“الدين الكوني” الذي ألهم روسيا للانطلاق إلى عصر الصواريخ
[ad_1]
- بنجامين رام
- بي بي سي
أسهمت الأفكار التي آمن بها الفيلسوف الروسي نيكولاي فيودوروف، بشأن وجود “دين كوني” يتمحور حول الحياة خارج كوكب الأرض، في إلهام بعضٍ من ألمع مهندسي الاتحاد السوفيتي السابق في مجال الصواريخ.
في 28 ديسمبر/كانون الأول 1903، وخلال شتاء روسي شديد القسوة على نحو استثنائي، فارق رجل فقير الحياة جراء الإصابة بالتهاب رئوي، وذلك على حقيبة كان يستأجرها في غرفة غاصة بالغرباء المعدمين. ورغم أن هذا الرجل الذي كان يُدعى نيكولاي فيودوروف، قد توفي في أجواء مفعمة بالغموض، وأنه لا يزال غير معروف تقريبا في الغرب، فإن مجريات حياته حظيت باهتمام كُتّاب روس كبار، من وزن ليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي. وشاركت في ذلك أيضا مجموعة مخلصة من تلاميذه، يُنسب لأحدهم الفضل في تحقيق الاتحاد السوفيتي قصب السبق في السباق نحو غزو الفضاء.
ولذا بات فيودوروف الآن – كما تنبأ بالفعل – يعيش حياة “أخروية” غريبة من نوعها. فقد أصبح أيقونة لعلماء حركة تُعرف بـ “ما بعد الإنسانية”، في العالم بأسره، ومرشدا روحيا لعمليات الاستكشاف بين الكواكب.
اللافت أن معاناة هذا الرجل من الفقر جاءت بفعل خياراته الدينية لا لأسباب مادية. فقد كان ابنا غير شرعي للأمير بافل غاغارين، وقضى طفولته المبكرة في الضيعة الريفية الخاصة بالأسرة، إلى أن توفي والده وكذلك جده الأمير إيفان غاغارين بشكل مفاجئ. ومن المفارقات تماثل لقب الأسرة التي ينتمي لها فيودوروف، مع اللقب العائلي لـ “يوري غاغارين” أول من ارتاد الفضاء في العالم أجمع. ورغم أنه لا صلة قرابة عائلية بين الاثنين، فإن أناستاسيا غيتشيفا، من مكتبة متحف فيودوروف في موسكو، تقول إن “هناك مصادفة رمزية ذات طابع مهم، تجمع بين (فيودوروف) غاغارين، أول من توقع – بشكل فلسفي – حدوث رحلات فضاء، و(الروسي أيضا) يوري غاغارين، الذي أصبح أول رائد فضاء في العالم”.
وقد عاش نيكولاي فيودوروف حياة زاهدة متقشفة، لا يقتات فيها سوى على الخبز والشاي والماء. لكنه نَعَم رغم ذلك بالحياة في إطار بيئة فكرية مزدهرة وحافلة. فمن خلال عمله أمينا لمكتبة متحف رَميانتيسيف الواقع في مواجهة قصر الكرملين الشهير بموسكو، استضاف ذلك الرجل صالونا فكريا غير رسمي. ووصفه أتباعه وخلصاؤه باسم “سقراط موسكو”. فدوستويفسكي – مثلا – كان معجبا بشدة بـ “هذا المفكر العظيم”. وقال: “لقد أسرتني أفكاره. فعندما أطالعها وأفهم ما تعنيه، أشعر بأنها جزء مني بشكل كامل، وأنها قريبة إلى قلبي، إلى حد يجعلها يمكن أن تكون أفكاري أنا نفسي”.
