حضانة الأطفال في لبنان: محنة أمهات باسم الشرع بغياب قانون مدني
[ad_1]
أدى النزاع حول حضانة الأطفال بين ابنة النائب عن حزب الله اللبناني نواف الموسوي وطليقها حسن المقداد إلى استقالة النائب من منصبه البرلماني في 19 تموز/ يوليو 2019.
وينتمي الموسوي إلى كتلة «الوفاء للمقاومة» الممثلة للحزب في البرلمان وهو معروف منذ سنوات بدفاعه عن سياسة الحزب، سواء كنائب عن منطقة الجنوب منذ عام 2009، أو كمسؤول سابق عن العلاقات الدولية في الحزب.
صدمت الاستقالة اللبنانيين الذين انقسموا ما بين من رجّح أنه استقال طوعًا ومن يرى أنّه أجبر على ذلك، لتفادي إحراج الحزب، بعدما اتّهم بالتدخّل في إشكال أمني بين ابنته وصهره السابق.
وكان محضر شرطة مسرّب أفاد باستخدام الموسوي القوّة في الهجوم على مخفر الشرطة الذي اقتيدت إليه ابنته وشقيقتها، إثر اعتداء المقداد عليهما على الطريق السريع الرابط بين العاصمة والجنوب.
في حديث لـ بي بي سي رفض الموسوي اختزال ما حدث مع ابنته بمسألة “إشكال أمني”، نافياً مداهمة المخفر.
ويعتقد مشككون بأن الموسوي يتحمّل بعض المسؤولية في تجاهل اضطهاد النساء، كغيره من النواب والسياسيين في لبنان، خصوصاً ممثّلي حزب الله وحركة أمل يتقاسمون تمثيل الغالبية العظمى من الشيعة في البلاد. ويتساءلون لماذا لم يتخذ النواب بعد أي خطوة لتعديل قوانين الأحوال الشخصية، ولم يتحرّك الموسوي إلا حين طال الأمر عائلته؟.
يقول الموسوي إنّ من يعرفه عن قرب يعرف أنّ تهمة التجاهل هذه لا تنطبق عليه.
قنابل موقوتة
استقالة نائب عن الحزب الأشد نفوذاً في البلاد تحت وطأة قضيّة حضانة وتعنيف أسري، ليس قصة عابرة، إنّها إحدى العواقب الأكثر درامية للقضايا التي تنظر فيها 12 محكمة دينية تنظم الأحوال الشخصية في لبنان.
ملف الحضانة جزء من ملفات ملحّة ترتبط بحقوق النساء، منها إقرار قوانين تجرّم التحرّش، وتلغي زواج القاصرات، وتعطي المرأة اللبنانية حقّ منح جنسيتها لأبنائها. وتنشط جمعيات مدنية باتجاه إقرار تلك القوانين، بينما تتجاهلها معظم الأطراف السياسية، أو لا تعتبرها أولويّة.
على ضوء هذا الواقع، تعاطفت لبنانيات كثيرات مع قصّة غدير الموسوي، خصوصًا من يناشدن رفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية بالتحديد، وطرح سؤال: إذا كانت ابنة نائب متنفذ غير قادرة على حماية نفسها، فما حال الأخريات؟.
لا تلحظ قوانين المحاكم الدينية في لبنان مبدأ الحضانة المشتركة، وتعطي الأم حقّ الحضانة حتى سنّ معيّنة. ويختلف عمر الحضانة بين الطوائف، لكن المحاكم الجعفرية (الشيعية) تشتهر بالحدّ الأدنى.
ولدى الطوائف الكاثوليكية أيضًا حدّ عمري هو سنتان للجنسين، لكنّ القضاة يتّخذون قرار الحضانة وفقًا لمصلحة الطفل الفضلى، فلا شيء يجبر الأم على تسليم طفلها أو طفلتها للأب على عمر السنتين.
تحوّلت ملفات الحضانة لدى المحاكم الجعفرية خلال السنوات الماضية، إلى ما يشبه قنابل موقوتة متنقّلة، ينشغل بها الإعلام والجمعيات المعنية بحقوق النساء كل بضعة أشهر.
