النسوية: الإمبراطورة ثيودورا المثيرة للجدل وإحدى أوائل النسويات في العالم
[ad_1]
الإمبراطورة البيزنطية التي اختلفت المصادر حول نشأتها، وشيطنها البعض، وأشاد بها آخرون، لكن تأثيرها الكبير على مجريات الأحداث في فترة مهمة من تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، وإنجازاتها فيما يتعلق بحقوق المرأة ظلت أوضح من أي خلاف، وقد ذهب البعض إلى اعتبارها من أوائل النسويات في التاريخ.
إنها ثيودورا، زوجة الإمبراطور جستينيان الأول، أحد أشهر أباطرة الروم البيزنطيين، والذي حكم منذ عام 527 إلى عام 565.
توجت ثيودورا إلى جانب زوجها حين اعتلى العرش، وكانت موضع ثقته ومستشارته الرئيسية، واعتبرت إلى حد كبير شريكته في الحكم في تلك الفترة الذهبية من التاريخ البيزنطي حتى وفاتها في 28 يونيو/ حزيران عام 548.
تبدو قصة حياة ثيودورا التي تمكنت من أن تصبح واحدة من أكثر النساء نفوذا في العصر البيزنطي، تفوق ما يمكن أن يجود به خيال كتاب الروايات، ورغم الاختلافات حول منشأها، فهناك إجماع على تواضعه.
هل هي الإمبراطورة القادمة من منبج، أم من “بيت الدعارة”؟
تعتمد أغلب المعلومات عن نشأة ثيودورا على ما كتبه معاصرها المؤرخ بروكوبيوس القيصري، الذي ولد في فلسطين عام 490، وعاش في القسطنطينية، ومات عام 560، والذي يعتبر المصدر الأشهر لتاريخ القرن السادس الميلادي.
كتب بروكوبيوس عن ثيودورا في ثلاثة كتب، وقدم لها صورا مختلفة، ففي “حروب جستنيان”، كانت الإمبراطورة الشجاعة المؤثرة التي أنقذت الإمبراطورية البيزنطية.
وفي “أبنية جستنيان” قدم بروكوبيوس صورة جستنيان وثيودورا كزوجين متدينين، وأشاد بهما، خصوصا بإنجازات جستنيان في الحرب والهندسة المعمارية، والتي تتضمن بناء كنيسة آية صوفيا بالشكل المعروف اليوم.
إلا أنه في كتاب بعنوان “التاريخ السري” أو “أنكدوتا”، كتبه لاحقا، جاء بصورة مغايرة تماما لثيودورا وأطلق عليها وصف “الإمبراطورة القادمة من بيت الدعارة”.
ولدت ثيودورا عام 500، وتذهب مصادر عديدة اعتمد معظمها على بروكوبيوس إلى أن والدها أكاكيوس من أصل قبرصي وكان مدربا للدببة، ويعمل في ميدان السباقات في القسطنطينية وأمها ممثلة، أما أختها الكبرى كوميتو، فقد كانت مغنية.
كانت ثيودورا في الرابعة من عمرها حين توفي والدها. وفي سن مبكرة بدأت الفتاة، التي كانت رائعة الجمال، العمل في التمثيل والرقص، وكانت تمثل في مسرحيات صامتة فكاهية وخليعة، وتقدم استعراضات راقصة في ميدان الألعاب “هيبوردروم” تتضمن التعري، وفي تلك الفترة كان هناك ارتباط ضمني بين التمثيل وممارسة الدعارة.
وحسب بروكوبيوس، فقد كانت ثيودورا مشهورة باستعراض خليع خاص تقدمه مع الأوز. وفي سن الرابعة عشرة كانت لديها ابنة غير شرعية.
وكان عمرها 18 عاما، حين أصبحت عشيقة موظف حكومي سوري يدعى هيسيبولوس، وذهبت معه إلى شمال أفريقيا، ويقال إنه كان حاكم ما يعرف اليوم بـ ليبيا.
وبعد أن انفصلا، أو تخليه عنها، ذهبت ثيودورا إلى الإسكندرية، وعملت فترة بغزل القطن، ثم انضمت إلى مجموعة من النساك في الصحراء بالقرب من الإسكندرية، وهناك اعتنقت المونوفيزية، أي الإيمان بطبيعة واحدة للمسيح.
