مظاهرات لبنان: لماذا تنطلق كل الهجمات على المتظاهرين من الخندق الغميق؟
[ad_1]
وضعت قوى الأمن اللبناني حواجز اسمنتية عالية، اليوم على مداخل وسط بيروت، في الجهة المقابلة لحيّ الخندق الغميق.
ينظّم مناصرو حزب الله وحركة أمل في الآونة الأخيرة هجمات على ساحتي الاعصام في وسط بيروت انطلاقاً من هذا الحي ويعمدون إلى اضرام النار في الخيم والاعتداء على المتظاهرين.
لكنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها اسم هذا الحيّ البيروتي جدلاً. وساهم أكثر من حدث أمني وسياسي، في خلق صورة نمطية عن هذا الحي، صورة شبيهة بصورة أغلب الأحياء الفقيرة المهمشة.
في منتصف ليل 16 ديسمبر/ كانون الأول 2019 وقع الهجوم الأوسع على المعتصمين في وسط بيروت، واشتبك خلاله شبّان أتى معظمهم من خارج الحيّ، مع القوى الأمنية لأكثر من أربع ساعات بسبب انتشار فيديو لشخص يسيء إلى رموز الطائفة الشيعية.
قصة الخندق الغميق
شارع واحد رئيسي يفصل بين وسط بيروت التجاري وحي الخندق الغميق. الفرق واضح بين المكانين، الحيّ شعبي واحتفظت معظم بيوته ومبانيه بالطابع المعماري البيروتي القديم، ويطلّ على منطقة تضم مكاتب ومساكن للأثرياء.
الحيّ يقع على تلة تشرف على وسط المدينة. وكانت منازله المتواضعة تطلّ على البحر قبل أن ترتفع المباني الفخمة الجديدة وتحجب رؤية البحر عنه.
ويقول الشيخ محمد كاظم عيّاد، إمام المسجد في الخندق الغميق، إنه حتى عام 1975، كان الحي يضم جميع الطوائف.
ترك المسيحيون منازلهم عندما نشبت الحرب الأهلية وبداية الانقسام الطائفي. واقتصر سكّان الحي على الطائفتين الشيعية والسنية. لا يزال قسم من كنيسة الطائفة السريانية قائماً، بعد أن دمر القصف نصفها الآخر . كما لا تزال معظم جدران وبيوت الخندق، تحمل آثار رصاص وقذائف الحرب الأهلية.
ويتذكر الشيخ خروج معظم التحركات المطلبية وخاصة تلك التي قادتها الحركة الوطنية والأحزاب اليسارية قبل بداية الحرب من هذا الحي إلى ساحة الشهداء، ساحة الاحتجاجات الرئيسية في بيروت منذ الحقبة العثمانية.
الأزمة في لبنان: “المحطة الأشدّ قساوة” أم “فرصة التغيير السياسي”؟”
تأجيل مشاورات اختيار رئيس وزراء جديد في لبنان
مع الوقت أصبحت غالبية سكان الحي من أبناء الطائفة الشيعية، ممّن هجروا قراهم في جنوب لبنان بعد اجتياحه من قبل الجيش الإسرائيلي واحتلاله عام 1978.
مساحة الحي صغيرة، فيه شارع رئيسي وحيد، وكان في الماضي المدخل الرئيسي لوسط المدينة الذي كان مختلفاً. كان مركزاً للأسواق الشعبية والحوانيت الصغيرة، يتبضع منه الناس وخاصة أبناء الأحياء المجاورة. ومع بداية الحرب، تعرّض وسط بيروت وأسواقه للتدمير، وفرغ تقريبا من سكانه وتجّاره.
بقي وسط بيروت متنفساً لأهالي الخندق الغميق حتى خلال سنوات الحرب الأهلية. يستغلّ الناس ساعات الهدوء ووقف إطلاق النار ليخرجوا قليلاً.
انتهت الحرب الأهلية، وبدأ مشروع إعادة إعمار وسط المدينة الذي غيّر هوية وخصوصية المكان. ولم يعد مكاناً يجد فيه الفقراء أو ذوي الدخل المحدود متنفساً.
اختفى الطابع السكني والشعبي، اختفت مقاهي الأرصفة والأسواق الشعبية والباعة المتجولون وكل ما يمت بصلة لبيروت ما قبل الحرب. حلّت مكانها محال تجارية ومطاعم فخمة. فساهم مشروع إعادة الإعمار الذي انطلق منتصف التسعينيات، بإبعاد الفقراء عن وسط المدينة وبزيادة المسافة بين الوسط والأحياء الشعبية المجاورة.
كان أهل بيروت يطلقون اسم “البلد” على وسط المدينة فأصبح اسمه “داون تاون:” أو “سوليدير” نسبة إلى الشركة التي كلّفتها الدولة بمشروع إعادة الإعمار والتي كان يملكها آنذاك رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
الاعتداءات على المتظاهرين
يؤكد الشيخ كاظم إن غالبية شبّان الخندق موزعون من الناحية بين حركة أمل وحزب الله. وبحسب الشيخ كاظم إن المطالب مشتركة بين هؤلاء وبين شباب الحراك، لكنه “هناك من تسلّق الحراك وحرفه عن مساره وساهم في تصوير أهل منطقة الخندق الغميق كخصوم للتحرك المطلبي”.
