أخبار عربية

فيلم “وأخيرا رقصنا”: بين الاحتفاء النقدي والحشود الغاضبة التي هاجمت صالات عرضه

[ad_1]

احتشد عناصر الشرطة لمواجهة المحتجين أمام صالة العرض في تبليسي

مصدر الصورة
On.ge

Image caption

احتشد عناصر الشرطة لمواجهة المحتجين أمام صالة العرض في تبليسي

أثار عرض فيلم “وأخيرا رقصنا” في العاصمة الجورجية تبليسي ضجة كبيرة، انتهت بمهاجمة حشود ضمت مئات الغاضبين من المحافظين وأتباع اليمين المتطرف لصالات السينما التي تعرضه فيها ومدن أخرى.

كما وجهت الكنيسة الأرثوذكسية الجورجية انتقادات شديدة للفيلم، ووصفته بأنه “هجوم ضد الكنيسة”.

وامتدت الضجة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي حفلت بجدل واسع بشأن عرض الفيلم. وانتشر مقطع فيديو لزعيم جماعة “الت ـ أنفو” السياسية القومية، زوراب ماخارادزه، يدعو فيه للتظاهر ضد الفيلم، الذي وصفه بأنه “جزء من حرب معلوماتية وأيديولوجية بين النزعتين المحافظة والليبرالية”.

فما الذي أثار غضب هذه الحشود في جورجيا ضد الفيلم؟

غضب شعبي واحتفاء نقدي

أخرج فيلم “وأخيرا رقصنا” المخرج السويدي من أصول جورجية، ليفان أكين، وقد حظي الفيلم منذ بدء عرضه في مهرجان كان ثم في مهرجان لندن السينمائي باحتفاء نقدي كبير، واختير ليكون ممثلا للسويد في التنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي التي ستعلن مطلع العام المقبل.

ويواصل الفيلم حصد عدد من الجوائز في بعض المهرجانات العالمية، من بينها مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي ومهرجان أوديسا الدولي، فضلا عن مهرجان سراييفو الذي حصد فيه جائزة أفضل ممثل رئيسي.

وعلى الصعيد الشخصي، كنت رشحت هذا الفيلم للفوز بجائزة النقاد العرب للأفلام الأوروبية التي تقدم على هامش مهرجان القاهرة، خلال عضويتي بلجنة تحكيمها.

لقد نجح أكين في التقاط لحظة توتر جمعت العام والخاص، في العلاقة بين روح الفرد وروح الأمة، أو علاقة جسد الفرد بالمكان العام الذي يعيش فيه (الوطن) الذي نعكس في داخله في سلسلة من القيم والسلوكيات.

وعكس كل ذلك ضمن نسيج فني مميز، برع في اكتشاف المعادلات الموضوعية التي جسدت ثيمته الأساسية في مزيج من مختلف عناصر التعبير الفني: الموسيقى والرقص والأداء التمثيلي ضمن بناء ولغة بصرية مميزة.

الفرد والأمة

وبنى أكين حبكة فيلمه على التوتر بين الفردي والجمعي، ولا أقول التناقض إذ أنه قدمه هنا في إطار تفسير أو تأويل شخصي لمفهوم روح الأمة مجسدا في مكانة الرقص التقليدي لدى الجورجيين واعتباره رمزا يعبر عن خصوصيتهم، وجسده ضمن صيرورة تقوم على الاكتشاف (بالنسبة لبطله وللمتفرج أيضا) وليس عبر وصف خارجي وتتبع تطور السرد ومسار الحكاية زمنيا.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

مخرج الفيلم ليفان أكين وبطله الرئيسي الممثل والراقص الجورجي الشاب ليفان غلبخياني

فتصبح قصة الفيلم، قصة اكتشاف بطله الشاب “ميراب” (أدى دوره ببراعة الممثل والراقص الجورجي الشاب ليفان غلبخياني) لنفسه وجذوره وجسده وعواطفه وهويته الجندرية وميوله الجنسية، وينعكس هذا الاكتشاف عبر تناغم عناصر فنية متقن بين الرقص والتمثيل والصورة السينمائية.

فميراب، الشاب المتحدر من عائلة جورجية، تحترف الرقص الجورجي التقليدي، يجهد نفسه في استوديو التدريب التابع لفرقة الرقص الوطنية في تبليسي لإثبات براعته ووراثته لهذا التقليد، لكن مدرب الرقص (الذي لا يوحي شكله، بلحيته الكثة وبنية الجسدية الضخمة، بمدرب رقص) يرى فيه دائما رقة و”ميوعة” لا تتناسب مع رجولية الرقص التقليدي الجورجي، الذي يقول له إنه رقص يعكس القوة والرجولة والشجاعة و لامكان للضعف أو الميوعة فيه.

وتتردد تلك المفاهيم على على أذن “ميراب” على لسان المدرب في الاستوديو عندما يذكره وهو يراقص صديقته (الممثلة أنا جافاكيشفيلي) التي يتدرب معها منذ سنوات بأن “الرقص الجورجي لا يحتمل أي إيحاءات جنسية”، أو على لسان المسؤول الرسمي الذي يزور الفرقة ويذكره أن هذا الرقص يُجسد روح الأمة الجورجية.

وتقابل هذه المعالجة رحلة اكتشاف المخرج نفسه، المولود في السويد، لجذوره وهوية آبائه. وقد كتب أكين مؤخرا على صفحته في فيسبوك ردا على هجوم اليمينين المتطرفين على فيلمه في جورجيا قائلا: ” لقد صنعت هذا الفيلم بمحبة وتعاطف. إنه رسالة حب وجهتها لجورجيا ولموروثي. وبتقديم هذه القصة أردت استعادة وإعادة تعريف الهوية الجورجية لتشمل الكل لا البعض”.

