هل تتجه تركيا وأرمينيا نحو صلح كامل بعد ثلاثة عقود من الخصام؟
[ad_1]
- شهدي الكاشف
- بي بي سي نيوز عربي – اسطنبول
جاء إعلان أرمينيا نيتها تعيين مبعوث خاص لها لبحث إمكانية تطبيع علاقاتها مع جارتها تركيا، بعد ساعات على إعلان مماثل من قبل وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش اوغلو.
وكان أوغلو قد وضح خلال جلسة عقدت في أنقرة، لمناقشة ميزانية وزارة الخارجية في البرلمان، أن تركيا تعتزم تسيير رحلات جوية بين إسطنبول ويريفان قريبا، كما أشار إلى أن بلاده ستنسق هذه الخطوات مع أذربيجان.
لكن السؤال الكبير الذي تسعى وسائل إعلام كثيرة للبحث عن إجابة له هو: هل أرمينيا وتركيا تتجهان نحو صلح كامل بعد ثلاثة عقود تقريبا من انقطاع العلاقات وغلق الحدود بينهما؟
لم يكن هذا التقارب وليد اللحظة، فقد سبق ذلك اتصالات غير معلنة، نجحت قبل أشهر، في دفع أرمينيا للإعلان عن موافقتها على فتح أجوائها أمام رحلات الطائرات التركية المتوجهة إلى أذربيجان.
ولا شك أن كثيرين عندما تُذكر أمامهم العلاقة بين البلدين يتذكرون ملف “المجازر الحميدية” التي تقول أرمينيا إن قرابة مليون ونصف المليون أرمني قتلوا فيها وترفض أنقرة الاعتراف بذلك، مشيرة إلى أن حربا أهلية في الأناضول تزامنت مع مجاعة، تسببت بمقتل ما بين 300 و500 ألف أرمني، فضلا عن عدد مساو من الأتراك، مطالبة يريفان بإطلاق محادثات لتوصيف ما جرى وفقا للوثائق التاريخية التي يملكها الطرفان، وهو ما ترفضه أرمينيا.
وفي خريف 2020، تصاعد التوتر بين البلدين بسبب النزاع العسكري بين أرمينيا وأذربيجان بشأن إقليم ناغورني قره باغ، حيث دعمت أنقرة حينها حليفتها باكو.
وتوقفت المعارك بعد إبرام اتفاق على وقف الأعمال القتالية برعاية موسكو، ليكرس ذلك هزيمة عسكرية لأرمينيا ومكاسب ميدانية كبيرة لباكو.
وبموجب الاتفاق، تنازلت أرمينيا عن مساحات من الإقليم خسرتها خلال المعارك، إضافة إلى سبع مناطق محاذية كانت قد سيطرت عليها خلال الحرب السابقة في التسعينات.
واتهمت أرمينيا تركيا بالضلوع المباشر في المعارك، وهو ما نفته أنقرة.
وثمة من يرى أن حظوظ التوصل الى اتفاق بين أنقرة ويريفان، باتت أكبر من أي وقت مضى، بعد انتهاء الاحتلال الأرميني للأراضي الأذرية، وهي الأسباب التي منأجلها قطعت تركيا علاقاتها مع أرمينيا عام 1993، وأغلقت حدودها البرية معها، دعما لحليفها الأذري، الذي لم يعد معترضا على هذا التقارب كما كان عليه الحال في عام 2009.
وكان أحمد داوود أوغلو، وزيراً لخارجية تركيا، عندما اقتربت أنقرة ويريفان من تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما، عام 2009، لكن العملية برمتها تعثرت بعد رد فعل عنيف من قبل القوميين في البلدين كليهما. حيث رفض المعارضون في تركيا قبول أي اتفاق ما لم تنسحب أرمينيا من ناغورني قره باغ. فيما طالب قوميو أرمينيا من أنقرة الاعتراف أولا بأحداث عام 1915 بوصفها “إبادة جماعية”.
