كيف يسهم رجال الدين المسلمون في إندونيسيا في الحفاظ على البيئة؟
[ad_1]
تحتضن إندونيسيا مساحات شاسعة من مستنقعات الخث التي جُففت أجزاء كبيرة منها وتدهورت تمهيدًا لزراعة محاصيل، مثل نخيل الزيت. فهل يسهم الأئمة والدعاة المسلمون في استعادة أراضي الخث الرطبة؟
ويجتمع الرجال في المسجد كل خميس ببلدة تانجونغ ماكمور في جزيرة سومطرة الإندونيسية بعد صلاة المغرب لتلاوة سوة يس، وبعدها يدعون للموتى. لكن في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتخذت جلسة التلاوة منحى مختلفا؛ إذ استغل إمام المسجد، الشيخ موستانجين، فرصة التجمع لنهي الناس عن تدمير البيئة.
وتقع بلدة تانجونع ماكمور جنوبي أراضي الخث الشاسعة في سومطرة، التي اقتلعت من معظمها الأشجار، وجُفّفت لتصبح صالحة لزراعة المحاصيل والكلأ للرعي. وعندما تقتلع الأشجار من هذه الأراضي الرطبة، تصبح تربتها حمضية وفقيرة من المغذيات، ويعمد الكثيرون في إندونيسيا إلى حرقها قبل زراعة المحاصيل لتحسين خصوبتها.
لكن الحكومة الإندونيسية تضع الآن في مقدمة أولوياتها إعادة ترطيب الأراضي الخثية المجففة بدلا من حرقها للحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقد تختزن أراضي الخث المغمورة بالمياه 0.37 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، لأن المواد العضوية التي تسقط في هذه الأراضي الرطبة لا تتعفن لأنها لا تتعرض للهواء.
وفي حالة تجفيف الأراضي الخثية أو تصريف المياه منها، يتحلل الكربون العضوي المختزن فيها ويتحول إلى ثاني أكسيد الكربون. فضلا عن أن الأراضي الخثية المتدهورة أكثر عرضة لحرائق الغابات، التي تطلق كميات هائلة من الكربون في الجو.
وإجمالا، تنتج أراضي الخث المتدهورة نحو خمسة في المئة من الإجمالي العالمي لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري سنويا.
وتحدث موستانجين مع المصلين يومها عن مساوئ ممارسات حرق الأراضي التي قد تؤدي إلى إشعال حرائق الغابات في إندونيسيا. يقول موستانجين: “قلت للمصلين إن ممارسات حرق الأراضي حرام شرعا”.
وتلقى موستانجين، كشأن مئات الدعاة والأئمة غيره، تدريبا في برنامج دشّنه مجلس العلماء الإندونيسي بالتعاون مع وكالة استعادة أراضي الخث المتدهورة ومركز الدراسات الإسلامية في الجامعة الوطنية، لنشر الوعي بأهمية استعادة الأراضي الرطبة في جزيرتي سومطرة وكليمنتان، اللتين تقطنهما غالبية مسلمة.
ويقول فخر الدين مانغونجايا، أحد حماة البيئة بمركز الدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية، إن رجال الدين يلعبون دورا حاسما في حياة الناس في المناطق الريفية. وقد تسهم الفتاوى التي يصدرها مجلس العلماء الإندونيسي ويروّج لها الأئمة والعلماء المسلمون في حث المزارعين على استعادة الأراضي الخثية.
وتُقدَّر كميات الكربون المختزنة بأراضي الخث في أندونيسيا بما يتراوح بين 13.6 و40.5 غيغا طن. وتبلغ مساحة أراضي الخث الرطبة في إندونيسيا نحو 15 مليون هكتار، لكن نصف هذه الأراضي تقريبا مستنزف.
وتأسست وكالة استعادة أراضي الخث الرطبة في عام 2016 بهدف إعادة الرطوبة لنحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي الخثية المتدهورة، وتمكنت الوكالة من استعادة نحو 780 ألف هكتار من الأراضي الخثية المتدهورة في عام 2019.
ويقول نظير فؤاد، رئيس الوكالة، إن علماء الدين لعبوا دورًا كبيرا في حثّ أهالي القرى في جزيرتي سومطرة وكليمنتان وإثارة حماستهم لإعادة الرطوبة للأراضي الخثية المجففة وزراعتها بالأشجار المحلية.
وأصدر مجلس العلماء الإندونيسي في عام 2016 فتوى بعدم جواز تسهيل حرق الأراضي أو جني منافع من حرقها.
ويقول موستانجين إن النيران المنبعثة من حرق الأراضي، لا تحرق الأشجار فحسب، بل يطال لهيبها الحيوانات وهذه المخلوقات كلها تسبح الله.
وخلصت دراسة في عام 2013 إلى أن الخُطب والدروس الدينية التي تروِّج للحفاظ على البيئة أسهمت في رفع الوعي بالبيئة وزيادة الحرص عليها بين العامة.
وتقول جين ماكاي، كبيرة الباحثين بمعهد داريل للحفاظ على البيئة بجامعة كنت، إن الدين والمعتقدات الروحانية لديهما القدرة على التأثير على الناس للحفاظ على البيئة.
