أخبار عاجلةمقالات

أهمية مقرر علم النفس السيبراني وفتح باب التخصص في الأقسام العلمية … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: أهمية مقرر علم النفس السيبراني وفتح باب التخصص في الأقسام العلمية … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

مع التحول الرقمي وتنامي الاعتماد على التقنية في جميع جوانب الحياة، أصبح الفضاء الرقمي جزءًا لا يتجزأ من الواقع اليومي للأفراد والمجتمعات، مما أدى إلى نشوء سلوكيات وتحديات نفسية جديدة تستدعي التفسير والفهم العلمي. في ظل الثورة الرقمية المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم، لم يعد التفاعل الإنساني مقتصرًا على الواقع المادي، بل انتقل بقوة إلى الفضاء السيبراني، حيث أصبحت العلاقات، والسلوكيات، والاضطرابات النفسية تتخذ أشكالًا جديدة تختلف جذريًا عما عهدناه سابقًا. ومن هنا برزت أهمية علم النفس السيبراني كحقل معرفي حديث يهتم بفهم وتفسير السلوك البشري في البيئة الرقمية. لذا، تبرز الحاجة الملحة إلى تدريس هذا المقرر وفتح باب التخصص فيه ضمن الأقسام العلمية في الجامعات والمعاهد، لما له من أبعاد متعددة تؤثر في الفرد والمجتمع على حد سواء.

نقصد بعلم النفس السيبراني هو فرع من فروع علم النفس يهتم بدراسة التفاعل النفسي والسلوكي للأفراد في الفضاء الرقمي، بما في ذلك استخدام الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والواقع الافتراضي. يتناول هذا العلم الجوانب النفسية المرتبطة بالعالم الرقمي مثل الإدمان الرقمي، والعزلة الاجتماعية، والتنمر الإلكتروني، وتغير الهوية، واضطرابات التفاعل الرقمي.

وتكمن أهمية تدريس هذا المقرر في تعزيز الوعي الرقمي النفسي الذي يتيح فهم تأثير البيئة الرقمية على التفكير والمشاعر والسلوك، ما يساعدهم على استخدام التقنية بوعي ومسؤولية. وأيضا مواجهة التحديات النفسية الرقمية، مثل القلق الاجتماعي الرقمي، إدمان الإنترنت، واضطرابات النوم الناتجة عن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، وهي قضايا تزداد تفاقمًا في المجتمعات الحديثة. وإعداد متخصصين للتدخل المبكر من خلال تأهيل كوادر قادرة على تقديم الدعم النفسي للأفراد المتضررين من المشكلات الرقمية، مثل ضحايا الابتزاز الإلكتروني والتنمر الافتراضي. ويساعد في دعم جهود التحول الرقمي في المؤسسات

من خلال توظيف الخبرات السيكولوجية السيبرانية في تصميم منصات رقمية أكثر توافقًا مع الاحتياجات النفسية للمستخدمين.

ومن أهمية فتح باب التخصص في الأقسام العلمية، فهو يعد تخصصًا متعدد الأوجه، حيث يتقاطع مع مجالات متعددة مثل، الطب النفسي لعلاج الاضطرابات الناشئة عن الاستخدام الرقمي. والأمن السيبراني، لفهم الدوافع النفسية للهاكرز وسلوكيات المستخدمين. والتربية، لتوجيه استخدام التقنية في المدارس بصورة آمنة. والقانون، للتعامل مع الجرائم الرقمية من منظور نفسي. والتسويق الرقمي، لتحليل السلوك الشرائي والتفاعل مع الإعلانات الرقمية.

لذا فإن فتح التخصص في الأقسام العلمية، سواء في كليات الآداب، التربية، التقنية، أو الإعلام، سيكون له أثر كبير في إعداد جيل من المتخصصين القادرين على خدمة مجتمعاتهم في البيئة الرقمية المتطورة.

وايضًا يحافظ على البيئة المستدامة للمجتمعات؛ عن طريق الحد من التداخلات الثقافية المهددة للهوية، ففي العالم الرقمي، تتداخل الثقافات بشكل سريع، وقد تتسلل أنماط سلوكية وقيم غريبة عن المجتمع، ما يؤدي إلى تصادم حضاري واضطرابات في الهوية الثقافية. و يساعد في بناء الوعي النقدي الذي يمكن الأفراد من التمييز بين المفيد والمضر من هذه التأثيرات. وكذلك تعزيز القيم الأخلاقية في الفضاء الرقمي، من خلال ترسيخ مبادئ السلوك الرقمي المسؤول، واحترام الخصوصية، ومكافحة التنمر والتمييز الإلكتروني. و منع تفكك المجتمع لبعض الاضطرابات السلوكية الناتجة عن سوء استخدام التقنية، مثل الانعزال والتطرف أو الإدمان، قد تؤدي إلى شرخ في البنية الاجتماعية. وهنا تظهر أهمية التدخل السيبراني النفسي لحماية الأسرة والمجتمع من هذه المخاطر.

لذلك نوجّه المختصين للاهتمام في هذا المجال وهو علم النفس السيبراني ليس مجرد تخصص أكاديمي ناشئ، بل هو ضرورة ملحة تفرضها تحولات العصر الرقمي. إن تدريس هذا المقرر وفتح باب التخصص فيه يشكل خطوة استراتيجية نحو إعداد مجتمع واعٍ، متماسك، قادر على التفاعل مع التكنولوجيا بأمان وفعالية. كما يسهم في بناء بيئة رقمية مستدامة تحافظ على الهوية الثقافية وتحمي الأفراد من التهديدات النفسية والسلوكية المعاصرة.

الدكتورة ابتسام النومس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى