نعيش كصديقين ولا نتعامل بندّية الأزواج
[ad_1]
ليلاس سويدان –
عرفت الساحة الأدبية في العالم كله ثنائيات من الكتّاب جمعها الحب أو الزواج، وبعضها نشأ أصلا من خلال التقاء الأفكار أو حوارها وأنتج مادة أدبية وإبداعية شغلت النقاد والقراء. ولكن تظل المساحة المجهولة في علاقة الثنائي هي عالمهما الخاص داخل جدران بيت يجمعهما. هذه المساحة الخاصة أو ارتباطهما الزوجي هي حوار من نوع خاص بين مبدعين، والذي قد يثير فضول القارئ ليعرف عنه أكثر، وعن أثر وجود شريكين مبدعين تحت سقف واحد، على إنتاج كل واحد منهما بشكل مباشر أو غير مباشر.
مجموعة حوارات أجريناها مع بعض هذه الثنائيات الأدبية، والتي أجاب كلا طرفيها عن الأسئلة من وجهة نظره عن علاقته بشريكه. وهذه المرة الثناني هما: الروائية ميس العثمان، وعقيل يوسف عيدان (باحث في الفلسفة).
ميس خالد العثمان:
أتذكّر أنني مذ حاورت القمر في ليلة خريفية من 2007، وأخبرته بأن «عقيل» هو نصفي الأجمل، فليته يرشد كلينا للطريق الأسلم للوصول بعدما- شاءت صدفة أدبية ترتيب لقائنا الأول- وأنا التي لا تؤمن بالصدف بل بالترتيبات القدرية، يوم شعرته -القمر- قد غمز لي مبشراً؛ هذا ما سيكون لكن طريقكما الانتظار، وانتظرنا طويلا في حسابات المحبين حتى ارتبطنا، لكني منذها، كنت أعلم بشبه يقين بأن العلاقة ستكون بين ضوء يسطع في أجمل ما فيها، وآخر يخبو في أصعب ما فيها، ككل العلاقات الإنسانية المتزنة، إنما أجمل ما في علاقتنا هي كلها وكما هي، وأصعب ما فيها الرغبة الثنائية أحيانا في «عزلة» مستحقة تبعدنا عن المحيط لغرض الفعل الإبداعي بالطبع، وأحيانا تتفاقم هذه الرغبة بالعزلة فتشملنا نحن كثنائي، لكننا نتفهّم بعضنا ونرتب شكل الحياة «المؤقتة» باتفاق مريح لكلينا، فننسى الارتباطات/ المتطلبات «البيتية»– اليومية- ونعبرها بسهولة، حتى تنتهي فترة الشحن الإبداعي بسلامة مشتركة بيننا ونحتفل بالوصول!.
عقيل عيدان:
من تجربتي، فإن الأمر يتطاول على إمكانية القيام ببناء أكبر وألمع قصة حب يمكن أن يتخيلها أحد على الإطلاق، والتي سيعمى الناس من حولك بذهولها، إذ في شركة الحبيب المبدع لا يوجد حدود تقريباً لأعماق الاهتمام والرعاية الممنوحة لك، فيتم قبولك أكثر أو أقل كما أنت، ومن ثم لن تكون تحت ضغط الحفاظ على إثبات مكانتك. ستكون قادراً على إيقاظ حبيبك المبدع في ساعات غريبة لمشاركتك حزنك أو إثارتك، بل وحتى أصغر الخدوش لديك ستكون ذات فائدة. في وجود الحبيب المبدع لن يكون التقييم سريعاً أو ساخراً، كما أن الأجزاء الهشّة لنفسك ستكون في أيدٍ أمينة. ستشعر بالامتنان الكبير لأنك موجود، فستكون هويتك آمنة، ولن تكون الوصيّ الوحيد على قصتك. إنك عندما تكون محاطاً من جميع الجهات بأنواعٍ أقل أو أكبر من البرودة، ستعرف أن دفئاً ينتظرك في أحضان شخص غير عادي؛ مبدع ومحب وصبور وجدير بالامتنان بلا حدود. لكن واقع أن تكون مبدعاً له عيوبه أيضاً- ولعل صعوبة العلاقة مع الحبيب المبدع تكمن ههنا- فمن نُدوب المبدع أنه دائماً ما يضيع قليلاً في عوالمه الإبداعية، فأنا مشغول البال دائماً، فضوليّ كثيراً، وأعيش في ذهني أبدا. ومن ثم، أحتاج لأن أكون وحيداً أكثر مما يفعل معظم الناس، وهو في الحقيقة ليس له علاقة بالحبيب المبدع.
