الربيع العربي في ذكراه العاشرة: كيف أسهمت الانتفاضات في تعميق الصدع السني الشيعي؟
[ad_1]
- فراس كيلاني
- بي بي سي عربي
في السابع من أيار/ مايو عام ٢٠٠٨، كان وفد من عشائر “الدليم” العراقية يزور القاهرة ليطلب من القيادة المصرية تدخلاً عربياً في العراق، لوقف ما وصفه رئيس الوفد عبد الرزاق الدليمي بـ”خطر الاحتلال الإيراني”.
كان العراق لا يزال يتعافى من تبعات حرب طائفية خلفت عشرات آلاف القتلى، أعقبت الغزو وانهيار مؤسسات الدولة عام ٢٠٠٣، وأدت لسيطرة القوى الشيعية على غالبية مفاصل الحكم في البلاد، وبالمقابل صعود التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم “القاعدة”.
وبالمصادفة، تزامنت زيارة وفد “الدليم” الذي حذر من أن نفوذ إيران سيمتد ليشمل الكثير من دول المنطقة، مع حدثٍ سيصب الزيت على نار الطائفية في المنطقة، ففي الثامن من أيار سيطر مقاتلون من “حزب الله” على العاصمة اللبنانية بيروت، بعد صدور قرارين من مجلس الوزراء بمصادرة شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت، استمرت العملية لأيام وأدت لمقتل ٧١ شخصاً ولم تنته إلا بعد سحب الحكومة للقرارين.
كانت الكثير من وسائل الإعلام العربية، خاصة الممولة خليجياً، تعج بالأخبار التي تعاطت مع الحدث من منطلق طائفي، ولم يكن يبدو غريباً لقارئ تلك الصحف حينها تجاور خبر حدث بيروت مع خبر آخر بعنوان: “إيران تنفي اتهام واشنطن لحزب الله بتدريب شيعة عراقيين قرب طهران”، إذ كانت الأخبار عن ولادة كتائب حزب الله العراقي قد سبقت ذلك ببضعة أشهر.
هدأت الأوضاع في العراق بعد هزيمة تنظيم “القاعدة”، بدعم كبير مما عرف بالصحوات السنية التي أُنشئت ودُربت من قبل القوات الأميركية، وفي لبنان استطاعت وساطة قطرية أن تعيد ترتيب البيت اللبناني، وتجاوز لحظة خطرة كادت ان تنزلق خلالها البلاد لاقتتال طائفي.
لكن التطورات التي تلت كشفت أن التسويات التي تم ترتيبها على عجل لم تكن أكثر من علاجات موضعية مؤقتة، وأن الصدع الذي بدأ بالتشكل سيزداد عمقاً ووعورة مع عقد الثورات العربية الذي أدى لتضعضع أنظمة الحكم القائمة في المنطقة، وسيطرة تنظيمات سنية متطرفة على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، قبل ان تُهزم هذه التنظيمات مع ظهور الفصائل الشيعية المدعومة إيرانياً.
الولي الفقيه
كان التغير الإقليمي الأبرز الذي شهدته المنطقة قبل ذلك بعقود هو نجاح الثورة الإسلامية التي قادها آية الله خميني في إسقاط نظام الشاه عام ١٩٧٩، وإقامة نظام حكم إسلامي شيعي يتبع نظرية ولاية الفقيه التي أرساها خميني، والتي تمنحه صلاحيات مطلقة باعتباره نائب الإمام الغائب محمد المهدي بحسب الشيعة الاثني عشرية.
بعدها بعام، دخل العراق وإيران في حرب ضروس استمرت ثمانية أعوام. وبات العراق يوصف من قبل الدول العربية المناوئة لإيران بـ”حارس البوابة الشرقية” للعالم العربي أمام إيران “الصفوية” – وليس الشيعية – التي تطمع في استعادة السيطرة على مناطق نفوذها التاريخي في منطقة الخليج، بحسب ما درج الإعلام العربي المعادي لإيران على بثه.
ما لم يتم التنبه إليه آنذاك هو أن إيران كانت قد بدأت بالفعل العمل على مد نفوذها معتمدة على الهوية الشيعية عبر “تصدير الثورة”، وشرعت في بناء أولى لبنات هذا النفوذ في منطقة البقاع اللبناني أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بتأسيس أولى مجموعات تنظيم شيعي جديد يؤمن بولاية الفقيه سيعرف باسم “حزب الله”.