ويقول أحمد داوود أوغلو، في مقال له، إنه إذا كانت هناك تسوية إقليمية واسعة، “سينتصر الجميع”، ومن شأن خطوات فتح الحدود أن تساعد في استقرار منطقة القوقاز بأكملها، ويتيح لأرمينيا، التي تعد أفقر دولة في المنطقة، الوصول إلى الأسواق في تركيا وخارجها، وتربط تركيا ببحر قزوين، الغني بالطاقة، وآسيا الوسطى.
ولكن في بلد كارمينيا يبلغ عدد سكانه بالكاد ثلاثة ملايين نسمة، ولا يزال يعاني من تبعات الحرب الأخيرة، ومن أزمات اقتصادية تعمقها سنوات تبعيتها الطويلة للاقتصاد الروسي، فإن الحاجة إلى تركيا، تبدو أهم برأي بعضهم، ولن تواجه معارضة داخلية كبيرة، فهي كرش الملح على جراح قديمة.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في أيلول – سبتمبر الماضي، إن بلاده مستعدة لبدء حوار مع أرمينيا، ولكن يتعين على يريفان السماح بعبور سلس بين أذربيجان و”ناخيتشيفان” (الجيب الأذربيجاني في جنوب غرب أرمينيا)، الامر الذي اعتبرته يريفان شروطا مسبقة.
وأضاف أردوغان: “نحن لسنا منغلقين على المحادثات، لكنني آمل أن تغلب عليها مقاربة إيجابية وأن يتم تجاوز الصعوبات بين أذربيجان وأرمينيا عبر فتح ممرات”.
وكان الرئيس التركي يشير إلى فتح ممر يربط بين أذربيجان وجيبها ناخيتشيفان في جنوب غرب أرمينيا، على الحدود مع تركيا وإيران، وهو ما اعتبرته يريفان شرطا لاستئناف العلاقات.
وقال وزير الخارجية الأرمني، آرارات ميرزويان، إن بلاده ترفض شروط أنقرة لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين، بما فيها شق ممر عبر أراضي أرمينيا ليربط أذربيجان بتركيا.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية ، قال الوزير الأرميني، إن “أنقرة تطرح شروطا جديدة، بينها ممر يربط بين أذربيجان ونخجوان”، في إشارة إلى جمهورية ذاتية الحكم ضمن أذربيجان مفصولة على سائر أراضي البلاد.
وأضاف: “هذه المسألة ليست موضوعا للنقاش إطلاقا. على الدول أن تسمح بالترانزيت وهي تحافظ على السيادة على أراضيها. جميع المواصلات في المنطقة يجب أن تكون مفتوحة”.
وفي وقت سابق، أكّد أردوغان، أن أنقرة وباكو توليان أهمية بالغة لمشروع “ممر زنغازور”، الذي سيمتد من غرب أذربيجان إلى جمهورية ناختشيفان ذاتية الحكم مرورا بأراضي أرمينيا.
في حين صرح رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بأن بلاده مستعدة لبدء عملية ترسيم الحدود مع أذربيجان.
وقال: “لقد أشرت مرارا إلى أن أرمينيا مستعدة لبدء عملية ترسيم الحدود. موضوع رفع الحظر عن جميع وسائل النقل والاتصالات الاقتصادية وفتحها مهم للغاية بالنسبة لنا، ونحن مهتمون بصدق بحل هذه القضايا”.
وحول سبب معارضة أرمينيا لممر زنغازور، رغم أن باشينيان يؤيد بالقول رفع الحظر عن البنية التحتية، قال اقتصاديون، إن طول ممر زنغازور يزيد قليلاً عن 40 كم، ما لا يمنح أرمينيا دخلا كبيرا من الترانزيت، وعليه فإن أولوية يريفان هي فتح خط سكة حديد عبر غازاخ – إيجيفان وكذلك عبر أراضي أرمينيا بأكملها”.
