أفغانستان تحت حكم طالبان: للسلام ثمن في معاقل الحركة
[ad_1]
- سيكُندر كرماني
- مراسل بي بي سي – باكستان وأفغانستان
بعد عام من استيلاء طالبان على السلطة، زار مراسل بي بي سي سكوندر كرماني معاقل الحركة في جنوب أفغانستان ليكتشف أن للسلام هناك ثمن.
في بقعة متربة من الأرض بجوار نهر هلمند، وعلى طول ما كان في السابق أحد الخطوط الأمامية للحرب، كان صبيان مراهقان يؤديان لعبة المصارعة، ويجلس من حولهما المتفرجون في دائرة واسعة يراقبون الصبيين باهتمام.
نحن في منطقة سانغين في جنوب أفغانستان، التي شهدت بعض أكثر الاشتباكات دموية خلال العقدين الماضيين. لا يزال جزء كبير من المدينة عبارة عن أنقاض، على الرغم من إعادة بناء عدد من المنازل مع عودة السكان إلى ديارهم، متنعمين بالسلام لأول مرة منذ سنوات.
لا توجد نساء بين حشد المتفرجين، في هذا الجزء المحافظ للغاية من البلاد، تبقى النساء إلى حد كبير خلف الأبواب المغلقة.
أيد الكثيرون هنا تمرد طالبان ضد الحكومة الأفغانية السابقة والقوات التي تقودها الولايات المتحدة التي دعمتها، في حين أن البعض الآخر ببساطة يشعر بارتياح لأن العنف الذي ابتليت به حياتهم انتهى أخيراً.
يقول لالاي، الذي نظم مباراة المصارعة: “الحياة جيدة جداً الآن والناس سعداء”، ويقول آخر: “هناك حرية ولا توجد مشاكل”.
كل من تحدثت إليهم هنا تأثر بالحرب.
يقول لالاي: “لن تجد عائلة واحدة في هذه المنطقة دون أن يكون قد استشهد اثنين أو ثلاثة من أقاربها على الأقل”.
يشعر العديد من الأفغان باليأس العميق من الاتجاه الذي تتخذه طالبان في البلاد. لكن، في المناطق الريفية ولا سيما في الجنوب والشرق – التي يهيمن عليها عرقية البشتون – هناك الكثيرون ممن يدعمون طالبان أو يشعرون بأن الحياة تحت حكمهم أفضل من الحياة في حالة حرب.
تنتشر في سانغين رسائل تذكير بالصراع في كل مكان: حطام المنازل التي دمرتها الغارات الجوية الأمريكية أو الأفغانية ، فضلاً عن الخراب والحفر الموجودة على الطريق المؤدية إلى عاصمة هلمند لشكر كاه، التي خلفتها قنابل طالبان.
داخل لشكر كاه، يشيد كل من تحدثنا إليهم بتحسن الأوضاع الأمنية، ولكن هناك معركة جديدة في المدن الأفغانية من نوع آخر، ألا وهي المعركة ضد الجوع.
لقد تقلص التمويل الأجنبي الذي كان يستخدم لدعم الحكومة السابقة، كما جمدت احتياطيات البنوك في أفغانستان منذ تولي طالبان السلطة العام الماضي. الآن الفقر وسوء تغذية الأطفال آخذان في الارتفاع.
تجمع حشد من الناس حولنا بينما كنا نتحدث إلى البعض، جميعهم يشتكون من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وقلة الفرص.
يقول حاجي بريداد، وهو مقاول بناء: “حتى عندما أصلي، أظل أفكر في ديوني وكيف سأدفعها”، مضيفاً أنه لا يزال رغم كل هذا، سعيداً لأن الحرب انتهت.
“أنا أعيش خارج المدينة ولم أكن أستطيع السفر ليلاً، أما الآن فأستطيع فعل ذلك لكنني لا أكسب شيئاً”.
تتمتع طالبان بدرجة من الدعم الشعبي الحقيقي في أفغانستان، لا سيما في أماكن مثل هلمند، على الرغم من أنها تعارض بشدة الانتخابات الديمقراطية، فمن المستحيل تحديدها.
