في صورة ماكيت أولي للمشروع يحمل اسم “مصر منارة الشرق” ليتم وضعه عند المدخل الجنوبي لقناة السويس.
وعلى الرغم من تشجيع الخديوي اسماعيل للمشروع في بادىء الأمر، إلا أنه عاد بعد فترة وتراجع عنه، وانتهى الأمر بأن المشروع الأول لفكرة تمثال الحرية لم ير النور ذلك أنه عندما حضر بارتولدي حفل افتتاح القناة تم إبلاغه بصرف النظر عن المشروع حيث أن إفلاس الخديوي إسماعيل حاكم مصر حينئذ حال دون إكماله.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن التصميم الذي قدمه بارتولدي للخديوي كان على شكل فلاحة مصرية، ولسوء الحظ لم يترك بارتولدي أي سجلات تشير إلى قصتها الشخصية.
وعلى الرغم من ذلك، لم يكن اختيار امرأة من قبيل الصدفة حيث كان بارتولدي مدركا للتقليد الفني الأوروبي الممتد لقرون من الزمن في تجسيد القيم والأفكار وحتى البلدان في أشكال النساء.
وكان من المقرر وضع هذا التمثال الضخم في وسط قناة السويس فوق قاعدة ضخمة. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
كما تقول دائرة المعارف البريطانية أيضا إن ذلك التمثال كان سيشكل مصدر فخر للمصريين من جميع الطبقات الاجتماعية، فقد كانت منارة في شكل فلاحة مصرية تحمل شعلة عالية ويشع النور من رأسها عندما تمر سفن من دول لا حصر لها من تحتها، فقد كان يُنظر إلى هذه المرأة على أنها التجسيد المادي لمصر وتقدمها.
ولكن رغم إعجاب الخديوي إسماعيل بالتصميم إلا أن الوضع الاقتصادي في مصر آنذاك أدى لإلغاء المشروع.
من مصر إلى نيويورك
إلا أن الفكرة ظلت حاضرة في ذهن بارتولدي يبحث عن طريقة لتنفيذها. وفي ذلك الوقت اقترحت مجموعة من المفكرين الفرنسيين تقديم تمثال يعبر عن فكرة الاستقلال والحرية كهدية من فرنسا إلى الشعب الأمريكي، وكرمز للمساعدة التي قدمتها فرنسا للأمريكيين خلال حرب الاستقلال.
وسرعان ما التقط بارتولدي، الذي كان فنانا ذائع الصيت وقتها، خيط الفكرة، وقدم مشروعه القديم لإنشاء منارة لقناة السويس ليصبح تمثال الحرية في نيويورك، بعد إدخال تعديلات عليه تضمنت تغيير الثوب الفلاحي المصري إلى ثوب يوناني والضوء بات يشع من الشعلة وليس الرأس.
وسافر بارتولدي إلى الولايات المتحدة لإقناع المسؤولين الأمريكيين بفكرته عام 1871، وبالفعل حصل على موافقة الحكومة الأمريكية، وتم الإعلان عن حملة لجمع التبرعات لإقامة قاعدة التمثال عام 1875، وأخيرا افتتح رسميا عام 1886.
أول تبرع جماعي
بحلول صيف عام 1885 كان تمثال الحرية في نيويورك على شكل قطع في انتظار التجميع. ودفعت الحكومة الفرنسية ثمن التمثال الذي كان هدية دبلوماسية للولايات المتحدة. ومع ذلك، لم تتمكن الولايات المتحدة من جمع 250 ألف دولار لبناء قاعدة من الغرانيت للتمثال.
ويقول رودريغو ديفيز، الباحث في مركز الإعلام المدني في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إنه بفضل حملة صحفية والتبرعات الصغيرة من عدد هائل من السكان تم بناء القاعدة في النهاية، فيما يعد أول مشروع تمويل جماعي كبير في أمريكا.