وقد قضى هذا الكاتب الشهير ساعات طويلة يناقش خلالها نظريات نيكولاي فيودوروف مع الفيلسوف فلاديمير سولافايف الذي اعتبر صاحب هذه النظريات، شخصية شبيهة بالسيد المسيح. أما تولستوي، فقد وصف رؤية فيودوروف للعالم في خطاب بعثه لصديق له بالقول: ” لقد ابتكر خطة لمهمة مشتركة تضطلع بها البشرية كلها، هدفها البعث المادي لكل البشر. أولا: هذا ليس جنونا كما يبدو `لا تقلق أنا لا أشاطره أفكاره ولن أفعل ذلك، لكنني فهمتها بقدر يكفيني للشعور بالقدرة على الدفاع عنها في مواجهة أي معتقدات أخرى ذات طبيعة مادية مماثلة`. ثانيا، وهو الأكثر أهمية، هذا الرجل يعيش بسبب معتقداته هذه، حياة مسيحية شديدة النقاء. فهو في الستين من عمره، فقير، تخلى عن كل ما لديه، وهو دوما مرح ووديع”.
وقد تبنى تولستوي وفيودوروف، عقيدة واحدة تقودها نزعة قوية مناهضة للحرب. فقد أبدى فيودوروف – على سبيل المثال – أسفه لأنه في الوقت الذي يُترك فيه الفقراء تحت رحمة موجات الجفاف والفيضانات، تبقى الجامعات مجرد “ساحات خلفية للمصانع وثكنات الجيش، أي أنها أصبحت بعبارة أخرى، في خدمة التصنيع والعسكرة”. وتمنى الرجلان أن يتم تحويل الطاقات المُدمرة التي تُكرس للحروب، إلى جهود تستهدف تجديد البيئة. وكتب فيودوروف في هذا الشأن قائلا: “الحضارة التي تستخدم (مواردها) ولا تستعوض ما تفقده على هذا الصعيد، لا يمكن أن تواجه نتيجة أخرى، بخلاف الدنو من نهايتها”. وقد عارض – مثله مثل تولستوي – فكرة أن تكون الكتب ملكية خاصة. ولذا فعندما تم تجميع كتاباته القليلة لتُطبع وتُنشر بعد وفاته، أرفقت بملصق يقول “غير مخصص للبيع”.
وقد نبعت فلسفة فيودوروف من اللحظة الحاسمة في حياته المتمثلة في وفاة والده وجده، وما أعقب ذلك من مغادرة أسرته حياتها الريفية الوادعة. ولذا يمكننا أن نرى أن كل الجهود الفكرية التي بذلها تاليا، تشكل محاولة لإصلاح الشرخ الناجم عن ذلك الحدث المأساوي، واستعادة جنة عدن التي فقدها منذ وقوعه.
وفي إطار فلسفته المتعلقة بإنجاز تلك “المهمة المشتركة للبشرية”، يتصور فيودوروف عالما يقوم كل جيل فيه، بإحياء أسلافه الموتى. وعبّر عن ذلك بالقول “يتعين علينا أن نلد الآباء، لا الأطفال”. لكن حدوث ذلك من شأنه جعل العالم مكتظا بالبشر بشكل أكثر من اللازم، ما يوجب علينا السفر إلى الفضاء، لاستيطان كواكب جديدة، حيث سيتسنى في هذه الحالة، لمن أُعيد بعثهم، العيش في وئام وانسجام. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فكلما غامرنا بشكل أكبر على صعيد ارتياد الفضاء، صرنا بحاجة إلى مزيد من عمليات البعث والإحياء، ما يجعل الحل الوحيد المتاح أمامنا، هو إطالة أمد الحياة على نحو جذري: أي أن “نُميت الموت نفسه”.
اللافت أنه على الرغم من تركيز فيودوروف على أسلافه المفقودين، فإن إرثه شَكَلَّ مصدر إلهام أجيال جديدة. من بين هؤلاء تلميذه الأكثر نبوغا كونستانتين تسيلوكوفسكي، الذي شهدت حياته بدورها في مرحلة الطفولة حدثا مفصليا صادما حدد ملامحها. إذ أصيب تسيلوكوفسكي، وهو في العاشرة من عمره بالحمى القرمزية، ما جعله شبه أصم. وترتب على ذلك، منعه من الالتحاق بمراحل الدراسة النظامية، ما جعله يدرس لثلاث سنوات تقريبا في متحف رَميانتيسيف، تحت إشراف فيودوروف. وفي تلك الفترة، أصبح مفتونا بفكرة استعمار الفضاء، التي آمن أنها ستحرر البشرية، وتقود إلى أن يصل النوع الإنساني إلى حد الكمال.