لكن هلمند، هي أيضاً واحدة من أكثر المقاطعات التي تخضع لسيطرة شديدة في البلاد. لقد قيل لنا إن أي شخص ينتقد طالبان علانية يواجه الاعتقال أو حتى أسوأ من ذلك.
في ديسمبر/كانون الأول 2021، اعتقلت حركة طالبان في هلمند نفيد عظيمي، وهو مدرس للغة الإنجليزية، لكتابته منشوراً على فيسبوك ينتقد فيه انخفاض رواتب موظفي الحكومة، لم يمض وقت طويل حتى وًجدت جثته ملقاة قرب النهر.
وقال معارض محلي آخر لطالبان، (طلب عدم الكشف عن هويته) لبي بي سي ، إنه تم اعتقال حوالي 20 شخصاً بسبب منشوراتهم ونشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح قائلاً: “لا يمكنك التفوه بكلمة”، واصفاً كيف تعرض البعض للتهديد، بينما احتُجز آخرون في السجن. وأضاف أن “طالبان تمارس عليهم أنواعاً مختلفة من التعذيب، حيث تقوم بضربهم بالكابلات والأنابيب وتغطس رؤوسهم في الماء”.
من هلمند، انطلقنا إلى قندهار، واستغرقت رحلتنا حوالي ثلاث ساعات.
لم يكن من الممكن تصورها خلال الحرب. في الحقول على جانبي الطريق، كان المزارعون يقطفون العنب في الكروم، لكن هذه المنطقة تشتهر بمحصول آخر، ألا وهو الأفيون.
ينتج الأفيون الذي يزرع في أفغانستان الغالبية العظمى من الهيروين في العالم، وكان في الماضي مصدراً مهماً للدخل لكل من المزارعين الفقراء وطالبان.
الآن حظرت طالبان زراعتها.
بعض حقول الخشخاش المجففة هي كل ما تبقى من أحدث المحاصيل.
يشعر شايستا غول، وهو مزارع مسن، بالقلق ويقول: “لا يوجد هناك محصول آخر يمكن زراعته هنا ليكسبنا ما يكفي من المال”.
ولكن، نظراً للحظر الذي تعيشه البلاد، ليس لديه أي خطط لمحاولة زراعة الأفيون مرة أخرى. يمكن أن تكون طالبان على وشك تحقيق ما لم تستطع الولايات المتحدة تحقيقه، وهو القضاء على إنتاج الخشخاش بشكل كبير. ومع ذلك، لا يزال الأفيون الذي تمت معالجته بالفعل، يتم تداوله علانية في الأسواق.
وأخبرنا شايستا غول أنه “يقول البعض إن الأثرياء قد خزنوا الكثير من الأفيون، في انتظار ارتفاع الأسعار أكثر، لذا، فهم سعداء”.
وصلنا إلى قندهار، ثاني أكبر مدينة في أفغانستان والموطن الروحي لطالبان. وفي ضريح هنا، أُعلن مؤسس حركة طالبان، الملا عمر، “أمير المؤمنين” في عام 1996 ، بينما كان يقف أمام حشد من الناس حاملاً عباءة قيل إنها تخص النبي محمد.
يخبرنا أحد الشهود المسنين عن الحدث: “كانت حركة طالبان أكثر صرامة في ذلك الوقت… الآن لا يجبرون الناس على إطالة لحاهم، على سبيل المثال”.
لكن تبقى قندهار المكان الذي لا يزال يقيم فيه المرشد الأعلى الجديد لطالبان، الملا هبة الله أخوند زاده المنعزل والبعيد عن الأنظار. إلا أنه يُعتقد أنه كان وراء الموقف المتشدد لحركة طالبان على مدار العام.
يقع مقر حكومة طالبان في كابل، لكن قندهار هي المكان الذي تُتخذ فيه القرارات النهائية.
وبالنسبة للعقاب الجسدي، فحتى الآن، لم يتم تطبيقه على نطاق واسع، لكن في الشهر الماضي، أعلن مسؤولو طالبان في قندهار أن ثلاثة أشخاص قد تعرضوا للجلد بسبب ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والسرقة.