ويعيد الشيخ أسباب الخلاف بين المتظاهرين وشباب الخندق إلى قطع الطريق القريب من الحي مع بداية المظاهرات، ما أدى إلى ضغط سير داخل شوارع الحارة الضيقة. وإلى إطلاق الشتائم وانتقاد رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، نبيه برّي.
لكنّ الشيخ يؤكد من جديد أن ليس كل من يخرج من الخندق الغميق هم من سكّانه وشبابه، فالعديد من الشبان المعترضين على الحراك يأتون من مناطق أخرى وإن كانوا أيضاً مناصرين لحزب الله ولحركة مل.
خلال احتجاجات عام 2015 على أزمة النفايات في لبنان، شنّ أيضاً مناصرو حركة أمل هجوماً على خيم الاعتصام وعلى المتظاهرين في ساحة الشهداء للسبب ذاته، أي انتقاد شخص نبيه برّي.
تحدّث بعض شبّان الخندق لـ بي بي سي دون ذكر اسمائهم، وأبدى أحدهم انزعاجه من توجيه الانتقادات والشتائم إلى من يعتبرهم الشبان مرجعيات سياسية كأمين عام حزب الله حسن نصر الله ورئيس حركة أمل نبيه بري. وقال شاب آخر إن نبيه بري “هو صمام الأمان في لبنان وهو من أنهى الحرب الأهلية”.
ويؤكد الشباب المناصرون لحركة أمل إنهم مع المطالب الاقتصادية والمعيشية وإنهم أيدوا التظاهرات في الأيام الأولى لكنهم يرفضون التعرض لزعمائهم.
ويصرّ المتظاهرون على تحميل المسؤولية عن الفساد وعن هدر المال العام لجميع أركان السلطة الحاكمة منذ التسعينيات من القرن الماضي ورئيس حركة أمل هو رئيس مجلس النواب منذ عام 1992.
ولدى سؤالهم عن إمكانية استفزازهم عمداً في المستقبل لخلق مشكلة بينهم وبين المتظاهرين، قال أحدهم “القيادات الحزبية ستتصرّف”.
وردّ الشيخ عياد على السؤال ذاته قائلاً: “سنسعى دائماً إلى التهدئة لكننا لا نضمن نجاحنا في كل مرة”.
وكان الشيخ عيّاد قد ظهر على الشاشات منذ منتصف الليل في محاولات للتهدئة، كما كان يرافقه خلال النهار الشيخ زياد الصاحب عضو مجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ( سنة ) في محاولة لضبط الأمور والتأكيد على الوحدة الإسلامية بعد ليل طويل من التوتر المذهبي.
ماذا حصل مساء 16 ديسمبر؟
يقول أحد سكان الخندق الغميق إنه عند الساعة العاشرة مساء رأى تجمعاً ضخماً لشبّان قدموا من ضاحية بيروت الجنوبية، كانوا يستعدون للتوجه إلى ساحة الشهداء احتجاجاً على انتشار فيديو مسجّل يسيئ من خلاله أحد الأشخاص إلى أهل بيت النبي محمد.
أكّد الشاب إن محاولات التهدئة الأولى نجحت ونجح أشخاص في قيادتي حزب الله وحركة امل في إبعاد هؤلاء الشبّان إلى خارج الخندق الغميق، لكنهم أعادوا تنظيم صفوفهم وحاولوا اقتحام ساحة الشهداء من حيّ مجاور.
الفيديو قام بتسجيله شخص لبناني مقيم في اليونان وأرسله إلى أحد الأشخاص المقربين من حركة أمل، لكن المقطع انتشر سريعاً وأثار غضب أبناء الطائفة الشيعية. ولم يمنع الاستنكار الواسع من أبناء ورموز الطائفة السنية في لبنان الذين اعتبروا أن مضمون الفيديو مسيء لهم أيضاً، الشباب الغاضبين من الخروج في تظاهرات للتعبير عن غضبهم.
ولم يقتنع العديد من المتابعين بحجة الاعتراض على الفيديو، لأن المتظاهرين لا علاقة لهم به. ورأى بعض الناشطين أن مناصري حركة أمل وحزب الله ليسوا بحاجة إلى عذر لاقتحام الساحة، إذ باتوا يفعلون ذلك يومياً، خاصة وأن الاعتراض على الفيديو تزامن مع اعتداءات ليس لها طابع طائفي أو مذهبي على المتظاهرين في جنوب لبنان. بل هي اعتداءات متكررة أيضاً بسبب الاختلاف السياسي بين المتظاهرين ومناصري الحزبين.
ويؤكد شبان الخندق الغميق أنّ المعترضين على الفيديو أرادوا التعبير عن غضبهم في ساحة الشهداء التي كانت خالية ليلاً من المتظاهرين، لكنهم اشتبكوا مع القوى الأمنية بعد محاولة صدّهم. وأدّت الاشتباكات التي استمرّت حتى ساعات الفجر، إلى وقوع جرحى من الطرفين وإلى حرق أربع سيارات.
في اليوم التالي لهذا الهجوم، ومن دون معرفة السبب، حاول شباب الخندق مرة جديدة الدخول الى ساحة الشهداء ليلاً. اليوم صباحاً وضعت القوى الأمنية جدران اسمنتية أقفلت بها طرق تربط بين الخندق الغميق وساحات الاعتصام فخلقت حواجز جديدة بينه وبين وسط المدينة إضافة إلى الحواجز الطبقية.
[ad_2]
Source link