ومع دخول راقص منافس للاستوديو، يدعى إراكيلي (الممثل باتشي فايلشفيلي)، ويتسم بوسامته وقوته الجسدية الواضحة، يشتعل التنافس بين الاثنين.

ويحاول ميراب إجهاد نفسه أكثر لاثبات كفاءته مقابل موهبة إراكيلي الذي يرقص بتلقائية وتَمكن، ولا يشغله الرقص نفسه قدر انشغاله بالاستمتاع بحياته.

ويتصاعد التنافس بينهما مع سعي الفرقة للبحث عن راقص لترشيحه للانضمام إلى فرقة الباليه الوطنية، لكن مشاعر الغيرة والتنافس تلك سرعان ما تستحيل من منظور ميراب إلى قصة تكامل وصداقة بل وحب بعد أن يكتشف ميوله المثلية نحو إراكيلي، أثناء رحلة وحفلة في ضيعة تابعة لأهل إحدى فتيات الفرقة الأثرياء.

مصدر الصورة
EPA

Image caption

احتشد المحتجون أمام صالة السينما في تبليسي

ولا ينشغل أكين كثيرا بالتركيز على عذابات قصة حب محرم في مجتمع محافظ، بقدر تركيزه على جوى ولوعة بطله الشاب واكتشافه لجسده ونفسه، التي يختمها بمشهد رقصة رائعة اثناء مسابقة التنافس النهائية على المرشح النهائي، إذ يترك ميراب لجسده أن يعبر عن نفسه برقصة تعبيرية محتدمة بالعاطفة والانفعال وخارجة كليا عن قوالب الرقص الشعبي الجورجي التقليدي، وإن كانت على ايقاعاته نفسها، فهي وإن بدت تعبيرا عن مشاعر اللوعة والألم والفشل، لكنها في الوقت نفسه تعبيرا عن الذات والهوية بصدق خالص لا تفسده أي عوامل موضوعية خارجية.

نهج مقتصد

رسخ أكين في فيلمه الثالث هذا أقدامه في المشهد السينمائي المعاصر مخرجا له حساسية خاصة في التعامل مع الإيقاع في الصورة السينمائية. فالرقص وحركة الجسد الإنساني كانا مادته الأساسية، بيد أنه برع في تقديمها ضمن فضاء درامي محتدم بالعواطف والأحاسيس، وجعلها مدخلا ساحرا للتعبير عن هذه العواطف والانفعالات.

ولعل أبرز عناصر نجاحه في هذا الفيلم لجوءه إلى نهج مقتصد، أقرب إلى نزعة (المينيماليزم في الموسيقى والفنون البصرية) في معالجة مشهده، والذي ظلت حركة الجسد وملامح الوجه والإيقاع الموسيقي الراقص مادته الأساسية، وساعده في ذلك أن معظم أحداث الفيلم كانت تدور في قاعة التدريب لفرقة الرقص.

مصدر الصورة
Reuters

Image caption

تعرض البعض للضرب على أيدي المحتجين الغاضبين أمام صالة السينما

لقد اجتهد أكين في خلق إيقاع بصري مقابل لذلك الإيقاع المحتدم الذي توفر عليه الرقص الشعبي الجورجي، وقد ساعدته في ذلك كثيرا مديرة التصوير السويدية، ليسابي فريدل (لفتت الانظار بتصويرها فيلم “شيء ما يجب أن ينكسر” 2014، والتي كانت كاميرتها لا تستقر وتتحرك بانسيابية عالية مع حركة الراقصين في فضاء التدريب، ملتقطة في الوقت نفسه انفعالاتهم في لقطات قريبة مؤثرة، عمقها استخدام أكين لقطع مونتاجي حاد يتناسب مع حدة وقوة حركات الراقصين وانتقالاتهم.

وقد اعتمدت كثيرا على الكاميرا المحمولة التي كانت تتحرك عبرها بانسيابية وسط زحمة حركة الراقصين، أو بين الشخصيات المتعددة في المشاهد الأخرى، كما هي الحال مع الترافلينغ في مشهد الحفلة عندما تستعرض الكاميرا الشخصيات مارة داخل المنزل ثم تتوقف عند ميراب، وتعود إلى فضاء الحفلة لتتوقف ثانية عند النافذة لنرى لوعة ميراب وجواه هذه المرة فيها.

وكذلك في تلك السرعة التي تتحرك بها الكاميرا لمتابعة دوران ميراب في رقصة النهاية الطافحة بالانفعال وذاك الشعور الملتبس بين خيبة الفشل ونشوة التعبير الخالص عن الذات عبر رقص، بدا أشبه بدوران الرقص الصوفي.

وكان اللافت في الفيلم، أداء الممثل ليفان غلبخياني، الذي برع في تجسيد شخصية ميراب بكل احتدامها النفسي في رحلة اكتشاف الذات وهويتها الجندرية على نحو تدريجي. فكنا نراه في صورة المراهق الحالم ضعيف البنية، ثم في صورة الراقص الطموح المصمم على أن يعبر عن نفسه بأقصى قوة ممكنة، أوتنقله بين الشاب الهامشي نسبيا والعاشق الملوع المحتدم، وقد ساعدت نحافته وملامحه من جهة ومرونته الجسدية كراقص محترف من جهة أخرى على تجسيد هذه الشخصية المعقدة.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى