أخبار عربية

جمعية “رسالة حياة” في لبنان وشبهات بالتحرّش والاتجار بالأطفال


رهبان من "رسالة حياة"

مصدر الصورة
Mission de vie/FACEBOOK

Image caption

جمعية “رسالة حياة” تضم رهبان وراهبات يتولون رعاية أطفال ومسنين

ينظر القضاء اللبناني في ملفّ نقل أطفال، بينهم رضّع، من رعاية جمعية “رسالة حياة” الرهبانيّة المارونيّة، إلى مراكز وجهات أخرى، كونهم في “خطر”، بعد الاشتباه بتعرّضهم للأذى والتحرّش الجنسي في أحد مقار الجمعية.

تنفي الجمعية كل الشبهات التي طالتها، متسلّحة بسمعتها لمدة عشرين عاماً في مساعدة الأطفال والمسنين، وبشهادات إيجابية لأطفال كانوا في عهدتها تنشرها عبر صفحتها على فيسبوك. وانطلاقاً من قناعتها ببراءتها، قاومت الجمعية تنفيذ قرار نقل 12 طفلاً من مقرّ لها.

تهتمّ الجمعية بالأطفال والمراهقين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، والأطفال الذين يعانون من أوضاع اجتماعية صعبة، أو المعرضين للتشرّد والانحراف في مركزها المسمّى “بيت الحياة الجديدة” في بلدة أنطلياس قرب بيروت.

تأسست الجمعية في عام 2000 بمبادرة من الكاهن وسام معلوف، ويعمل فيها كهنة ورهبان وراهبات، يتطوّعون للعناية بالأطفال، والمراهقين، والمسنين، في عدّة مراكز وأديرة على الأراضي اللبنانية وفي فرنسا.

خلال الأيام القليلة الماضية، تحوّلت الجمعية إلى محور “فضيحة” تابعها الإعلام المحلّي بكثافة، بعد صدور حكم بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن قاضية الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر كلّفت بموجبه مكتب “الاتحاد لحماية الأحداث”، وهي جمعية متعاقدة مع الدولة اللبنانية، بالتوجه إلى “بيت الحياة الجديدة” لنقل قاصرين منه إلى مراكز وجهات أخرى، و”إلزام رسالة حياة بتسليم أغراض المطلوب حمايتهم والمستندات الرسمية التي تخصّهم خلال مهلة 5 أيام تحت طائلة الغرامة”.

قلق في محكمة الأحداث

لم يتضمّن قرار القاضية أبو حيدر تهماً بالتحرّش أو التعنيف أو الاتجار بالأطفال بغرض التبنّي، بل طلباً بوضع القاصرين المقيمين لدى الجمعيّة في أماكن آمنة ريثما يجري القضاء الجزائي التحقيقات اللازمة للتثبّت من صحّة ما يجري خلف أسوار “بيت الحياة الجديدة”.

وأحالت القاضية قرارها إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان للتحقيق مع أحد الرهبان في الجماعة للاشتباه به بالتحرّش بقاصر، ومع راهبة للاشتباه بتعنيفها للأطفال.

عند محاولة تنفيذ القرار القضائي المذكور السبت الماضي، رفضت راهبتان في الجمعية الامتثال للقرار لوجود قرار من محكمة روحيّة مارونية، يسمح للجماعة بالاحتفاظ بالأطفال المودعين لديها من قبل قضاء الأحداث المدني اللبناني، تضارب يطرح من جديد ملف صلاحيات المحاكم الروحية خاصةً في قضايا الحضانة والرعاية.

انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي خلال توقيف الراهبتين من قبل قوى الأمن، فأثار غضب مجموعة من المواطنين الذين اعتبروا تصرّف قوى الأمن عنفاً غير مبرر.

ولاحقاً، صدر قرار بإطلاق سراحهما بعد ما وصفه متابعون للملف “بضغوط روحيّة وسياسيّة”. كما رُفع ملف الأطفال إلى المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي أحال القضية إلى المباحث الجنائية للتحقيق والتثبّت من الادعاءات التي تطال الجمعية.