وكان قد تم تكليف مجموعة تسمى اللجنة الأمريكية لتمثال الحرية بجمع الأموال لكنها فشلت بعد رفض حاكم نيويورك استخدام أموال المدينة لدفع ثمن القاعدة، ولم يتمكن الكونغرس من الاتفاق على حزمة تمويل.
ووسط حالة عدم اليقين، عرضت كل من بالتيمور وبوسطن وسان فرانسيسكو وفيلادلفيا دفع ثمن قاعدة التمثال مقابل نقله.
بدا الأمر كما لو أن نيويورك قد نفدت منها الخيارات عندما قرر الناشر الشهير جوزيف بوليتزر إطلاق حملة لجمع التبرعات في جريدته ذي نيويورك وورلد.
وجمعت الحملة في نهاية المطاف الأموال من أكثر من 160 ألف متبرع منهم الأطفال ورجال الأعمال وعمال نظافة الشوارع والساسة، وأكثر من ثلاثة أرباع التبرعات كانت أقل من دولار واحد.
لقد كانت محاولة إنقاذ مظفرة قامت بها الصحيفة، وشاركت فيها مجموعة كبيرة جدا من المتبرعين.
وقد قام المهندس الأمريكي ريتشارد موريس هنت بتصميم قاعدة التمثال، التي يبلغ عرضها 47 مترا، وتم الانتهاء من بنائها يوم 22 أبريل/نيسان من عام 1886.
قصيدة على القاعدة
وتوجد على قاعدة التمثال قصيدة للشاعرة الأمريكية إيما لازاروس. وتم حفر كلمات القصيدة على لوحة برونزية على قاعدة تمثال الحرية بعد وفاتها بـ 16 سنة.
وفي أغسطس/ آب من عام 2019 سلطت الأضواء على تلك القصيدة عندما قدم أحد مسؤولي الهجرة في الولايات المتحدة تفسيراً جديداً لأحد أبيات الشعر المحفورة على قاعدة تمثال الحرية، في معرض الدفاع عن سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب القاضية بمنع معونات الطعام عن المهاجرين الشرعيين.
وتقول الجملة “هات المتعبين، والفقراء، والجموع التواقة لنسمات الحرية”.
وأضاف رئيس خدمات المواطنة والهجرة، كين كوتشينيللي، الجملة التالية إلى بيت الشعر السابق: “القادرين على الوقوف على أقدامهم، ومن لا يصبحون عبئاً عاماً”.
ثم قال لاحقاً إن القصيدة التي أُخذت منها العبارة تخص”المهاجرين القادمين من أوروبا”.
في حواره مع شبكة الإذاعة الوطنية العامة، سألته المذيعة راشيل مارتن: “هل تتفق مع أن كلمات إما لازاروس (مؤلفة القصدية) المحفورة على تمثال الحرية هي جزء من ميثاق القيم الأمريكي؟”
فأجاب: “بالتأكيد” وأضاف إليها “القادرين على الوقوف على أقدامهم، ومن لا يصبحون عبئا عاماً”.
وتابع: “اللوحة وضعت على قاعدة التمثال في نفس الوقت الذي أُقر فيه أول قانون للرسوم العامة. وهو توقيت مثير للاهتمام”.
وكرر كوتشينيللي تصريحاته لاحقاً في مداخلة مع محطة سي إن إن، لكنه أنكر تهمة محاولة إعادة كتابة القصيدة. وأصر على أنه كان يجيب على سؤال وُجه إليه، واتهم اليسار بمحاولة “تحريف” تعليقاته.
وسألته مذيعة سي إن إن، إرين بورنيت، عن القيم التي تمثلها الولايات المتحدة، فقال: “بالتأكيد تشير القصيدة إلى القادمين من أوروبا، حيث المجتمعات القائمة على التمييز الطبقي، وكان الناس يواجهون مصيراً مظلماً إذا لم ينتموا للطبقة الصحيحة”.
