مجتمع الميم في لبنان: تقرير جديد يظهر مدى تضرره بعد ثلاث أزمات لم ينته تأثيرها
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي عربي -لندن
في آخر دقيقة من المقابلة التي كنت أجريها مع اللبنانية ساندرا، قالت لي “أتمنى ألا يظهر مقالك أن مجتمع الميم هو ضحية، كما يميل كثير من الناس عادة لتصويره – لأنه ليس كذلك. مجتمع الميم متضرر، لكنه ليس ضحيّة”.
كانت سنة 2020 صعبة على اللبنانيين عموما، ومن بينهم – طبعا – المنتميين والمنتميات لمجتمع الميم، خاصة بعد انفجار بيروت في نهاية الصيف الماضي. وكانت ساندرا (34 عاما) واحدة ممن أطلق مبادرات لدعم هذا المجتمع، وتمكنت من جمع تبرعات من أنحاء العالم وصلت قيمتها إلى 65 ألف دولار.
تقول لبي بي سي عربي نيوز: “كانت هذه أول مرة أجمع فيها تبرعات. لديّ معارف من فنانين في أنحاء العالم وأنا قريبة من مجتمع الميم في لبنان منذ عشر سنوات. قلت لنفسي: نحن كحراك مجتمعي ما معنى عملنا طوال كل هذه السنين إن لم نتحرك في مثل هذه الظروف. وهكذا بدأت مبادرة (Queer Relief Fund)”.
سبب حديثي مع ساندرا كان التعرف أكثر على الصعوبات التي مر بها المنتمون لمجتمع الميم وعلى مبادرات التضامن فيما بينهم، بالتزامن مع نشر نتائج دراسة قامت بها منظمة أوكسفام عنوانها “مجتمع الكوير في أزمة: صدمة، انعدام مساواة وهشاشة”، وتقول عنها المنظّمة بأنها “الأولى من نوعها” في البلد.
مثلهم مثل غيرهم من سكان بيروت تحديدا، أرهق العام الماضي مجتمع الميم؛ فبعد تفاقم الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد منذ نهاية عام 2019، جاء وباء كوفيد-19 ليقيّد حركتهم ويعطّل حياتهم، وازداد وضعهم المعيشي سوءا بعد انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر جزءا من المدينة فتضررت أعمال كثيرين.
لكن تأثير هذه الأزمات على مجتمع الميم كانت “أكبر”، كما يقول نزار عوّاد، مستشار منظمة أوكسفام للجندر وأحد المشاركين بإعداد التقرير، بسبب “التمييز الممنهج” ضد هذا المجتمع.
“ارجع من محل ما جيت”
كان روبن (24 عاما) قد ترك منزل عائلته في طرابلس طيلة ثلاث سنوات عاش خلالها في بيروت.
ومع انتشار الوباء خلال ربيع العام الماضي كانت النوادي الليلية – التي كان يعمل في أحدها – من أكثر الأعمال تضررا في بيروت، فخسر مصدر رزقه، وصار بالكاد قادرا على دفع ثمن الطعام وأجرة السكن بفضل دعم مجموعة أصدقاء حوله. “فعلا ما بذكر كيف نجيت رغم كل هالفترة الصعبة.. كانت متعبة وصعبة كتير نفسيا”، كما يقول لبي بي سي.
لكن بعد أن خسر أصدقاؤُه – وشركاؤُه في أجرة الشقة – أعمالهم في منطقة الجميزة بسبب الضرر الذي لحق بكثير من المباني جراء انفجار المرفأ، ولهول صدمة ما مروا به لم يعرف وقتها ماذا يفعل واضطر للعودة إلى بيت عائلته – في الشمال.
“جاء أهلي وأخذوني من بيروت. طول السنين الماضية أهلي ما كان بدهم يعرفوا شي عني. قالوا لي إن نمط حياتي لا يناسبهم. صحيح أنهم تأثروا لما حدث معي لفترة لكنهم عادوا وقالوا لي: ارجع من محل ما جيت، نمط حياتك بيبروت لا يناسبنا هنا. بس أنا أهلي – على القليل – قادرين يشوفوني، لكن في كتير ناس تدمرت بيوتها وما كانوا قادرين حتى يرجعوا عبيت أهلهم بعد الانفجار ولو لعدة أيام”، يقول روبن.
