روسيا وأوكرانيا: كيف تفوقت موسكو على كييف بدهاء في أفريقيا؟
[ad_1]
- بول ميلي
- برنامج أفريقيا، معهد تشاتام هاوس، لندن
أصبحت الخطابات التي يوجهها الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي للبرلمانات الوطنية في مختلف أنحاء العالم من العناصر الأساسية للرزمانة الدبلوماسية خلال الأشهر القليلة الماضية.
ولكن عندما تحدث مخاطبا الاتحاد الأفريقي يوم الاثنين الماضي، لم يستمع لخطابه سوى أربعة من زعماء القارة، في حين أناب مساعدون أو مسؤولون عن بقية الزعماء.
كان معدل المشاركة المخيب للآمال دلالة أخرى على المعركة غير المتكافئة التي تواجهها كييف من أجل استمالة القارة الأفريقية التي تضم 54 بلدا، ومع ذلك لا يمثلها فيها سوى 10 سفارات – وهو ما يعادل ربع التواجد الدبلوماسي الروسي فقط.
ومن ثم، فإن زيلينسكي عندما يحاول تغيير الموقف الأفريقي تجاه الغزو الذي أمر به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنه ليس لديه نفوذ سياسي أو أمني يقارن بذلك الذي تتمتع به روسيا.
فأوكرانيا ليست قوة عسكرية عالمية وليست من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بعكس روسيا.
نتيجة لذلك، ارتأى كثير من الزعماء الأفارقة أنهم ببساطة ليس بوسعهم محاكاة المواجهة المباشرة بين الغرب وموسكو.
وهذا هو الوضع الآن، لا سيما وأن عرقلة صادرات الحبوب من أوكرانيا تسهم في أزمة غذاء خطيرة بالفعل، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، وتعرض للخطر وصول سلع كالقمح وغيره من الحبوب وزيت الطعام إلى البلدان الأفريقية التي ليس لديها اكتفاء ذاتي.
في وقت سابق من الشهر الحالي، سافر الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، إلى منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود ليناقش مع بوتين كيفية إزالة العراقيل التي تقف في طريق صادرات الغذاء التي تحتاج إليها القارة بشكل ملح من كل من روسيا وأوكرانيا.
كما اتصل رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا هاتفيا ببوتين الأسبوع الماضي لمناقشة توصيل المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية إلى أفريقيا.
أثمرت المحادثات عن تقدم متواضع، ولكنها لم تؤد إلى انفراج حاسم.
في الوقت ذاته، هناك بعض التلميحات إلى أن غزو أوكرانيا ربما وضع ضغوطا على الوجود العسكري الروسي في أفريقيا، وسط تقارير مؤكدة تشير إلى استدعاء بعض القوات من مرتزقة فاغنر من جمهورية أفريقيا الوسطى.
وليس هذا بالأمر الغريب، بالنظر إلى احتياجات الحملة العسكرية المكثفة في منطقة دونباس الحيوية.
ولكن رغم ذلك، ليس هناك أي دلائل على تخفيض وجود مجموعة فاغنر في مالي، إذ شوهد أفرادها بشكل متكرر مؤخرا وهم ينفذون عمليات إلى جانب القوات الحكومية.
سياق دولي جديد
فضلا عن ذلك، يجري في واقع الأمر تعزيز الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين روسيا وبعض البلدان الأفريقية.
وقد أضحت الكاميرون الهدف الأحدث للمساعي الروسية.
فقد زار وزير الدفاع الكاميروني جوزيف بتي أسومو موسكو الشهر الماضي للانضمام إلى نظيره الروسي سيرغي شويغو في توقيع اتفاقية تعاون عسكري مدتها خمس سنوات.
تشمل الاتفاقية التعاون الاستخباري والتدريب وتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية. ومن المقرر إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين.
الوثيقة لا تشير إلى أي صادرات أسلحة، ولكنها تلمح إلى أنه من الممكن الاتفاق على أشكال إضافية للتعاون.
بل إن هناك في واقع الأمر صفقة مبرمة بين البلدين عام 2015 كانت قد سمحت بالفعل بقيام روسيا بتزويد الكاميرون بمدفعية ومعدات دعم لوجيستي وجوي، وهي ما تعتبر ذات فائدة كبيرة في الحملة التي تشنها الكاميرون ضد الجهاديين في منطقة أقصى الشمال.
ورغم أن الاتفاقية الجديدة أقل تحديدا وتفصيلا، فإنها أثارت على ما يبدو مخاوف في عواصم أوروبية.
ففي غضون أسابيع، سافر مدير الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف بيغو، إلى العاصمة ياوندي لكي يؤكد لوزير الخارجية الكاميروني جوزيف ديون نغوت على أن باريس أيضا لا تزال ملتزمة بالتعاون في مجالات الاقتصاد والثقافة ومكافحة الإرهاب.
الاتفاقية الروسية-الكايمرونية وُقعت ضمن سياق دولي دراماتيكي جديد، ألا وهو الغزو الروسي الواسع لأوكرانيا.