رد نائب المحافظة مولوي حياة الله مبارك بتحدٍ عندما استجوبته عن الحادث: “إنها أمتنا وديننا”، وأصر على أنه كان سيتم اتباع إجراء قانوني بحقهم.
إن النساء الأفغانيات هن الأكثر تضرراً من قوانين طالبان الجديدة.
في قندهار وجنوب أفغانستان، كانت جميعهن تقريباً يرتدين البرقع أو يغطين وجوههن في الأماكن العامة. المعلمات والعاملات في مجال الرعاية الصحية من بين أولئك اللواتي سُمح لهن بمواصلة عملهن.لكن طُلب من الأخريات البقاء في المنزل.
نجينا ناصري، كانت مذيعة محطة إذاعية في قندهار، لكنها توقفت عن العمل عندما اشتد القتال. والآن ترغب بالعودة إلى عملها، لكن قيل لهن في قندهار إنه لم يعد بإمكانهن العمل، بينما لا تزال الصحفيات في كابل يظهرن على الشاشة.
قالت لي نيجينا: “قندهار إقليم لا يسمح فيه للنساء بالعمل في كثير من الأحيان، عندما خرجت إلى الشارع تعرضت للضرب وسُحب وشاحي، وألقى الناس بالزجاجات أو علب السجائر في وجهي، لكن رغم كل هذا تمكنت من الوصول إلى منصب احترافي”.
والآن، هي عالقة في المنزل، تقول إنها تتمنى أحياناً لو لم تكلف نفسها عناء متابعة التعليم.
قد تكون قندهار هي المكان الذي ظهرت فيه حركة طالبان لأول مرة، ولكنها أيضاً المكان الذي واجهوا فيه بعض أشد المقاومة. على الجانب الآخر مباشرة من الضريح الذي زاره مؤسس حركة طالبان الملا عمر، يوجد ضريح ذو قبة متقنة لإحياء ذكرى أحد أبرز معارضي طالبان.
اعتبر الكثيرون في أفغانستان الجنرال عبد الرازق بطلاً لمساعدته في صد تقدم طالبان، حتى اغتيل في عام 2018. وكان مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالوجود العسكري الأجنبي، لكنه اتُهم أيضاً بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
في بلدة سبين بولداك، جنوبي قندهار، على الحدود مع باكستان، يُزعم أن رجاله يديرون سجناً سرياً.
فيض الله شاكر، وهو إمام مسجد قريب، يقول إن لا صلة له بحركة طالبان، احتجز هناك منذ ما يقرب من ثلاث سنوات أخذنا في جولة إلى زنزانته السابقة.
يقول: “علقوني من السقف ولفوا ذراعيّ حول أنبوب مياه، بينما كانوا يضربون ساقي بالحراب”.
يصف فيض الله تعليقه على هذا النحو لمدة ثلاثة أيام قبل كسر فكه ثم نقله إلى غرفة صغيرة ومظلمة تحت الأرض حيث كان يعيش مع مجموعة من السجناء الآخرين.
لم يكن هناك مساحة كافية حتى يستلقي كل منهم على الأرض، كما يقول.
لقد ارتكبت حركة طالبان فظائع لا حصر لها في سياق الصراع الأفغاني وكانت مسؤولة عن غالبية الوفيات بين المدنيين، لكنهم، أو المتهمين بصلتهم بهم، كانوا أيضاً ضحايا الفظائع.
لم يتم إبراز الحوادث في كثير من الأحيان بنفس الطريقة، وهذا هو السبب في عدم رؤية البعض في البلاد إلا للقليل من الاختلاف بين “رجال الحكومة السابقة” وبين قوات طالبان الآن بحسب تفسيره لما يجري الآن.
أثناء القيادة على طول السياج الفاصل بين أفغانستان وباكستان، وصلنا إلى قرية مهجورة بالكامل تسمى شارو أوبا.
