أزمة تيغراي: هل الجدال حول “الإبادة الجماعية” في الإقليم لحرف الانتباه؟
[ad_1]
- أليكس دي وال
- محلل الشؤون الأفريقية
أثار بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الجدل مؤخراً عندما قال إن عملية إبادة جماعية تُرتكب في إقليم تيغراي الواقع في شمالي إثيوبيا.
وأوضح صاحب القداسة أبونا ماتياس، وهو نفسه من أبناء تيغراي، أنه منذ اندلاع النزاع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير شعب تيغراي “كان فمه مغلقاً وغير قادر على التحدث بسبب الخوف”.
ولاقت التصريحات العاطفية لماتياس صدى لدى العديد من سكان تيغراي الذين أصيبوا بصدمة شديدة بسبب العنف في منطقتهم. وقد نزح أكثر من مليوني شخص بسبب الصراع.
وقد اتحد التيغراي في الشتات للقيام بحملة ضد ما يصرون على أنها إبادة جماعية من خلال الاحتجاجات في العواصم في جميع أنحاء العالم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وترفض الحكومة الإثيوبية التقارير عن الفظائع الجماعية باعتبارها مبالغات ذات دوافع سياسية. و نأى السينودس الأرثوذكسي (مجلس الأساقفة) بنفسه عن بيان البطريرك، وذلك في تعارض مع التسلسل الهرمي التقليدي للكنيسة الإثيوبية.
وتعد الإبادة الجماعية، في اللغة الشعبية، جريمة الجرائم وهي أسوأ الجرائم الموجودة في الكتب، وهي تثير غضبا خاصاً. ويدعو النشطاء ضد الإبادة الجماعية إلى ردود دولية استثنائية، بما في ذلك التدخل العسكري، لوقفها.
واخترع ذلك المصطلح رافائيل ليمكين، وهو محام بولندي من أصول يهودية، لوصف الجرائم الفظيعة الفريدة من نوعها التي ارتكبها النازيون ضد شعوب بأكملها.
وقد حاز المصطلح على مكانة خاصة في كتب القانون الدولي عندما قامت الأمم المتحدة بإضفاء الطابع الرسمي على اتفاقية الإبادة الجماعية في عام 1948.
خطاب كراهية
وفي محاكمات مسؤولين نازيين رفيعي المستوى في نورمبرغ، وجه المدعون اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تُعرّف بأنها انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية ترتكب من قبل دولة أو كيان يشبه الدولة.
وتعد الإبادة الجماعية نوعاً مختلفاً من الجرائم تحددها نية الجاني في: “التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها تلك”.
وحتى الآن، تقول منظمات حقوق الإنسان إن جرائم ضد الإنسانية ربما تكون قد ارتكبت في تيغراي. وقد يتغير ذلك التوصيف فيما بعد.
وأعربت بعض وسائل الإعلام الإثيوبية عن العداء العرقي تجاه التيغراي مع استخدام لغة مهينة بشكل عشوائي لتشويه سمعة جميع أبناء التيغراي بالأفعال السيئة المزعومة لجبهة تحرير شعب تيغراي، التي كانت في السلطة على المستوى الفيدرالي لأكثر من 25 عاما والتي دخلت في خلاف مرير مع رئيس الوزراء أبي أحمد بعد أن تولى منصبه في عام 2018 ، مما أدى إلى انتقال الصراع إلى معقلها في تيغراي.
وتُستخدم الكلمات لاإنسانية مثل “ضباع النهار” و”الآخرين غير المألوفين” لإثارة الكراهية.
وهناك تقارير عن عمليات تطهير انتقائية ضد أبناء التيغراي في المؤسسات الحكومية وفرض قيود على سفرهم وأعمالهم وإقامتهم.
وتلك الانتهاكات ليست في حد ذاتها شنيعة مثل القتل أو الاغتصاب أو التجويع لكنها ستكون مهمة لبناء قضية للإبادة الجماعية.
كما وردت تقارير عديدة عن عمليات قتل جماعي في تيغراي من قبل جميع الأطراف.
وسيكون التحديد النهائي لما يحدث هناك بأنه إبادة جماعية عبر حكم بالإدانة في محاكمة مرتكب الجريمة رفيع المستوى، ويفضل أن يكون ذلك في المحكمة الجنائية الدولية (آي سي سي).