وبعد شكوك حول اختفاء رضيعين، أكّدت مندوبة حماية الأحداث أنّ “الاتحاد لحماية الأحداث” على علم بمكان وجدهمامن دون الإفصاح عن تفاصيل.

مصدر الصورة
Dalati et Nohra

Image caption

رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مع مؤسس “رسالة حياة” وسام معلوف خلال زيارته لمقرّ الجمعية

ضغوط ونفي

وسط التكهّنات حول ضغوط مارستها البطريركية المارونية لإطلاق سراح الراهبتين، أعلنت البطريركية عن فتح تحقيق للتأكد من شبهات الإساءة للأطفال. وقال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد، إنّ الكنيسة “تُعنى كأمّ بحماية القاصرين من التحرّش والاتجار”، ولم تكن على علم بما سمعته حول “تحرّش وتعنيف في جمعيّة رسالة حياة”.

وأعلن الراعي عن إنشاء لجنة تحقيق “كما توجب القوانين الكنسيّة”، مطالباً بالاحترام المتبادل لصلاحيات كلّ من القضاء المدني والقضاء الكنسيّ.

وطالب النائب البطريركي المطران حنا علوان خلال مؤتمر صحافي عقدته “رسالة حياة” الأحد باحترام “القضاء الكنسي” وصلاحياته للنظر في قضايا رعاية الأطفال، والحضانة، والتبنّي.

ووصف علوان طريقة تنفيذ الحكم بأنها “مخزية”، وأكّد أنّ الكنيسة لا تتسامح مع اتهامات التحرّش الجنسي، وستحقق بالموضوع، لأنّها لا تخاف من الحقيقة. كما دعا الإعلام الذي تابع القضيّة إلى توخّي الدقّة والحياد.

من جهته، ردّ رئيس الجمعية الكاهن وسام معلوف على “حملة التشهير والتضليل والأكاذيب”، قائلاً إنّ الضجة المثارة هي نتيجة “محاولة إحدى العائلات فرض نفسها لتبنّي طفل من دون تقديم الوثائق والمعلومات المطلوبة”، مشيراً إلى أنّ “رسالة حياة” تعتمد مساراً تربوياً لا عنفياً.

وفيما يتعلق بملف شبهة التحرّش أوضح أن الجمعية “تحت سقف القضاء، ولكنّ الحديث عن مشتبه واحد، ولا يجوز التعميم إلا إذا كان بهدف الأذية”، مطالباً بتحقيق شفاف، وسط تصفيق عدد من المؤمنين ببراءة الجماعة والرافضين لحملة التشهير بها.

الأطفال بين المطرقة والسندان

توضح رئيسة “الاتحاد لحماية الأحداث” أميرة سكّر في اتصال مع “بي بي سي” أنّ القضية ظهرت في شهر يونيو/ حزيران الماضي إثر تعرّض طفل مسجّل لدى الجمعية لضرب مبرّح على يد سائق باص يعمل لديها.

وتشير سكّر إلى أنّ بعض الأطفال الموضوعين في رعاية الجمعية، هم تحت وصاية محكمة الأحداث التي طلبت من الاتحاد إعداد تقرير عن حالتهم في “بيت الحياة الجديدة”. وتضيف: “رفعنا تقريراً مفصلاً بعد سؤال الأطفال عن حياتهم. وبعد استماع القاضية إلى القاصرين من جديد، ارتأت ضرورة نقلهم إلى مكان آمن”.

