كيف حقق ترميم فاشل للوحة للمسيح شهرة عالمية بعد أن كان مصدر سخرية؟
[ad_1]
- شين سوزوكي
- بي بي سي نيوز- البرازيل- ساو باولو
بدأ كل شيء في 7 أغسطس/آب من عام 2012 ، مع منشور على مدونة خاصة بالثقافة والفنون في بورخا، وهي بلدة صغيرة في إسبانيا، لم يكن عدد سكانها يتجاوز 5000 نسمة.
كان المنشور يتحدث عن تعرض لوحة جدارية مرسومة على جدار كنيسة مزار الرحمة في البلدة لـ “تدخل” غامض أدى إلى تشويهها.
وتحمل الجدارية اسمEcce Homo “أيتشه أومو”، وهي لوحة للمسيح تعود إلى عام 1930، ورسمها الرسام الإسباني إلياس غارسيا مارتينيز.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى اكتشف سكان بلدة بورجا أو “بورخا” حسب اللفظ الإسباني، ما الذي حدث للوحة، التي لم تكن بالأساس محفوظة بشكل جيد وبحاجة إلى صيانة وترميم.
وسرعان ما كشفت هوية الشخص الغامض، الذي يقف خلف المحاولة الخرقاء لترميم اللوحة. إنها سيسيليا خيمينيز، سيدة مسنة من أهالي البلدة وهي أيضا من رعايا الكنيسة، وكان عمرها حينها 81 عاما.
لقد قررت سيسيليا مسلحة “بالنية الحسنة” أن تحل بنفسها مشكلة عدم صيانة اللوحة، رغم افتقارها للخبرة والمعرفة بالتقنيات الفنية المطلوبة.
“عاصفة من السخرية”
غني عن القول إن الأمر أثار عواصف من السخرية، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى الأخبار، وخلال بضع أسابيع أصبحت القصة وبطلتها مادة لبرامج كوميدية في جميع أنحاء العالم.
ترددت أصداء الحدث بقوة لدرجة أن صورة اللوحة المشوهة التي أطلق عليها عمل “دونا سيسيليا” (من الشائع في الدول اللاتينية أو الناطقة بالإسبانية أن يطلق على النساء المسنات اسم دونا كعلامة على الاحترام) أصبحت أيضا متداولة بكثرة على الإنترنت، ويُطلق عليها غالبا اسم “يسوع البطاطا”.
أصيبت سيسيليا بالاكتئاب، وخصوصا مع تصنيف ما قامت به “عملا تخريبيا” وتهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضدها. إلا أنها سرعان ما استعادت معنوياتها، وأدركت أن عملها كان “يلقى رواجا”. وشيئا فشيئا، تراجعت السخرية، وحل مكانها نوع من التقدير.
واليوم، أصبحت اللوحة التي “رممتها” دونا سيسيليا، مصدرا لتجارة رابحة، مع العديد من المنتجات التذكارية الرائجة التي تحمل صورة اللوحة، مثل علاقات المفاتيح والقمصان وقطع المغناطيس التي توضع على الثلاجة. بل، لقد ألهمت لوحتها أوبرا كتبها الأمريكي أندرو فلاك عام 2015.
والآن، بعد مرور عشر سنوات على قصة لوحة “أيتشه أومو”، فإن بورخا التي كبرت وأصبحت اليوم مدينة، تحتفل بتلك القصة، التي أصبحت من الماضي، من دون أي أسف أو إحراج.
أما دونا سيسيليا، التي أصبح عمرها الآن 91 عاما، فهي تقيم حاليا في دار لرعاية المسنين.
ويقول إدواردو أريلا بابلو، رئيس بلدية بورخا، لبي بي سي “لقد تدهورت صحتها (دونا سيسيليا)، لكنها لا تزال واعية ومدركة للظاهرة” التي كانت سببا لها.
كما أعلن بابلو أن المدينة ستقيم حفلا لتكريم كل من دونا سيسيليا ومارتينيز في 10 سبتمبر/ أيلول.
فقد ساهمت السيدة العجوز في نهاية المطاف، في صنع شهرة لبورخا تجاوزت حدود إسبانيا، ووصلت إلى أرجاء العالم.
وتقع هذه المدينة في مقاطعة سرقسطة التابعة لمنطقة أراغون الشمالية الشرقية، على بعد حوالي 300 كيلومتر من العاصمة مدريد، وقد تحول الحدث الذي كان في البداية مؤسفا ومثار سخرية، ليصب لاحقا في مصلحة المدينة.
وأضاف رئيس البلدية قائلا “من الناحية السياحية، أصبحنا وجهة عالمية، ونحن نستقبل زوارا من 110 دول”.
معلم سياحي و”ظاهرة ثقافية”
شهدت بورخا خلال السنة الأولى فقط التي أعقبت “تدخل” دونا سيسيليا بلوحة المسيح، انفجارا في أعداد السائحين، ووصل عدد زوارها إلى 40 ألف شخص.
وأوضح بابلو قائلا “الآن، يتدفق إلى المدينة ما بين 10000 و11000 زائر سنويا، ليشاهدوا على الواقع مباشرة ما أصبح مشهورا على الإنترنت”.
ما رأي رئيس البلدية بما فعلته دونا سيسيليا؟
يجيب بابلو “كبلدية ومؤسسة، لا يمكننا السماح بحدوث مثل هذه الأشياء. لدينا تراث ضخم من المعالم الأثرية والفنية، ونحن ملتزمون بصيانته”.