وتقول كلمات قصيدة العملاق الجديد
هنا عند بواباتنا التي يغمرها البحر
ستقف امرأة جبارة مع شعلتها
اسمها أم المنفيين، وفي يدها منارة ترحب بالقادمين
وتقول بشفتيها الصامتة هات المتعبين، والفقراء
والجموع التواقة لنسمات الحرية
أرسل هؤلاء المشردين إلي
فأنا أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي
منع الزيارة
لم يحجب تمثال الحرية عن الجمهور إلا لفترات محدودة، فقد تم إغلاقه أمام الزوار منذ عام 1984 إلى عام 1986 حيث تمت تقويته وتدعيمه ليعاد افتتاحه في عام 1986 في ذكرى مرور 100 عام على إقامته.
كما أغلق أمام الزوار لأسباب أمنية عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول من عام 2001، وتمت إعادة فتح الجزء الخارجي في 20 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، ثم إعادة فتح القاعدة أمام الجمهور في 3 أغسطس/آب من عام 2004، مع تشديد الإجراءات الأمنية حوله. وفي عام 2009 أعيد فتح تاج التمثال أمام الجمهور.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 تقرر إغلاق تمثال الحرية أمام الزائرين لمدة عام لإجراء إصلاحات.
وتضمنت عمليات الإصلاح والتطوير تركيب سلالم ومصاعد جديدة.
لكن ظلت “جزيرة الحرية” التي يعلو فيها التمثال مفتوحة امام الزائرين خلال فترة الإصلاح.
وتضمنت تلك الإصلاحات نظاماً جديداً لتكييف الهواء لتبريد الجزء الداخلي من التمثال المطلي بالنحاس حيث كانت درجة الحرارة بداخله ترتفع بأكثر من 20 درجة عن الخارج في ذروة فصل الصيف. وجرى تطوير دورات المياه لأول مرة منذ الثمانينات.
ولم يكن في وسع المقعدين من الزوار في السابق رؤية التمثال إلا من الخارج أما بعد الإصلاحات فقد بات بإمكانهم الصعود إلى قمة قاعدته والنظر إلى التمثال من الداخل.
وقالت إدارة الحدائق الوطنية إن عملية تجديد التمثال التي تكلفت 30 مليون دولار أدخلت تحسينات على نظم الإنذار من الحريق وأنظمة الإطفاء ومسارات الخروج كي يلبي التمثال قواعد السلامة المطبقة في نيويورك.
ويقدر عدد زائري التمثال سنويا بنحو 3.5 مليون شخص، وهو مصنف ضمن التراث القومي الأمريكي وهو مدرج على قائمة اليونيسكو للتراث البشري العالمي منذ عام 1984.
وتنقل عبارات الزوار إلى جزيرة الحرية حيث يوجد التمثال، وهناك بوسعهم استخدام السلم للصعود إلى التاج حيث يمكنهم مشاهدة خليج نيويورك والمناطق المحيطة به.
نسخة مصغرة
وقد أرسلت فرنسا مؤخرا إلى الولايات المتحدة نسخة مصغرة من تمثال الحرية كانت محفوظة فى متحف الفنون والحرف فى العاصمة الفرنسية باريس.
وستنصب النسخة الصغيرة المصنوعة من البرونز والتي يبلغ ارتفاعها نحو 3 أمتار في جزيرة إليس في نيويورك خلال فترة الاحتفالات بعيد الاستقلال.
وبعد ذلك سيتم نقله إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لينصب في حديقة أمام مقر إقامة السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة للاحتفال بيوم الباستيل الذي تحييه فرنسا في 14 يوليو/ تموز المقبل، ثم يظل التمثال في هذا الموقع طوال العقد المقبل.
يذكر أن هذا التمثال الذي يعرف بـ “الأخت الصغيرة” تم نحته في عام 2009، ووضع في المتحف الوطني للفنون والحرف في وسط العاصمة الفرنسية باريس في عام عام 2011.
[ad_2]
Source link