ونظرا لأنه كان يميل إلى العزلة بطبيعته، قضى تسيلوكوفسكي غالبية فترات حياته في كوخ خشبي ناءٍ، مُكرسا نفسه لـ “تحقيق الرفاهية الأبدية لكل ذرة”. وشَكَلَّ أهم مؤلفاته “استكشاف الفضاء باستخدام أجهزة الصواريخ”، والذي صدر عام 1903، عملا رائدا على صعيد النظريات الخاصة بارتياد الفضاء، إذ برهن فيه للمرة الأولى على أنه من الممكن إطلاق رحلات فضائية، بواسطة مواد وأجهزة دافعة. وفي هذا الإطار، رسم تصميمات لصواريخ مزودة بأجهزة دفع موجهة، ولمحطات فضائية، ولغرف “معادلة الضغط”، التي تُمَكِّن الإنسان من الخروج من مستوطنة فضائية إلى الفضاء، والعودة إليها كذلك.
كما شملت هذه الرسوم، التي ألهمت جميعها مهندسي الاتحاد السوفيتي السابق في ما بعد، تصميمات لأنظمة بيولوجية مغلقة، يتم من خلالها توفير الغذاء والأكسجين للمستعمرات الفضائية. وتوقع تسيلوكوفسكي في كتابه ألا “يبقى البشر إلى الأبد على الأرض.. فالسعي وراء الضوء والفضاء، سيقود الإنسان إلى اختراق حدود الغلاف الجوي، على استحياء في البداية، قبل أن يتم غزو النظام الشمسي بأكمله”.
وارتبط مساعدو فيودوروف، بمن فيهم سولافايف وتسيلوكوفسكي، بحركة فكرية أُطْلِقَ عليها اسم “الكونية”، وأحدثت تأثيرا كبيرا في الفلسفة واللاهوت والعلوم والفنون البصرية، في روسيا القيصرية قبل الثورة البلشفية، وخلال حقبة الاتحاد السوفيتي السابق، سواء بسواء.
ورغم نفور كبار المسؤولين السوفيت من المذهب المسيحي الأرثوذكسي الذي كان يعتنقه فيودوروف، فقد أبدوا إعجابهم بنقده للنزعة الاستهلاكية، التي اعتبرها حافلة بـ “ألعاب”، تصرف انتباهنا وتقوض خيالنا. كما كانوا معجبين كذلك، بتأكيده على فكرة “الخلاص الجماعي”، التي لا تقتصر على أن يسعى الإنسان لخلاص “نفسه وحدها، وإنما تشير إلى ضرورة أن تشمل جهوده في ذلك الصدد الآخرين أيضا، وأن يمضي على هذا الطريق “مع الجميع وللجميع”، كما سبق أن كتب.
وقبل قرن من الآن، وفي أوج الحرب الأهلية الروسية، أخذت مجموعة من الروس على عاتقها محاولة تجسيد طموحات فيودوروف على أرض الواقع. فقد أعلنت هذه المجموعة، التي أطلقت على نفسها اسم “علماء الأحياء الكونيون الخالدون” انفصالها عن مجموعة أخرى كانت تُعرف بـ “الفوضويين الكونيين”، مُعربةً عن رفضها للموت، باعتباره “أمرا سخيفا من حيث المنطق، وغير مسموح به من الوجهة الأخلاقية، وقبيحا من الزاوية الجمالية”. ودافعت هذه المجموعة عن فكرة تحرير مجرتنا من أي سلطة رسمية، ودعت إلى أن يتم بشكل عاجل إقامة اتصالات كونية، ورفعت مطلبين “أساسيين”: حرية الحركة بين الكواكب في الفضاء، والحق في الحياة إلى الأبد.
بعد ذلك، سار ألكسندر سفياتوغور، واضع ما يُعرف بـ “بيان علماء الأحياء الكونيين”، والذي صدر عام 1921، على درب فيودوروف، وقال إن هناك نوعيْن للموت؛ أحدهما التحلل الجسدي والآخر الموت الروحي، وهو ما وصفه بـ “الموت وأنت على قيد الحياة”.
