غزة: “كانت تلك أسوأ ساعة إلا ربع في حياتي”
[ad_1]
غادرت بيسان وعريسها بيتهما الجديد في غزة على عَجَل بعد أن سمعا صراخاً في الشارع؛ كان الجيران يحذرون بعضهم بعد أن علموا أن منزلا مجاورا مهدد بالقصف.
كان الزوجان قد استعدا لمثل هذا الاحتمال وحضّرا حقيبة طوارئ فيها أشياءهما الضرورية فقط – وكانت بيسان تعتقد أن أسوأ ما قد يحصل هو أن تجد عند عودتها شباكا مكسورا أو باب غرفة مخلوعا.
غادرا البيت بعد ثلاث دقائق. وأقفلت بيسان باب الدار، ووضعت المفتاح معها، ولحقت بزوجها ووالديه المسنّين لإيجاد مكان يحتمون فيه مؤقتا. كانت الساعة الثالثة والربع ظهرا بالتوقيت المحلي.
في الرابعة وخمس دقائق قصف أحد مباني الحي، كما تقول بيسان حرب (30 عاما) لبي بي سي عربي. “وكانت تلك أسوأ ساعة إلا ربع في حياتي”.
بعد عملية القصف على بيت مجاور لمنزلهما قرب مسجد الخلفاء في معسكر جباليا في غزة، عاد الزوجان ليجدا منزلهما بلا باب ومغمورا بالركام.
حدث كل هذا لبيتهما ذي الجدران الخردلية والرمادية اللون في غضون دقائق يوم 18 مايو/أيار – وهو تاسع يوم من حرب غزة التي انتهت بإعلان وقف إطلاق النار فجر يوم 21 أيار/مايو.
تقول بيسان “عندما رأينا ما حدث للمنزل ابتسم لي زوجي وقال لي: المرة الجاية ما تعذبيني باختيار لون الحيطان”.
ومنذ بدء القتال يوم 10 مايو/أيار، تعرضت مئات المباني، بما في ذلك منازل ومستشفيات ومدارس، للضرر أو الدمار، وترافق ذلك مع نقص المياه النظيفة والكهرباء والوقود، وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
وقتل خلال الأيام الأحد عشر 243 فلسطينيا على الأقل، بينهم أكثر من 100 امرأة وطفل في غزة، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس هناك. وتقول الخدمة الطبية الإسرائيلية إن 12 شخصا، بينهم طفلان، قتلوا في إسرائيل.
وقالت إسرائيل إن عمليتها قد انتهت بتصفية 225 مسلحا على الأقل.
“أردنا بيتا مجنونا مثلنا”
بعد قصة حب جمعتهما، تزوجت بيسان زميلها في العمل قبل نحو خمسة أشهر وكانا قد أمضيا عاما كاملا قبل زواجهما يجهزان بيتهما الكائن في الطابق الأرضي من البناء الذي تعيش فيه عائلة الزواج الممتدة.
“بنيناه حجرا حجرا ..”، تقول بيسان التي تحدثتُ معها بعد ساعات من إعلان الهدنة.
تتوقف للحظات عن الكلام حتى تتمالك نفسها.
“أردناه بيتا مختلفا.. مجنون زينا (مثلنا). هو بيت من غرفتين مع جنينة زرعناها شتلة شتلة. كنا نطل على الشجر كل يوم ونراه يكبر أمام عيوننا. كانت شجرة الأفوكادو ستطرح أول ثمر. كله راح بعد ما وقع بيت الجيران على بيتنا”.
كنتُ قد عرفت بقصتها من منشور لها على فيسبوك كتبته يوم 18 مايو/أيار تنعى فيه منزلهما. قالت فيه: “أسمع الآن أصوات القصف القريبة والبعيدة. لا أخشى شيئا، كأن الخوف قد مات في قلبي اليوم لحظة أن رأيت بيتنا وقد بات على الأرض. لقد انتهتُ الحرب بالنسبة لي، وبدأت حرب جديدة مع كل شيء، أصغرها في استعادة فنجان القهوة الصباحي الذي كنت أحتسيه مع سامح أمام حديقة البيت التي كنا نطل عليها كل صباح وكأنها طفلنا الصغير الذي لم يأتِ بعد”.