طائفية علمانية
لكن اللافت بالعودة إلى تلك المرحلة أن دول المشرق العربي لم تكن قد شهدت أي أحداث عنف طائفي تذكر بين مكوناتها الشيعية والسنية منذ انتهاء عصر الانتداب الغربي وولادة الدول بشكلها الحالي، ربما باستثناء حالتين لاحقاً، شكلتا اختباراً هاماً للطريقة التي قد تلجأ أنظمة حكم قومية علمانية للتعامل من خلالها مع أي خطر قد يهدد بقاءها في سدة الحكم:
الأولى: وقعت في مدينة حماة السنية السورية عام ١٩٨٢، والتي دخلتها قوات خاصة، تعرف بسرايا الدفاع، بقيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد وهو من الطائفة العلوية، لإنهاء سيطرة جناح عسكري انشق عن قيادة تنظيم الإخوان المسلمين وعرف باسم “الطليعة المقاتلة” على المدينة، وانتهت المعركة بمقتل ما بين خمسة عشر وثلاثين ألف شخص، حسب تقديرات مختلفة، وتمت استعادة السيطرة على حماة.
الثانية: انتفاضة الجنوب الشيعي عام ١٩٩١ ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين وهو من الطائفة السنية، وذلك بعد هزيمة قواته واضطراره للاستسلام والخروج من الكويت. واستمرت الانتفاضة لنحو شهر لكنها قُمعت بوحشية كبيرة من قبل قوات خاصة، وخلفت عشرات آلاف القتلى، كما اتضح في تحقيقات أًجريت لاحقاً.
وتابع البعث حكم سوريا والعراق بعد هاتين المجزرتين بيد من حديد، وهو ما عمم حالة من الرعب والذعر والخضوع ظلت مستمرة حتى آذار/ مارس ٢٠٠٣، تاريخ بدء غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
“الهلال الشيعي”
بعد نحو عام ونصف على سقوط نظام البعث في العراق، وعودة أحزاب المعارضة الشيعية للبلاد من إيران وغيرها، سيحتل مصطلح سياسي جديد مكانة بارزة في التداول السياسي، يحمل بين دلالاته الكثيرة أبعاداً طائفية وسياسية خطيرة.
إذ حذر ملك الأردن عبد الله بن الحسين نهاية العام ٢٠٠٤ مما وصفه بـ”هلال شيعي” قد يتشكل بدعم إيراني في المنطقة، يمتد من طهران إلى بيروت. ودعا للتفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة، لما يمكن ان يحمله هذا التطور من تغيرات في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دولها على حد قوله.
كانت الحرب الأهلية قد بدأت تطل برأسها في مناطق عديدة من العراق، نتيجة إحساس السنة بأنهم الخاسر الأكبر من سقوط النظام، وهو ما استطاع ما سمي بتنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” استثماره على نحو فعال باستهداف الشيعة في مراقدهم المقدسة، ما جر البلاد لأتون اقتتال كارثي.
وفي العام ٢٠٠٤، كان لبنان يخوض صراعاً داخلياً سياسياً مريراً مع تصاعد الأصوات المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان، وعدم التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود المدعوم من سوريا.
وأدى المضي قدماً بالتمديد إلى تصاعد الأزمة التي أدت لاحقاً لموجة اغتيالات كبيرة، كان أبرزها اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في انفجار هائل وسط بيروت في ١٤ شباط/ فبراير ٢٠٠٥.
وسرعان ما وجه الاتهام من قبل أطرافٍ لبنانية وعربية ودولية لحزب الله وسوريا بالوقوف وراء الاغتيال الذي نظر إليه على انه اغتيال لزعيم سني عربي وليس لبنانياً فحسب، وهو الاتهام الذي نفاه الطرفان بطبيعة الحال.
منذ ذاك التاريخ تراجعت مكانة حزب الله الذي كانت صور زعيمه حسن نصر الله ترفع في الكثير من العواصم العربية منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، لتتكرس صورته خلال الأعوام القليلة التالية عبر الإعلام العربي المدعوم خليجياً كزعيمٍ لحزب طائفي يتلقى تعليماته من المرشد الإيراني ولا يخفي الولاء له، خاصة بعد احتلال مقاتليه للعاصمة بيروت في أيار/ مايو ٢٠٠٨.