وتوضح أميرة سكر إن الاتحاد لا يمتلك صلاحية البتّ بصحة أقوال الأطفال أو نفيها، “قمنا بعملنا بموجب طلب القضاء، ونقلنا بالحرف ما أخبرونا به. والمندوبات الاجتماعيات مدربات، وصاحبات خبرة، وعلى قدر عالٍ من المهنيّة، ويتمتعن بثقة القضاء. قرار محكمة الأحداث كان يهدف إلى نقل الأطفال إلى مكان آخر، لتبدأ التحقيقات العدلية بإشراف النيابة العامة، من دون التأثير عليهم، ومن دون ضغط. هناك أطفال رضع في عهدة الجمعيّة، ولا يمكن عرضهم للتبني بموجب قرار كنسي، من دون إشراف القضاء العدلي”. وتضيف:”بخصوص موضوع الاتجار بالأطفال، فهذا اتهام كبير، ولا يمكننا بأي شكل من الأشكال توجيهه. هذا دور النيابة العامة ويحتاج تحقيقات ووثائق. ونحن نرى أن تسريب هذا الملف للإعلام مضرّ، وكان من الأفضل انتظار الحكم النهائي قبل النشر”.

ويقول المحامي نزار صاغية المتابع للملفّ إنّ قرار محكمة الأحداث بشأن أطفال “رسالة حياة” مهم جداً، فهذه هي المرّة الأولى التي يصدر فيها قرار من هذا النوع بحق أحد دور الرعاية المشكوك بأدائها.

وعن تعارض الصلاحيات بين المراجع الدينية والمراجع المدنية، يلفت صاغية إلى أنّ محكمة التمييز حسمت الجدل عدّة مرّات في السابق، وأقرّت بأحقيّة القضاء المدني، عندما يكون القاصر الموضوع في حماية القضاء “معرّضاً للخطر”.

ويرى صاغية أنّ “تصوير القضاء المدني كأنّه يعتدي على طائفة أو جماعة دينية غير دقيق، على العكس، هناك تدخّلات تمثل تجاوزات على صلاحيات القضاء وتحاول تخويف القضاة. قاضي الأحداث هو صاحب الحقّ في تحديد العائلات المرشحة لتبنّي رضيع، أو اقتراح عائلات بديلة، وهذا ملف لا يمكن أن يحلّ بالعصبيّات المذهبية، بل بالنظر إلى مصلحة الأطفال العليا”.

تضارب صلاحيات

ليست هذه المرّة الأولى التي يتسبّب فيها تضارب الصلاحيات بين القضاء الديني والمدني، بأزمة تتعلّق بحماية الطفولة في لبنان. وتتمتّع المحاكم “الروحية” بنفوذ واسع في قضايا الزواج والطلاق والحضانة، ويجوز لها البت بقضايا عدة، إذ تعتبر أنّها صاحبة الدراية الشاملة والمرجعيّة الأولى في شؤون الأسرة ورعاية القاصرين.

من جهة أخرى، يرى المعنيون بمتابعة ملف رعاية الأحداث أنّ هناك تجاوزات تسعى للحدّ من صلاحية القضاء المختصّ العامل بموجب قانون “حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر”.

بانتظار حسم الجدل لا يزال ملفّ الأطفال الرضع الموجودين برعاية “رسالة حياة” مفتوحاً، بعد رفض الجمعيّة تنفيذ الحكم الصادر عن قضاء الأحداث، ورفضها تسليمهم لجهات رأى القضاء أنّها أولى بحمايتهم. بينما ينتظر المعنيّون بالملفّ استكمال التحقيق، ودور الكنيسة فيه، بعدما بادرت لإعلان رغبتها بمحاسبة أيّ مخالف.

سوابق غير مشجعة

في هذه الأثناء، تبدو المرجعيات الرسمية المارونية محرجة بسبب ما يشاع عن تجاوزات في مؤسسات تابعة لها، وتوجيهات البابا فرنسيس في التشدّد بشأن سوء معاملة القاصرين في الكنيسة خاصة بعد بروز العديد من قضايا التحرّش الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية حول العالم.

وهناك مخاوف من أن تتفوّق الاعتبارات الطائفية على مصلحة الأطفال. ففي ملفّ مشابه لم يحقق القضاء المدني اللبناني حتى الآن مع الكاهن منصور لبكي المدان بالتحرّش بأطفال في حكم صدر عن الفاتيكان عام 2013، فيما يسعى محامو لبكي إلى محاكمة من اتهموه بالتحرّش بتهمة التشهير أمام محكمة لبنانية.

————————-

يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.





Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى