الثرية الفرنسية والبستاني المغربي: رحلة بحث عن “البراءة” من جريمة عمرها 30 عاما
[ad_1]
كانت الضحية أرملة فرنسية ثرية ومن سيدات المجتمع، وقد اتهمت رسالة كتبتها بدمائها البستاني المغربي، عمر الرداد، الذي يعمل لديها بقتلها، لكن وجود خطأ نحوي في الرسالة أثار تساؤلات حول ما إذا كانت التهمة مُلفقة للبستاني.
إنها قضية تعود وقائعها لعام 1991 وكانت قد هزت فرنسا آنذاك بعدما عُثر على جثة الثرية في الطابق السفلي من الفيلا الخاصة بها في كوت دا زور، وكان الباب الوحيد للفيلا مغلقا من الخارج ومحصنا من الداخل، وبدا أن هناك رسالة مكتوبة بدم الضحية تتهم البستاني الذي يعمل لديها.
وهكذا باتت عملية القتل الوحشي لغيلين مارشال والإدانة اللاحقة لبستانيها واحدة من أكثر ألغاز جرائم القتل الغامضة في فرنسا، مستحوذة بذلك على الخيال الشعبي، وعلى اهتمام كبير في البلاد، إذ وجهت اتهامات بأن الرداد، وهو مهاجر، كان ضحية للتمييز. وصورت الكتب والأفلام إدانته على أنها خلل في تطبيق العدالة.
وفي تطور جديد يتعلق بهذه القضية، قرر القضاء الفرنسي إعادة فتح قضية الرداد، الذي يؤكد منذ أكثر من 30 عاما على براءته، ما يسمح بإعادة المحاكمة وبالتالي تبرئة اسمه.
وكان الرداد، البالغ من العمر الآن 59 عاما، قد اُدين بطعن ربة عمله حتى الموت، وهي التي كانت تبلغ من العمر حينئذ 65 عاما، وهو ما ظل ينفيه.
وقد حصل الرداد على حريته بفضل عفو رئاسي من الرئيس السابق، جاك شيراك، بعد سنوات قضاها في السجن، لكنه ما زال يتحمل المسؤولية الجنائية.
فما هي تفاصيل تلك القضية؟
في عام 1991 كانت غيلين مارشال، 65 عاما، تعيش بمفردها في فيلا كبيرة وكان الرداد يعتني بحديقتها.
وقد وُلدت غيلين مارشال لعائلة بارزة، وأبوين قاتلا في صفوف المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي، وكان زوجها الثاني وريثا لثروة جاءته عن طريق الإنتاج الصناعي.
أما الرداد فقد ترعرع في المغرب، ولم يكن قادرا على القراءة أو الكتابة وكان يتحدث القليل من الفرنسية. وكان قد انضم إلى والده، الذي عمل لسنوات كبستاني في نفس المجتمع في كوت دا زور، ولديه عائلة صغيرة. بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وعندما لم تظهر غيلين مارشال في موعدين مع أصدقائها في إحدى الأمسيات الصيفية من ذلك العام أثار ذلك قلق الأصدقاء الذين أبلغوا الشرطة التي عثرت عليها ميتة ومصابة برضوض وجروح متعددة في قبو مغلق مُلحق بفيلتها، وفي الداخل، كان هناك سرير قابل للطي يسد الباب مدعوما بأنبوب معدني.
وكان مكتوبا على باب داخل القبو المغلق بالفرنسية وبدماء الضحية جملة “عمر قتلني”، ثم كانت هناك رسالة ثانية بدماء الضحية كتبت أيضا على باب آخر هي: “عمر قتلني”.
واختلف خبراء الخط على مر السنين حول ما إذا كانت الضحية هي من كتبت الرسالتين.
وجادل المدعون وعائلة غيلين مارشال بأن الرداد، الذي مدمناً على ماكينات القمار، هاجم مارشال بدافع الغضب عندما رفضت منحه سلفة على أجره.
وزعموا أنه بعد أن هرب الرداد من الطابق السفلي وأغلقه من الخارج عاشت مارشال لفترة كافية للتعرف على قاتلها وكتابة الرسالة وهي تحتضر وأغلقت الباب خوفا من عودة الرداد.
ويبدو أن النقود قد سرقت من حقيبة يدها التي وجدت فارغة على سريرها.
لكن الرداد قال إنه بريء وليس لديه سبب لقتل مارشال التي عاملته بشكل حسن.
وفي المقابل، يجادل مؤيدوه بأن القاتل الحقيقي لمارشال كان قادرا على وضع السرير مقابل الباب أثناء مغادرة الطابق السفلي، وكتابة الرسالتين لتلفيق التهمة للبستاني المغربي.
وقالوا إن حقيبة اليد الفارغة ليست دليلا على السرقة، ولم تُفقد أية مجوهرات أو أشياء ثمينة أخرى، والأهم من ذلك أنه لم يعثر على الحمض النووي للرداد ولا بصمات أصابعه في مسرح الجريمة.
