الانتخابات اللبنانية 2022: هل تمتلك “قوى التغيير” الفائزة رؤية موحدة؟
[ad_1]
- ماري-جوزيه القزي
- بي بي سي عربي- بيروت
حملت نتائج الانتخابات التي شهدها لبنان قبل أيام مفاجأة لكثيرين. فعلى الرغم من التوقعات بإمكانية وصول بعض من وصفوا بـ”المرشحين التغييريين” إلى البرلمان، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع أن يكون عدد من وصل منهم كبيراً إلى هذا الحد.
ونجح المرشحون المصنفون على أنهم مرشحو “ثورة 17 تشرين”، وهو الاسم المعتمد في لبنان للحديث عن التحركات الاحتجاجية الواسعة التي انطلقت في البلاد في 17 أكتوبر/تشرين الأول،ضد السلطات اللبنانية وكافة الأحزاب من دون استثناء، في الفوز بمقاعد في البرلمان على حساب مرشحين خاضوا الانتخابات على لوائح “أحزاب السلطة”.
وفاز 13 مرشحا من هذه الفئة، التي ينظر كثيرون إليها بوصفها الأكثر استقلالية وشراسة ضد جميع الأحزاب التقليدية، في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، في مناطق مختلفة، من شمال البلاد إلى جنوبها، مروراً بالعاصمة بيروت.
من هم هؤلاء المرشحون؟
قد يكون من الصعب الاتفاق على معيار محدد لتصنيف المرشحين ضمن إطار “القوى التغييرية”، لكن يمكن القول أن التصنيف ضمن هذه الفئة اعتمد إلى حد بعيد على مشاركة المرشحين في “ثورة 17 تشرين” أو انبثاقهم منها.
في المقابل فاز 15 مرشحا آخرون ينضوون تحت مظلة ما سمي بـ”المستقلين”، في إشارة إلى ترشحهم خارج لوائح الأحزاب السياسية.
وتكمن مشكلة احتساب مجموع النواب المستقلين فعلاً عن أي حزب أو أيديولوجية سياسية، والمعارضين لكافة أركان النظام الحالي، بجميع أحزابه، بين “نواب 17 تشرين” والنواب المستقلين الآخرين، في أن البعض يشكك في موقف بعض النواب الذين ترشحوا كمستقلين أو كمعارضين تغييريين، تجاه بعض القضايا.
إذ يعرب البعض عن قلقه من أن يصطف أفراد من هؤلاء إلى جانب جهة سياسية معينة ضد أخرى، بدلاً من أن يبقوا من معارضي السلطة بجميع أحزابها.
ويشكل هذا امتدادا لرؤية تقسم المعارضة في لبنان وفق طريقتين: الأولى تنظر إلى المعارضة بوصفها مؤلفة من وجوه تغييرية معارضة لجميع الأحزاب التي لطالما تقاسمت السلطة في البلاد. أما الثانية، فتصنف المعارضة وفقا لموقفها من (معارضتها لـ) حزب الله.
إضافة إلى هذا، يبرز خلاف حول الموقف من حزب الكتائب، وما إذا كان مقبولاً من الجبهة التي تصف نفسها بأنها معارضة للسلطة بجميع أحزابها، أن تقبل التحالف مع هذا الحزب، الذي وإن كان قد انتقل إلى صفوف المعارضة عام 2016 وشارك في “ثورة 17 تشرين” وأعرب عن رغبته بتغيير طريقة إدارة شؤون البلاد، إلا أن له تاريخا طويلا كواحد من الأحزاب التي تولت السلطة في لبنان لسنوات، كما تقاسمتها مع أحزاب أخرى بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990.
تركيبة قوى المعارضة في لبنان إذن معقدة بعض الشيء، ويختلف حجمها بحسب طريقة احتسابها، وأولئك المنضوون تحت لوائها ليسوا كتلة موحدة تلتقي آراؤها حول جميع المسائل السياسية والأيديولوجية والحقوقية والاقتصادية.
اختلاف التغييريين
يقول جوزيف باحوط، مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت في مقابلة مع بي بي سي عربي، إننا لا نتحدث عن مشهد تغييري منظم في الأساس. إذ يشير إلى “لوائح تم العمل عليها في اللحظة الأخيرة وبطرق فرضتها المعركة الانتخابية في بعض الأحيان”.
ويلفت إلى أن المجموعات التغييرية لم تقم بشكل كافٍ “قبل الانتخابات وخلال العامين الماضيين بتحضير أو طبخ برنامج موحد أو بالاتفاق على الأقل على حد أدنى مشترك بين كل الشخصيات المرشحة”.
ويحدد باحوط ثلاثة مواضيع أساسية سيضطر “نواب 17 تشرين” والمستقلون الآخرون، إلى التعامل معها، قد تبرز من خلالها الاختلافات في ما بينهم.