يقول القائد حاجي سيلاب، وهو عضو مخضرم في طالبان، إنه وأفراد محليين آخرين من قبيلة نورزاي الذين كانوا يعيشون هناك أجبروا على الخروج بشكل جماعي من قبل الجنرال عبد الرازق، الذي كان ينتمي إلى قبيلة منافسة.
يقول حاج سيلاب: “عندما عدت إلى هنا لأول مرة العام الماضي مع عائلتي، بكى الناس فرحاً”.
ويشير آخرون إلى أن السكان أُجبروا على المغادرة ، ليس بسبب التنافس بين القبائل، ولكن لأنهم كانوا يؤون عناصر طالبان الذين شنوا هجمات متكررة على القوات الحكومية.
لكن حاجي سيلاب يقول إن الحادث ساعد الحركة على النمو من وجود صغير إلى وجود كبير في المنطقة، حيث استفادت من غضب السكان المحليين.
بعد سقوط سبين بولداك في أيدي طالبان، كانت هناك تقارير موثوقة عن عمليات قتل انتقامية على يد أفراد من قبيلة نورزاي.
الحاج سيلاب ينفي ذلك، ويصر على أن عفواً أعلنته قيادة طالبان حال دون وقوع أعمال عنف.
يقول: “كان من الممكن أن تسيل أنهار من الدماء، فنحن نعرف من المسؤول بالضبط عن الهجمات علينا”.
تم توثيق مقتل العشرات من الأعضاء السابقين في قوات الأمن الأفغانية خلال العام الماضي ولم يكن هناك أي مؤشر على أي مساءلة عن مقتلهم من داخل حركة طالبان. ومع ذلك، ووفقاً للمعايير الوحشية التي ذاع صيتها للنزاع الأفغاني، كانت عودتهم إلى السلطة أقل دموية مما كان يخشى الكثيرون في البداية.
ما تفعله طالبان الآن هو ما يهم الأفغان أكثر من غيرهم.
أثناء عودتنا إلى قندهار، أخذنا منعطفاً بعد عربة آلية تم تحويلها إلى مكتبة متنقلة.
تعمل مؤسسة Pen Path الخيرية على تعزيز التعليم في القرى النائية.
يتجمع حوالي 100 فتى وفتاة بحماس أمام مسجد، بينما يبدأ المعلم بإلقاء الدرس.
يصف مطيع الله ويسا، مؤسس Pen Path ، التعليم بأنه “حق إسلامي”، لكن طالبان أبقت على معظم مدارس البنات الثانوية في البلاد مغلقة.
في هذه القرية، كما هو الحال في المناطق الريفية الفقيرة الأخرى، لا توجد حتى مدرسة ثانوية للبنات.
يقول مطيع الله ويسا إن الطلاب غالباً لا يملكون أقلاما أو دفاتر ملاحظات.
مع بدء الفصل الدراسي في الهواء الطلق، لا يمكن رؤية الفتيات والنساء الأكبر سناً في أي مكان.
تستشهد طالبان بهذه القيم المحافظة باعتبارها السبب وراء إغلاق المدارس المستمر. لكن من الواضح أن الآباء في القرية يريدون لبناتهم الصغيرات التعلم.
يقول أحدهم: “أريدهن أن يلتحقن بالجامعة، فبإمكانهن أن يصبحن طبيبات ويخدمن البلد”.
وعبر آخر عن دعمه لكنه أوضح شروطه بأنه “يجب أن يكون هناك مبنى منفصل للفتيات ومعلمة. يجب عليهن ارتداء البرقع في طريقهن إلى المدرسة”.
حتى في هذه البيئة المحافظة للغاية، يبدو أن هناك إجماعاً على أن الفتيات يجب أن يكون لهن نفس الحق في التعليم مثل الفتيان. إنها لحظة معبرة.
تم تكريس الكثير من الاهتمام للتساؤل عما إذا كانت طالبان قد تغيرت أم لا منذ آخر مرة كانوا فيها في السلطة في التسعينيات.
لكن الأهم من ذلك هو مدى تغير المجتمع الأفغاني خلال ذلك الوقت، حتى في معاقل طالبان.
[ad_2]
Source link