فيروس كورونا: كيف تتسبب تسمية الأمراض في مشاكل دبلوماسية بين الدول؟
[ad_1]
في عام 2009 دعا نائب وزير الصحة الإسرائيلي، ياكوف ليتزمان، إلى عقد مؤتمر صحفي طارئ، استجابة لتفشي فيروس إنفلونزا غامض في أنحاء العالم. وكان الجميع يترقب الإعلان عن وقوع أول حالة إصابة بالفيروس في إسرائيل في أي لحظة.
لكن نائب الوزير في المقابل قال: “سنطلق عليه اسم فيروس الإنفلونزا المكسيكي، ولن نسميه إنفلونزا الخنازير”.
إذ اشتهر فيروس “إتش 1 إن 1” في البداية باسم انفلونزا الخنازير، لأن أول مصاب بالمرض كان يعيش في قرية بالقرب من مزرعة خنازير، مما أثار شكوكا بأن المرض انتقل إلى البشر من خنازير مصابة بالفيروس.
لكن اسم “إنفلونزا الخنازير” كان ينطوي على إساءة للمواطنين اليهود والمسلمين بإسرائيل، إذ يتحاشى الكثير منهم تناول لحم الخنزير لأسباب دينية.
واقترح الرئيس الإسرائيلي اسم الانفلونزا المكسيكية في إشارة إلى البلد التي ظهر فيه أو اكتشف فيه، كما هو معتاد. وقد ظهر فيروس ماربورغ مثلا، الذي يسبب حمى نزفية، في بلدة ماربورغ الألمانية، واكتشف فيروس هيندرا في ضاحية هيندرا بمدينة بريزبان بأستراليا، وسمي فيروس “زيكا” على اسم غابة في أوغندا .
واستمد إيبولا اسمه من نهر إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أما إنفلونزا فوجيان فتحمل اسم مقاطعة فوجيان في الصين.
لكن السفير المكسيكي في إسرائيل قدم شكوى رسمية احتجاجا على اقتراح الوزير الإسرائيلي بتغيير اسم انفلونزا الخنازير إلى الإنفلونزا المكسيكية، معللا ذلك بأنه مسيء لبلاده. فلا أحد في نهاية الأمر يقبل أن يصبح اسم بلاده لصيقا بمرض قاتل.
وبعد أسابيع من اكتشاف فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية، انتشرت مسميات عديدة للفيروس منها “إنفلونزا ووهان” وفيروس كورونا ووهان” وفيروس كورونا المستجد 2019″، و”الفيروس المسبب للالتهاب الرئوي بسوق الأطعمة البحرية بمدينة ووهان”.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحفي عن الاسم الرسمي للمرض الذي يسببه الفيروس المستجد وهو “المرض الناجم عن فيروس كورونا- 19”. ونشرت اللجنة الدولية لتصنيف الفيروسات تقريرا يقترح اسم “فيروس كورونا الثاني المسبب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد”، أو “سارس 2” للإشارة إلى ارتباطه الوثيق بفيروس “سارس” الأول.
لكن أحد المتحدثين الرسميين باسم منظمة الصحة العاليمة ذكر أن المنظمة لن تستخدم هذا الاسم حتى لا تثير كلمة “سارس” الذعر بين الناس.
ودرجت العادة عند تسمية سلالة جديدة من الفيروس بمجرد اكتشافها والتأكد من أنها تختلف عن سائر السلالات، أن يقترح العلماء الموكلين بذلك بعض الأسماء، ثم يرسلونها للجنة الدولية لتسمية الفيروسات التي تختار واحدا منها.
غير أن اختيار الاسم المناسب للفيروس دون إيذاء مشاعر أحد أو إثارة غضب منطقة، لا يزال أمرا عسيرا. فقد تؤدي إساءة اختيار الاسم إلى إلصاق وصمة العار بمنطقة بأكملها، أو تقويض قطاع كامل، أو تفجير أزمة دبلوماسية.
ويقول جينز كوهن، المتخصص في الفيروسات الفتاكة بالمعهد الوطني للصحة، إن تسمية الفيروسات ليست سهلة على الإطلاق، فقد تتسبب في إثارة غضب الناس لأسباب مختلفة.
وكلما تأخر اختيار الاسم الرسمي، زادت صعوبة محو الاسم الأول الذي أطلق على الفيروس وقت ظهوره من أذهان الناس، كما هو حال فيروس “إتش 1 إن 1″، الذي لا يزال يشار إليه باسم إنفلونزا الخنازير. ولهذا ينصح كوهن باختيار الاسم المناسب لسلالة الفيروس من البداية.
في البداية ينبغي أن يكون الاسم جديدا وفريدا، فقد يثير اسم “فيروس كورونا ووهان” الكثير من الخلط واللبس. إذ يوجد في ووهان بالفعل 17 فيروسا، مثل فيروسات البعوض والخنافس، لكن أغلبها لا ينتقل للبشر.
وينبغي أن يكون الاسم قصيرا وجذابا. إذ يقول كوهن إنه يجد صعوبة في تذكر اسم “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية”، ويرى أن اسم “الحصبة”، هو الاسم المثالي كونه مختصرا وواصفا.
ولعل الأهم من ذلك كله ألا يكون الاسم مسيئا لأحد قدر الإمكان.