لكن لكي تنظر المحكمة الجنائية الدولية في قضية ما يتطلب الأمر قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو أمر مستبعد جدا نظرا للشكوك الأفريقية تجاه المحكمة، واعتراضات الصين وروسيا.
زعيم إثيوبي سابق أدين بارتكاب إبادة جماعية
والاحتمال الآخر هو محاكمة إثيوبي يحمل جنسية دولة أخرى، ربما بسبب تصريحات في وسائل الإعلام يمكن اعتبارها تحريضا أو قد تكون هناك مذكرة توقيف صادرة عن قاضٍ من دولة ذات اختصاص قضائي عالمي مثل فرنسا أو بلجيكا.
وقد سبق أن قامت إثيوبيا نفسها بعقد محاكمة بسبب الإبادة الجماعية. ويحظر قانون العقوبات الخاص بها لعام 1957 الإبادة الجماعية مع اختلاف مهم أنه يشمل “الجماعات السياسية” من بين المجموعات المحمية.
وهنا يبرز فضول قانوني لأن إثيوبيا استخدمت واحدة من مسودات ليمكين الأولى لاتفاقية الأمم المتحدة قبل أن يصر الاتحاد السوفيتي على عدم إدراج استهداف الجماعات السياسية.
وكان ليمكين نفسه مهتما بشكل خاص بالحرمان من الطعام كأداة للإبادة الجماعية.
وفي كتابه “قاعدة المحور” Axis Rule، كرس مساحة واهتماما أكبر للسياسات النازية المتمثلة في تحديد الحصص الغذائية بمستويات المجاعة أكثر من غرف الغاز وفرق الموت.
وبات مصطلح “جرائم الجوع” الذي صاغته بريجيت كونلي، مديرة الأبحاث في مركز السلام العالمي، شائع الاستخدام لأنواع مختلفة من الأساليب التي يستخدم بها الجوع كسلاح في الحرب والقمع والعقاب.
وحذرت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا هذا الأسبوع من مجاعة وشيكة واسعة النطاق في تيغراي. ويعد ذلك الوضع الرهيب نتيجة “جرائم المجاعة” بما في ذلك النهب والتهجير القسري وتدمير الغذاء والمياه والمرافق الصحية، وانتشار الاغتصاب الذي يمنع الناجين من رعاية أنفسهم وأطفالهم، وعرقلة المساعدات الإنسانية.
وعندما أنشأت إثيوبيا مكتب المدعي الخاص لمحاكمة المسؤولين في النظام العسكري المخلوع لمانغستو هايلا ماريم، قبل 30 عاما، تقرر استخدام تهم الإبادة الجماعية في عمليات القتل السياسي.
وكان التركيز الرئيسي على “الإرهاب الأحمر” عامي 1977- 1978 عندما قتل النظام عشرات الآلاف من الشباب بسبب ميولهم السياسية الحقيقية أو لمجرد الشبهة.
وقد أدين مانغيستو غيابيا بتهمة الإبادة الجماعية على هذا الأساس في عام 2007 بعد 40 عاما من ارتكاب أبشع جرائمه.
ولا يريد النشطاء الانتظار حتى يصدر القضاة حكمهم. فبحكم التعريف، عندما يظهر أخيراً دليل الإبادة الجماعية سيكون منع حدوثها متأخرا.
وابتكر النشطاء والدبلوماسيون، للتغلب على المشكلة، كلمات جديدة لوصف أنماط الفظائع العرقية.
فمع تفكك يوغوسلافيا في أوائل التسعينيات تمت صياغة مصطلح “التطهير العرقي”.
ولم يكن ذلك المصطلح مقننا، ولا تختلف أعمال مثل القتل المستهدف والاغتصاب والتهجير القسري التي تشكل التطهير العرقي عن الأعمال التي يمكن أن تشكل إبادة جماعية.
وأشار تقرير داخلي لوزارة الخارجية الأمريكية إلى “التطهير العرقي” في غرب تيغراي في وقت سابق من هذا العام.
وبعد 10 سنوات من الحرب اليوغوسلافية، قدم ديفيد شيفر، المبعوث الأمريكي الخاص السابق لجرائم الحرب، مصطلح “الفظائع” في محاولة لتقليص دائرة ما اعتبره نقاشات قانونية غير مثمرة حول ما يعتبر إبادة جماعية.
وقال شيفر: “إن الحكومات والمنظمات الدولية لا ينبغي أن تكون مقيدة بوجود أساس قانوني مسبقاً يفيد بأن جريمة الإبادة الجماعية قد حدثت بالفعل أو أنها تحدث بالفعل”.
