عيد استقلال الهند: التقنية اليدوية المذهلة التي أوصلت صوت الحرية إلى الجماهير
[ad_1]
- سوتيك بيسواس
- مراسل بي بي سي في الهند
في عام 1929، أومضت في ذهن متطوع شاب بحزب المؤتمر الوطني الهندي لحظة تجل.
كان نانيك موتواني يراقب البطل القومي المبجل غاندي وهو يجد صعوبة بالغة في إيصال صوته للجماهير الغفيرة التي كانت تحضر اجتماعاته العامة للمطالبة بالاستقلال. كان المهاتما يتنقل من “منصة إلى أخرى” لكي “يتمكن من إسماع صوته الضعيف لأعداد هائلة [من الناس]”، كما ذكر موتواني لاحقا.
عندئذ، قرر رجل الأعمال البالغ من العمر 27 عاما إيجاد طريقة “لتضخيم صوت” الزعيم، لكي يتمكن “كل من يتوق لسماعه أكثر من رؤيته أن يستمع إليه بوضوح”.
بعد مرور عامين، تمكن موتواني من تزويد حزب المؤتمر بنظام تكبير الصوت الخارجي خلال اجتماع شعبي للمؤتمر في كراتشي – وهي الآن مدينة صاخبة في دولة باكستان. في واحدة من أوائل الصور الفوتوغرافية من تلك الفترة، يظهر رجل الأعمال مشرق الوجه، مرتديا القبعة البيضاء التي اشتهر بها غاندي، وقد وقف إلى جانب المهاتما مشيرا إلى العلامة التجارية على مايكروفونه: راديو شيكاغو.
على مدى العقدين التاليين، أصبح راديو شيكاغوا مرادفا لمكبرات الصوت التي بثت لعامة الشعب كفاح الهند من أجل نيل استقلالها عن الحكم الاستعماري. يقول كيران موتواني، ابن نانيك: “كنا نطلق على مكبرات صوتنا اسم ‘صوت الهند ‘”.
“راديو شيكاغو” كان اسما غير معتاد لشركة تتخذ من مدينة بومباي (مومباي حاليا) مقرا لها. كانت أسرة موتواني قد هاجرت إلى المدينة في عام 1919. يحكي كيران موتواني أن والده استعار الاسم من شركة لتصنيع أجهزة الراديو مقرها في مدينة شيكاغو الأمريكية كانت بصدد الإغلاق بشكل دائم، بعد أن حصل على “التصريح اللازم”.
في البداية، كان نانيك موتواني السماعات والمايكروفونات – وهي المكونات الأساسية لنظام تكبير الصوت الخارجي – من المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ثم قام فريقه المكون من خمسة مهندسين بتفكيك تلك الآلات وتصنيع مكوناتها محليا.
ورغم أن إخوته كانوا يساعدونه في ذلك المشروع، كان نانيك موتواني يسافر بنفسه على متن القطارات والشاحنات لحضور الاجتماعات الحزبية، حاملا معه نظام المخاطبة العامة. كان متطوعون وأفراد من الشرطة المحلية يوفرون الإجراءات الأمنية له خلال الرحلات التي كان يقوم بها عبر طرق وعرة. ولدى وصوله إلى مكان انعقاد الاجتماع الحزبي – الذي عادة ما كان عبارة عن أرضية ترابية – قبل يوم من الموعد المقرر، كان يقوم بتركيب معداته ويختبرها للتأكد من وجود بطاريات كافية لتزويدها بالطاقة. ثم كان يربط السماعات التي تشبه القرون على دعامات من الخيزران (البامبو) ويضعها في أماكن متفرقة من أرضية الاجتماع للتأكد من أن الصوت سيصل إلى كافة الأركان.
وكان نانيك موتواني يرى أن نحو اثني عشر مكبرا للصوت كان كافيا لجمع مكون من عشرات الآلاف من الأشخاص. وفي فترة لاحقة، بدأ يكدس السماعات واحدة فوق الأخرى من أجل تضخيم الصوت بشكل أفضل. كان لديه مجموعة مكونة من 100 من أنظمة المخاطبة العامة في مختلف بقاع الهند مهيئة للنقل إلى مقر انعقاد المؤتمرات والاجتماعات الشعبية المختلفة.
يقول كيران موتواني: “لقد كان رائدا في مجال نظم تكبير الصوت الخارجية في الهند، وكان الحزب هو زبونه الوحيد”.
ومع مرور السنين، استُخدمت مكبرات الصوت التابعة لراديو شيكاغو خلال بعض من أكثر الخطابات المؤثرة التي أدلى بها أبطال استقلال الهند. كان جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، من أكثر المتحمسين لتلك العلامة التجارية. وقد كتب خطابا لنانيك موتواني في أعقاب أحد الاجتماعات العامة، جاء فيه: “لقد أنجزت مكبرات صوتك عملا أكثر من رائع، وحازت ترتيباتك على تقدير الجميع”.
وساعد نانيك موتواني أيضا في تشغيل محطة إذاعية سرية كانت تبث رسائل من غاندي وزعماء آخرين لمكافحة الدعاية الإمبريالية للإذاعة الرسمية. وكان واحدا من بين خمسة أشخاص اعتُقلوا بعد شهرين ونصف من بدء البث الإذاعي للمحطة في عام 1942، وهو العام الذي دعا فيه غاندي كافة أفراد الشعب الهندي للمشاركة في انتفاضة غير عنيفة ضد الحكم البريطاني، في إطار ما عرف فيما بعد باسم حركة “غادروا الهند”.
