تربية الأبناء: ما أسباب التفكك الأسري والقطيعة بين أفراد العائلة؟
[ad_1]
- مادي سافيدج
- بي بي سي
يوضح سكوت، وهو أب لطفلين يعيش في شمال أوروبا، ما حدث قائلا: “كان هناك الكثير من المشاعر الأبوية مثل: لا يمكنك أن تقولي ذلك أمام طفلي، فهذه ليست الطريقة التي سنربي بها أطفالنا”.
ويشير سكوت إلى أن القشة التي قصمت ظهر البعير جاءت عندما حاول والده الدفاع عن وجهة نظر والدته في رسالة بالبريد الإلكتروني تضمنت رابطًا لمقطع فيديو عن العنصريين البيض. لقد شعر سكوت بالحيرة لأن والديه لم يتمكنا من فهم حقيقة وقوع الأشخاص ضحايا بسبب خلفيتهم، لا سيما بالنظر إلى تاريخ عائلته.
يقول سكوت: “قلت لهما: هذا جنون، فأنتما يهوديان، وقد قُتل العديد من أفراد عائلتنا في معسكر أوشفيتس”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها سكوت صدامًا في القيم مع والديه، لكنها كانت آخر مرة يقرر فيها أن يراهما أو يتحدث معهما.
وعلى الرغم من نقص البيانات المتعلقة بهذا الأمر، هناك تصور متزايد بين المعالجين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع بأن هذا النوع من “التفكك” المتعمد بين الآباء والأبناء آخذ في الازدياد في الدول الغربية.
وتختلف تعريفات الخبراء لما يُعرف رسميا باسم “القطيعة الأسرية” اختلافًا طفيفًا، لكن المصطلح يُستخدم على نطاق واسع للحالات التي يقطع فيها شخص ما الاتصال مع واحد أو أكثر من أقاربه، وهو وضع يستمر على المدى الطويل، حتى لو حاول هؤلاء الذين سعوا إلى القطيعة إعادة الاتصال مرة أخرى.
يوضح كارل أندرو بيلمر، أستاذ التنمية البشرية في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة، ذلك الأمر قائلا: “إعلان القطعية مع أحد أفراد الأسرة يعد ظاهرة قوية وبارزة. الأمر يختلف عن الخلافات الأسرية، وعن المواقف التي تشهد صراعًا شديدًا، وعن العلاقات الضعيفة عاطفياً ولكنها لا تزال تتضمن الاتصال”.
وبعد أن أدرك بيلمر أن هناك القليل من الدراسات الرئيسية حول القطعية الأسرية، أجرى مسحًا وطنيًا من أجل كتابه الذي صدر في عام 2020 بعنوان “خطوط الصدع: العائلات الممزقة وكيفية إصلاحها”. وأظهر الاستطلاع أن أكثر من واحد من بين كل أربعة أمريكيين أشاروا إلى أنهم قطعوا علاقاتهم بأحد الأقارب.
وتشير أبحاث مماثلة لمؤسسة “ستاند ألون” الخيرية البريطانية إلى أن هذه الظاهرة تؤثر على واحدة من كل خمس عائلات في المملكة المتحدة، بينما يقول باحثون أكاديميون ومعالجون في أستراليا وكندا أيضًا إنهم يشهدون “وباءًا صامتًا” لتفكك الأسرة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كان هناك ازدهار في مجموعات الدعم عبر الإنترنت للأطفال البالغين الذين اختاروا أن ينفصلوا عن عائلاتهم، بما في ذلك مجموعة يشارك فيها سكوت، والتي تضم الآلاف من الأعضاء.
يقول سكوت: “أعدادنا في المجموعة ترتفع بشكل مطرد. أعتقد أن هذا الأمر أصبح أكثر شيوعًا”.
يبدو أن القطيعة المتزايدة بين الآباء وأبنائهم البالغين – أو على الأقل التي يجري مناقشتها بشكل متزايد – تعود إلى مجموعة معقدة من العوامل الثقافية والنفسية. ويثير هذا الاتجاه الكثير من الأسئلة حول تأثيره على كل من الفرد والمجتمع ككل.