وبينما اعتبر فيودوروف أن مفهوم “الموت الروحي”، ينطبق على “فقدان المرء لهويته وشخصيته، اللتين تميزانه عن غيره”، طبَّق سفياتوغور ذلك المفهوم على الرأسمالية تحديدا، معتبرا أن الموت يكمن في فكرة “الملكية الخاصة المتوحشة”، التي لا يمكن القضاء عليها في عالم فانٍ.
كما تبنى سفياتوغور، فكرة فيودوروف في تحويل كوكبنا إلى “سفينة أرضية” ضخمة. فبدلا من أن نبقى ركابا خاملين نواصل الدوران حول الشمس، تحولنا هذه الفكرة إلى “طاقم مركبتنا السماوية”. وبالنسبة لعلماء الكونيات، مَثَلَّ ذلك محاولة تغيير الطبيعة، لا مجرد فهمها.
وفي عام 1922، دبج ألكسندر ياروسلافسكي مؤسس فرع “علماء الأحياء الكونيين” في مدينة بتروغراد، قصيدة تألفت من 14 صفحة في مديح عملية تتمثل في استخدام التبريد لإبطاء الوظائف الحيوية أو البيولوجية، أو إيقافها بهدف الحفاظ على “المقومات الفسيولوجية للإنسان”، وهي العملية التي استُخْدِمَت بعد ذلك بعامين لحفظ جثمان الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين. لكن فشل عملية التبريد، أدى إلى تحنيط الجثمان بعد ذلك.
ومع أن لينين تسامح في السنوات الأولى لقيام الاتحاد السوفيتي السابق مع أتباع الحركة الكونية، فلم تلبث أنشطة هؤلاء أن فُرِضَت عليها القيود في عهد خليفته جوزيف ستالين. فقد كان ستالين معاديا للجذور الدينية للرؤية العلمية التي تبناها أولئك الأشخاص. كما أن كثيرين منهم، كانوا من المؤيدين علنا لغريمه السياسي ليون تروتسكي. وأدى ذلك كله، إلى حظر أنشطة أنصار تلك الحركة، واعتقال الغالبية العظمى منهم، أو إرسالهم إلى معسكرات العمل، التي كان نزلاؤها يُجبرون على الانخراط في أعمال شاقة بهدف العقاب. وكان سفياتوغور، من بين من أُرْسِلوا إلى سيبيريا، واختفى هناك أيضا بالمناسبة.
وقد عاد الروس ليولوا وجوههم شطر الفضاء بعد وفاة ستالين. وجاء ذلك في الوقت المناسب لهم تماما، لكي يواجهوا الجهود الأمريكية التي كانت ترمي وقتذاك، لإرسال قمر اصطناعي إلى المدار. فقد كان سيرجي كاراليف، كبير المسؤولين عن تصميم الصواريخ في الاتحاد السوفيتي، متأثرا بعمق بأفكار تسيلوكوفسكي. فقد التقى كاراليف في شبابه مع ذلك الرجل، وكتب بعد ذلك يقول: “غادرت منزله، وفي ذهني فكرة واحدة؛ أن أُصَنّع صواريخ وأطير بها. لديّ من الآن فصاعدا هدف واحد: أن أصل إلى النجوم”. وبالفعل أصبح كاراليف مصمم “سبوتنيك 1″، أول قمر اصطناعي يسبح في الفضاء، والمركبة “فوستوك 1″، التي حملت يوري غاغارين على متنها.
ولم يستغرق تصميم وتصنيع “سبوتنيك 1″، أكثر من شهر واحد، قبل إطلاقه إلى الفضاء في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1957، وهو العام نفسه الذي نشر فيه هذا الرجل، مُؤلفاً أعده عن الأهمية العملية للأفكار التي طرحها تسيلوكوفسكي، في مجال الصواريخ.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، بات بوسع أتباع “الحركة الكونية”، إعادة مد الجسور بين الدين والعلم. وتقول الأستاذة في جامعة هارفارد، آنيا برنستين، مؤلفة كتاب “مستقبل الخلود: إعادة صنع الحياة والموت في روسيا المعاصرة”، إن أنصار هذه الحركة صاروا في القرن الحادي والعشرين “يعبدون” غاغارين، نظرا لدوره في تجسيد رؤية فيودوروف ذات الطابع “النبوئي”.