المسكوت عنه
خلافاً للدول العربية في شمال افريقيا حيث لا وجود لطوائف شيعية كبرى، تعجّ دول المشرق العربي بالكثير من التنوع الطائفي، ويشكل الشيعة في بعضها غالبية سكانية كما في العراق والبحرين ولبنان.
وتختلف طريقة التعامل مع المكون الشيعي تبعاً للمحددات التي أدت لولادة هذه الدول، والتي وجد الشيعة أنفسهم جزءاً منها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وترسيم حدود غالبية دول المنطقة عام ١٩٢٣.
إذ كانت الأمور تنحو قبل ذلك منحى مختلفاً تماماً، كاد ان يقود على سبيل المثال عام ١٩٢٠ لولادة دولة شيعية تشمل جنوب وبعض وسط العراق، قبل وصول الأمير فيصل بن الحسين وحاشيته السنية للعراق، وتنصيبه ملكاً من قبل دولة الانتداب البريطاني.
وباستثناء سوريا التي حكمت من قبل حزب البعث منذ انقلاب ١٩٦٣، لكن بنفوذ كبير للطائفة العلوية التي يتحدر منها آل الأسد وقبله صلاح جديد ومحمد عمران، فإن بقية الدول حُكمت من قبل أنظمة سنية، كما هو الحال في العراق والبحرين والسعودية والكويت واليمن والإمارات، ونظام هجين طائفياً في لبنان بالنظر لتعقيدات البلاد الدينية والطائفية. وفي مجمل الأحوال لم يجد الشيعة أنفسهم في وضع يحسدون عليه في غالبية هذه الدول.
وتعرضت هذه الصيغة لهزات كبيرة بعد غزو العراق واغتيال الحريري، لكن التحدي الأكبر الذي أدى لتصدعها كان الانتفاضات العربية وما ترتب عليها خلال العقد الأخير.
الانتفاضات العربية
في خضم موجة الاحتجاجات التي عمت الكثير من الدول العربية مطلع عام ٢٠١١، خرجت المكونات الشيعية في كل من السعودية والبحرين للمطالبة بتحسين أوضاعها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لكنها قمعت بشدة في البحرين بعد نحو شهر على اندلاعها، بمساعدة قوات عسكرية من السعودية والإمارات تحت اسم عملية “درع الجزيرة”، أنهت الاعتصام في دوار “اللؤلؤة” وسط المنامة، قبل إزالة معالم المكان وتغييره كلياً.
ولم يختلف الحال كثيراً في السعودية التي فرضت تعتيماً إعلامياً كبيراً على ما كان يجري فيها من احتجاجات امتدت لنحو عامين في المنطقة الشرقية وقمعتها بشدة.
وفي الحالتين تم التعاطي مع هذه التظاهرات على أنها مدفوعةٌ بتأثيرات خارجية وبالتحديد من إيران، وتم التشكيك عبر وسائل إعلام البلدين بانتماء من شاركوا فيها ووطنيتهم، مع ما يحمله ذلك من احتمالات اللجوء لأقسى درجات العنف في التعامل معها.
وهو ما حصل بالفعل باعتقال قوات الأمن السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر في يوليو ٢٠١٢، وإعدامه مع ٤٧ آخرين بتهمة الإرهاب مطلع يناير ٢٠١٦، ما تسبب باندلاع موجة احتجاجات كبيرة شملت إيران ومناطق شيعية في كل من العراق ولبنان.
لكن ذلك لم يحل دون متابعة قوات الأمن السعودية حملاتها ضد المتهمين بتأجيج الاحتجاجات، وأدت إحدى العمليات التي وقعت في بلدة “العوامية” لاندلاع اشتباكات مسلحة خلفت عشرات القتلى ودماراً كبيراً في غالبية أنحاء العوامية، في مشهد وصفته مراسلة بي بي سي التي تسنى لها زيارة البلدة بأنه لا يختلف كثيراً عن حلب أو الموصل.
