مسلسل لعبة الحبار: لماذا تموّل الرأسمالية الأعمال الفنية التي تنتقدها؟
[ad_1]
- جوي سليم
- بي بي سي عربي – بيروت
في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غرّد مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس، قائلا إنه متشوق لمشاهدة مسلسل لعبة الحبار ( Squid Game).
وقد أصبح المسلسل الكوري الجنوبي، الذي أنتجته شركة نتفليكس، العمل الأكثر مشاهدة على الإطلاق في تاريخ منصة البث الرقمي، بعدما أعلنت نتفليكس بعد حوالي شهر من انطلاق بثه أن عدد مشاهداته وصل إلى 111 مليون مشاهدة.
وبات معروفا أن المسلسل، المكون من تسع حلقات، يقدم استعارة ناقدة لمجتمعات الرأسمالية المتأخرة. وأن “اللعبة” التي يشارك فيها 456 لاعبا من الرازحين تحت عبء المديونية والفقر المدقع، تمثل إحالة على نمط حياة الأفراد في هذه المجتمعات، حيث يعد السعي إلى جني المال هدفا مطلقا مهما كان ثمن ذلك.
وقد أعادت هذه الرمزية إلى الواجهة نقاشا مهما عن صناعة الفن، لا سيما الترفيهي منه، المعادي للرأسمالية، والذي ازدهر في السنوات القليلة الماضية.
وحملت أفلام عدة في العقد الأخير استعارات ضد الرأسمالية، نذكر منها على سبيل المثال سنوبيرسر (2013) وأوكجا (2017) ونومادلاند (2020) وغيرها.
لكن بعد فوزه بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم عام 2019، مثّل فيلم “باراسايت” أو “الطفيلي” الكوري الجنوبي نقطة تحول في الأعمال الفنية التي تحمل نقدا صريحا للرأسمالية.
فبعدما كانت تلك الأعمال تقتصر ربما على أفلام السينما المستقلة أو على تجارب محدودة ومواربة، ها هي تتصدر المشهد من بوابة أكثر جائزة سينمائية مرموقة في العالم.
ويقول الناقد السينمائي المصري أمجد جمال في حديثٍ إلى بي بي سي عربي إن الأفلام الناقدة للرأسمالية “ليست ظاهرة جديدة بأي حال”.
إذ يذكر مشاهدته مؤخرا للفيلم الأمريكي ذي ديفيل أند مس جونز وهو من إنتاج عام 1941، ودهشته من وجود فيلم “ينقد سلبيات الرأسمالية بتلك النبرة اللاذعة، وفي هوليوود معقل الرأسمالية، ووقت ذروة نظام الاستوديو في إنتاج الأفلام”، في إشارة إلى بروز شركات أو استديوهات الإنتاج السينمائي الضخمة في النصف الأول من القرن الماضي.
لكنه يضيف أن “الملاحظ في الإنتاجات الحديثة هو توسع تلك النبرة الناقدة للرأسمالية وتبنيها لوسائل سرد مبتكرة ورمزية، مثل فيلم باراسايت والفيلم الإسباني ذي بلاتفورم (2019) والفيلم الأمريكي سوري تو باذر يو (2018) وكلها أفلام تستخدم استعارات مدهشة في رؤيتها للقضية”.
“استعادة”نقد الرأسمالية
لكن مسلسل لعبة الحبار يطرح كذلك سؤالا عن معنى الأعمال الفنية الناقدة للرأسمالية حين تكون من إنتاج شركة إنتاج عملاقة مثل نتفليكس.
فإلى جانب تغريدة بيزوس التي يمكن اعتبارها إشارة إلى هذا التناقض، برز التسليع الذي تعرض له المسلسل فور استحواذه على شعبية غير مسبوقة على نتفليكس. إذ رأينا انتشارا كبيرا للمنتجات والأزياء المستوحاة من المسلسل.
وقد تكلل هذا التسليع بتنظيم جهات عدة ألعابا شبيهة بتلك التي في المسلسل، مثل اليوتيوبر الشهير مستر بيست الذي يتابعه أكثر من 83 مليون مشترك على يوتيوب، بالتزامن مع إحراز الفيديو الذي يظهر عمالا يبنون موقع اللعبة ملايين المشاهدات على مواقع التواصل.
من هنا، ذهب البعض إلى حد القول إن الرأسمالية قادرة على أن تجعل من أي شيء سلعة رائجة، حتى لو كان هذا الشيء عملا ينتقدها. وأنها بذلك تنزع من الفكرة الناقدة راديكاليتها، لضمان عدم تأثيرها الجاد عليها.