وفي أعقاب تفشي فيروس أنفلونزا “إتش 1 إن 1″، المعروف بإنفلونزا الخنازير، تظاهر مربو الخنازير احتجاجا على الخسائر الضخمة التي تكبدوها بسبب توهم الناس أن لحم الخنازير ناقل للعدوى.
وأمرت السلطات المصرية بإعدام جميع الخنازير في البلاد، ودُفن بعضها حيا، مع أن الخنازير لم تكن سبب المشكلة. صحيح أن الفيروس مصدره الخنازير، إلا أن البعض يقترحون أنه انتقل إلى البشر عبر حيوان آخر، ربما يكون أحد أنواع الطيور المهاجرة. لكن تسمية “إنفلونزا الخنازير” أثارت هلع الناس ودفعتهم لقتل أعداد هائلة من الحيوانات.
وينسحب الأمر نفسه على المواقع الجغرافية التي تقترن أحيانا باسماء فيروسات لم تكتشف فيها. وفي عام 1918، حين أوشكت الحرب العالمية الأولى أن تضع أوزارها، ظهر فيروس إنفلونزا فتاك وانتشر في أرجاء المعمورة، من القارة القطبية الشمالية إلى جزر المحيط الهادئ، ولم ينج منه إلا بضع مستوطنات ومجتمعات مغلقة.
وفي الواقع، تشير الكثير من الأدلة إلى أن الفيروس لم يكتشف في إسبانيا. ولكن في الوقت الذي أخفت فيه الكثير من الدول أخبار الفيروس حرصا على الروح المعنوية للشعب أثناء الحرب، قررت الصحف الإسبانية، بدافع الواجب، الإعلان عن حقيقة الفيروس بمجرد اكتشاف أول حالة إصابة. وقد اقترن اسم إسبانيا بالفيروس لكونها من أوائل الدول التي تعترف بوجود حالات مصابة على أراضيها.
وقد يكون للتسميات الخاطئة أحيانا عواقب كارثية. إذ كان فيروس نقص المناعة البشرية يعرف في الثمانينات من القرن الماضي بفيروس نقص المناعة المرتبط بالمثليين. وبغض النظر عما ينطوي عليه الاسم من إساءة، فإنه عرقل جهود احتوائه.
وقيل إن ربط الفيروس بالرجال المثليين ذوي البشرة البيضاء دون غيرهم، عرقل جهود الكونغرس الأمريكي لتمرير تشريع وقائي. واخُتزلت قضية تفشي الفيروس في “مشكلة متحررين”.
وبعد اقتران مدينة ووهان الصينية باسم فيروس كورونا المستجد في آلاف من عناوين الصحف حول العالم، فأغلب الظن أنه سيظل معروفا بين الناس مستقبلا باسم “فيروس ووهان”.
وقد اقتُرحت أنظمة بديلة متعددة لتسمية الفيروسات لتفادي وقوع حوادث مشابهة مستقبلا. إذ اقترح البعض إطلاق أسماء البشر على الفيروسات، كما هو حال الأعاصير. ولك أن تتخيل أن تهاتف رئيسك صباحا لتخبره أنك لن تأتي للعمل لأنك “أصبت بنزلة ستيف”!
لكن هذا الأمر ليس غريبا تماما. ففي عام 2011، قيل إن رجلا يابانيا رفع تظلما للجنة الدولية لتسمية الفيروسات احتجاجا على اسم “فيروس نورو”، الذي يسبب القيء والإسهال ويسهل انتقاله من شخص لآخر، لأن “نورو” هو اسم شائع في اليابان، التي يوجد فيها نحو 19,369 شخص يدعى نورو. لكن الفيروس كان قد ترسخ بالفعل في الأذهان باسم “فيروس نورو” ولم تعد تجدي جهود تغييره.
واقترح آخرون ترقيم الفيروسات. لكن المشكلة أن خطئا بسيطا في الأرقام قد يؤدي إلى عواقب جسيمة تتجاوز الأخطاء اللغوية بمراحل.
ونشرت منظمة الصحة العالمية بعض الأدلة الإرشادية التي توصي بتفادي إطلاق أسماء البشر والحيوانات والمناطق الجغرافية على الفيروسات، ووصف الفيروس في المقابل بالأعراض التي يسببها.
لكن رغم أن اسم فيروس “متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد” مطابق تماما لمعايير منظمة الصحة العالمية، إلا أن المسؤولين في هونغ كونغ يفضلون الإشارة إليه باسم “التهاب رئوي شاذ” بعد أن لاحظوا التشابه بين الحروف الأولى لفيروس “سارس” والحروف الأولى لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة أو “سار”.
غير أن اقتران الاسم بالفيروس قد يكون مبعث فخر للبعض، إذ طلب بعض المرضى من كوهن أن يطلق اسمهم على أحد سلالات الفيروسات، تعويضا عن الآلام التي كابدوها من أعراضه.
وطالما أطلقت اسماء أمراض على مكتشفيها أو ضحاياها، مثل “قرحة كوشينغ”- التي سميت على اسم هارفي كوشينغ أول من وصف أعراضها- بغض النظر عن مدى فظاعة الأعراض التي تسببها.
ومهما اختلفت التسميات، فإن اسم الفيروس لن يؤثر على انتشاره، ولعل من الأفضل أن ننحي خلافاتنا جانبا ونركز في المقابل على سبل وقف انتشار الفيروسات.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link