هل تقدم السينما المصرية “دروسا” في التحرش؟
[ad_1]
انتبهتُ منذ سنوات إلى أن مفهوم كلمة “تحرش” ضبابي بالنسبة لي، حالي كحال كثيرات من الفتيات المصريات فنحن لم نتأسس منذ الصغر على مبدأ معرفة حقوقنا وما المسموح به، وما الأمور التي لا يجب قبولها وتلك التي يمكن أن يعاقب عليها القانون، لذا فعندما أفكر في كلمة “تحرش”، ولا أجد تعريفا محددا لها، لا أملك سوى استعادة خبراتي السيئة لتحدد المعنى.
وفي الوقت ذاته تقفز لذهني الهجمات التي طالت الفتيات في الفترة الأخيرة فلو تجرأنا وتطرقنا لموضوع التحرش علنا، نتهم بالمبالغة والحساسية الزائدة من الرجال، ومن المؤلم والمثير للغضب أن يكون ضمن مجموعة المهاجمين هذه نساء أيضا.
ولكني لن أتحدث هنا عن “التحرش” بالطريقة المتعارف عليها، بل عن نقطة واحدة تشغلني وتحديدا عن بعض المشاهد نراها في الأفلام السينمائية ويكررها الشباب في الحياة الواقعية.
أصبح من الطبيعي سماع “تلميحات تحرش” على نحو دائم، وأسميها تلميحات لأنها جمل قد تبدو عادية جدا، ليست تصريحات واضحة، ولكنها تتركنا في حالة حيرة، فهي انسيابية كالماء لا نستطيع الإمساك بها، وقد انبثق العديد من تلك العبارات “التحرشية” غير المُريحة من أفلام قديمة وجديدة شهيرة حتى أصبحنا نحن الفتيات “معتادات” على التعرض لمواقف مطابقة لما مرت به الممثلات في الأفلام وأصبح الاعتراض عليها أمرا مستهجنا.
فمثلا مقاطع من أغان ضمن أفلام شهيرة مثل (كل مرة بشوفك فيها ببقى نفسي أ .. أ)، تترافق مع غمزة من قبل المغني النجم في فيلم “سيد العاطفي”، وأغنية “أكتر حاجة بحبها فيكي هو دا، وأكتر حاجة شدتني ليكي هي دي”، مع تركيز النظر على مناطق من جسد المرأة كمؤخرتها وصدرها، من فيلم “كابتن هيما”.
في صالات السينما، أذكر جملة “هوه دا” التي تكررت في أفلام “عمر وسلمى” والنظرات المحدقة بأجساد الفتيات والسماح بلمسهن، وكيف كان ينطلق جمهور المشاهدين بالضحك مع صرخة الأنثى الخائفة ويستمر الضحك وهم يشاهدونها تركض بعيدا.
لينتقل هذا المشهد حرفيا من صالة العرض إلى المدرسة، ففي مقطع فيديو انتشر على موقع فيسبوك يظهر مدرس في مدرسة ثانوية وهو يحرك يده بسرعة أثناء مرور طالبة من أمامه خلال الشرح وكأنه يحاول ضربها على مؤخرتها، تركض الفتاة مفزوعة ملتفتة خلفها لتتأكد أنها أفلتت من الصفعة، وسط ضحكات متوترة من الجميع.
ورغم أن الفيديو أثار سخط بعض الناس، لكنه حظي طبعا بضحكات آخرين مع إعادة مشاركة محمومة للفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه المواقف والعبارات وغيرها من الجمل الواردة في الأفلام السينمائية، إلى جانب حركات لمس جسد المرأة عن عمد، والتلاعب اللفظي وإلإيحاءات الجنسية، كلها أمور لم تصدر عن أبطال الأفلام بشكل منفّر، بل جاءت ضمن سياق يستدعي ضحكا أو ما يسمى بالدارجة المصرية “إفيه” وباتت تستخدم من قبل غالبية الناس ليبدوا مرحين، وخاصة بين الشباب لتصبح هذه المواقف “اعتيادية جدا” و”روشنة شباب” متوقعة.
إنها ببساطة “لغة الجسد” التي يلعب عليها الممثلون في الأفلام ومن بعدهم الشباب – المقلدون الماهرون – والتي لن يفهمها سوى أهلها (Inside joke)، لكننا نقف شاعرات بالإنهزام أمام ضرباتها كساذجات، حتى مع نظراتنا المستهجنة لتصرفات هؤلاء الشباب، أو تعليق بسيط كـ “احترم نفسك” حتى لا نشتبك معهم في أرض ليست لنا وفي معركة خاسرة سلفا، نخرج منها بشعور من الانكسار والحسرة. فقد زود الممثلون وكتاب السيناريوهات الشباب بذخيرة من الإجابات تصلح لمختلف مواقف الاحتكاك بالنساء، فنسمع عبارات هجومية مثل “شوفي لابسة إيه الأول”، أو “حد جيه جنبك ولا إنتِ عايزة تتعاكسي”، أو “شوفي نفسك الأول دا منظر يتعاكس”.
لم يكن صعبا على الشباب التفكير بمثل هذه الأجوبة للرد على صدنا لهم، ففي أحد أعمال النجم المعروف عادل إمام، يصرخ في مشهد سينمائي وهو يرد على امرأة كان يحاول التحرش بها مبررا تصرفاته: “هو أنتِ ست إنتِ .. إنتِ أصلا راجل) ليندمج التحرش بإهانة المرأة التي حاولت التصدي له.
لا أنتظر من السينما أن تربي أبناء البلد، فهي ليست مركزا تعليميا فالسينما هي وجهة نظر، لذا من المتوقع أن نرى فيها لمحات من حياتنا الواقعية، ولكن فن بعظمة السينما لا يمكننا تجاهل تأثيره على حياتنا اليومية، فأقف حائرة لا أعرف متى كانت البداية، هل السينما تعكس واقعا أصبح التحرش جزءا أصيلا منه كما أوضح الفيلم الرائع “678” (لنيلي كريم وبشرى من إنتاج عام 2010)، أم أن عقول كتاب ومخرجي السينما أصبحت تنشر في المجتمع أفكارا ومواقف مهينة للمرأة المصرية.
ما أعرفه أنه من المهم أن نتكلم ونعبر عن الأذى، فمن كان يتوقع أن تثار قضايا تحرش تذكر فيها الأسماء الكاملة وتطرح الحكايات والصور والفيديو، كما في حادثة لاعب المنتخب المصري لكرة القدم “عمرو وردة”، وواقعة الفتاة في حي التجمع التي صورت على الموبايل شابا قالت إنه كان يتحرش بها وغيرها كثير، هذا التطور، بغض النظر الآن عما أودت له عمليات الفضح تلك، هو نتيجة تحدثنا بصوت عالي عما نكره، عما يجب ألا نعتبره من “المسلمات والمعتاد” خاصة عندما تكون المهانة والمستهدفة هي المرأة.
[ad_2]
Source link