عادت ثيودورا إلى القسطنطينية. وعندما التقاها جوستنيان، ابن شقيق الإمبراطور جاستن، افتتن بجمالها وذكائها، وأصبحت عشيقته قبل أن يتزوجا عام 525.
لكن، مصادر أخرى تقدم لثيودورا نشأة مختلفة تماما.
فحسب متى الرهاوي ويوحنا الأفسسي (القرن السادس للميلاد) وهو حَبْر ومؤرخ سرياني، وكذلك ميخائيل السرياني، ولدت ثيودورا في مدينة منبج السورية، لأب قسيس سرياني.
ويقول الرهاوي “كانت ثيودورا فتاة رائعة الجمال زينها الله بمحاسن الجسم والنفس، وأصبحت لها شهرة واسعة في مدينتها ونظر إليها مواطنوها باحترام”.
أما عن لقاء جستنيان بها، فحسب الرهاوي، أنه رأها في منبج، التي مر بها في طريقه لمحاربة الفرس، وفتن بها، وطلب يدها من والدها القسيس، الذي لم يوافق إلا بعد أن عاهده جستنيان بأنه لن يجبرها على تغيير مبادئها الإيمانية.
بداية التغيير
لكي يتمكن جستنيان من الزواج من ثيودورا، كان لا بد من إصدار تشريع خاص يسمح لعضو مجلس الشيوخ وولي عهد الإمبراطورية من الزواج بالممثلة ذات المنشأ المتواضع والماضي المثير للجدل.
وحين صعد جستنيان إلى العرش عام 527 بعد وفاة عمه، توجت إلى جانبه، ومنحت لقب “أوغوستا”، وهو لقب تشريفي إمبراطوري روماني، يمنح للإمبراطورات، والمكرمات من العائلات الإمبراطورية.
كان لثيودورا تأثير كبير على جستنيان وعلى الإمبراطورية ككل. كانت حادة الذكاء ومليئة بالطاقة والطموح، وبفضل فطنتها وإدارتها الحاذقة للشؤون السياسية، اعتقد كثيرون أنها الحاكمة الفعلية وليس جستنيان.
وقد ورد اسمها في جميع القوانين التي صدرت خلال تلك الفترة تقريبا، وكانت تستقبل مبعوثين وسفراء أجانب وتراسل الحكام، وهي أمور كانت عادة حصرا على الإمبراطور.
حامية الإمبراطورية
تتجلى أهمية دور ثيودورا في السياسة البيزنطية والدعم القوي الذي قدمته لزوجها في حادثة ثورة “نيكا” في يناير/كانون الثاني عام 532، وكانت من الممكن أن تقضي تماما على حكم جستنيان.
بدأت الثورة ظاهريا من أعمال شغب في ميدان الألعاب، لكن الدوافع الحقيقية لها كانت زيادة جستنيان للضرائب لتمويل حملاته العسكرية، واستبداده بشكل عام.
واتحد الفصيلان السياسيان في القسطنطينية، الحزب الأزرق، والحزب الأخضر، في معارضتهما للحكومة، وناديا بإمبراطور جديد، ووجها أنصارهما للقيام بأعمال شغب.
وامتد الشغب ليشمل أرجاء القسطنطينية، وبدأت أعمال تخريب وحرق، طالت عددا من أهم الصروح، ومنها كنيسة آيا صوفيا.
لم يكن جستنيان ضعيفا، ولم يكن من السهل سلبه العرش، لكنه حينها كاد أن يهرب من عاصمته مع أنباء عن اقتراب الغوغاء من قصره، لكن ثيودورا نصحته بالبقاء، والحفاظ على إمبراطوريته.
وقد حفظ التاريخ كلماتها التي كانت سببا مباشرا في صمود الإمبراطور “لا يهمني ما إذا كان من اللائق لامرأة أن تقدم نصيحة شجاعة لرجل خائف، لكن في لحظات الخطر الشديد يكون الضمير هو المرشد الوحيد. كل إنسان ولد وشهد ضوء النهار، سيموت عاجلا أم آجلا، وكيف للإمبراطور أن يسمح لنفسه بأن يصبح هاربا؟ إذا كنت يا سيدي ترغب بالنجاة بجلدك، فلن تواجه صعوبة في القيام بذلك. نحن أغنياء، والبحر هناك، وهناك أيضا سفننا. لكن ضع في اعتبارك أولا، ما إذا كنت لن تندم حين تصل إلى الأمان لأنك لم تختر الموت. أما أنا فأتمسك بالقول المأثور: العباءة الملكية هي أفضل الأكفان”.
