طالبان: مقاومة مسلحة وليدة تتصدى للحركة في بعض مناطق أفغانستان
[ad_1]
- سِكوندر كِرماني
- بي بي سي نيوز – وادي أنداراب
عندما سافرنا عبر وادي أنداراب إلى الشمال من العاصمة الأفغانية كابل، لم نلحظ أي إشارات واضحة على وجود نزاع.
ولكن رغم أن حركة طالبان أضحت الآن أكثر قوة وأفضل تسليحا من أي وقت مضى، فإنها تواجه هنا وفي إقليم بانجشير مقاومة مسلحة وليدة لحكمها.
فقد عكفت مجموعات مسلحة صغيرة مختبأة في قمم الجبال، يقودها جنود سابقون في الجيش الأفغاني، على شن مناوشات والدخول في اشتباكات مع طالبان.
كنا نتجول بالسيارة عبر حقول خضراء خصبة، وكان يرافقنا مسؤولون من طالبان طوال الوقت، ووسط مراقبتهم اليقظة، أخذ السكان المحليون يمتدحون تحسن الأوضاع الأمنية في ظل حكم الحركة ويقللون من شأن المتمردين. بعض هذا المديح بدا صادقا، ولكن في شارع جانبي بأحد الأسواق، قال لنا أحدهم بنبرة حزينة: “لا أستطيع أن أخبركم الحقيقة – إذا فعلت، ربما أٌقتل”.
من الصعب تحديد نطاق القتال، فعادة ما تبالغ قوات المقاومة في قوتها، في حين أن طالبان تنفي نفيا باتا وجود أي مقاومة. غير أنه في إقليم بانجشير، تمكنت القوات المناوئة لطالبان من إسقاط مروحية عسكرية وأسر من كانوا على متنها.
في مناطق أخرى بإقليم بغلان، صور مقاتلو المقاومة أنفسهم مؤخرا وهم ينزلون علم طالبان من فوق موقع عسكري.
بيد أنه عندما توجهت بي بي سي إلى وادي أنداراب، بدت حركة طالبان محكمة لقبضتها على المنطقة.
زرنا قرية قيس تاراج، حيث أكد لنا القائد العسكري المحلي أنه “ليس هناك أية مشكلات”.
من على قمة أحد التلال المطلة على الوادي، أخبرني قاري جُمعه الدين بدري، الذي يقود كتيبة تابعة للفيلق العمري: “تستطيع أن ترى بنفسك، لدينا فقط وجود عسكري صغير جدا هنا”.
لكن مصدرا موثوقا به قال لنا إن قوات المقاومة نصبت كمينا لعربة عسكرية تابعة لطالبان بالقرب من هذه المنطقة في مايو/أيار الماضي، قُتل خلاله اثنان من أعضاء الحركة.
يقول بدري: “حدث هذا قبل وقت طويل، وقد نفذنا بعض العمليات في الجبال والآن لا يوجد شيء”.
وفي إقليم بانجشير، ظهرت مقاطع مصورة لقافلات طويلة من التعزيزات التي أرسلتها طالبان، ولكن مسؤولي الحركة هناك نفوا هم أيضا الأنباء المتواترة التي أفادت بوقوع اشتباكات.
ويبدو أن هناك وجودا عسكريا أصغر في منطقة أنداراب، وهي البؤرة الأخرى للمشاعر المناهضة لطالبان، ولكن عندما تحدثنا سرا مع بعض السكان المحليين، أخبرونا بأن ثمة مزاعم بانتهاكات خطيرة ومتواصلة لحقوق الإنسان تقترفها طالبان في إطار مساعيها الرامية لاستئصال حركة المقاومة.
وقد أخبرنا أحد أقارب ساكن من سكان القرية يدعى عبد الهاشم بأن قوات طالبان احتجزت قريبه هو وثلاثة رجال آخرين وقتلتهم فور وقوع ذلك الكمين الذي نُصب لأعضاء الحركة بالقرب من قرية قيس تاراج بعد أن اتُهموا زورا بالمشاركة في الهجوم.
يقول قريب عبد الهاشم: “لقد قيدوا يديه وأطلقوا الرصاص على رأسه وصدره”.
أرانا قريب عبد الهاشم صورة لجثمانه، وقال إن أعضاء طالبان قتلوا صهره أيضا، ويدعى نور الله، في نفس الواقعة.
وأخبرنا كذلك بأن طالبان “منعت الرجال من حضور جنازة عبد الهاشم، لم يكن مسموحا سوى للنساء بدفنه”.
وصرح لنا أحد سكان القرية، الذي كانت طالبان قد احتجزته أيضا إلى جانب الرجال الآخرين خلال عملية بحث نفذتها في أعقاب الكمين، بأن أعضاء الحركة اقتادوا قرابة 20 رجلا بعيدا عن قريتهم، باتجاه موقع الكمين، حيث ضربوهم على أرجلهم بأسلاك معدنية وعصي.
ويمضي قائلا: “وضعوني في مؤخرة شاحنة نقل خفيفة (بيك-أب)، وقام أحدهم بتنكيس رؤوسنا…كان نور الله وعبد الهاشم على متن شاحنة أخرى، ثم أنزلوهما من الشاحنة وأطلقوا عليهما النار خلف مدرعة من طراز هامفي بالقرب من مجرى مائي صغير”.
كما قُتل رجلان آخران من نفس القرية في ذلك اليوم.