قضية دريفوس
وبعد إدانة الرداد مباشرة في عام 1994، خرجت بعض الموضوعات التي طُرحت في المحكمة إلى العلن، فقد استدعى جاك فيرجيس محاميه في ذلك الوقت، الذي اشتهر باحتضانه القضايا المعادية للاستعمار، قضية دريفوس.
وقال المحامي إن الرداد مثل الضابط اليهودي الذي أُدين خطأ بسبب دينه، فإن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه البستاني هو كونه عربيا.
ومستوحيا دفاع إميل زولا عن الكابتن دريفوس، شكّل الروائي جان ماري روارت مجموعة لدعم الرداد وألف كتابا بعنوان “عمر، صناعة الجاني”.
وقال روارت: “إن حكاية المرأة المحتضرة التي تشير إلى قاتلها تبدو مثل رواية سيئة لأغاثا كريستي”.
واستمرت التوترات الطبقية في الظهور بعد المحاكمة، وبطرق غير متوقعة في بعض الأحيان.
فبالنسبة لراورت، الذي كان أيضا من عائلة بارزة وكان المحرر الأدبي لصحيفة لوفيغارو وهي صحيفة المؤسسة الفرنسية المحافظة، فقد بدا وكأنه ضد أعضاء من طبقته.
فرنسا “منزعجة”
الآن، وبعد 3 عقود أدت تقنية الحمض النووي الجديدة إلى إعادة المحاكمة.
ففي عام 2015، أدت تقنية الحمض النووي الجديدة إلى اكتشاف آثار أربعة رجال مجهولين في مكان الحادث.
وقالت محامية الرداد، إن أحد الخبراء حدد بعد ذلك وجود 35 أثرا من الحمض النووي لرجل مجهول مختلطة بالرسالة الثانية المكتوبة بدم الضحية.
وأضافت قائلة: “إن ذلك الحمض النووي لابد وأنه يعود إلى القاتل”، معتبرة أنه من غير المحتمل أن يكون مصدره محققون أو غيرهم ممن لوثوا مكان الحادث.
أما سابين دو جرانروت، وهي ابنة أخت مارشال وهي أيضا محامية، فتقول إنها تعتقد أن الأدلة قد جرى التعامل معها بقدر أقل من العناية قبل 3 عقود والحمض النووي الجديد كان قد لوث موقع الجريمة من مصدر غير ذي صلة.
ويأمل أنصار الرداد، الذي ظل يؤكد دائما على براءته، أن يسفر فتح التحقيق في القضية عن براءته وتعاد المحاكمة في تلك القضية التي تمت تسويتها بشكل قانوني على ما يبدو، إلا أنها أزعجت فرنسا لفترة طويلة.
وبالفعل، لقد أزعجت تلك القضية فرنسا لفترة طويلة لأسباب عديدة منها أنها جريمة وحشية جرت وقائعها في منطقة ثرية في شمال مدينة كان، فضلا عن أن الشخصيات الرئيسية في القضية من خلفيات متعارضة تماما، كما كان هناك أيضا لغز الغرفة المغلقة التي لم يحل بشكل مرضٍ، بالإضافة إلى الرسالة الأخيرة التي احتوت على خطأ نحوي صارخ.
فبدلا من استخدام اسم المفعول لفعل “قتل” (tuée)، استخدم من كتب الرسالة الصيغة الفعلية المجردة (tuer).
وقد أثار هذا الخطأ أسئلة في فرنسا حول الطبقة واللغة، في المقام الأول ما إذا كانت امرأة في وضعها الاجتماعي سترتكب مثل هذا الخطأ التافه أو إذا كانت التهمة قد لُفقت للبستاني الذي تمت إدانته بسهولة لأنه من أصل عربي.
فقد جادل محامو الرداد بأن مارشال، وهي امرأة ثرية ومتعلمة جيدا، لم تكن لترتكب مثل هذا الخطأ.
وقد ظل ذلك الخطأ النحوي في قلب المعركة القضائية منذ البداية.
ويتذكر هنري لوكليرك، المحامي الذي مثل عائلة الضحية في محاكمة 1994، أنه علم بجريمة القتل أثناء الاستماع إلى الراديو في سيارته.
وأضاف لوكليرك قائلا: “قال الصحفي إن جثة امرأة قد عُثر عليها في قبو منزلها المغلق وقد تركت دليلا على اتهامها بستانيها، وكان من الغريب وجود خطأ إملائي”.
إنه خطأ شائع بين تلاميذ المدارس، لكن هل يرتكبه أحد من طبقة الضحية؟
وقالت آن أبيلي، محررة كتاب قواعد اللغة الفرنسية المكون من 2628 صفحة، إن الاستخدام السليم للغة كان يعد لفترة طويلة امتيازا للنخبة.
ومضت تقول إنه في عام 1901 هُزمت محاولة تبسيط التهجئة لجعلها أكثر سهولة لأسباب سياسية.
وقالت أبيلي: “كان لا بد من منع كل هؤلاء الشباب من الطبقة العاملة من اكتساب نفس إتقان اللغة مثل النخبة”.
