لمحة عن السلام النفسي … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
إيسايكو: لمحة عن السلام النفسي … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
من أروع القصص التي قرأتها انه جلس صياد برفقة سنارته ﻋﻠﻰ شاطئ النهر ﻟﻴﻼ .. ﻓﻮﺟﺪ بجانبه كيساً مملوءً ﺑﺎلحجارة الصغيرة ﻓﻤﺪ ﻳﺪه ﻭأﺧﺬ ﺣﺠراً ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺲ ﻭأﻟﻘﺎه ﻓﻰ النهر، وأعجبه ﺻﻮﺕ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭة ﻭﻫﻰ تخترق ﺍﻟماء فاستمر في إلقاء الحجارة ﻓﻰ النهر طوال الليل دون أن يشعر وﺍﻗﺘﺮﺏ الصبح ﻭﺑﺪأ ﻳﺘﻀﺢ ما فى ﺍﻟﻜﻴﺲ ﺍﻟﺬﻯ ﺑﺠﻮﺍﺭه … ولم يتبقى ﻓﻰ ﺍﻟﻜﻴﺲ ﺍﻻ ﺣﺠراً ﻭﺍﺣﺪاً … وأﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ … ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ إﻟﻰ ﻫﺬا ﺍﻟﺤﺠر ﻓﻮﺟﺪه “ﺟﻮﻫﺮة ثمينة جدا”
ﻭﺍﻛﺘﺸﻒ ان ﻛل ما أﻟﻘﺎه فى النهر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﺎﻧﺖ “ﺟﻮﺍﻫﺮ” ﻭﻟﻴست ﺣﺠﺎﺭة … ﻭبدأ الرجل ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻨﺒﺮة ﻧﺪﻡ: ﻳﺎاااا ﻟﻐﺒﺎئي ﻛﻨﺖ أرمي ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﺠﺎﺭة ﻷﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺼﻮﺗﻬﺎ ﻓﻘﻂ … ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ فرطت فيها بهذه الطريقة …
وندم الصياد لكن بعد فوات الأوان وانتهت القصة ولها مغزى كبير وعميق .
للاسف الشديد كلنا هذا الرجل …
فالقصة ترمز إلى الدنيا ممثلة في
كيس ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ و ﻫﻮ العمر الذي نلقي به ساعة وراء ساعة دون فائدة …
اما ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﺎﺀ فهو متاع الدنيا الزائل وشهواتها …
واما ظلام الليل فهو الغفلة التى نعيشها …
وختاما..ظهور الفجر هو ظهور الحقيقة الكبرى ، وهي الموت حيث لا رجعة ولا ينفع ندم لذلك من الآﻥ ﻛﻦ ﻳﻘظاً …
ولا تضيع أوقاتك وجواهرك بلا فائدة …حتى لا تندم …
حاول ان تستثمر وقتك وعمرك جيدا ولا يمكنك أن تفعل ذلك مالم تتمتع بسلامتك النفسية التي تسمح لك بالتفكير السليم والتصرف الصحيح.
والسلامة النفسية لها معاني وتعريفات كثيرة لكنني اقول ان اهم ما فيها بشكل عملي هو التصالح مع الذات والارتقاء بالنفس عن صغائر وتوافه الأمور
وأن لا تنغمس في عداوات مع أحد، وأن تتجنب المعارك الغير ضرورية، وأن تدرك أن كل موقف تخرج منه سليم النفس فهو مكسب لك حتى وإن لم تنتصر ، ذلك لأن كسب القلوب اهم من كسب المواقف و لأن سلامة النفس خير من نجاح يشوه النفس ويصيبها بهشاشة مؤذية ستندم عليها بعد فوات الأوان، فأنت كائن مخلوق للعبادة والدعوة وإعمار الكون وليس تخريبه لذلك يجب ان تزهد فيما عند غيرك وان لا تنظر إليه بحسد، وأن تتقبل ذاتك كما هي بما فيها من قوة و ضعف دون أن تتوقف عن الطموح الايجابي والتنافس الشريف
إن من أعظم سور القرآن الكريم سورة العاديات التي تكلمت عن الخيول المطيعة لسيدها التي تدخل المعارك والاخطار ارضاء له واعترافا بفضله .. ثم قارنت السورة تلك الخيول بالإنسان الذي ينكر فضل الله عليه احيانا وهذا هو جوهر انعدام السلامة النفسية عند الانسان .. فالاساس في السلامة النفسية وراحة البال هو الامتثال لله وعبادته بوعي حتى تتمكن من نشر الإسلام دين السلام في الأرض وانت مملوء في داخلك بالسلام النفسي وكلنا يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن من أبرز علامات ارتفاع وعيك، أن تكون أكثر (قبولاً) للأحداث والأشخاص، الذين كنت ترفضهم في الماضي حيث لم يعد للرفض، و الصراع مساحة كبيرة بداخلك و في مرحلة متقدمة سوف يتحول القبول الي (رضى بامتنان ) وسوف تجد في المعاناة، رسالة نمو وتطور وتربية وترقية للذات عندما تنظر للمعاناة بعين الوعي، وسوف تكتشف الرسالة الإلهية منها ،
و عندها ستكون المعاناة أكبر معلم لك وستستوعب الدرس، وتمتن له و سترحل المعاناة تاركةً فيك أثراً ايجابياً لأنك أستطعت بروحك الراقية المفعمة بالسلامة النفسية أن تحول المحنة إلى منحة.
ان نجاحك الحقيقي يكمن في اصرارك على ان تظل سعيدا من داخلك سليم النفس حتى تشكل انت وسعادتك جيشا لا يُقهر في مواجهة صعوبات ومشاكل الحياة .
لذلك : لا يمكن أن ينهزم إنسان يعرف كيف يتجدد يومياً… كيف يجد السلامة النفسية والمتعة والدهشة في ذاته قبل أي شيء.. إنسان يعرف قدره وقدراته.. يعرف كيف لا يسقط وكيف ينجو بهدوء وحكمة من أي فشل او هزيمة.. وكما يقال لا يمكنك أن تهزم إنساناً يصنع ذاته كل يوم وهذا هو جوهر وهدف السلامة النفسية التي تكلمت عنها في هذا المقال الذي هو جزء من محاضرة عميقة ومهمة جداً لمن أراد أن يستفيد …. ارجو ان لا اكون قد اطلت عليكم
د.احمد لطفي شاهين
مستشار وخبير التدريب فلسطين المحتلة