ما الذي يجعل “علماء مصر غاضبين”؟
[ad_1]
من المعتاد أن تكون وظيفتك هي المصدر الرئيسي، أو ربما الوحيد لدخلك، لكن ماذا لو تطلبت وظيفتك أيضا الإنفاق من جيبك عليها؟
هذا هو حال أعضاء هيئة التدريس في الجامعات في مصر ومعاونيهم، وكذلك الباحثين بمراكز البحوث العلمية.
وقد دشن هؤلاء قبل أيام حملة على موقع فيسبوك، يطالبون فيها بزيادة رواتبهم وتحسين أوضاعهم المعيشية “المتردية”.
ولاقت هذه الحملة تفاعلا كبيرا، واقترب أعضاء المجموعة المغلقة، التي حملت عنوان هاشتاغ “علماء مصر غاضبون”، من 50 ألف عضو حتى كتابة هذه السطور.
ويتدرج العاملون في مجال التدريس في الجامعات في مصر بدءا من معيد، ثم مدرس مساعد، ثم مدرس، ثم أستاذ مساعد، وأخيرا أستاذ، وهي أعلى درجة علمية ووظيفية بالجامعة.
“رحلة العذاب”
عقب التعيين في درجة معيد يبدأ هؤلاء رحلة البحث العلمي، أو ما يسمونها بـ”رحلة العذاب”، وأولى خطواتها هي الدراسة النظامية لعامين، فيما يسمى مرحلة تمهيدي ماجستير.
ويتقاضى علاء، وهو معيد في قسم اللغة العربية في جامعة الأزهر، 3100 جنيه شهريا، وهو نفس المبلغ الذي يتقاضاه زميل له، ويدعى خالد، يعمل معيدا في كلية التجارة بجامعة القاهرة.
وبدأ علاء عمله عام 2012، ويقول: “كنت أتقاضى أكثر من ألفي جنيه بقليل حينذاك، وكان هذا المبلغ لا يكفيني حينها. كنت أتلقى مساعدة مالية من أسرتي، حتى أستطيع الإنفاق على دراستي للماجستير، وزاد راتبي تدريجيا خلال سبع سنوات حتى وصل للمبلغ الحالي، وهو مبلغ زهيد لا يوفر لي حياة كريمة”.
أما عائشة، فتعمل أستاذة مساعدة في قسم الأسماك بكلية الطب البيطري بإحدى الجامعات المصرية، وتقول: “ترقيت منذ نحو عام من درجة مدرس إلى درجة أستاذ مساعد، وبالفعل حصلت على الدرجة الوظيفية، لكن درجتي المالية لا تزال على مدرس، إذ لم يتوفر بعد بند مالي من الجامعة، ومن ثم أتقاضى راتب مدرس وهو نحو 5500 جنيه شهريا”.
ويزيد راتب مدرس آخر، بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، على هذا المبلغ بقليل ليصل إلى نحو 6 آلاف جنيه.
الإنفاق على البحث العلمي
تقول عائشة إنها تنفق من جيبها الخاص على شراء حيوانات تجارب، وزيارة مزارع سمكية لإجراء الأبحاث التي تتطلبها وظيفتها.
وتضيف: “أنفق حوالي 20 في المئة من راتبي على البحث العلمي، ناهيك عن تدني الراتب في الأساس، ومن ثم أطالب بزيادة رواتبنا، وأن تتضمن بندا مستقلا لمصاريف البحث العلمي، ولا مانع لدي من أن يتم وضع آلية من الجامعة لمراقبة إنفاق هذا البند”.
وتشكو عائشة من أنها لا تتمتع بخدمة تأمين صحي فعالة، إذ يفترض أن تتلقى تلك الخدمة من مستشفى قصر العيني الفرنساوي بالقاهرة، والتي تقع بعيدا عن مقر إقامتها وتقدم خدمة “ردئية” حسب وصفها، لذلك تعتمد عائشة على التأمين الصحي لزوجها الذي يعمل بإحدى الشركات الأجنبية العاملة بمصر.
وردا على سؤال عما إن كانت تتطلع إلى أن يعمل أحد أبنائها في نفس وظيفتها في المستقبل قالت: “للأسف، لا أتمنى ذلك”.
وينظر إلى أساتذة الجامعات في مصر على أنهم ذوو مكانة اجتماعية مرموقة، ويتوقع “نظريا” أن يكونوا من الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة من الناحية الاقتصادية.
ويعمل حسن أستاذا مساعدا في قسم الكيمياء بإحدى الجامعات في جنوب مصر ويتقاضى راتبا شهريا قيمته نحو 7 آلاف جنيه، وينفق منه “نحو ألف جنيه على البحث العلمي”.
ويقول: “تتفاوت مصاريف البحث العلمي من تخصص إلى آخر ومن مكان لآخر، لكن قد يكلفني البحث الواحد من 3 إلى 5 آلاف جنيه. ولكي أتدرج من أستاذ مساعد إلى أستاذ على أن أعد ما بين 5 إلى 8 أبحاث محكمة ومنشورة على مدار خمس سنوات”.
ويرى حسن أن الراتب العادل لوظيفته في ظل الظروف الاقتصادية للبلد هو حوالي 15 ألف جنيه.