تخبرني بيسان كيف خسرت ثروتها الصغيرة التي جمعتها طيلة عشر سنوات: تحفٌ وأعمال فنية وأخرى مطرّزة يدويا صنعتها بنفسها لتزّين زوايا بيتها، وتخبرني كيف أصبحت ذكرى المنزل الذي عاشت فيه عدة أشهر فقط ذكرى بعيدة.
“باللحظة الي دخلت فيها البيت وشفت كلشي تحت الردم تذكرت يوم إجيت عروس لابسة بدلة الفرح وقدامي لوحة معلقة مكتوب عليها “ Home sweet Home“”.
رغم أن بيسان كانت قد شهدت ثلاث حروب سابقة في غزة (2008 و2012 و2014) و تعيش الحصار الكامل المفروض على أهل غزة منذ عام 2007، إلا أنها تقول إنها عندما كانت تؤسس مع زوجها منزلهما لم يخطر ببالها أبدا احتمال دماره؛ فكل ما كانت تفكر فيه هو أن تعيش وأن تعمل وأن تبدأ حياة جديدة في غزة التي يفكر كثير من شبابها وشاباتها بهجرها.
“هالمرة خوفي زاد لأني حسيتها حرب شرسة (الحرب الرابعة) خبطت على روح كل واحد فينا؛ هالمرة كنت خايفة على بيتي ولأني حاسة إني ممكن صير أم، فصرت أقول لحالي كيف رح أقدر أربّي أولادي بجو رعب وأنا ما قدرت أحمي حالي وبيتي”.
ولأن منزلهما أصبح غير صالح للسكن، يقيم الزوجان حاليا في غرفة في بيت أهل الزوج في البناء ذاته.
“بس أعلنو وقف إطلاق النار ليلة الجمعة الساعة 2 (الفجر) وسمعت صوت تكبيرات الجوامع وتهليل الناس بالشوارع، حسيت إني منهزمة أمام كلشي بالحياة، لا أمتلك شيئا. مجردة من كل معاني الأمان والسكن، واستمريت بالبكاء كأني نهر”، تقول بيسان.
“انفجار الحياة”
أثناء حديثنا يوم إعلان الهدنة، اعتذرت بيسان لدقائق لتستقبل ضيوفا من أهل وجيران جاؤوا للمواساة لفقدان بيتهما، ولتقدم لهم القهوة.
يبدو أن أهل غزة استأنفوا حياتهم بسرعة رغم كل ذاك الفقد، لكن بيسان تقول إن “الخروج للشارع مأساة والعودة للحياة مأساة أكبر، في كل شارع هدم ودمار وجنازة. كل شيء بيذكرك إنو هالمدينة كانت على مشارف الموت، بس الغريب هو انفجار الحياة في كل أرجاء المدينة، المطاعم ممتلئة، والأسواق، والأطفال في أماكن الترفيه”.
بيسان أيضا – التي لم تصحُ بعد من صدمتها ولم تستطع بعد لا النوم بشكل طبيعي ولا الأكل جيدا – تقول إنها مستغربة من قوتها؛ ففي اليوم الثالث على الحادثة وجدت نفسها تحاول إخراج ما يصلح استخدامه من تحت الركام وتفكر كيف يمكن إعادة إعمار المكان.
كما أنها عاودت العمل مع زوجها يوم الأحد؛ المشكلة أن عملها مع منظمة مساعدات إنسانية دولية لا يشغلها عما حدث بل على العكس، كل قصة تذكرها ببيتها.
“العودة للعمل شيء مرهق خاصة إني مضطرة أقابل المتضررين والنازحين وأشوف ذاتي وقصتي في كل عيلة أمامي. الجميع بيحاول يروي قصص لأن رواية القصص بتخلينا أقوى بتعيد لوجودنا اعتباره وبتخلينا نحكي إنو لساتنا موجودين”.
“كان مطلوب مني إني إرجع أتماسك عشان أقوّي زوجي وأدعمه، لأنو كمان محتاجني، رجعنا على عملنا، الجميع منهك. لكن التعب بيتفاوت بين شخص للتاني؛ اللي نجا منها بحاول يتعافى ويرجع يتأقلم من جديد، بس اللي فقد أو أصيب أو خسر بيضل جرحه نازف ع طول”.
[ad_2]
Source link