وعندها غير جستنيان رأيه، وأمر قائده بيليساريوس، بالقضاء على مثيري الشغب، فطاردهم وحاصرهم في ميدان السباق، وحصلت مذبحة مروعة قتل فيها ثلاثون ألف رجل على الأقل كما ذكر بروكوبيوس.
وعندما تفشى الطاعون في الإمبراطورية، أصيب جستنيان به في ربيع عام 542، وأثناء مرضه الشديد كانت ثيودورا هي الحاكمة الوحيدة طوال عام كامل.
وتحركت الإمبراطورة بسرعة ضد الجنرال بيليساريوس، الذي اعتبرته أكبر منافس لها. وأمرت بإعفائه من قيادته ومصادرة ممتلكاته. لكن جستنيان بعد تعافيه في العام التالي أمر بعودة بيليساريوس إلى منصبه خصوصا مع التهديدات الخارجية التي كانت تحيط بالإمبراطورية.
الإمبراطورة النسوية
سيذكر التاريخ لثيودورا أنها كانت من أوائل المدافعات عن حقوق المرأة، وأنها قبل أكثر من ألف وخمسمئة عام، أصدرت قوانين صارمة لحظر الاتجار الجنسي بالفتيات الصغيرات والنساء، وعدلت قوانين الطلاق لصالح المرأة.
بالنسبة للطلاق، ألغت قانون “الموافقة المتبادلة”، الذي كان يشترط موافقة الزوج والزوجة ليحصل الطلاق، ما سمح للنساء بتطليق أزواجهن وإن رفضوا.
كما منعت إجبار الفتيات على الزواج، وعملت على إصدار قانون يتطلب موافقة الفتاة مرتين. الأولى عند الخطبة، والثانية قبل عقد الزواج مباشرة، للتأكد من أنها لم تغير رأيها.
وكان من المتعارف عليه حينها أن العروس تجلب معها دوطة، ويقدم العريس هدية رمزية مقابلها، إلا أن ثيودورا، ألزمت الزوج بتقديم ما هو مساو تماما لدوطة العروس.
وبفضل ثيودورا، أصبح للمرأة الحق في الملكية ووراثة ثروة عائلتها أو زوجها، كما أصبح الاغتصاب يعاقب عليه بالإعدام.
ومن منجزات ثيودورا المهمة، منع سماسرة الدعارة من السيطرة على النساء والإتجار بهن، كما أصبحت حرية الاختيار متاحة لمن تريد ترك مهنة الدعارة، وفتحت ثيودورا أماكن خاصة لإقامة البغايا السابقات ليتمكن من البداية بحياة جديدة وكسب احترام المجتمع.
كما كان لها تأثير كبير على ما يعرف بـ”مدونة جستنيان”، وهي مجموعة القانون المدني المؤلفة من أربعة أقسام والتي أصدرها الإمبراطور جستنيان، وتعتبر أساسا للقوانين الأساسية في أوروبا والكثير من بلدان العالم.
وفاتها
توفيت ثيودورا يوم 28 يونيو/حزيران عام 548، وتقول أغلب المصادر إن السرطان كان سبب وفاتها. وحزن جستنيان طويلا عليها، ورغم أنه عاش بعدها 17 عاما، لم يتزوج، ولم يكن أبدا كحاله حين كانت إلى جانبه.
وربما كانت ثيودورا، شخصية مثيرة للجدل، وقد تحدث مؤرخون عن عشقها للسلطة والحياة الفاخرة وضلوعها في دسائس ومؤامرات، لكن من الجدير بالذكر هنا، أن التفاصيل المعروفة عنها وصلتنا عبر مؤرخين رجال، وخصوصا بروكوبيوس، ومن المعروف أن امرأة لا تشبه النموذج التقليدي للنساء الخاضعات في المجتمع البيزنطي كان من الطبيعي أن تكون مرفوضة ومكروهة، وليس من غرابة على الإطلاق في شيطنتها كما فعل بروكوبيوس.
إضافة إلى ما سبق، فهناك كثير من الآراء التي تجد أن كتاب “التاريخ السري” يغص “بالشائعات والثرثرة الكيدية”، وأن بروكوبيوس تعمد تضمينه بعض الحقائق، لكي يضفي هالة من الصحة على ما تبقى، ويجعل الماضي المشين الذي رسمه لثيودورا أقرب للتصديق.
[ad_2]
Source link