“بعد أن تركت طرابلس قبل سنوات انقطعت عن عائلتي وحاولت بناء عائلة في بيروت لكن كلشي تبخّر بعد الانفجار. وبعد أن رجعت إلى بيروت بعد الانفجار، شاركت فورا في المبادرة لمساعدة الناس المتضررة من الانفجار، بحكم أني كنت متطوعا مع الصليب الأحمر من قبل منذ عمر الـ16، وكنت أنا نفسي بحاجة للمساعدة”.
ورغم كل ما مرّ به، يعتبر روبن نفسه من المحظوظين لعدم تضرره جسديا مثل غيره، ولكونه كان محاطا بمجموعة أصدقاء من دائرته يعرف أنه قادر على الاعتماد عليهم متى احتاج.
شملت الدراسة التي قامت بها منظمة أوكسفام 101 شخصا من مجتمع الميم (معظمهم في بيروت، وضمّت العيّنة عددا من اللاجئين) وكان أحد الأسئلة التي طرحت عليهم: “هل لديك حاليا أي مصدر دخل؟”.
يقول نزار عوّاد، من أوكسفام، إن الإجابة على ذاك السؤال كانت أن 66 بالمئة من عينة البحث أجابوا بأنهم لم يمارسوا أي نشاط اقتصادي، من بينهم 70 بالمئة قالوا إنهم خسروا عملهم عام 2020، مقارنة مع نسبة بطالة وصلت إلى 40 بالمئة بين القوى العاملة في البلد.
كما جاء في التقرير أن نحو نصف العينة قالت إن الاعتماد على دعم العائلات والمساعدات الإنسانية كان الوسيلة الوحيدة لتأمين الاحتياجات الأساسية.
قد يكون هناك انطباع عن لبنان بأن فيه مساحة آمنة لمجتمع الميم يقل فيها مستوى الرهاب من المثلّية، مقارنة ببلدان عربية أخرى.
لكن هذه الفكرة ليست دقيقة تماما، إذ يشرح لي نزار أن بيروت وجبل لبنان أكثر انفتاحا من باقي الأماكن في لبنان فيما يتعلق بالترحيب بأفراد مجتمع الميم؛ ولكنّه يوضّح أنه ليست كل أحياء بيروت – مثلا- آمنة بالنسبة لهم، وحتى في الحي الواحد هناك اختلاف في تعامل الناس.
كما أني سمعتُ أثناء إعداد هذا المقال قصصا عن رفض عدد من الأهالي لقاء أبنائهم الذين يعلنون مثليتهم الجنسيّة.
ولسوء حظهم، كانت أماكن الأشرفية ومار مخايل والجميزة في بيروت – التي تعتبر أماكن آمنة نوعا ما لمجتمع الميم، وتؤمن فرص عمل لهم في المجال الخدمَي (تقديم الطعام والمشروبات) – الأكثر تضررا بالانفجار.
يقول نزار عوّاد إن التحديات التي يواجهها مجتمع الميم ( أو مجتمع الميم-عين إشارة أيضا إلى العابرين والعابرات جنسيا ) ليست جديدة، ولم تبدأ عام 2019 مع الأزمة الاقتصادية، ولكن خلال العام الماضي “زادت معدلات الاضطرابات النفسية لديهم، وزادت صعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية النفسية وللخدمات الرئيسية كالدواء والطعام، كما أنهم فقدوا قدرة وجودهم في الأماكن العامة وفقدوا المسكن”.
ويركّز نزار على أن العابرين جنسيا هم الأكثر تضررا، خاصة عندما تكون الوثائق الرسمية مخالفة للهوية التي يفضلونها، مما يؤدي إلى استبعادهم في سوق العمل، كما أنهم قد يتعرضون للتنمّر من الكادر الطبي عند محاولتهم الحصول على الخدمات الطبية، إضافة إلى خوفهم من عبور حواجز الجيش والتنقّل عموما، كما يقول.
“الحكومة لم تكن كفُؤاً”
لبنانيّ آخر هو أندريه، وهو صديق روبن وساندرا، كان قد تضرر نفسيا وجسديا بسبب الانفجار؛ فبيته كان قريبا من المرفأ. نقل يومها إلى المشفى حيث أجريت له عملية تركت أثرها على جسمه: 140 قطبة.
يقول إنه اضطر للبقاء نحو شهرين في الفراش ووقف أصدقاؤه بجانبه طوال تلك المدة.