وبالنسبة لمؤيدي الرداد، كان الخطأ دليلا على أن الرسالة لم تكتبها مارشال، ولكن من قبل شخص يحاول تلفيق التهمة للبستاني.
وقالت دو جرانروت إن خالتها، مثل العديد من النساء الأخريات من جيلها، لم تذهب إلى الجامعة.
وقد وجد المحققون أمثلة أخرى لارتكابها الخطأ النحوي نفسه.
وقالت دو جرانروت: “لست متأكدة من أنها في اللحظة التي كانت تكتب فيها كانت تضع في اعتبارها كل القواعد اللغوية في اللغة الفرنسية”.
ووافق الروائي روارت على هذه النقطة.
وقال روارت ، عضو الأكاديمية الفرنسية منذ عام 1997، إن شخصيات بارزة ، 7 أعضاء في الأكاديمية الفرنسية وهي المؤسسة المكلفة بحماية اللغة الفرنسية، يرتكبون أخطاء إملائية.
ومع ذلك، فقد أخذ الخطأ الإملائي زخما كبيرا، وظهر حتى بعد عقود في عناوين الكتب والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي للإشارة إلى الخلل في تطبيق العدالة.
وتعتقد دو جرانروت أن ذلك حدث في جانب منه لأن عائلتها اختارت التزام الصمت حيال جريمة القتل. وقالت إنه مع تحول الرأي العام ضدهم، ناقش أفراد الأسرة لفترة وجيزة ما إذا كان ينبغي التحدث علانية لكنهم تراجعوا عن ذلك.
وقالت دو جرانروت، التي أجرت بعض المقابلات الصحفية في السنوات الأخيرة: “لأننا لم نتحدث فقد أصبح التحدث أكثر صعوبة، وأعتقد أن الأوان قد فات”.
الإدانة والعفو
وفي محاكمته الأصلية، أُدين الرداد وحُكم عليه في عام 1996بالسجن 18 عاما.
ولكن في عام 1998، بعد عامين من الحكم عليه بالسجن 18 عاما، تم الإفراج عن الرداد بعد طلب من العاهل المغربي الملك الحسن الثاني وعفو جزئي من جاك شيراك الرئيس الفرنسي آنذاك، لكن لم يتم تبرئته من القتل.
لقد أطلق سراحه من السجن، لكن إدانته لم تُلغ قط.
وهكذا ما زال عمر الرداد يتحمل المسؤولية الجنائية عن مقتل غيلين مارشال رغم العفو الرئاسي الذي حصل عليه والذي سمح له بالخروج من السجن.
وقد قدم الرداد استئنافا لإعادة فتح قضيته في يونيو/حزيران الماضي، بعد ظهور دليل جديد عبر الحمض النووي.
وعثر على آثار لأربعة رجال مجهولين في مكان الحادث في عام 2015. ويقول مؤيدو الرداد إن أحدهم هو القاتل الحقيقي الذي اتهمه.
وقالت سيلفي نواكوفيتش، محامية الرداد، إنه “لا يزال يعاني، ونادرا ما يغادر المنزل ولم يعد مقبلا على الحياة”، كما قال إنه لا يرغب في إجراء مقابلات صحفية معه.
ولكنها أضافت قائلة إن قرار محكمة الاستئناف العليا بإعادة فحص الأدلة منحه أملا جديدا.
وقالت نواكوفيتش: “هذا الحكم خطوة نحو إلغاء الإدانة، لكن المعركة لم تنته بعد”.
ومضت تقول إنها تأمل في أن تؤدي القضية التي أُعيد فتحها إلى “تصحيح أحد أكبر الأخطاء القضائية في القرن العشرين”.
ومن ناحية أخرى، لا تزال عائلة مارشال تؤكد أن البستاني السابق مذنب بقتل السيدة البارزة في المجتمع في فيلتها على الريفييرا الفرنسية.
ويقولون إن آثار الحمض النووي ملوثة. وفي محاكمة الرداد، قالوا إنها ترتكب أخطاء نحوية.
وقالت سابين دو جرانروت، وهي ابنة أخت مارشال وهي أيضا محامية، في إشارة إلى مقتل خالتها: “إنه ليس حدثا من الماضي تعلمت التعايش معه، إنه حدث يعود دائما إلى الحاضر”.
وتتذكر دو جرانروت، التي قالت إنها كانت قريبة جدا من خالتها، أنها تحدثت معها عبر الهاتف قبل 3 أيام من جريمة القتل، وقالت: “ما زال صوتها في أذني”.
أما هنري لوكليرك، المحامي الذي مثل عائلة الضحية في محاكمة عام 1994 التي أدانت البستاني المغربي فيقول: “اليوم، عندما يُطلب منك إعطاء مثال على الإدانة الخاطئة، يذكر الناس على الفور عمر الرداد، ليس هناك الكثير مما يمكننا فعله اليوم لتغيير الرأي العام”.
[ad_2]
Source link