ويضيف “لكن مع كل الاحترام للوحة الأصلية التي رسمها إلياس غارسيا، الآن يعتبر العمل الأكثر أهمية بعد أن أصبح على طريقة سيسيليا خيمينيز.”
واللوحة الجدارية التي رسمها غارسيا مارتينيز (1858-1934) هي استنساخ لعمل آخر باسم “أيتشه أومو” (وتعني باللاتينة: “هو ذا الإنسان”)، وهو موضوع كان شائعا في الفن الأوروبي في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، ويشير الاسم إلى عبارة تنسب إلى بيلاطس البنطي عندما قدم يسوع المسيح للناس في القدس.
كان مارتينيز أستاذا في مدرسة الفنون الجميلة في سرقسطة. وقد اعتادت أسرته قضاء الصيف في منطقة بورخا، وهذا ما دفع الفنان إلى رسم اللوحة الجدارية في الكنيسة عام 1930.
ووصفت صحيفة “إل باييس” اليومية الإسبانية المرموقة اللوحة الأصلية بأنها “ذات قيمة فنية متواضعة”. وأشارت إلى أن العمل لم يكن حتى مدرجا ضمن كتيب عن الأعمال الفنية المهمة في منطقة أراغون.
هل صنعت دونا سيسيليا بتدخلهاعملا فنيا؟
أشادت ناتاليا لافين، الباحثة في الثقافة الرقمية، بما فعلته دونا سيسيليا، معتبرة أنها أبدعت “شيئا مختلفا تماما، وله تأثير يفوق بكثير ما كان للوحة الأصلية”.
وقالت لافين “لقد دخلت صورة اللوحة عالم الثقافة البصرية المعاصرة بقوة لأنها تحتوي على كافة خصائص الظاهرة الشعبية القابلة للانتشار: شيء غير متكلف، وغير احترافي، وفوضوي إلى حد ما. وبالتأكيد، لم تكن نيتها (سيسيليا) على الإطلاق أن تحقق ما حصل بالفعل”.
ووفقا للافين، فإن قضية “إعادة إنتاج” لوحة “أيتشه أومو” أو “هو ذا الإنسان” تتعلق بسؤال معاصر في الفن، وهو “أننا نتساءل بشكل أقل عما هو الفن، وأكثر عن أين يكمن”.
وتضيف لافين “في السياق الذي أجرت به سيسيليا الترميم، لم يكن العمل فنا بالتأكيد. ولكن يمكن أيضا النظر إليه انطلاقا من المدى الزمني لاستمرار تداول صور اللوحة، وهذا يحدد أهمية أن يكون العمل حيا”.
بعد أن خمدت موجة السخرية، وخلال فترة “إعادة تأهيل” دونا سيسيليا وتقبلها سواء في مجتمع المدينة أو عالميا، ظهر معجبون غير متوقعين للدفاع عنها.
وكان من بين المدافعين عن دونا سيسيليا، المخرج الإسباني أليخاندرو دي لا إيغليسيا المعروف أيضا باسم أليكس دي لا إيغليسيا، وهو مخرج أفلام مثل”البار”، و”إل ديا دي لا بيستيا” أي “يوم الوحش” الذي نال عنه جائزة “غويا” لأحسن مخرج عام 1995.
وقال دي لا إيغليسيا في تغريدة على تويتر إن اللوحة بعد تدخل سيسيليا هي “رمز لطريقتنا في رؤية العالم. إنها تعني الكثير”.
كما وصل الأمر بالناقد الفني الأمريكي بن ديفيس إلى اعتبار العمل بعد “ترميم” سيسيليا بأنه من بين 100 قطعة فنية تعرّف فن العقد العاشر من الألفية الثانية، ووصفه بأنه “تحفة محببة من السريالية غير المقصودة”.
وكتب روب هورنينغ، المحرر في مجلة “ريل لايف” الإلكترونية المهتمة بتكنولوجيا وثقافة الإنترنت، أن اللوحة المرممة في الواقع “أتاحت فرصة للسخرية من الورع الديني، ومما يعتبر مقدسات فنية سائدة، في آن واحد”.
كما اعتبر هورنينغ أيضا أن الزيادة في إقبال السياح على زيارة بورخا، يكشف أيضا وجود علاقة مثيرة للفضول بين العالم الواقعي، وعالم الإنترنت، ويقول “يبدو الأمر كما لو أن الجدار الذي يحمل لوحة أيتشه أومو بعد لمسات دونا سيسيليا يقول للمشاهد: “هو ذا الإنترنت”.
ويضيف هورنينغ “لا بد أن الإحساس قوي للغاية” أمام اللوحة.
مُنحت دونا سيسيليا 49 في المئة من حقوق الملكية الفكرية لصور لوحة “أيتشه أومو” الخاصة بها. وحسب المعلومات الواردة، تقدم سيسيليا تبرعات منتظمة من نصيبها من العائدات إلى صندوق لدعم الذين يعانون من مرض التنكس العضلي الذي أودى بحياة أحد أبنائها.
في عام 2016، خلال حفل أقيم في بورخا، أعلنت السيدة المسنة، أنها تصالحت مع “تدخلها” باللوحة.
وقالت دونا سيسيليا “أحيانا، وبسبب كثرة مشاهدتي للعمل، أقول لنفسي ‘يا بني، لم تعد قبيحا كما بدوت لي في البداية'”.
[ad_2]
Source link