ويستند هذا النقد إلى مفهوم “الاستعادة” الذي ابتدعه الفيلسوف الفرنسي غي دوبور في ستينيات القرن الماضي.
ويدلل مفهوم الاستعادة على عملية استيعاب الأفكار الراديكالية سياسيا واجتماعيا، وامتصاصها من قبل الثقافة السائدة ودمجها بغية نزع فتيلها وجعلها لا تمثل تهديدا حقيقيا للوضع القائم.
وتشبه عملية الاستعادة الثقافية هذه عملية أخرى تحدث في نمط الاستهلاك الحالي، يشرحها مرارا الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك.
هو يقول إن بعض الشركات الكبرى باتت تعمد منذ سنوات إلى اقتطاع نسبة من سعر منتجاتها بهدف دعم قضية أو جمعية ما. ويرى أن الشركة الكبرى تطوّع عبر هذه العملية التناقض الذي قد يهددها، فكأنها تقول للمستهلك إنه يدفع ثمن المنتج وثمن التكفير عن ذنب الاستهلاك المتمثل في الربح الذي يقدمه إلى رأس المال.
وهكذا يمتص رأس المال احتمال الثورة عليه عبر استيعاب النقيض وتقديم مُسكّن للفقراء، يضمن عدم حدوث تغيير فعلي، حسب رأيه.
وفي مقابلة حديثة له مع مجلة جاكوبين، يتحدث جيجك أيضا عن مسلسل لعبة الحبار، ويقول إنه يرى فيه “شيئا مزيفا”.
ففي حين هو في الظاهر معادٍ للرأسمالية، إلا أنه “يترك المشاهد مع شعور بالرضى عن واقعه لأن هذا الواقع يخلو من الوحشية والتطرف اللذين يشاهدهما على الشاشة”.
ويحذر الفيلسوف من أن “قطاعا كبيرا من الفن الترفيهي اليوم يروّج لمناهضة مزيفة للنظام وللرأسمالية”، ويعتبر أن “الفنان حتى حين يقر بأنه عبد في المنظومة الرأسمالية، هو لا يزال جزءا من عملية الإنتاج الرأسمالي”.
ويضيف جيجك حول المسلسل نفسه في مقابلة أخرى، أنه “إذا ما نظر المشاهد عن كثب إلى السردية التي يقدمها العمل، سيجد أن أكثر ما يزعج الأبطال، هو أن اللعبة غير عادلة. مشكلتهم ليست أنها لعبة مميتة، بل أنها تفتقر إلى العدالة”، مشيراً إلى أن “الكثير من الأعمال التي تقدم نفسها بكونها مناهضة الرأسمالية تعمل فعليا على هذا النحو”.
وهي بذلك لا تعترض على جوهر النظام الذي نعيش في ظلّه، ولكن على بعض شروطه التي يكفي أن تتحسّن حتى ترضى تلك الأعمال وصانعوها بشكل كامل عن هذا النظام.
وينسجم رأي جيجك مع وجهة النظر القائلة إن الأعمال الأخيرة الذي تذهب في هذا الاتجاه النقدي، على أهميتها، لا تفعل في الواقع شيئا سوى إضفاء الرومانسية على الصراع الطبقي وعلى مقاومة النظام العالمي، مع تقديم منفذ للمشاهد يتيح له تفريغ غضبه، الأمر الذي يبقيه بلا أي فعل حقيقي تجاه الوضع القائم.
ملهم للاحتجاج
لكن هذه النظرية سرعان ما تجد ما يعارضها، حين نلتفت إلى المتظاهرين حول العالم في الشهرين الأخيرين، الذين استخدموا ثيمة المسلسل الكوري للاحتجاج على قضايا محلية ودولية.
على سبيل المثال، شهدت كوريا الجنوبية في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي احتجاجات ارتدى فيها العمال المطالبون بشروط عمل أفضل، أزياء أبطال مسلسل لعبة الحبار، واستوحوا شعارات من قصة المسلسل.
كما شهدت غلاسكو التي احتضنت قمة التغير المناخي الأخيرة احتجاجات من وحي المسلسل أيضا، حيث دعا المحتجون قادة العالم إلى “التوقف عن ممارسة ألعاب المناخ” تماما كما لعبت “الشخصيات المهمة” في المسلسل بمصائر اللاعبين.
[ad_2]
Source link