وتفاقم التوتر على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان في مقاطعة سونيك الأرمنية يوم 13 نوفمبر، عندما أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان أن قوات أذربيجانية توغلت في عمق أراضي بلاده من الجهة الشرقية من الحدود، فيما قالت النيابة العامة الأرمنية إن العسكريين الأذربيجانيين عبروا الحدود باتجاه مدينة سيسيان في مقاطعة سونيك.
وفي 16 نوفمبر أعلن على توصل الطرفين إلى وقف إطلاق النار في المنطقة بوساطة روسية.
ولطالما سعت أذربيجان إلى أن تجعل تركيا أكثر انخراطا في العملية الدبلوماسية بينها وبين أرمينيا، بما في ذلك دفع تركيا كي ترأس “مجموعة مينسك” (إلى جانب فرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، وهو كيان دأب على الوساطة في محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا طيلة عقود.
في نهاية المطاف، استُبعِدَت تركيا تماما من اتفاق ما بعد الحرب، وحازت روسيا موقعا أقوى في المنطقة.
ويقول أوموت اوزتورك، الكاتب والمحلل السياسي التركي، إن أنقرة تشعر بتهميشها من جانب روسيا بعد الحرب الأخيرة، فقد استُبعِدَت من مهمة حفظ السلام الروسية، وغابت عن مجموعة العمل التي تضم أرمينيا وأذربيجان وروسيا بشأن إعادة فتح طرق النقل، ومن ثمَّ فإن التطبيع “طريقة تركيا للرد والضغط على روسيا وحجز مقعدها على الطاولة”.
أما في الجانب الاخر، فيخشى كثير من الأرمن أن يتطلَّب أي اتفاق بين أنقرة ويرِفان تخلي الأخيرة عن جهودها لنيل اعتراف دولي بوصف ما جرى للأرمن بأنه “إبادة جماعية”، كما أن بروتوكولات 2009 لم تذكر أي شيء بخصوص هذه المسألة.
في حين تبدو تركيا أكثر اهتماما بالتطبيع مع أرمينيا بموجب الخطة “3+3” التي اقترحتها سابقا، وهي عبارة عن منتدى إقليمي يتألَّف من دول جنوب القوقاز وجيرانها: أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، إضافة إلى إيران وروسيا وتركيا.
فثمة من يرى، أن تركيا معنية بضم كل مَن في المنطقة إلى هذا التطبيع مع يرِيفان، ولذا فإن “أذربيجان أيضا ستكون جزءا من الخطة”، كما يقول فراس رضوان أوغلو، المحلل السياسي التركي، ويضيف ان تركيا تأمل أن تستعد روسيا لتكون جزءا من الخطة التي ستُطبِّع العلاقات مع أرمينيا، بيد أنه يصعب التنبؤ بما إذا كانت روسيا ستصير شريكا متحمسا لذلك”.
يعتقد بعض المسؤولين في يرِيفان أن تدخُّل روسيا قد يساعد بالفعل بالنظر إلى أن المعارضة المحلية، التي يؤيد معظمها روسيا، تحشد مؤخرا ضد فكرة التطبيع.
وبينما ينتظر كثيرون نتائج أولى جلسات الحوار بين البلدين، (لم يحدد موعدها بعد)، لاستكشاف حجم الهوة بين مواقفهما، والمرونة التي يرغب كل منهما في ابدائها للطرف الاخر لتخطي خلافات الماضي، وكذلك حجم التدخلات الخارجية في المحادثات، سواء من قبل روسيا او ايران او الاتحاد الأوروبي وكذلك من الولايات المتحدة، ولمعرفة ما اذا كانت تصريحات الطرفين لا تعدو عن كونها مناورة لتحصيل مكاسب سياسية، يرى اخرون انها خطوة تاريخية بات على الطرفين ان يسيرا معا نحو تحقيقها مهما كلف ذلك من ثمن؟؟
[ad_2]
Source link