ومن القضايا التي أثارت الجدل، قصة ريتا شقير التي حرمت من حضانة ابنها عام 2017، لاختلاف ديانتها عن ديانة أبيه، ولأن زواجها عقد أمام محكمة شيعية. وفي عام 2018، تفاعلت قضيّة سماح المحكمة الجعفرية لأب تحرّش بابنتيه، برؤيتهما ليوم كامل. كذلك خرجت قضيّة خديجة نايف إلى الضوء مطلع العام الحالي، بعدما احتجزت في أحد المخافر بتهمة “الاحتفاظ بجوازات سفر بناتها”.
قصّة بادية
تروي بادية فحص لـبي بي سي قصتها، بين دموع وغضب، فمنذ عشر سنوات يمنعها زوجها السابق من رؤية ولديها. وتقول: “الشرع معه،أخذ أولادي من دون رفة جفن. منحت حق الرؤيا بين 24 و48 ساعة في الأسبوع، على أن تنفذ قوى الأمن أمر إحضارهم لي، لكني رفضت تعريض الأولاد لتجربة مماثلة”.
تتتحدث عن التحرّش والأذى المعنوي في المخافر عند استلام طفليها، وعما تعرّضت له من تعنيف لفظي وشتائم في كلّ مرة كانت تحاول فيها رؤيتهما. وتوضح: “كنت أقف على باب مدرستهما لكي أراهما ولو لدقائق. كنت أرجو الأساتذة والإدارة كي يسمحوا لي بالكلام معهما، لكنهم كانوا يرفضون لعدم إثارة غضب الأب”.
صارت بادية فحص مع الوقت تخترع حيلًا لرؤية ولديها، كأن ينادي عليها أحد الجيران لرؤيتهما إن صادفهما في مكان عام، تجلس على طاولة بعيدة، من دون أن تكلمهما، تتأمّلهما يكبران وهما لا يذكران شكل وجهها، ولا نبرة صوتها.
وتقول بادية: “كلّ ما نراه من ظلم في تطبيق أحكام الحضانة، هو نتيجة العقلية الذكورية ورغبة القاضي الشرعي بحماية سلطته العائلية والسيطرة على المرأة. رجال الدين في المحكمة الجعفرية لا يتمتعون بالمعرفة الكافية، ويمارسون ظلماً مشرعاً باسم الدين، لكي تبقى السلطة بيد الذكور”.
بادية واحدة من كثيرات خضن التجربة ذاتها، فإذا رفض الزوج طلاق الزوجة قد تتنازل الأخيرة عن الحضانة مكرهة، وإن منحت حقّ الرؤية بعد سنّ الحضانة غالباً ما يكون لمدة ساعات فقط اسبوعياً، وإن امتنعت عن التنفيذ فقد تسجن أو يطرق الأمن بابها لأخذ الأطفال بالقوّة. يضاف إلى ذلك التحرّش، والابتزاز الجنسي والمالي، والتعنيف المعنوي، الذي تتعرّض له المطلّقات سواء في المحاكم أو في المخافر أو على يد الزوج وعائلته.
لماذا سنتان فقط؟ ماذا يقول الدين؟
تستند المراجع الدينية لدى الشيعة في القول بأحقية الأم بحضانة الأبن لمدة سنتين فقط على الآية القرآنية التي تقول: “والوالداتُ يُرضِعنَ أولادهنَّ حولينِ كاملينِ”. وتمنح البنت سنواتٍ إضافية، حتى السابعة، كون الأم أولى بتنشئتها.
يطبّق ذلك في لبنان فقط، ولا يطبّق في العراق، حيث المرجع الشيعي علي السيستاني، الذي يقلّده الكثيرون من الشيعة في لبنان. ففي العراق، يحق للأم حضانة أطفالها من الجنسين حتى سنّ العاشرة. كذلك ينصّ القانون في إيران، على الحضانة حتى سنّ السابعة للصبي، والتاسعة للبنت.