الزعماء الغربيون يرون الآن أن روسيا تمثل تهديدا أمنيا كبيرا، وتتحدى اسس الديمقراطية والقواعد التي تحكم النظام الدولي.
ولكن بعض الحكومات الأفريقية تأبى تقبل هذا التصور لنظام بوتين. ولا يقتصر ذلك فقط على حكومات مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
مشاعر معادية للغرب
بعض الدول الأفريقية التي تعتبر شريكة للغرب منذ وقت طويل أحجمت عن توجيه نقد مباشر لتصرفات بوتين.
السنغال، على سبيل المثال، آثرت عدم تأييد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس/آذار الماضي الذي طالب روسيا بوقف استخدام القوة ضد أوكرانيا.
الكاميرون تبنت هي الأخرى موقفا غير حاسم، إذ توجه سفيرها إلى الأمم المتحدة إلى بلاده في بداية مارس/آذار لكي لا يحضر ذلك التصويت المهم.
ثم في السابع من أبريل/نيسان، امتنعت البلاد أيضا عن التصويت على تعليق عضوية روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويلعب الرأي العام الشعبي دورا في مثل هذه المواقف.
فمساندة فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا ليست دائما السياسة الأكثر شعبية في أفريقيا، وحكومة الكاميرون، كعدد آخر من مثيلاتها في القارة، قررت على ما يبدو أنها يجب أن تأخذ مشاعر الشعب في الحسبان.
لكن الكاميرون ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ بادرت باتخاذ قرار يتمثل في توقيع اتفاقية تعاون عسكري جديدة مع روسيا، رغم مواصلة روسيا قصفها للمدن الأوكرانية.
هذا الموقف المختلف ربما يفسره الوضع الداخلي في الكاميرون.
فرئيس البلاد الناطق باللغة الفرنسية بول بيا يواجه تحديات أمنية على جبهتين: بينما تحارب حكومته جماعة بوكو حرام النيجيرية وتنظيم الدولة فرع غرب أفريقيا في منطقة أقصى الشمال، فإنها منخرطة أيضا في نزاع طويل الأمد بهدف كبح التمرد الانفصالي في منطقتي الجنوب الغربي والشمال الغربي الناطقتين باللغة الإنجليزية.
بالإضافة إلى روسيا، الكاميرون لديها أيضا اتفاقيات تعاون عسكري مع فرنسا والصين والبرازيل وتركيا، وكان لديها في السابق اتفاق مع الولايات المتحدة.
اتهامات لفاغنر بالتعذيب والقتل
الشركاء الغربيين يشعرون بالقلق إزاء قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وأساليب الحكم، ومساعدتهم للبلدان الأفريقية تأتي مرفقة بشروط.
فالمخاوف إزاء الموقف في المنطقتين الناطقتين باللغة الإنجليزية في الكاميرون دفعت بالولايات المتحدة إلى وقف دعمها العسكري.
ومع توقف المساعدة الأمريكية، يخشى محللون كاميرونيون أن تكون الحكومة قد قررت أن تنشد دعما بديلا من شريك لا يتردد كثيرا في اللجوء إلى خطط عسكرية لا هوادة فيها، على حساب المسائلة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
سجل روسيا في بلدان أفريقية أخرى يوحي بأنها لا تجد غضاضة في دعم من ينتهجون توجهات متشددة.
في جمهورية أفريقيا الوسطى، تقوم ميليشيات فاغنر بتدريب الجيش منذ عام 2018، وقد ساعد أفرادها القوات الحكومية في صد هجوم للمتمردين على العاصمة بانغي في أوائل عام 2021.
لكن خبراء بالأمم المتحدة اتهموا مجموعة فاغنر بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين، وزُعم مؤخرا أن مقاتليها قتلوا مدنيين من سكان القرى القريبة من مدينة بريا، التي تعتبر مركز صناعة تعدين الماس في البلاد.
تعمل فاغنر كذلك إلى جانب الجيش الوطني في وسط مالي، حيث زعمت جماعة هيومان رايتس ووتش الحقوقية والسكان المحليون أن تلك القوات المتحالفة قتلت وعذبت قرويين.
ويُزعم أن القوات الحكومية المالية والمرتزقة الروس قتلوا أكثر من 300 شخص في بلدة مورا.
من الصعب تصور أن حكومة الكاميرون ستذهب إلى حد الاستعانة بقوات المرتزقة المثيرة للجدل تلك. الاحتمال الأكبر هو أنها ستكتفي بالروابط التقليدية مع الحكومة الروسية، والتي رسمت ملامحها الاتفاقية الموقعة الشهر الماضية مع موسكو.
لكن الشراكة الجديدة مع روسيا ربما تكون بالطبع إشارة إلى أن الحكومة تسعى من جديد لإثبات ذاتها عسكريا بينما تحاول قمع ما تبقى من أنشطة انفصالية في المنطقتين الناطقتين باللغة الإنجليزية، ووجود الإسلاميين في منطقة أقصى الشمال.
[ad_2]
Source link