المسؤولية الوطنية
دولة الكويت ما كانت ولم يكن بِناءها لولا تعاضد وتعاون أهلها فيما بين بعضهم البعض على اختلاف قبائلهم وأسرهم وطوائفهم وتوجهاتهم، ولا يخفى على أحد أن دولة الكويت قد مرت بظروف عصيبة خلال مسيرتها التاريخية، وقد حافظت على كيانها ووجودها وسيادتها على مر التاريخ بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بقيادة وحكمة أسرة آل الصباح الكرام وتعاضد أبناء شعبها الكرام، قال الله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال: 46. فقد حافظت على تواجدها رغم التطورات الخطيرة في محيطها الجغرافي منذ نشأتها ولا زالت، ومن قرأ التاريخ فسيعلم علم اليقين وسيدرك حقيقة التغيرات في تشكيل خريطة العالم التي حدثت في السابق، والتي ستحدث فيما بعد والعلم عند الله تعالى، فهناك دول قد زالت واختفت، بينما هناك دول تشكلت وتطورت في العصر الحديث والمعاصر.
وتوجهات بعض الدول العظمى اليوم غامضة، وانعكاسات ذلك خطيرة جدا، فالأمر يتطلب من الجميع تقوى الله سبحانه وتعالى، وإخلاص النوايا، مع العمل الجاد بهدف المحافظة على كيان وسيادة وأمن وأمان واستقرار دولة الكويت، والعمل بصدق على تسليم الراية للأجيال القادمة بيضاء ناصعة كما استلمها الآباء من الأجداد، ولن يكون ذلك إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ثم السمع والطاعة لصاحب السمو أمير البلاد المفدى والالتفاف حوله للوصول تحت قيادته إلى بر الأمان، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء: 59.
فالأمر يتطلب من الجميع التعاون والتكاتف، إلى جانب تنمية المسؤولية الوطنية إحساسا وفكرا في نفوس الأبناء منذ نعومة الأظفار، المتمثلة بإحساس المواطن تجاه وطنه، كأن يعيش الوطن في عقولهم وأن يستحوذ على فكرهم، كما من مظاهر المسؤولية أن يرحم الكبير الصغير، وأن يحترم الصغير الكبير، وأن يكون أمن وأمان واستقرار دولة الكويت الهدف المشترك الذي ينشده الجميع، وليقدم أبناء الوطن المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
والمحافظة على ديار المسلمين وأوطانهم جميعا، فأوضاع البعض لا تبشر بخير، والعدو متربص بهم وبنا، وهو على أهبة الاستعداد لينقض عليهم فرادى، ولو سقط وطن في يد العدو فلن يترك الآخر، ولو نظرنا إلى مخططات العدو لوجدناها تسير بخطوات ممنهجة منذ عقود وقرون، فقد عملوا على تلويث الفكر الإسلامي القائم على الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة بالانحرافات الفكرية التي تغذي اختلاف القلوب، ليصل الأمر بالمسلم أن يقتل أخاه، فالخطب جلل، والقلوب وجلة، قال الله تعالى: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف: ٢١.
كما إن دولة الكويت جزء لا يتجزأ من منظومة الخليج العربي والبلاد الإسلامية، فالجميع يلتقي في خطوط عريضة وأرض مشتركة، والجميع أعضاء جسد واحد، فإذا أصيب منهم عضو بخطر تداعى إلى نجدته ومؤازرته سائر الجسد، ومن هنا تأتي ضرورة تعزيز الهوية الوطنية الخليجية في ظل الظروف الراهنة، فقوة التلاحم والتآزر عامل رئيس في بناء مستقبل الشعب الخليجي بعيدا عن المساس بعلاقات الدول الأعضاء أو التدخل في شؤونها الخاصة.
مع التأكيد على إن حماية المصالح القومية للدولة تمتد حتى آخر نقطة وصلتها تلك المصالح، وتلك هي الإيجابية المتمثلة بحماية الدولة لمصالحها القومية أينما كانت، ولو تركت لضاعت ولهلك الوطن ومن فيه، وسيقترب الخطر من حدود الدولة شيئا فشيئا، فدفعها قبل وصولها أبلغ وأنفع، والمصالح القومية للخليج العربي بشكل خاص، وللدول الإسلامية بشكل عام مشتركة في خطوط عريضة، فجميعهم يجتمعون بمصير مشترك، وهنا تجب حماية دول الخليج والدول الإسلامية وتأمين مصالحها القومية قبل ضياعها لكي ننعم وينعم الجميع بالخير واليمن والبركات.
الدكتور مرزوق العنزي
استشاري نفسي وتربوي