الشجاعة بين الشابّي وأرسطو … بقلم الأستاذة فاطمة المسيلم
إيسايكو: الشجاعة بين الشابّي وأرسطو … بقلم الأستاذة فاطمة المسيلم
في المقولة الشهيرة: “الكثرة تغلب الشجاعة” نستطيع أن نرى أحد تعريفات الشجاعة، وهو ذلك النوع الذي يرتبط بالعدد، ولكنه بالتأكيد ليس التعريف الوحيد رغم صحته في كثير من المواقف في عالم التحدي وعالم الأقوياء.
يبقى مفهوم الشجاعة مفتوح على احتمالات عديدة، فهو برأيي ما يحدده الموقف الذي يتطلب شجاعة من نوع ما، عندما تسير الأمور بطريقة تتطلب أن يظهر ذلك الشخص الشجاع.
لقد عرّف أرسطو الشجاعة بأنها أهم الصفات الإنسانية لأنها الصفة التي تضمن باقي الصفات، وكأن أرسطو يحاول أن يقول بأن الشخص الذي يتحلى بالشجاعة يتحلى بخصال عديدة أخرى بشكل طبيعي؛ وربما كان يقصد بأن الشجاعة مدخل أساسي للعديد من الصفات التي لا يمكن التحلي بها بدون الشجاعة.
لكن هنا يأتي السؤال (هل الكثرة تغلب الشجاعة في الحق أم الظلم؟).
فالشجاعة التي تستمد معناها من الحق بعيداً عن الظلم تكون شجاعة محمودة لتحقيقها مبدأ العدل، لذلك دائما ما يقولون بأن “الحق يحتاج القوة”، أي الشجاعة الكافية لحماية الحق، وهي فلسفة أخلاقية تدعو إلى إقامة مجتمع العدل.
وخير مثال وقدوة هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما كان في بداية الدعوة مع عدد قليل من أصحابه المسلمين الأوائل؛ لم يتوقف عن الدعوة بحجة قلة العدد الذي يواجه كثرة وجبروت الكفار حينذاك، ولكن بالعقل والحكمة استطاع أن ينشر دين الإسلام بكل شجاعة ودون أن يثنيه عائق عن ذلك المراد. وأي شجاعة أبلغ من عبارته الشهيرة مخاطباً عمه أبا طالب: “يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته”.
إذا توفرت الشجاعة في نفر قليل يؤمنون بما يفعلون سيتفوقون على العدد والكثرة مصداقاً للآية الكريمة: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين” البقرة ٢٤٩
كتب أبو القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء قصيدة بعنوان إرادة الحياة التي زخرت بمعاني كثيرة ترفع الهمم وتحث على الشجاعة، وفيها البيت الشهير:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
هذه القصيدة تدعو إلى التحلي بالشجاعة مهما كانت الظروف، لأن الشجاعة تعني المبادرة وعدم الخوف من الغموض الذي يكتنف بعض تفاصيل حياتنا. إنه التمرد الحقيقي على الكسل والخمول ليقوم الإنسان بإعمار الأرض بالحق وبشجاعة حتى وإن كان وحده.
الأستاذة فاطمة عفار المسيلم
Inst:ftamy_rsh