ملكة بريطانيا: كيف سعت الملكة إليزابيث الثانية إلى رفع معنويات البريطانيين ومنحهم الأمل
[ad_1]
- مارك إيستون
- محرر الشؤون الداخلية
بينما تحتفل المملكة المتحدة بمرور 70 عاما على اعتلاء الملكة إليزابيث الثانية عرش البلاد، أصبحت الملكة بمثابة حجر زاوية راسخ في بنيان البلاد، ومرآة للأمة.
في عام 2002، وفي الخطاب التي ألقته بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لجلوسها على العرش، وصفت الملكة دورها بأنه يتمثل في كونها “دليلا لهذه المملكة خلال الأوقات المتغيرة”.
واعترفت بأن “التغيير صار متواصلا، وبات التكيف معه بمثابة حقل معرفي متشعب”.
تمثل هذه الكلمات التحدي الذي وضعته الملكة لنفسها، ألا وهو جعل الاتساق والاستقامة والوفاء سمات رئيسية لملكها، وصقل صورتها كملكة يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها.
نهاية الإمبراطورية
خلال حفل تتويجها وهي في السابعة والعشرين من العمر، في عام 1953، قُدمت الملكة إلى العالم بوصفها تشكل بداية جديدة لمملكة فقيرة وإمبراطورية متفتتة.
قالت الملكة: “بما أننا لم نعد قوة استعمارية، ما نزال نحاول أن نتقبل ما يعنيه ذلك بالنسبة لنا وبالنسبة لعلاقاتنا مع باقي أنحاء العالم”.
منحت الملكة دعمها لرابطة “كومنولث الأمم” التي جمعت بين بريطانيا ومستعمراتها السابقة.
عن هذه الرابطة قالت الملكة خلال رسالة أعياد الميلاد التي وجهتها للأمة عام 1953: “الكومنولث لا يشبه بأي شكل من الأشكال إمبراطوريات الماضي. إنه تصور جديد تماما، مبني على أسمى الصفات والمعاني الإنسانية: الصداقة والوفاء والرغبة في الحرية والسلام”.
تشير هذه الكلمات إلى أن الملكة أدركت أن العائلة الملكية والبلاد كانا بحاجة إلى التكيف مع حساسيات ما بعد الحرب، ومع قيم دولية كالمساواة والاستقلال، ومع انحسار الاستعمارية.
كان السماح لنفسها بأن تصبح رئيسة شرفية للكومنولث ينطوي على بعض المخاطر.
فبالنسبة لبعضهم، كانت الرابطة ترمز لاضمحلال النفوذ البريطاني عالميا. كما تزامنت الأعوام الأولى للكومنولث مع توترات نتجت عن وصول مهاجرين من مستعمرات سابقة إلى المملكة المتحدة.
لكن حماس الملكة لم يفتر، بل تعهدت بأنها “لهذا المفهوم الجديد للشراكة المتساوية للأمم والأعراق سأكرس نفسي قلبا وقالبا في كل يوم من أيام حياتي”.
في عام 1974، العام الذي شهد قصر استهلاك الكهرباء على 3 أيام في الأسبوع، والذي شهد ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير، وإجراء الانتخابات العامة مرتين، فضلا عن حملة تفجيرات نفذها الجيش الجمهوري الأيرلندي على الأراضي البريطانية، في ذلك العام، ارتأت الملكة، مجددا، أن دورها يجب أن يتمثل في منح الأمل ورفع المعنويات.
قالت الملكة حينذاك: “نسمع الكثير من الكلام عن مشكلاتنا، عن الانقسامات والانشقاقات، وعن الشعور بعدم اليقين إزاء ما سيحمله مستقبلنا. رسالتي اليوم رسالة تحمل التشجيع والأمل”.
وسط التصدعات التي شهدتها بريطانيا خلال السبعينيات، كانت الملكة بحاجة إلى أن يُنظر إلى كلماتها وتصرفاتها على أنها محايدة وغير منحازة. ومن هذا المنطلق، لجأت إلى القيم الخالدة التي تعتبر حجر الأساس لفلسفتها:
“النية الحسنة خير من الاستياء، التسامح خير من الانتقام، والتعاطف خير من الغضب”.
على الورق، قد يبدو ذلك مجرد لباقة أو بلاغة في القول. ولكنها في واقع الأمر مثاليات برهنت الملكة أنها التزمت بها طوال حياتها. ربما كان يتمنى بعضهم في أن يظهر عليها ذات مرة لمحة انفعال عفوي، ولكن لطالما ظلت إليزابيث الثانية حريصة على أن تبدو تصرفاتها متوقَعة.
ألهمتها تعاليم الدين المسيحي بأن تغتنم كل فرصة لتشجيع الناس على أن يجدوا الخير في كل مكان. في عام 1978، الذي كان عاما آخر من العنف والانقسامات في المملكة المتحدة، حاولت الملكة رفع معنويات الأمة.
“ليس من السهل أبدا أن نكون مرحين وإيجابيين عندما تكون كل الأشياء المحيطة بنا توحي بالعكس. لكن الكف عن بذل الجهد سيعني، إذا جاز التعبير، إطفاء الأمل في غد أفضل. حتى ولو بدت المشكلات وكأنها تغمرنا، هناك دائما مساحة للتفاؤل”.
مع سقوط حائط برلين عام 1989، شعرت الملكة بأن الوقت كان مواتيا لتذكير رعيتها بمسؤولياتهم خلال الفترات التي تشهد تغيرات بالغة الأهمية، وبخطورة غطرسة الانتصار.