يقول السيد علي مكي رئيس المحكمة الشرعية في “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” في لبنان: إنّ الحكم الشرعي ليس ديكتاتوريًا، وليس صحيحًا أنّه يمنع أحد الطرفين من رؤية الأطفال”. ويختلف الفقهاء في مقاربة المسألة داخل الطائفة الشيعية في لبنان، إذ كان للمرجع الراحل محمد حسين فضل الله رأي مختلف حول سنّ الحضانة، وأفتى بأنّ الأم أحقّ بحضانة الولد، “ذكراً كان أو أنثى، إلى عمر سبع سنين، إلا إذا كانت الأم أقدر على حضانة الولد من الأب، لعدم قدرته على القيام بمسؤولياته، فإنه يعود إلى الأم”.
يقول المفتي أحمد طالب الذي يتبع مرجعية فضل الله: “إنّ باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة، هناك آراء متعدّدة، وحتى أنّ بعض الاجتهادات تقول بوجوب الحضانة حتى سن البلوغ”. ويضيف: “موضوع الحضانة بات مسألة أمن اجتماعي، وما نراه من مظالم ناتج عن التصلّب الفقهي في التطليق، وعن عدم وجود لجان مختصة لدى المحاكم الجعفرية لتحديث القوانين، والأمثل هو التوجه نحو مبدأ الحضانة المشتركة وفقًا لمصلحة الطفل، وذلك لا يتناقض مع الشرع لناحية حماية الطفل من الضرر”.
انتصارات محدودة
يصدر القرار بشأن حضانة الأطفال وحقّ رؤيتهم عن القضاء الشرعي، لكن القضاء المدني هو الموكل إليه تنفيذ تلك الأحكام، إذ يُفتح محضرٌ رسميّ في مخفر الدرك عند كلّ تسلّم وتسليم، وعناصر قوى الأمن في العادة غير مدربين لمراعاة حالة الطفل والأم النفسية. أحيانًا، يصل الأمر حدّ مداهمة قوى الأمن لبيوت أمّهات، لإجبارهنّ على تسليم أطفالهنّ، ومن بينهنّ فاطمة حمزة التي سجنت لأيام في خريف 2016، وتحوّلت قصّتها إلى قضيّة رأي عام.
رفضت يومها فاطمة تسليم طفلها لوالده، فألقي القبض عليها. تجمعّت مئات النساء المتضرّرات للمطالبة بالإفراج عنها أمام “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” (ضاحية بيروت الجنوبية)، في مشهد نادر “جمع نساءً من كل الطبقات والفئات من متدينات ومحجبات وعلمانيات، مناصرات لأحزاب ومستقلات” بحسب زينة إبراهيم رئيسة “الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة عند الطائفة الشيعية” التي انطلقت بجهد تطوّعي عام 2013.
وعلى فيسبوك، يتابع أكثر من 11 ألف مستخدم صفحة “ثورة امرأة شيعية” التي توثّق المحامية فاديا حمزة من خلالها عشرات الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية الجعفرية.هذا العام، وبمناسبة عيد الأم، نظّمت “الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة عند الطائفة الشيعية” تظاهرة حاشدة أيضًا في المكان ذاته، احتجاجاً على ما تعتبره ظلماً. وللمرّة الأولى، سمح للمتظاهرات بالدخول إلى حرم المجلس واللقاء برجال دين لمناقشتهنّ بمطالبهنّ.
ترى مؤسسة الحملة زينة ابراهيم أنها استطاعت تحقيق خرق مهم “بمجرد كسر حاجز الخوف من رجال الدين في الطائفة الشيعية”.
ومن التطوّرات المهمّة على هذا الصعيد ما أعلنه رئيس المحاكم الجعفرية في لبنان محمد كنعان قبل أيام في لقاء عقد في مدينة صور الجنوبية حول سنّ الحضانة، عن إعداد “دفتر شروط” يحسّن من وضع النساء الشيعيات المقبلات على زواج، وسيجري العمل به قريباً.
