زيارة جو بايدن للسعودية: العلاقات بين البلدين من النفط إلى الإرهاب إلى حقوق الإنسان
[ad_1]
- نسرين حاطوم
- مراسلة بي بي سي نيوز عربي لشؤون الخليج
على مدى العقدين الماضيين، شهدت العلاقات الأمريكية السعودية صعوداً وهبوطاً بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصولاً إلى اليوم، إذ يمرّر البلدان لبعضيهما رسائل مبطنة أحياناً، ومباشرة أحياناً أخرى.
علاقة استمرت استراتيجية على الرغم من كل الاختلافات وإن كانت جذرية، وترتبط مباشرة بالقيم والمبادئ التي يؤمن بها البلدان، والتي تكون متباينة في بعض الأحيان.
فعند كلّ أزمة تلوح في الأفق بين الرياض وواشنطن يخرج مسؤولو البلدين بالتعليق: إنها علاقة استراتيجية.
بدأت العلاقة الاستراتيجية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، في عهد كلّ من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ومؤسّس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود.
وحينها منحت السعودية حق التنقيب عن النفط داخل أراضيها إلى شركة أمريكية هي “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا”.
الصلات التي بدأت نفطية تفرّعت بعد ذلك لتشمل جوانب أخرى لا تقل أهمية كالجانب العسكري والتسلّح الذي يعتبر نقطة ارتكاز مهمة في العلاقات بين البلدين.
فالسعودية هي أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية، ما يجعل من الأمر مسألة مصالح متبادلة لا يمكن تجاهلها ويضع البلدين أيضاً في موضع التروّي في إطلاق السهام تجاه بعضيهما البعض حين تبدأ الأمور بالخروج عن السيطرة.
فالمملكة بحاجة ماسة إلى السلاح الأمريكي لتكون قوة عسكرية نوعية في المنطقة تردع أي هجوم تراه محتملاً من إيران، وفي المقابل، تأمل واشنطن في أن يستمر ضخّ الريالات السعودية النفطية إلى خزينتها.
محطات ومطبّات
لكن هذه العلاقة الاستراتيجية مرّت بمطبّات لافتة عبر السنين كانت لها تبعات مهمة.
أبرز هذه المطبّات أزمة الطاقة عام 1973 حين فرضت البلدان العربية في منظمة أوبك، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، حظراً على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية بسبب موقفها الداعم لإسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية آنذاك.
أنهك الحظر النفطي الاقتصاد الأمريكي، وبدأت مشاهد تجمّع السيارات أمام محطات الوقود في الولايات المتحدة بالانتشار حول العالم في دلالة إلى اعتمادها شكل أساسي على النفط الخارجي في حاجاتها النفطية.
واليوم، ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، عادت الأزمة من جديد، ولكن برداء مختلف هذه المرة، بعدما تبيّنت أهمية الطاقة في رسم مصالح الدول.
وشكّل مطبّ آخر نقطة محورية في تاريخ العلاقات بين البلدين: أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والتي اتهم فيها 15 سعودياً من أصل 19 شخصاً شاركوا في هجمات مختلفة ذلك اليوم على مواقع حسّاسة في مناطق أمريكية مختلفة.
وولّد اتهام سعوديين حينها موجة من الغضب الشعبي الأمريكي تجاه السعودية، ما أثّر على العلاقات بين البلدين ودفع بالمملكة وإن بشكل بطيء إلى إجراء إصلاحات دينية واجتماعية جذرية خصوصاً في المناهج التربوية، برزت إلى الواجهة بعدما أصبح الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في حزيران/ يونيو عام 2017.
وشهدت الفترة التي تلت تولي محمد بن سلمان لولاية العهد، تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت لها اليد الطولى في فرض عقوبات على كل من تعتبرهم مخالفين لممارسات الشريعة الإسلامية، إن لجهة اللباس أو إظهار سلوك مغاير في أماكن عامة، أو حتى في عدم إقفال المحلات أثناء مواقيت الصلاة، وغيرها من الأمور.