وعانت مصر خلال السنوات الأخيرة من موجات قوية من التضخم، خاصة بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار أواخر عام 2016، وأدى هذا إلى تراجع القوة الشرائية للفرد، وبالتالي مستوى المعيشة لأغلب فئات المجتمع.
مصادر أخرى للدخل و”رشاوى”
يرى مناهضون لهذه المطالب أن أساتذة الجامعات لهم مصادر أخرى للدخل، مثل العيادات الخاصة، أو المكاتب الاستشارية والدروس الخاصة، إلى جانب العائد من بيع الكتب للطلاب، فضلا عن اتهامات لبعض الأساتذة المشرفين على الرسائل العلمية بتلقي “رشاوى”، في صورة مبالغ مالية أو هدايا قيمة مثل مشغولات ذهبية وغيرها.
ويقول حسن إن أصحاب هذه الدخول فئة قليلة، من أساتذة الجامعات في كليات الطب والهندسة، لا تتجاوز 5 أو ربما 10 في المئة، فضلا عن أن الدروس الخاصة غير قانونية، ومن يضبط متلبسا بإعطاء دروس خاصة يحول إلى عمل إداري، وربما يفصل نهائيا من العمل بالجامعة.
وتقول عائشة: “سمعت بالفعل عن مثل تلك الرشاوى أو الرشاوى في صورة هدايا، لكن لم أر شيئا بعيني”.
وتضيف: “أغلبنا يقدم هدايا رمزية لأساتذتنا المشرفين، بمناسبة إتمام ومناقشة رسائلنا العلمية، مثل لوحة فنية بسيطة أو شيئ من هذا القبيل. وعموما إذا فسد بعض الأشخاص فهذا طبيعي في أي فئة اجتماعية، ويجب أن يحاسبوا من جانب الجامعة أو الجهات المعنية”.
أما خالد المعيد بكلية التجارة، التي ينظر لأساتذتها على أنهم من أصحاب الدخول العالية نظرا لارتفاع أعداد الطلاب، فيقول: “لم تعد هناك كتب بالمعنى التقليدي. لقد أصبحت المناهج توزع على الطلاب في صورة أقراص مدمجة (سي دي) بأسعار رمزية، وربما لا يشتريها سوى بعض الطلاب ويقوم الآخرون بنسخها، ومن ثم لم يعد للأستاذ دخل من بيع الكتب كما كان قديما”.
الراتب التقاعدي
يقول الدكتور أحمد، أستاذ متفرغ وعميد سابق لكلية الآداب بإحدى الجامعات المصرية، إنه كان يتقاضى راتبا يبلغ نحو 10 آلاف جنيه شهريا قبل بلوغه سن التقاعد، وبعد بلوغه الستين واستمراره في التدريس بالجامعة كأستاذ متفرغ، فإنه يتقاضى أقل من هذا الرقم بقليل، إذ يحصل على نحو 7500 جنيه، بالإضافة إلى راتب تقاعده من هيئة التأمين والمعاشات الذي يقدر بنحو ألفي جنيه.
ويقول: “تظهر المشكلة الكبرى حين يمرض أستاذ الجامعة، ومن ثم يتوقف عن التدريس بعد التقاعد، أو عند وفاته، وفي كلتا الحالتين لا يحصل هو أو أسرته من بعده سوى على راتب التقاعد من هيئة التأمين والمعاشات، والذي لا يزيد عن ألفي جنيه بأي حال”.
ويضيف: “أعرف حالات لزملاء توفوا قبل سن التقاعد، وتتقاضى أسرهم راتبا تقاعديا لا يزيد على 1600 جنيه، ومن ثم يعيشون في ظروف مزرية”.
ويتابع: “أشرفت على رسائل علمية كثيرة وناقشت رسائل أكثر، وتقاضيت عن المناقشة 169 جنيها، وعن الإشراف الذي يستمر أربع سنوات نحو 500 جنيه، فهل هذا يعقل؟”
وحاولت بي بي سي الاتصال بوزارة التعليم العالي أو المالية للتعليق على الموضوع، لكن لم يتسن لها ذلك.
وقال عمرو الجوهري، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب المصري، لبي بي سي إنه ينوي التقدم بمشروع قانون لتحسين رواتب أعضاء منظومة التعليم (أساتذة الجامعات والمعلمين) والأطباء في منظومة الخدمات الصحية، وذلك في مستهل الفصل التشريعي المقبل، الذي يبدأ في مطلع أكتوبر/ تشرين الثاني القادم.
ويقول الجوهري: “سأطلب مناقشة الأمر، بعقد اجتماع بين اللجنة الاقتصادية ولجنة التعليم بمجلس النواب، بحضور وزير التعليم العالي”.
ويضيف: “حدثت ثلاثة تطورات من شأنها تحقيق وفر في موازنة الدولة وهي: خفض أسعار الفائدة بنحو 1.5 في المئة، وانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وانخفاض أسعار النفط”.
وتابع: “أرى أن هذا الوفر يمكن الاستفادة منه في تحسين منظومة التعليم والصحة، وفي القلب منها زيادة رواتب العاملين فيها، لكن الأمر بحاجة إلى دراسة مدققة بالأرقام، لكي أتقدم بمشروع قانون ومعه الموارد المالية المقترحة لتنفيذه”.
[ad_2]
Source link