في عصر التقنيات … بقلم الأستاذة رحاب محمد الأمين
إيسايكو: في عصر التقنيات … بقلم الأستاذة رحاب محمد الأمين
في عالم متسارع الأحداث والخطى، أصبحت الشبكة العنكبوتية عصباً للحياة تماماً كالماء، وقد ساهم التحول الرقمي في تغلغلها في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، ونتيجةً لذلك فقد طفت على السطح العديد من الظواهر منها ما هو إيجابي وكثير منها سلبي شكّل ولا يزال تحدياً كبيراً ، فعلى سبيل المثال أصبح تسليع الأطفال ظاهرةً تطفو على السطح كما نراه الآن بشكل يومي عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، إذ أصبح الطفل يتصدر تلك المنصات وكأنه بالغٌ رشيد بدعم و إقحام من الأسرة لجذب آلاف المتابعين لتحقيق مكاسب مادية ، وبعد أن تجني الأسرة ما تجني من مال و شهرة و اهتمام ، يبقى السؤال ماهي النتائج المترتبة على تلك المكاسب ، ومن خلال طرح هذا الموضوع اتفقت الدارسات على أن تسليع الأطفال يعد ظاهرة خطيرة للغاية .
ومن وجهة نظري أن الطفل الخاضع للتسليع هو ضحية استغلال من قبل أسرته دون وعيٍ وإدراك منهم لما قد ينتج عن هذه الظاهرة من أضرار نفسية وعقلية واجتماعية على الطفل، ومن تلك الأضرار عداً لا حصراً: تعرض الطفل للتحرش والتنمر الإلكتروني والواقعي، وكذلك سوء التوافق الاجتماعي والأسري مستقبلاً.
إننا بصدد معضلة حقيقة تتطلب تضافر جهود الهيئات والمؤسسات المعنية بحقوق الطفل من أجل سنّ وتشريع القوانين التي من شأنها معالجة هذه الظاهرة بما يضمن عدم استغلال الطفل من قبل ذويه فشهرة الطفل إذا لم تقنن صارت وبالاً عليه أولاً وعلى أسرته.
كما لوحظ مؤخراً انتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتبر سلوك عدواني متعمد يصدر من قبل البعض بهدف إيذاء أشخاص آخرين والنيل منهم، والسؤال الأهم بالنسبة لي ماهي الدوافع التي أدت إلى خلق شخصية المتنمر؟
وينتشر التنمر بين أوساط المراهقين، فطبيعة شخصية المراهق أحياناً تدفعه لتجربة كل ما هو مثير، فنجده من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يجد فضاءاً واسعاً للخوض في كل ما هو جديد ومثير وكذلك قد يجد المتنمر فرصة في مواقع التواصل الاجتماعي لإشباع رغباته اللحوحة لجذب الانتباه ولفت الأنظار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المتنمر قد يكون عرضة للتنمر في الحياة الواقعية مما يجعله يعكس ما يحدث له مع أشخاص أخرين على صفحات التواصل الاجتماعي، وقد نجد أن بعض المتنمرين لديهم إدمان على مواقع التواصل الاجتماعي فالبعض يسعى لتحقيق مكاسب مادية من خلال انتحال شخصية الضحية فيصبح لدى المتنمر حالة من الهوس والعمل المستمر للبحث عن ضحايا أخرين.
و هناك بعض أفراد المجتمع ممن أصبح لديهم أيضاً حالة من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث يظهر ذلك جلياً في ارتفاع معدلات ساعات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، و الجدير بالذكر باتت بعض الأسر تعاني من تبعات هذا الإدمان ، فنجد أن بعض المراهقين و فقاً لشكوى الأهالي لا ينام قبل تفقد الاشعارات و الرسائل المرسلة إليه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و الذي قد يقوده للسهر حتى ساعات الصباح الأولى ليتأثر بذلك يومه الدراسي و تحصيله العلمي .
وختاماً ممالا شك فيه أن استثمار التقنية ضرورة وليس ترفاً كما يظن البعض، لذلك يجب أن يتم استخدامها بضوابطٍ وحرصٍ واهتمام حتى ننجو من جحيمها ونتنزه في بساتينها.ا. رحاب محمد الأمين
باحثة دكتوراه الارشاد النفسي والتربوي
جامعة الملك عبد العزيز