الموضوع الأول بحسب باحوط، يتعلق بالأزمة الاقتصادية وتبعاتها، وكيفية تحديد المسؤوليات ومقاربة الخسائر ووضع خطط الاقتصاد المستقبلي. ويقول بلوط إن هناك فروقات “عقائدية” واسعة بين “قوى التغيير” في كيفية إدارة هذه الأمور.
أما الموضوع الأساسي الثاني، فيتمحور حول حزب الله وسلاحه وموضوع السيادة واصطفافات لبنان الخارجية. ويعتقد باحوط أن هناك اختلافا كبيرا إلى حد ما في توصيف الوضع المرتبط بهذا الملف وكيفية التعامل معه.
ويدور الموضوع الثالث، وهو الأوسع بحسب باحوط، حول طبيعة النظام الحالي وإمكانية تغييره. وما إذا كان يجب الإبقاء على اتفاق الطائف أو تخطيه. بالإضافة إلى موضوع الطائفية. وكلها مسائل يختلف حولها “التغييريون”.
ويشير باحوط أنه في الإجمال، “ليس هناك مشكلة في الاختلاف. لكن المشكلة حتى الآن هي أنهم لم يتقبلوا اختلافاتهم ولم ينظموا هذه الاختلافات قبل الانتخابات”.
ويتساءل باحوط، في حال أراد “التغييريون” والمستقلون تنظيم صفوفهم، “على أي أسس سيفعلون ذلك؟ ومن سيكون الشخص المسؤول عن التنظيم؟”.
أما الموضوع الأصعب بالنسبة لباحوط، فيتمثل في التعامل مع كتلة حزب القوات اللبنانية التي تتألف من 22 نائب، والتي “ستحاول أن تكون رأس المعارضة”.
ويشير الأكاديمي اللبناني إلى أن رئيس الحزب، سمير جعجع قال ذلك علنا، مضيفا أن كتلة القوات “ستحاول أن تقول: أنا رأس المعارضة، قوموا بالاصطفاف خلفي والموضوع الأساسي الذي سنناقشه هو حزب الله وسلاحه”.
بالنسبة لباحوط، سيضع هذا الأمر قوى التغيير أمام مشكلة “إعادة انقسام البلاد تحت اصطفافات قديمة هي 8 و14 آذار، وسيكون عليهم التميز ضد هذين القطبين. الى أي مدى سيستطيعون فعل ذلك؟ هذا هو التحدي”.
وتأسس تحالفا 8 و14 آذار في لبنان عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رفيق الحريري بسيارة مفخخة، إذ اصطفت الأحزاب التي اتهمت سوريا باغتياله تحت لواء تحالف 14 آذار الذي طالب بالخروج السوري من لبنان، فيما شكلت الأحزاب اللبنانية الأخرى الصديقة لسوريا تحالف 8 آذار المضاد له.
وعلى الصعيد الشعبي، يقول باحوط إن التحدي الآخر الذين سيواجهه نواب “التغيير” يتمثل بـ “شعور من صوّت لهم أو من آمن بهم، بالخذلان بعد أشهر قليلة في حال لم يحققوا له شيئاً، وهذا أمر غير عادل طبعاً لأن التغيير يحتاج وقتاً”.
ويضيف باحوط لبي بي سي عربي، أنه وفي حال “لم ير الناس تغييراً خلال أشهر قليلة سيعودون الى إحباطهم ويتجهون إلى المجموعات الأكثر راديكالية ربما والتي لم تدخل إلى المجلس بعد”. محذرا من احتمالية أن تختار بعض قوى الشارع “الاتجاه نحو العنف”، أو، كما يرجح، “الاتجاه نحو نوع من الانكفاء عن الحياة السياسة بشكل عام”.
“نواب الثورة”
مع توالي صدور نتائج الانتخابات النيابية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بأسماء شخصيات محسوبة على “ثورة 17 تشرين”، تمّ الاحتفاء بفوزها على نطاق واسع، وراهن من يرغبون بالتغيير على ضرورة وصولها الى المجلس.
وبحسب التصنيفات التي تم تداولها، تضمن “نواب 17 تشرين” 12 اسماً جديداً بالإضافة إلى بولا يعقوبيان التي دخلت المجلس في الدورة السابقة. أما الأسماء الجديدة فهي: نجاة صليبا وميشال الدويهي ومارك ضو وابراهيم منينمة ورامي فنج وملحم خلف وياسين ياسين وسينتيا زرازير ووضاح الصادق والياس جرادي، بالإضافة إلى كل من فراس حمدان وحليمة القعقور.
يرفض القادم الجديد إلى البرلمان اللبناني فراس حمدان الحديث عن أي اختلافات في الآراء بين “نواب 17 تشرين”، ويقول في حديث مع بي بي سي عربي: “كيف يتم الحديث عن اختلافات في الآراء ونحن لم نجتمع بعد ولم نكتشف أي اختلافات؟”.