وعلى الرغم من محدودية البحث في هذا الأمر، فإن معظم حالات الانفصال بين الآباء والأبناء البالغين تبدأ في الغالب من قبل الأبناء، كما يقول جوشوا كولمان، عالم نفس ومؤلف كتاب “قواعد الانفصال: لماذا يقطع الأبناء البالغون العلاقات وكيفية معالجة الصراع”.
ويتمثل أحد الأسباب الأكثر شيوعًا لذلك في الإساءة السابقة أو الحالية من قبل الآباء، سواء كانت عاطفية أو لفظية أو جسدية أو جنسية.
ويعد الطلاق أحد الأسباب المؤثرة أيضا، إذ يؤدي إلى مجموعة من العواقب التي تتراوح من “انحياز” الطفل البالغ لأحد الطرفين، إلى انضمام أشخاص جدد إلى الأسرة مثل الأشقاء من زوجة الأب أو زوج الأم، أو زواج الأم من شخص آخر، أو زواج الأب من امرأة أخرى، وهو الأمر الذي يمكن أن يغذي الانقسامات حول “الموارد المالية والعاطفية”.
كما يُعتقد بشكل متزايد أن الاختلافات في القيم – كما حدث في حالة سكوت ووالديه – تلعب دورًا. وأظهرت دراسة نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من قبل كولمان وجامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة، أن الانفصال الناجم عن الاختلافات في القيم قد ذُكر من قبل أكثر من واحدة من كل ثلاث أمهات لأطفال منفصلين عن الأسرة.
وسلط البحث الأخير الذي أجراه بيلمر الضوء أيضًا على الاختلافات في القيم باعتبارها “عاملًا رئيسيًا” في القطيعة، إذ تنتج نزاعات عن “قضايا مثل تفضيل نفس الجنس، أو اختلافات دينية أو تبني أنماط حياة بديلة”.
ويعتقد كل من كولمان وبيلمر أن الاستقطاب السياسي والثقافي المتزايد في السنوات الأخيرة قد ساهم في تنامي هذا المشكلة. ففي الولايات المتحدة، أشار استطلاع للرأي أجرته شركة “إبسوس” إلى ارتفاع في الخلافات الأسرية بعد انتخابات عام 2016، بينما أشارت أبحاث أجراها أكاديميون في جامعة ستانفورد في عام 2012 إلى أن نسبة أكبر من الآباء قد يكونون غير سعداء إذا تزوج أبناؤهم من أشخاص يدعمون حزبًا سياسيًا منافسًا، وهو الأمر الذي كان أقل من ذلك بكثير قبل عشر سنوات.
ووجدت دراسة حديثة في المملكة المتحدة أن واحدًا من كل عشرة أشخاص قد قطع علاقته بأحد أقاربه بسبب النقاش الحاد الذي كان دائرا حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يقول كولمان: “تسلط هذه الدراسات الضوء على الطريقة التي أصبحت بها الهوية تحدد بشكل كبير من نختار البقاء على مقربة منه أو التخلي عنه”.
يقول سكوت إنه لم يناقش أبدًا تفضيلاته في التصويت مع والديه. لكن قراره بقطع علاقته بهما كان متأثرًا جزئيًا بوعيه المتزايد هو وزوجته بالقضايا الاجتماعية، بما في ذلك حركة “حياة السود مهمة” وحملة “أنا أيضا”.
ويشير سكوت إلى أن الأطفال البالغين الآخرين في مجموعة الدعم المنضم إليها عبر الإنترنت قد قاطعوا أفرادا من عائلاتهم بسبب خلافات قائمة على القيم المرتبطة بالوباء، بدءا من رفض الآباء الأكبر سنًا تناول اللقاح، وصولا إلى خلافات بشأن نظريات المؤامرة حول مصدر الفيروس نفسه.