مشتركات في الكتابة والأفكار
– هل تعرض ما تكتبه على شريكك قبل نشره، وهل قرب المسافة جعل بينكما مشتركات على صعيد الأفكار والكتابة والأسلوب؟
ميس العثمان:
منذ تعرّفي الأول على عقيل يوم تصادقنا كزملاء في رابطة الأدباء في الكويت، وعملنا معاً في مشاريع عدّة، ومنذ الارتباط الروحي الذي أسس لعلاقة جادة وحقيقية، كان عقيل من «الندرة» ممن أعرض عليهم بعضا مما أكتب «سردا»، كنا في لقاءات مقتنصة من فم التعب والعمل والتطفّل البشري، نركن لوحدتنا في مكاننا الأحب، واقرأ عليه ما «يتيسّر» من جنوني السردي، إلقاءً شفهيا، وكنا نتناقش طويلا جدا في مشاريعنا الكتابية الآنية والمستقبلية مع اختلاف الطريقين، فهو «باحث في الفلسفة» وأنا «ساردة بين قصة ورواية»، لكننا دائما ما نلتقي في منطقة مشتبكة/مشتركة هي الفكر.
وبعد «شرعنة» الارتباط، صار عقيل- ومايزال- هو «قارئي» الأول، والمقيّم الأصيل للسرد الذي أنهيه بعد مشوار كتابي قاسٍ، والعين الثانية المدققة للنص المجنون المرتقب لي قبل الدفع به للناشر والانتهاء منه كتركة ثقيلة نتيجة للرحلة الكتابية الطويلة، ونتناقش طويلا وأنصت لرأيه جيدا، وهو الذي يترك لي دائما مساحات من حرية واختيار من دون إجبار على أي شيء في هذه الحياة، وأنا العنيدة التي لا تقبل بأنصاف الحلول أركن في الغالب لاختياراتي بعد النقاش فيها.
عقيل العيدان:
نحن؛ ميس وأنا، القارئ/المحاور الأول بعضنا لبعض. إننا لا نقرأ معاً أو نتحاور مع بعض فقط، وإنما نتشارك النقد الصادق أيضاً. لا يوجد هناك شيء لم/لا نتناقش به، علماً بأني لم أكن أعتقد دائماً أنها كانت على صواب، كما ولا أحسب دائماً أني كنت على رشاد، لكن كنّا نحن الاثنين الشخص الآخر الموثوق به. إنّ لكلٍّ منا نقاط قوة مختلفة، وهو ما نعترف به كثيراً نسبياً، ولعل في ذلك مصدر للتحفيز الفكري النابض بالحياة. مع ميس كنت ولا أزال أعرفُ أني وجدت «رفيقي» الإبداعي.