لكن المشهد كان معكوساً في دول أخرى، إذ بدأت التظاهرات ضد الرئيس السوري بشار الأسد في آذار مارس ٢٠١١ من درعا، وامتدت لتشمل الكثير من المدن والبلدات السنية، ما دفع مستشارة الرئيس بثينة شعبان لوصف المتظاهرين سريعاً بالطائفية، قبل ان يطلق الأسد يد الجيش وأجهزة الأمن للتعامل مع المحتجين، وتغرق البلاد في اقتتال لا يكاد ينتهي فصل من فصوله حتى يبدأ آخر.
ورغم اختلاف الظروف إلا ان الاحتجاجات في العراق بدأت نهاية العام ٢٠١٢ من المناطق السنية أيضاً بمطالب إصلاحية، لتتحول سريعاً لمطلب إسقاط النظام الحاكم ذي الغالبية الشيعية ووقف التدخلات الإيرانية في البلاد. وهنا أيضاً اتهمت حكومة نوري المالكي المتظاهرين بتلقي الدعم الخارجي في إشارة لدول الخليج وتحديداً السعودية، وبأن بعضهم مرتبط إما بالنظام السابق أو بتنظيم دولة العراق الإسلامية.
وفي البلدين كانت إيران تتابع عن كثب التطورات، خصوصاً مع بدء تنظيمات إسلامية متطرفة باستغلال الفراغ الأمني الذي احدثته التظاهرات على جانبي الحدود.
ومبكراً انخرط حزب الله بدعم نظام الرئيس السوري، بداية عام ٢٠١٢ بإرسال مقاتلين لحماية بلدات وقرى ومزارات شيعية في سوريا، قبل ان يحسم أمره ويدخل معركة “القصير” عند الحدود مع لبنان في نيسان/ ابريل ٢٠١٣، ويبدأ من هناك رحلة لا تزال مستمرة في المعارك ضد معارضي الأسد في طول البلاد وعرضها.
كما بدأت فصائل مسلحة شيعية عراقية بالتوافد إلى سوريا منذ العام ٢٠١٣ لدعم الجيش السوري الذي بدأ يفقد السيطرة على المزيد من مناطق البلاد، وبرز اسم قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قائدا ميدانيا لهذه الفصائل في الكثير من المعارك خاصة في حلب وريفها.
ودفعت الهزيمة المرة التي تكبدها الجيشان السوري والعراقي أمام تنظيم الدولة الإسلامية بين عام ٢٠١٣ و٢٠١٤، بانخراط المزيد من المقاتلين الشيعة في الحرب ضد مقاتلين متشددين سنة، توافدوا إلى مناطق سيطرة التنظيم من كل انحاء العالم.
وأسهمت الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني في حزيران يونيو ٢٠١٤ وعرفت باسم “الجهاد الكفائي” في انخراط عشرات ألاف الشبان الشيعة في القتال في فصائل كانت موجودة وأخرى أنشئت حديثاً لمحاربة التنظيم، خاصة بعد إعدام عناصره لنحو ١٥٠٠ متدرب شيعي في ما عرف بمجزرة قاعدة سبايكر.
ورغم حرص المرجعية على التأكيد على وطنية الفتوى عراقياً، إلا أن المعركة على الأرض كانت تعكس مرارة الوضع وحقيقته، بين رايات التنظيم السوداء بشعار الدولة الإسلامية، ورايات الحشد الشعبي.
وبعيداً عن يوميات القتال من منطقة لأخرى، فإن نظرة عامة لما كان يجري في تلك المرحلة يوضح أن ساحة المعركة بشقها الشيعي -بمختلف تلاوينه- كانت واحدة، امتدت على كامل الجغرافيا العراقية السورية اللبنانية، بإشراف مباشر من قاسم سليماني، والذي كشف زعيم حزب الله حسن نصر الله مؤخراً الكثير عن أدواره آنذاك، والتي ربما كان أهمها إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل في سوريا بعد اتضاح عدم قدرة الجيش السوري وحلفائه على الصمود عام ٢٠١٥.
وبقصد أو بدونه، تزامن التدخل الروسي لدعم الأسد، مع بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عملياته ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وهي العمليات التي انتهت بخسارة التنظيم لكامل الجغرافيا التي كان يسيطر عليها في مارس آذار عام ٢٠١٩، وأدت إلى كارثة محدقة حلت بالبيئات السنية على جانبي الحدود.