كما شهدت هذه الفترة السماح بإقامة الحفلات الغنائية والمهرجانات السينمائية، إذ ظهرت نجمات عربيات وسعوديات يرتدين أزياء لم يكن يتجرّأن على ارتدائها سابقاً في المملكة.
كذلك وضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء، وظهر ذلك جلياً في مهرجانات غنائية عالمية وسباق الفورمولا واحد في جدة وفعاليات أخرى استضافتها السعودية.
وكان التطوّر الأهم السماح بقيادة النساء للسيارة بعد معاناة دامت لسنوات.
هذا كلّه مع الإبقاء على مبادئ الحشمة في الأماكن العامة وعدم السماح حتى الآن بتقديم المشروبات الروحية على كامل الأراضي السعودية.
ومع تغيّر شاغلي البيت الأبيض، شهدت العلاقة الأمريكية السعودية بروداً لافتاً في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إجراء الكونغرس بتحقيقات حول إمكانية تواطؤ السعودية رسمياً في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، إضافة إلى إبرام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا اتفاقاً مع إيران عام 2015 سُمي بخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، يلزم طهران بتقليص قدراتها النووية.
لكن ذلك البرود لم يدم طويلاً مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، وانسحابه من الاتفاقية النووية، ما جعل علاقته بالسعودية من أقوى التحالفات في عهده، إذ اختارها لتكون أول محطة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.
ووصف كثيرون من المتابعين تلك العلاقة في عهد ترامب بالـ “شخصية” خاصة بسبب الدور الذي لعبه صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير، إذ يُعتبر مقرّباً من محمد بن سلمان، وساعده في الحصول على امتيازات كثيرة أبرزها صفقات أسلحة بمليارات الدولارات.
الغزو الروسي لأوكرانيا أرسى معادلات جديدة
أخذت الأمور منحى مختلفاً مع وصول الرئيس الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض.
فخلال إحدى المناظرات العامة التي عقدت خلال فترة ترشّحه لمنصب الرئيس الأميركي، قال بايدن رداً على سؤال عما إذا كان سيعاقب مسؤولين سعوديين بخلاف ما فعله ترامب: “قلتها سابقاً، خاشقجي قُتل وقطع جسده إلى أجزاء، وبرأيي حصل ذلك بأمر من ولي العهد السعودي”. وأضاف بايدن حينها: “فلتكن الأمور واضحة، لن نبيع أسلحة للسعوديين بعد اليوم بل سنجعلهم يدفعون الثمن وسنجعل من السعودية دولة منبوذة”. وأكّد أنه “سيوقف كل صفقات السلاح لمنع السعودية من قتل الأطفال والأبرياء وأنه يجب أن تتم محاسبتهم”، في إشارة إلى الحرب المستمرة في اليمن.
غير أن الحدة في اللهجة قبيل الانتخابات عادت وتراجعت بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وترافق ذلك مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تاركة البلاد في أيدي حركة طالبان، ما دفع محللين كثراً للقول إن واشنطن غير ملتزمة مع حلفائها وأنها تتصرّف وفق مصالحها القومية فقط لا غير.
لكن العلاقة شهدت محطة مفصلية بفعل تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية التي فرضت نفسها كلاعب جديد في رسم خريطة العلاقات الخارجية لدول عدة، منها الولايات المتحدة، إذ عادت أزمة الطاقة لتحرّك أجنداتها الخارجية من جديد.
وسيلتقي بايدن بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وللمشاركة في قمة يعقدها قادة دول مجلس التعاون الخليجي في جدة يشارك فيها كل من الأردن والعراق ومصر.
وبات معلوماً أن ملف الطاقة سيتصدر أولويات اللقاءات التي سيعقدها بايدن في السعودية مع قادة الخليج إضافة إلى مواضيع أخرى لا تقل أهمية كالتطبيع العربي مع إسرائيل والوضع في الشرق الأوسط وأيضاً ملف حقوق الإنسان.
لكن في خضم كل هذه التطوّرات التي من المؤكد أنها ستبشر بمرحلة جديدة بين البلدين وباحتمال عودة المياه إلى مجاريها، ثمة من يعتقد أن المشهد لن يكتمل إلا بصورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض وفي عهد جو بايدن تحديداً.
[ad_2]
Source link