أَحَب كتب الشريك
– ما أهم ما كتبه شريكك بالنسبة لك، ولماذا؟
ميس العثمان:
يكاد يكون عقيل هو المهتم والباحث في الفلسفة الوحيد في الكويت، وربما في الخليج (والذي بدأ بعمر مبكر) بإنتاج كتبه التي تتناول زوايا فلسفية مختلفة لا تهاب الإشارة للحقيقة بصوت عال ولا تصدّها «خطوط حمراء» فتجعلها غائمة بالتعتيم، كما أن إنتاجه بشكل دوري يجعلني أشعر بالفخر الحقيقي ليس لأنه زوجي فقط، بل لأنه نموذج للباحث القلق دوما بأفكاره والأسئلة المارقة في تأملاته التي يطرحها عليّ دائما وبشكل متواصل كنوع من استمزاج الرأي والحث على الشك، لذا.. ومنذ التعرف الأول به، كان يصطاد الأفكار المغايرة التي تعيد تفكيك المفاهيم السائدة لأخرى أكثر رحابة،
أحببت كل ما كتبه وقدّمه، لكن كتابة «معصية فهد العسكر» هو «درّة التاج» الذي أعتز به جدا لما كشف به عن حقائق كانت «نائمة» في مجتمع لا يريد أن ينصت للحق في وقت كانت كل تلك التفاصيل ترهق «روح» العسكر الهائمة في الرغبة بالظهور من جديد، إنني مؤمنة بأن روح العسكر قد تحررت بفعل هذا الكتاب.
عقيل عيدان:
كل كتاب لِمَيس مَسّ فيّ وتراً ما، غير أن كتابها «صندوق الأربعين» هو الأقرب حتى الآن. لقد لاح لأنه أحد كتب الحكمة الشرقية، التي أحببتها ولا أزال، وذلك عبر وجهة نظر عاكسة للظواهر البشرية في شكل محكي سردي. و«الصندوق» أيضاً انعكاس مُؤَصَّل للعلاقات المعقّدة بين العقل والمعنى والمجتمع والإنسان. والكتاب فوق هذا وذاك يفسِّر الكثير من ميس، التي أحب وأحترم.
المساحة المجهولة
-كيف تصف شريكك كمبدع، بعين من يراه بكل تفاصيل حياته اليومية أو في المساحة المجهولة من حياته؟
ميس العثمان:
عقيل، هو الشخص ذاته الذي أسرني بأحاديثه الرزينة «أول مرة»، وبالحس الفكاهي الذي يضحكني مثل طفلة مجنونة أيضا، لم يتغير هذا الإنسان الذي كنت وما أزال أراه «متكئي» في هذه الحياة، رغم مرور سنوات من العلاقة والارتباط والاختلاف والروتين والانشغال والتعب المشترك، باحث قلقٌ بالفكرة كل الوقت، مُجدّ فيما يعمل ويقدّم أفضل ما يمكنه، لا يقبل بأنصاف الحلول، قلب واع ، وحضن حنون، شريك متعاون في الحياة من أصغر الأشياء حتى أكبرها، وأراه مثل ساحر يمكنه إيجاد حلول دائما لأي مشكلة قد تعبرنا معاً فلا أبتئس إذا ما مرّت بنا مرارة ما، نعيش معا كصديقين حقيقيين ولا نتعامل بندّية الازواج، تماما كما تعرّفنا للمرة الأولى، فهل من المهم أن أخبرك بأننا ما نزال نضع «دبلتينا» في البنصر اليمين كمن يظل بشغف الشعور بـ«الخطبة» كل العمر؟.
عقيل عيدان:
ميس هي «انتيغونا» في مسرحية المبدع الإغريقي سوفوكليس، التي تتحدى بشجاعة وعناد المرسوم الذي أصدره المستبد كريون، بتدنيس جسد أخيها بولينيسيس في ساحة المعركة. فتقوم انتيغونا بدفن أخيها على الرغم من معرفتها أنها ستعاقب وستدفن حية. لكنها بتحديها مُنفردة تلك الشريعة الظالمة، تُظهر أن الشيء الوحيد الذي يمكن لشخص أن يكون مذنباً بسببه هو أن يقوم بأمر متّصلٍ بإيمانه ورغبته. من هنا، كانت الحبيبة المبدعة ميس من الموهوبين القلّة ممن يجعل الصعب مقبولاً والمستحيل واقعا.
[ad_2]
Source link