كان أندريه قد درس فن المكياج والأزياء ومنذ تخرجه كان يجد فرص عمل بصعوبة “لأن البلد صغير وهناك أسماء بارزة في هذا المجال” مما يجعل المنافسة أصعب، لكن الوضع بالنسبة له ازداد سواء عام 2020.
“بعد أشهر من العلاج والدعم أعمل الآن بلا توقف منذ نحو شهرين في مواقع تصوير مسلسلات ودعايات.. والحمدلله عم أقدر عيش. العام الماضي كان الوضع سيء. كل شخص أعرفه يعمل في هذا المجال كان مفلسا في تلك الفترة. وكان وضع العمل في النوادي الليلية أسوأ. فقط مع الشهر الثاني من هذا العام عدنا إلى الشغل”.
بعد الانفجار أطلقت ساندرا مباردة (Queer Relief Fund) بالتعاون مع عدة جمعيات غير حكومية، وتمكنت من مساعدة نحو 290 شخصا، في حين تمكن تحالف الجمعيات من دعم نحو ألف شخص كانوا بحاجة للحصول على الطعام والثياب ودفع الآجار وإجراء عمليات طبيّة.
وهذه الجمعيات هي: هايفن فور أرتستس، (LebMASH)، سكون، مرسى، جمعية العناية الصحيّة (Sidc)، والمؤسسة العربية للحريات والمساواة (Afe).
وليس هناك عدد دقيق للمنتميين لمجتمع الميم في لبنان.
تتفق ساندرا مع نزار عوّاد من أوكسفام، أن الوضع السيء الذي شهدوه العام الماضي لم يكن سببه الوباء أو الانفجار فقط “بل هو استمرار للظروف السابقة” التي كان يعيش خلالها مجتمع الميم.
كانت ساندرا من بين المشاركين والمشاركات في الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة التي انطلقت في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، وتقول “أثناء الثورة عرفنا أن الحكومة لم تكن لديها الكفاءة بالفعل، واستمر الوضع ذاته أثناء تعاملها مع الوباء (..) إلى جانب ذلك كانت الأزمة الاقتصادية مستمرة وكانت ذروة كل شيء يوم انفجار المرفأ”.
“بعد يومين من الانفجار نزلنا للتنظيف، أنا خسرت بيتي.. انهد بالتفجير. ما كان حدا مركّز على احتياجات مجتمع الكوير.. والناس بشكل عام بتتردد تطلب مساعدات نفسية فمابالك مادية”، تقول ساندرا.
“جمعنا تبرعات وحاولنا إعلام الناس بهذا عن طريق السوشال ميديا فصار المتضررون من مجتمع الميم يتواصلون معنا. وبالوقت نفسه تواصل معنا أطباء وممرضون وناس تعرف كيف تطبخ كلهم يعرضون المساعدة.. وأنا فتحت بيتي المكسّر وحولناه إلى مركز”.
“إذا فكرتِ بالمستقبل رح تجنّي“
خلصت توصيات دراسة أوكسفام، بناء على البيانات والشهادات التي جمعَتها، إلى ضرورة أن تغيّر الدولة سياساتها بحيث تضمن مصلحة المنتميين لمجتمع الميم وتوقف تجريم المثلية الجنسية، أما دوليا فتطالب الدراسة بإعطاء أولوية لدعم برامج تقدم خدمات لهذا المجتمع وتأمين التمويل اللازم لإجراء بحوث للوصول إلى نتائج مبنيّة على أدلّة.
وحتى يحدث ذلك يبدو أن أندريه وروبن لا يملكان إلا أن يعيشا كل يوم بيومه – فالحياة في لبنان، كما يقولان، لا تسمح لهما بالتفكير في المستقبل.
يقول أندريه “ليس خيارا بالنسبة لنا التخطيط للمستقبل. إذا فكرتِ بالمستقبل رح تجنّي. حتى المعالج النفسي ينصحني بألا أفكر بالمستقبل وأن أشكر ربّي على ما أستطيع تأمينه وأن أعيش كل يوم بيومه. طبعا أحاول أن أضع بعض الخطط وأن أكون متفائلا قدر الإمكان”.
أما روبن فيقول “ماحدا قادر يعيش مع أزمة الدولار وكوفيد. لم نعد قادرين على تحمل ثمن أي شيء. بفكر سافر. ما في أدفن حالي هون.. بس الحمدلله كلما ساء الوضع بعرف أنو عندي ناس ألجألون”.
[ad_2]
Source link