“ينبغي علينا نحن، يا من نزعم أننا نمثل العالم الحر، أن نتدبر في ما نعنيه حقا بكلمة الحرية، وفي كيفية العمل على ضمان استمراريتها بعد أن تتحقق”.
وبعد ذلك بنحو 12 عاما، هزت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العالم، وسعت الملكة جاهدة على حث الناس على التصالح والتسامح: “كل منا بحاجة إلى أن يؤمن بأهمية الخير والصدق، نحن بحاجة إلى أن نجعل هذا الإيمان القوة الدافعة التي تؤثر على تصرفاتنا”.
فضيحة ومأساة
في عام 1992، بعد أن شهدت انهيار زواج اثنين من أبنائها، والحريق الهائل الذي شب في منزلها بقلعة ويندزور، أقرت الملكة بأن السنة الفائتة كانت عصيبة للغاية.
كانت فترة من الأزمات والفضائح بالنسبة للأسرة الملكية، حيث تضررت سمعتها بشكل كبير.
استجابة الملكة تمثلت في أن تواصل ما ظلت تفعله على الدوام، وهو الابتعاد عن المشاحنات ومحاولة “تنقية الثوابت من كل ما هو عابر وزائل” كما قالت فيما بعد.
قالت الملكة في وقت لاحق إن “المسافة” تستطيع أن “تضفي بعدا آخر على حسن التقدير، وتمنحه مزيجا من الوسطية والرحمة، بل والحكمة أيضا، وهو شيء أحيانا ما تفتقر إيه ردود فعل هؤلاء الذين تُعتبر مهمتم في الحياة هي إعطاء آراء فورية”.
الطريقة التي تعاطت بها مع الأزمة تمثلت في التفكير على المدى البعيد: ليس في العناوين الرئيسية ليوم واحد أو الصعوبات التي شهدتها سنة واحدة، أو حتى في التحديات الكبرى التي تواجه عهدا ملكيا واحدا، بل التفكير في فترة تمتد لقرون من الزمان.
لخصت الملكة فلسفتها بدقة عندما قالت: “القيم التقليدية المحفورة في تاريخنا تسلحنا جيدا لمواجهة عصر التغيرات هذا”.
أعقب وفاة ديانا أميرة ويلز في حادث سيارة عام 1997 سيل من مشاعر الحزن عبر عنه أفراد الشعب، وهو ما عرض الأسرة الملكية لضغوط هائلة. كانت هناك مطالبات بأن تظهر الملكة حزنها الشخصي للعالم.
مكثت الأسرة في بادئ الأمر في قلعة بالمورال باسكتلندا مع أحفاد الملكة، التي تجاهلت مطالبات لها بمخاطبة البلاد. وبعد مرور ستة أيام على وفاة ديانا، عادت الملكة إلى لندن ووجهت خطابا إلى الأمة على الهواء مباشرة وهي ترتدي ملابس الحداد السوداء.
قالت الملكة: “لقد اختلجت هذه المشاعر في صدورنا جميعا خلال الأيام القليلة الماضية. لذا، ما أقوله لكم الآن بوصفي ملكتكم وبوصفي جدة، أقوله من قلبي”.
ربما كانت تلك هي المرة الوحيدة خلال عهدها التي سمحت فيها بطمس الخطوط الفاصلة بين دورها كملكة ودورها كجدة، وتحدثت من منطلق هذين الدورين معا لتشرح سبب مكوثها في اسكتلندا.
قالت الملكة: “خلال هذا الأسبوع الذي قضيناه في بالمورال، كنا نحاول مساعدة ويليام وهاري على التكيف مع المصاب الجلل والفقد العظيم الذي ألم بهما وبنا جميعا”.
ولكن حتى خلال الكلمة الخاصة التي ألقتها عشية جنازة ديانا، احتفظت الملكة بمسافة عاطفية تتماشى وقناعاتها بالكيفية التي ينبغي أن يتصرف بها من يجلس على العرش. لكنها كانت مجازفة، ولا سيما بالنظر إلى أن المجتمع بات يربط بشكل متزايد بين الأصالة وبين التعبير عن المشاعر على الملأ.
قيم خالدة
كانت مجازفة آتت ثمارها. وبحلول اليوبيل الماسي لجلوسها على العرش عام 2012، كانت الملكة تحتل مكانة في قلب الأمة لا يمكن أن تُزَحزع عنها.
طيلة عهد الملكة إليزابيث، وحتى خلال أصعب الأوقات التي مرت بها العائلة الملكية، لم تنل فكرة الحكم الجمهوري مطلقا تأييدا يذكر في المملكة المتحدة.
فقد وجد الناس في الملكة أصالة عمادها الاتساق. ومهما كانت المشكلات والإحباطات التي واجهتها، ظلت الملكة ملتزمة بقيمها ومبادئها.
والآن تحتفل جلالتها باليوبيل البلاتيني، لتصبح الملكة الأولى والوحيدة في تاريخ البلاد التي تصل إلى هذه المحطة المهمة. إنها لحظة استثنائية بالنسبة لها وبالنسبة للبلاد.
لكن الملكة بلا شك سوف تتدبر القيم الخالدة التي لطالما ارتكز عليها منهاجها: ذاك الحضور الهادئ المطمئن المراعي لمشاعر الآخرين الذي لخص دورها في حياة أمتها، والتخفيف عن المواطنين العاديين عبر أنحاء البلاد في أوقات التغيرات والتحولات.
بالنسبة للملكة، ظل “إيقاع الحياة المنتظم والجدير بالاهتمام” هو أكثر ما يهمها.
[ad_2]
Source link