وأشارت دراسة ماكاي إلى أن تعريف الناس بالمفاهيم المتأصِّلة في الدين الإسلامي، مثل مفهوم خلافة الله في الأرض -الذي يحث المسلمين على الاعتناء بالأرض، وعدم الإخلال بالتوازن الطبيعي في الخطب الدينية- يؤثر على المصلين ولا سيما النساء، ويحثهم على اتخاذ خطوات للحفاظ على البيئة.
ومنذ عام 2010، أصدر مجلس العلماء الإندونيسي ست فتاوى بشأن قضايا بيئية، مثل إدارة المياه، وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض، وحرق الأراضي. وأسهم المجلس في تدشين المساجد الصديقة للبيئة التي تُدار وفقا للأخلاقيات البيئية الإسلامية.
ويتضمن المسجد الصديق للبيئة نظاما مستداما لإدارة المياه، ويلقي الأئمة في هذه المساجد خُطبا تحث المصلين على الحفاظ على البيئة بدروس مستقاة من الآيات القرآنية المشفوعة بالتفسيرات العلمية.
وأصبح الآن مئة مسجد في إندونيسيا صديقا للبيئة. وتقول كريسيتنا غروسمان، الباحثة في التنمية المقارنة بجامعة باساو في ألمانيا، إن الأخلاقيات الإسلامية البيئية لاقت رواجًا واسعا، ولا سيما في جزيرة جاوا.
وخلصت دراسة أجراها فخر الدين مانغونجايا، من مركز الدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية، إلى أن الفتاوى ساعدت الحكومات والمنظمات الأهلية في الترويج لجهود الحفاظ على البيئة، مثل فتوى حماية الحيوانات المهددة بالانقراض والتي أسهمت في رفع الوعي بين المزارعين حول أهمية الحفاظ على المواطن الطبيعية لوحيد القرن الجاوي ونمور سومطرة.
ويقول مانغونجايا إن الكثير من المزارعين، قبل سماع خطب الأئمة عن مفهوم استعادة أراضي الخث الرطبة، لم يكونوا يعرفون أنهم يعيشون على أراضٍ خثية منذ عقود.
لكنه ينبه إلى أن تغيير سلوكيات الناس يمثّل أحد التحديات التي يواجهها الأئمة، إذ أن بعض الناس تراودهم شكوك حول جدوى استعادة الأراضي الخثية بعد أن أصبحت سماء سومطرة مغشّاة بدخان الحرائق الأحمر.
ورغم أنّ حرق الأراضي محظور قانونا في إندونيسيا منذ عام 2014، إلا أن مورنياتي، الباحث بمركز أبحاث تنمية الغابات بوزارة الغابات، يقول إن المزارعين في إقليم رياو يضطرون لحرقها لأنها الوسيلة الأرخص ثمنا لاستعادة خصوبة التربة.
إذ تصل كلفة تأجير حفّار لاقتلاع الشجيرات 1.080 جنيها استرلينيا لكل هكتار، وتصل تكلفة استخدام المبيدات الحشرية إلى 98 جنيها استرلينيا على الأقل لكل هكتار.
لكن نور عزمي، أحد الأئمة بإقليم رياو، يقول إنه يفضّل استخدام المواد العضوية التي يصنعها بنفسه حتى لا يشارك في نشر الضباب الدخاني، الذي تسبب في كارثة عام 2015 راح ضحيتها الكثير من الأطفال وأصابت البعض بالأمراض. ويخطب الشيخ عزمي في الناس لا في المساجد فحسب، بل أيضا في الجمعيات المحلية النسائية والمدارس.
ورغم أن هيري بورنيمو، الباحث في مركز أبحاث الغابات الدولية، يشيد بجهود الأئمة والدعاة في نشر الوعي البيئي، فإنه يقول إن المزارعين يواجهون الكثير من التحديات في الحقول، وقد لا تكفي المحاضرات الدينية لدعمهم في التصدي لها.
ويقول بورنيمو إن ممارسات حرق الأراضي ليست حكرا على الفقراء وصغار المزارعين؛ إذ استخدم السياسيون الحرائق أيضا قبيل الانتخابات، كوسيلة رخيصة لزيادة قيمة الأراضي. ويتهم أيضا أصحاب المزارع الكبيرة باضرام النيران في أراضيهم.
ويقول ماغونجايا إن الفتوى قد لا تكون مقنعة بما يكفي للتأثير على السياسيين المحليين، لكن إسهامها في نشر الوعي البيئي الإسلامي قد يساعد الحكومة في استعادة الأراضي الخثية.
وحتى الآن، يبدو أن النتائج إيجابية، فعندما اشتعلت حرائق الغابات في عام 2019، لم يكن ثمة أثر للنيران في 65 في المئة من القرى التي تعاونت مع وكالة استعادة الأراضي الخثية.
ومع اقتراب موسم قلة الأمطار، يبذل الأئمة مجهودا مضاعفا للحد من النيران. وفي كل مرة يجتمع أهالي القرية، يخطب موستانجين في الناس ويحثهم على معالجة الأراضي المتدهورة. ويقول:”لن أيأس أبدًا من تذكير أهالي القرية بأهمية حماية مخلوقات الله”.
[ad_2]
Source link