وبنهاية المعارك، بدا واضحاً أن فصائل الحشد الشعبي الشيعي قد امتد نفوذها لمناطق ما كان بالإمكان تصور وجودها فيها قبل بضعة أعوام، لتشمل المحافظات ذات الغالبية السنية، كديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى والأنبار وصولاً للحدود مع سوريا، ولتلتقي هناك مع فصائل شيعية أخرى انتشرت على الجانب الاخر من الحدود جنوبي نهر الفرات، ويمتد نفوذها هي الأخرى إلى كامل مناطق سيطرة الجيش السوري.
ومما عمق أبعاد هذه التغيرات طائفياً، الكثير من الإجراءات الانتقامية التي قامت بها فصائل شيعية في هذه المناطق، رداً على المجازر والإعدامات التي كان تنظيم الدولة الإسلامية قد نفذها بحق من ينتمون للطائفة الشيعية.
وفي نهاية المطاف يبدو ان تحذيرات وفد قبائل “الدليم” الذي كان يزور القاهرة قبل نحو ثلاثة عشر عاماً ويطلب المساعدة من الدول العربية محذراً من الوصول لهذه اللحظة قد ذهبت أدراج الرياح.
الخاصرة اليمنية
وفي خطوة غير متوقعة بالنظر لانشغال إيران في الساحة السورية والعراقية، وربما نتيجة لفشل الحراك الشيعي في كل من البحرين والسعودية، جهدت إيران ونجحت بتحقيق اختراق استراتيجي كبير بالتحالف مع الحوثيين الذين سيطروا على مساحات واسعة من اليمن، عقب فشل المبادرة الخليجية لتأمين انتقال السلطة بعد إجبار المحتجين الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي، قبل مقتل صالح في مواجهة مع الحوثيين لاحقاً رغم تحالفهم معه لفترة وجيزة ضد السعودية والتحالف العربي.
وبذلك باتت طهران تطل على السعودية من حدودها الجنوبية عبر قواعد الحوثي، بعد ان كانت تطل عليها من حدودها الشمالية عبر الفصائل الشيعية العراقية، بالإضافة إلى أنها باتت تتحكم أيضاً بواحد من أهم ممرات الطاقة في العالم ممثلاً بباب المندب على البحر الأحمر، بالإضافة لتحكمها بمضيق هرمز في الخليج.
ورغم الحرب التي أعلنها التحالف العربي ضد الحوثيين منذ سنوات، إلا أن الفشل الذريع الذي مني به، ومواصلة الحوثيين استهداف الأراضي السعودية بدعم ومساعدة خبراء إيرانيين على ما تقول الرياض، يؤكد أن لا حل لهذا الصراع بدون الأخذ بعين الاعتبار تطلعات الحوثيين ومصالح طهران، وهو ما يبدو أن الجميع بات على قناعة به اليوم.
تعمق الصدع
في مطلع العام الماضي وفي مشهد غريب من نوعه، هاجم المئات من أنصار حزب الله وحركة أمل المعتصمين المطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية وسط بيروت، كان صدى هتافهم “شيعة شيعة” يتردد على نحو غريب خلال تكسيرهم للمحال والسيارات وحرقهم للخيام وضرب المعتصمين وسط العاصمة.
مشهد قد لا يختلف في دلالاته عن تلك الرايات التي يرفعها الحشد الشعبي الشيعي وسط المدن السنية العراقية وأريافها وصولاً إلى سوريا، وعبرها إلى لبنان.
على الجانب الآخر، يلملم من تبقى من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أنفسهم، ويتجهزون مستعينين بالمشاهد السابقة للتأكيد على أنهم كانوا على صواب، وليتابعوا فصول معاركهم الكارثية التي ستبقي المنطقة في أتون صراعات لا يتوقع ان تضع أوزارها قريباً، بعد ان تعمق الصدع على نحو لا يمكن رتقه أو رأبه بسهولة.
و في المحصلة، لا يوازي حجم التشاؤم الذي تحيي فيه المنطقة ذكرى عشر سنوات على أطلال ما سمي بـ “الربيع العربي”، سوى التفاؤل الذي كانت قد بدأت فيه هذه المرحلة.
[ad_2]
Source link