ويعتقد خبراء أن وعينا المتزايد بالصحة النفسية، وكيف يمكن أن تؤثر العلاقات الأسرية السامة أو المسيئة على رفاهيتنا، له دور أيضا في تزايد القطيعة.
يقول كولمان: “على الرغم من أنه لا يوجد شيء جديد بشكل خاص بشأن الصراع العائلي أو الرغبة في الشعور بالعزلة، فإن تصور انفصال أحد أفراد الأسرة كتعبير عن النمو الشخصي، كما هو شائع اليوم، يعد أمرًا جديدًا بشكل شبه مؤكد. لقد أصبح تحديد الأشخاص الذين يجب الحفاظ على العلاقة بهم أو الابتعاد عنهم استراتيجية مهمة”.
تقول سام، وهي في العشرينيات من عمرها وتعيش في المملكة المتحدة، إنها نشأت في منزل متقلب، إذ كان كلا الوالدين يتناولان الكحوليات بكثرة. توقفت سام إلى حد كبير عن التحدث إلى والديها بعد أن تركت المنزل للالتحاق بالجامعة، وتقول إنها قطعت علاقتها بهما نهائياً بعد أن شاهدت والدها يسيء لفظياً لابن عمها البالغ من العمر ست سنوات في إحدى الجنازات.
تلقت سام علاجا نفسيا للتغلب على تداعيات ذلك، وتقول: “لقد فهمت أنني عانيت من الإساءة والإهمال في طفولتي. مجرد أنني لم أتعرض للضرب لا يعني على الإطلاق أنني لم أتضرر”.
وتتفق سام مع كولمان على أنه “أصبح مقبولًا اجتماعيًا بشكل أكبر” أن تقطع علاقاتك بأفراد العائلة، وتقول: “يجري الحديث عن الصحة النفسية بشكل أكبر الآن، لذلك من السهل القول إن هؤلاء الأشخاص سيئون لصحتي النفسية. وأعتقد أيضًا أن الناس أصبحوا أكثر ثقة فيما يتعلق برسم حدودهم الخاصة وقول لا للآخرين”.
ويشير كولمان إلى أن تركيزنا المتزايد على الرفاهية الشخصية يأتي بالتوازي مع اتجاهات أخرى أوسع، مثل التحول نحو “الثقافة الفردية”، إذ أصبح الكثيرون منا أقل اعتمادًا على الأقارب، بالمقارنة بالأجيال السابقة.
ويشرح ذلك قائلاً: “عدم احتياجنا إلى أحد أفراد الأسرة للحصول على الدعم أو التخطيط لوراثة مزرعة العائلة يعني أن من نختار قضاء الوقت معهم يعتمد بشكل أكبر على هوياتنا وتطلعاتنا للنمو أكثر من البقاء أو الضرورة. واليوم، لا شيء يربط الطفل البالغ بأحد الوالدين بخلاف رغبة ذلك الطفل البالغ في إقامة هذه العلاقة”.
وعلاوة على ذلك، فإن زيادة فرص العيش والعمل في مدن مختلفة أو حتى بلدان بعيدة من عائلاتنا، يمكن أن تساعد أيضًا في تسهيل الانفصال عن الوالدين، ببساطة بسبب بُعد المسافة.
وتتفق فايزة، وهي بريطانية من أصل جنوب آسيوي وتتجنب العيش في نفس المنطقة التي تعيش فيها عائلتها منذ عام 2014، مع هذا الرأي وتقول: “لقد أصبح التنقل أسهل بكثير مما كان عليه الحال قبل 20 عامًا”.
وتقول فايزة إنها قطعت علاقتها بوالديها بسبب سلوكيات “السيطرة عليها” مثل منعها من الذهاب إلى مقابلات العمل، والرغبة في التأثير على صداقاتها والضغط عليها للزواج بعد دراستها مباشرة. وتقول: “لم يحترموا حدودي. أريد فقط أن أتحكم في حياتي وأتخذ قراراتي بنفسي”.
[ad_2]