وتقول برنستين إنه بالرغم من أن روسيا تحتل اليوم المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالاستفادة من عمليات التبريد الرامية لإبطاء الوظائف الحيوية أو البيولوجية للإنسان أو إيقافها، فإن الرؤى السائدة في هذا الشأن بين الأنصار الروس لذلك الأسلوب، تختلف عن تلك التي يتبناها نظراؤهم الأمريكيون. فمن يُعرفون بأنصار حركة “ما بعد الإنسانية” في الولايات المتحدة، يتسمون بطابع علماني وليبرالي بوجه عام، على نحو أكبر. ويصل الأمر ببعضٍ منهم، إلى الحلم بتعزيز القدرة الإنتاجية للعمال إلى ما لا نهاية. في المقابل، بدأ أتباع ما يُعرف بحركة “السعي للخلود” في روسيا، بالسعي لحفظ جثامين آبائهم وأجدادهم، ما يعكس تركيز فيودوروف على الحفاظ على صلات القربى. لكن بعض أتباعه، يعارضون هذه العملية برمتها، على أساس أنها تتم بشكل انتقائي، بما يتناقض مع رؤية فيودوروف المتعلقة بضرورة تحقيق “الخلاص الجماعي”، لا التفرقة فيه بين أثرياء مُصْطَفين وفقراء ملعونين.
رغم ذلك كله، بوسعك أن تجد صورة من نوع البورتريه لـ “فيودوروف”، جنبا إلى جنب مع صورة لكاتب الخيال العلمي البريطاني آرثر سي. كلارك في إحدى كنائس الولايات المتحدة، فالكثير للغاية من مفكري المستقبليات هناك، يقرون الآن بما يدينون به لذلك الفيلسوف الروسي.
وهكذا يسعى هذا “العالم الجديد الشجاع”، إلى المزج بين الفضاء والفضاء الإلكتروني. فبالنسبة لأنصار حركتيْ “السعي للخلود” الروسية و”ما وراء الإنسانية” الأمريكية، تكمن الشخصية الإنسانية في المخ، الذي يمكن أن يحيا إلى الأبد، إذا تم “تحميله” على جهاز كمبيوتر، وهو موضوع مفضل لكُتّاب الخيال العلمي. وبالفعل تعمل شركة “نيورالينك” الأمريكية للتكنولوجيا العصبية، على ابتكار “واجهة دماغية حاسوبية”، يمكن أن يُمزج فيها بين الوعي البشري والذكاء الاصطناعي، ما يساعد البشر على الإبقاء على وجودهم، في عالم تهيمن عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولا شك في أن كل هذه التصورات والمخططات، تعج بالكثير من دواعي القلق ذات الصلة بالقيم والأخلاق. ويبدو من المناسب هنا أن نتذكر أن فيودوروف، كان مفتونا بشخصية فاوست، الذي باع نفسه للشيطان في القصة الشهيرة.
من جهة أخرى، لا تخلو “الحركة الكونية” من مهرطقين وزنادقة، مثل ألكسندر بوغدانوف، الذي ألف في ذات مرة، قصة قصيرة تتناول رجلا عاش ألف عام، وقتل نفسه للهرب من “ضجر ورتابة الحياة الأبدية”. فالوجود بشكل مفرط يسلبنا جوهر الوجود، ما يؤدي إلى أن يُضفي الموت معنى على حياتنا في واقع الأمر، بعكس ما يراه فيودوروف في هذا الشأن، إذ أنه يمنحنا “نافذة محدودة”، نتحرك في إطارها ونحب.
لكن فيودوروف قد يعتبر أن انتقادنا لأفكاره هذه، لا يعكس سوى قصور خيالنا، ويشكل مظهرا لتصرفاتنا ذات الطابع الطفولي، باعتبار أننا بحاجة إلى التخلص من مخاوفنا، والتطور بقدر يجعلنا نتلاءم مع مصائرنا. وربما يجدر بنا هنا أن نتذكر ما كتبه تسيلوكوفسكي، أحد تلاميذ فيودوروف، من أنه بالرغم من كون “الأرض مهد الإنسانية، فإن المرء لا يمكنه البقاء في المهد إلى الأبد”.
[ad_2]
Source link