ويضيف أنهم، وفي حال واجهوا أي نوع من الاختلافات في الآراء، “سنتعامل معها بإيجابية ونتعاون مع بعضنا البعض وننسق”.
وحمدان محام وناشط، فاز ضد صاحب بنك الموارد، مروان خير الدين، على لائحة حزب الله في دائرة الجنوب الثالثة. ويلام خيرالدين مثله مثل أصحاب المصارف الأخرى بارتباطه بالأزمة الاقتصادية في البلاد وخسارة المواطنين من المودعين الصغار لأموالهم.
خلال تظاهرات 17 تشرين 2019، عمل حمدان في لجنة المحامين المدافعين عن المتظاهرين الذين كان يتم اعتقالهم من قبل القوى الأمنية على خلفية مشاركتهم في التظاهرات.
وهو يرى أن شبان وشابات منطقته في حاصبيا ومرجعون هم شركاء ترشيحه وفوزه، يؤكد أن هذا الترشح “لم يكن فرديا بل جماعيا وأتى من قلب الألم والمعاناة”، مضيفا أنه تواصل مع الناس بشكل مباشر من خلال اللقاءات في القرى والزيارات والمهرجانات.
في عام 2021، أصيب حمدان في قلبه بقنبلة صوتية تحتوي على خردق، خلال تظاهرة أمام البرلمان اللبناني للمطالبة بمحاسبة من تسبب بانفجار المرفأ عام 2020، لا تزال إحدى شظايا القنبلة في قلبه لصعوبة استخراجها طبيا من دون تشكيل خطر على حياته.
ويشير حمدان إلى أن الناس اختبروا أنه شخص عادي يشبههم ومن مجتمعهم، يقول: “أشاركهم بالنشاطات الرياضية والثقافية والاجتماعية. وأحارب من أجلي وأجلهم، ومن أجل مستقبل البلاد ولبناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة والتنوع”.
ويؤكد حمدان أنه ونواب الثورة الآخرون “سيعملون لصالح أي قانون منحاز لمصلحة الناس”، ويضيف: “في حال صوّتت أحزاب السلطة معنا، فسنكون سعيدين بذلك”.
ويختتم حديثه مع بي بي سي عربي بالقول: “نحن اليوم نقلنا المعركة من الشوارع والنقابات والجامعات إلى داخل المجلس”.
حليمة القعقور
بدورها تدرك المحاضرة الجامعية حليمة القعقور، التي فازت في دائرة الشوف الرابعة ضد مجموعة أحزاب السلطة، أن وجود الاختلافات بين نواب “17 تشرين” أمر متوقع، مؤكدة لبي بي سي: “لن نتوافق على جميع الأمور طبعاً ولكننا سنصل بالطبع الى أرضية عمل مشتركة”.
وتستبعد القعقور، التي تحمل شهادة الدكتوراة في القانون الدولي العام إمكانية عقد تحالفات مع أحزاب سياسية، إذ تؤكد: “لن يكون هناك اي تحالف سياسي مع أي قوى من قوى السلطة، بل سيكون هناك تحالفات على القطعة، بحسب المشروع الذي نريد تقديمه”.
وتقول في حديث مع بي بي سي عربي، إنها بدأت العمل السياسي “منذ أكثر من 10 سنوات” وهي تشارك في “العمل التوعوي من خلال المحاضرات والندوات والتدريبات على الحقوق السياسية والمدنية والحريات والمواطنة من أكثر من 20 سنة”.
وتضيف: “أنا إذاً أصلاً في تواصل دائم مع الناس، في التظاهرات أيضا وكنت أعمل مع الأشخاص المشاركين والمنظمين للثورة (17 تشرين)”.
وتشير القعقور إلى أن ظهورها على الإعلام بشكل كثيف خلال الثورة وقبيل الانتخابات أعطاها فرصة أن “تُعرف الناس عليها وعلى رؤيتها للدولة والنظام السياسي والاقتصادي”.
تقدم القعقور صورة لحملة انتخابية بسيطة قوامها هي و”أولاد عمي وأصدقائي”، لكنها تعزو نجاحها إلى كون عملها “كان صادقاً ونابعاً من القلب”، وأن خطابها كان “إيجابيا”.
وتشير إلى أن أولويتها “كانت زيارة البيوت والبلدات”، وتضيف: “توجهت الى فئتي الشباب والنساء وهذا ليس شيئا تقليديا في السياسة”.
وتؤكد القعقور أنها ستحافظ على شراكتها مع الناس بعد دخولها المجلس “من خلال المشاريع التي ستقوم بتقديمها والعمل عليها”.
في الأثناء يبدو أن على اللبنانيين الانتظار قليلاً قبل أن تصبح المرحلة المقبلة أكثر وضوحاً، إن كان بالنسبة لوحدة أو انقسام النواب الجدد من “التغييريين”، أو بالنسبة لشكل وطبيعة الانقسام السياسي العام في البلاد بين أحزاب السلطة التقليدية.
[ad_2]
Source link