هناك مزاعم أخرى مثيرة للقلق. فقد تم إيقاف مجموعة من الرجال كانوا متجهين نحو قرية تغاراك – وهي بؤرة لنشاط المقاومة – حيث استجوبتهم حركة طالبان في يونيو/حزيران الماضي، ثم قتلتهم – بحسب تلك المزاعم.
يشار إلى أنه خلال العام الماضي، وبعد فترة قصيرة من سيطرة طالبان على كابل في أغسطس/آب، زعم مقاتلو المقاومة في أنداراب أنهم “حرروا” عددا من المناطق لفترة وجيزة.
وبعد استيلاء طالبان على تلك المناطق مرة أخرى، قُتل طبيب يدعى زين الدين في منزله هو وخمسة من أقاربه من بينهم أطفال صغار. وزعم أحد أقربائه أن زين الدين قُتل لأنه كان يعالج مقاتلي المقاومة.
ويضيف قريبه بنبرة غاضبة: “بوصفه طبيبا، كان الواجب يحتم عليه معالجة الجميع”.
وفي فبراير/شباط من العام الحالي، قُتل طبيب آخر هو الدكتور خورامي من منطقة ده صلاح. وزعم قريب له أنه كان قد تلقى في السابق تهديدات من طالبان وتحذيرات بأنه يجب أن يتوقف عن معالجة هؤلاء الذين لهم صلة بالمقاومة.
وقال سكان محليون إن طبيبا ثالثا لا يزال محبوسا، في حين أن عددا من الأسر المتهمة بأن لها صلات بالمقاومة أخبروا بأنهم يجب أن يرحلوا عن قراهم.
وقد رفض أسد الله هاشمي مسؤول الإعلام بإقليم باغلان الذي يقع به وادي أنداراب هذه المزاعم.
فرغم اعترافه بأن طبيبا قُتل في المنطقة، إلا أنه عزا سبب القتل لما وصفه بأنه “عداوة شخصية”.
أما فيما يتعلق بمزاعم أعمال القتل خارج نطاق القانون، فقد نفى هاشمي بشكل قاطع أن يكون أي محتجزين قد قتلوا، ولكنه أضاف أن أي شخص “يقاوم القوات الحكومية بعنف” خلال عملية تقوم بها تلك القوات يعرض نفسه للقتل أو الاعتقال.
ومضى في القول بأن “ذلك يحدث في كل مكان في العالم”.
ورفض هاشمي الاعتراف بوجود قوات مقاتلة في المنطقة، مشيرا فقط إلى عدد صغير من “الإرهابيين”. ولكن المنطقة لها تاريخ طويل من معارضة طالبان.
تقطن كلا من أنداراب وبانجشير أغلبية من السكان من عرقية الطاجيك الذين يتحدثون اللغة الفارسية، في حين أن غالبية أعضاء طالبان من عرقية البشتون.
وقد نجحت طالبان في تجنيد بعض السكان المحليين في صفوفها، وهو ما لم تكن تفعله الحركة إبان فترة حكمها الأولى في تسعينيات القرن الماضي. وهناك عدد من مديري الاستخبارات والشرطة المحليين وبعض الجنود المتمركزين في أنداراب من الطاجيك أو متحدثي اللغة الفارسية.
لكن غالبية أعضاء الحركة الآخرين من البشتون. كان العديد من سكان أنداراب قد عملوا ضمن قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية السابقة، وهم الآن يعارضون طالبان بشدة، ويعتبرونها دخيلة.
غير أن بعض أقارب ضحايا عمليات القتل خارج نطاق القانون انتقدوا قوات المعارضة أيضا، قائلين إن تكتيكات العصابات التي يتبعونها جعلت السكان المدنيين معرضين لأعمال انتقامية من قبل طالبان.
وتمكنت بي بي سي من الاتصال بالقائد شوجا، وهو من كبار مقاتلي المقاومة في أنداراب.
أخبر شوجا بي بي سي في رسالة مسجلة أرسلها للإجابة على الأسئلة التي بعثنا بها إليه: “معركتنا هي من أجل العدالة، من أجل الأخوة والمساواة ومن أجل الإسلام الحقيقي، وليس إسلام طالبان الذي يسيء إلى الدين..”
“معركتنا هي من أجل حقوق أخواتنا. لقد قال النبي محمد إن طلب العلم فرض على كل من الرجال والنساء”.
القتال الذي يدور في أنداراب وبانجشير هو قتال على المستوى المحلي، ولا يمثل حتى الآن تهديدا كبيرا على سيطرة الحركة على البلاد بشكل عام، ولكن يبدو أن طالبان تخاطر بتكرار نفس الأخطاء التي وقع فيها غرماؤها السابقون.
فخلال العقدين الماضيين، أسهمت عمليات اقتحام المنازل وقتل المدنيين الأبرياء على يد القوات الأفغانية والدولية في زيادة شعبية طالبان في أجزاء من البلاد كانت تحظى فيها بالفعل بشيء من التأييد.
والآن، ها هي الحركة متهمة باستخدام نفس التكتيكات لمحاربة المتمردين، كما أنه لا يوجد على ما يبدو الكثير من الأدلة على خضوع مسؤولي الحركة للمسائلة والمحاسبة.
قريب عبد الهاشم، الذي يُزعم أن طالبان احتجزته وقتلته، تحدث إلى بي بي سي قائلا بنبرة غاضبة: “إذا كانت طالبان تزعم أنها هي الحكومة، فعليها إذن أن تحقق مع الأشخاص بدلا من قتلهم مباشرة”.
[ad_2]
Source link