وقال: “لن تتزوج أي شيعية إلا بعد أن توقّع مع زوجها على دفتر شروط يحفظ لها حقوقها كاملة”. ومن بين هذه الشروط بحسب كنعان: “أن تكون وكيلة نفسها في طلاقها، في حال سُجن الزوج لأكثر من سنة، ولو غاب غيبة أكثر من سنتين، ولها أن تشترط الحضانة بعد الطلاق لأولادها حتى بلوغهم السن الشرعي، ولو أساء معاملتها”.
القانون مرآة للعقلية الذكورية
ترى منظمات حقوقية أنّ الأزمة أبعد من أحكام حضانة متشدّدة لدى طائفة واحدة. فبحسب دراسة نشرتها هيومن رايتس ووتش عام 2015، فإنّ القوانين لدى جميع الطوائف في لبنان لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل، وتعطي الحضانة للأب في أغلب الحالات،”لأسباب بطبيعتها تمييزية ضد المرأة”.
وبحسب المنظمة “خسرت نساء حضانة أولادهنّ لاعتبارهن غير أمينات أو مؤهلات، لأسباب منها انتماءهن الديني المختلف أو غياب ‘التنشئة الدينية السليمة’ للأطفال أو طول ساعات العمل أو الزواج مرة أخرى أو السلوكيات الاجتماعية ‘المشبوهة’. فحق الأب خلافاً للأم في حضانة أطفاله لا يسقط في حال تزوج مجدداً، واحتمالات الحكم عليه بعدم الأهلية أقل بكثير”.
كما أنّ “حقوق الأم في الحضانة، بعكس حقوق الأب في الولاية، محدودة زمنياً، ومشروطة، وقابلة للردّ، إما بسبب انتهاء حضانة الأم قانوناً، أو في بعض الأحيان لصدور حكم بعدم أهلية الأم، أو لتنازل الأم عن تلك الحقوق كجزء من تسوية”.
وتقول رئيسة منظمة “كفى” زويا جريديني روحانا، إنّ موضوع الحضانة قد يكون أكثر مسألة “فاقعة” في تطبيق قوانين الأحوال الشخصية “لكن القوانين الطائفية كلها بكل تفاصيلها لا تكفل المساواة، إذ يستخدم تعبير ‘ناشز’ عند كلّ الطوائف، لوصف المرأة التي تغادر البيت الزوجي، كما يمكن للقاضي أن يعتبرها ‘فاسقة’ ويحرمها من حضانة ولدها”.
وتضيف: “نحن لا نتوجه لرجال الدين، بل للمجلس النيابي، ولا نرى أن الحلّ بتحسين الموجود، لأن الحلول الجزئية غير ناجعة. نعمل على مشروع قانون مدني للأحوال الشخصية، وسنبادر لتقديمه إلى النواب خلال الأشهر القادمة، فنحن مواطنات في هذه الدولة، ولسنا رعايا طوائف”.
بحسب المحامية والباحثة في مجلة “المفكرة القانونية” لمى كرامة، فإنّ منطق التعاطي مع شؤون الحضانة لدى الطوائف كافة، ينبع من منشأ واحد: الحرص على نشأة الأطفال الدينية، وضرورة أن تكون الأم قادرة على نقل التعاليم الدينية السليمة لأولادها، والحفاظ على الأدوار الاجتماعية، “فالابن يجب أن يتعلّم من والده الرجولة والقوّة، والابنة يجب أن تبقى لمدّة أطول مع والدتها لتعلّمها الأنوثة وأصول الاعتناء بنفسها والمنزل ولتكون بجانبها عند البلوغ”.
وتضيف كرامة: “تُتخذ قرارات الحضانة من منطلق جندري بحت، فلا مراعاة للعوامل النفسية والاجتماعية، مع أولوية الحفاظ على الأسرة المسيحية والإسلامية النموذجية. فحتى نقل الملفات إلى قاضيات في محاكم مدنية، لن يحلّ الأزمة طالما لم تؤخذ مصلحة الطفل بمعناها الشامل، لأنّهنّ بمعظمهنّ مؤمنات بضرورة الحفاظ على الأدوار الجندرية والأسرية والدينية”.
[ad_2]
Source link