وهناك أيضا منطقة رمادية من العنف المحلي والموجه عرقيا، وهذا النوع من الصراع منتشر في جميع أنحاء إثيوبيا، ويشارك فيه العديد من الجماعات المختلفة.
كما أن هناك حدودا متنازع عليها بين المناطق المحددة عرقيا والنزاعات حول وضع الأقليات داخل المناطق التي تهيمن عليها مجموعة أخرى.
وتصاعد العنف من هذا النوع مؤخرا مع تبادل الاتهامات بارتكاب فظائع من عرقيات الأورومو والأمهرة والصوماليين والغوموز.
وعادة ما يصور المتحدثون باسم هذه الجماعات أنفسهم على أنهم ضحايا للإبادة الجماعية.
وتدق كلمة “إبادة جماعية” ناقوس الخطر، ولكنها لا توضح مسار عمل واضح.
ويتضح خطر التركيز على مصطلح “الإبادة الجماعية” من خلال الحملة الدولية ضد الفظائع في دارفور في عام 2004.
فقد ركز النشطاء على وصف الفظائع بأنها إبادة جماعية حيث افترضوا أنه بمجرد أن تصنفها حكوماتهم على هذا النحو، سيُطلب منها إرسال قوات.
وكُتب على لافتة أحد المتظاهرين في مسيرة بواشنطن: “أخرجوا من العراق إلى دارفور”.
وفي الحقيقة لا يوجد مثل هذا الالتزام. وقد توصل تحقيق رعته وزارة الخارجية الأمريكية بالفعل إلى أن الجيش السوداني وميليشيا الجنجويد المرتبطة به ارتكبوا أعمال إبادة جماعية.
وقبل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول التقرير، لكنه قال إن ذلك لن يغير سياسة الولايات المتحدة التي أعطت الأولوية للمساعدات الإنسانية، ومهمة حفظ السلام، واتفاقية السلام.
آثار مناقشات الإبادة الجماعية
في دارفور، كان الجدل حول ما إذا كانت تلك الفظائع إبادة جماعية أم لا حرفاً للانتباه عن التعامل مع ما كان يمكن فعله في الواقع لوقف الفظائع.
وكان تصنيف الولايات المتحدة لـ “الإبادة الجماعية” رمزيا بحتا، وعندما أحجمت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن دارفور عن وصفها بأنها إبادة جماعية، أعلنت وزارة الخارجية السودانية انتصارها، متجاهلة الصياغة الدقيقة للتحقيق التي مفادها أن “الجرائم ليست أقل خطورة وشناعة عن الإبادة الجماعية “.
وأصدر المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في وقت لاحق مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق عمر البشير، وتضمنت المذكرة اتهامات بالإبادة الجماعية. وسجنت السلطات السودانية البشير منذ عامين بعد الإطاحة به، لكن لم يتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وبدأت محاكمة زعيم الميليشيا علي عبد الرحمن “كوشيب” في 24 مايو / أيار الجاري في المحكمة الجنائية الدولية في 31 تهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ولكن ليس الإبادة الجماعية، التي يعتقد المحامون أنه من الصعب إثباتها.
وإذا واجه البشير المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية فسيتعين على المدعين العامين أيضا التفكير فيما إذا كان سيتم المضي قدما في تهم الإبادة الجماعية.
ويعد عدد من كبار المسؤولين اليوم في العاصمة الأمريكية واشنطن من أولئك الذين خاضوا تلك المناقشات المؤلمة من يوغوسلافيا إلى دارفور.
فقد تمت مقارنة ما يجري في تيغراي بما جرى في دارفور في جلسة الاستماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس.
وفي تلك الجلسة، قال مسؤول بوزارة الخارجية إنهم يدرسون فرض عقوبات مالية على مسؤولين إثيوبيين يُزعم أنهم مسؤولون عن الفشل في وقف الفظائع في تيغراي.
وقالت وزارة الخارجية أيضا إن فريقا قانونيا يحقق فيما إذا كانت تلك الفظائع ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية.
لكن هناك القليل من الرغبة في تصنيف الأمر في خانة الإبادة الجماعية خوفا من تأجيج المشاعر مما يعرقل التوصل إلى الحلول ولا يسهلها.
أليكس دي وال هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة
[ad_2]
Source link