المحطة، التي أطلق عليها اسم إذاعة المؤتمر، لا تزال تعتبر “فصلا مهما في تاريخ نضال الهند من أجل الحرية”، على حد تعبير أوشا ثاكار الذي ألف كتابا عنها. ألقي القبض على نانيك موتواني لدعمه المزعوم للمحطة من خلال تزويدها بمعدات ومساعدات تقنية. ومن المثير للاهتمام أن الشرطة لم تعر أي انتباه لشركة راديو شيكاغو “رغم قربها من حركة التحرير”. كان المسؤولون البريطانيون عادة ما يذهبون إلى نانيك موتواني لشراء معدات لاسلكية للشرطة، وكان ذلك يتم بشكل رسمي ويدوّن في دفاتر حساباتهم. وقد أخبر موتواني الشرطة بأنه ليس عضوا في حزب المؤتمر. لم يكن هناك دليل ضده، لذا أُطلق سراحه. يقول كيران موتواني: “وضع في الحبس لمدة شهر وتعرض للتعذيب. لقد كان بالفعل يساعد المحطة السرية”.
رغم توجهاته القومية التي لم يخفها، كان نانيك موتواني كذلك رجل أعمال ذكي، وكان حريصا كل الحرص على ما سيتركه من إرث. كان دؤوبا على الكتابة إلى الصحف ليطلب منها نسخا للصور التي التقطتها تلك الصحف للزعماء وهم يتحدثون أمام مايكروفونات راديو شيكاغو. وقام بجمع الصور وقصاصات الصحف التي تصور الاجتماعات والمؤتمرات العامة ووضعها في ألبومات ضخمة.
ولكنه لم يكتف بذلك فحسب. فقد كان يسجل الخطابات على شرائط ويعطي نسخة منها للحزب. كما استأجر مصورا كان يصطحبه إلى أماكن انعقاد الاجتماعات ويأخذ معه كاميرا وأفلام تصوير سينمائي، ويلتقط صورا فوتوغرافية وأفلاما لا تقدر بثمن للاجتماعات التي كانت تعقدها شخصيات شهيرة من أمثال غاندي ونيهرو وساردار فالابهاي باتِل، والزعيم الكاريزمي سوبهاس تشاندرا بوز. الكثير من تلك التسجيلات لا يزال موجودا في منزل موتواني بضواحي مومباي.
يقول كيران موتواني عن أبيه: “لقد اعتاد أن يحتفظ بتسجيلات مفصلة للاجتماعات، إذ كان شديد الدقة وكثير الانتباه إلى التفاصيل”.
تقول أسرة موتواني إنه كان يزود حوالي ستة اجتماعات عامة وحزبية للمؤتمر الوطني بنظم تكبير الصوت شهريا على مدى قرابة 30 عاما.
وفي ذروة ازدهارها، كانت شركة راديو شيكاغو توظف 200 شخص في شتى أنحاء الهند، وكانت تصنع نظم تكبير الصوت في مدينتين وتقوم بأعمال الصيانة لها في مدن أخرى عديدة. لم يبدأ موتواني في بيع تلك الأنظمة بشكل تجاري سوى بعد استقلال الهند. ولم يطلب مقابلا ماديا من الحزب إلا في بداية الستينيات. يقول كيران موتواني: “في تلك الفترة وافق نيهرو على دفع أموال لنا. بدأ الحزب يتحمل نفقاتنا ويعطينا 6000 روبية (75 دولارا أمريكيا) مقابل الاجتماع الواحد”.
في وقت لاحق، بالتحديد عام 1963، شدت المطربة الشهيرة وأيقونة أغاني أفلام بوليوود لاتا مانغيشكار بأغنية “ميري وطن كي لوغون” (يا أهل وطني الكرام) التي تتحدث عن قتلى الجيش، مستخدمة مايكروفونات ومكبرات صوت راديو شيكاغو، أمام حشد غفير من الناس في دلهي. كما تحدث زعماء أجانب زائرون مثل نيكيتا خروشوف وليونيد بريجنيف ودوايت أيزنهاور في اجتماعات عامة حاشدة، مستخدمين مايكروفونات راديو شيكاغو. وبعد فوز إنديرا غاندي في الانتخابات خلال السبعينيات، وضعت الشركة 120 مكبرا للصوت بمحاذاة طريق “راج” البالغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات في دلهي لنقل الاحتفالات. أضحت العلامة التجارية أسطورة من الأساطير المدنية، وكانت هناك إعلانات مزيفة للشركة تظهر نيهرو وهو يروج لراديو شيكاغو.
خلال السبعينيات، تلقت الشركة خطابا شديد اللهجة بشكل غير مفهوم من مكتب رئيسة الوزراء آنذاك إنديرا غاندي. يقول كيران موتواني: “طلب منا الخطاب تغيير اسم علامتنا التجارية، وتساءل لماذا نستخدم اسما أجنبيا لمكبرات الصوت التي ننتجها..ليس لدينا أدنى فكرة عن سبب حدوث ذلك. كتب والدي لرئيسة الوزراء لمعارضة تلك الخطوة. وضعنا اسم راديو شيكاغو على أحد جانبي المكبرات، واسم موتواني على الجانب الآخر”.
وبعد مرور نحو قرن على تأسيس الشركة التي كانت تهدف إلى إيصال صوت حرية الهند إلى الجماهير، لا تزال راديو شيكاغو تمارس نشاطها، ولكنها الآن شركة صغيرة غير مشهورة تبيع أنظمة تكبير الصوت الخارجية والاتصال الداخلي (الإنتركوم) في سوق مشبعة.
يقول كيران موتواني مازحا: “لا زلنا نحدث ضجيجا”.
بيد أنه ضجيج مكتوم إلى حد ما.
[ad_2]
Source link