الملوخية: قصة “طعام الملوك” الذي منعه الفاطميون في مصر بسبب مزاعم حول تأثيره الجنسي
[ad_1]
- سارة فريمان
- بي بي سي
أُطلق على الملوخية اسم “طعام الملوك”، ومنعت في فترة ما في مصر بسبب تأثيرها المزعوم كمنشط جنسي.
قال عماد فرج، موظف في فندق سانت ريجيس القاهرة، بينما كنت أتناول ملعقة أخرى من الملوخية: “من السهل ابتلاعها، لذا فإن الأمهات المصريات يطعمن أطفالهن منها بعد الرضاعة”. في الحقيقة، لم أكن أتخيل أن “طعام الأطفال الفاخر” سيكون ضمن قائمة الأشياء التي سأتناولها في وجبة العشاء في أفخم فندق جديد في العاصمة المصرية القاهرة.
لكن هذا الطعام الفريد من نوعه ليس طعاما عاديا للأطفال، إذ كان يوصف قديما بأنه “طعام الملوك” بسبب قوته العلاجية.
ويرجع أصل تسمية الملوخية إلى كلمة ” ملوكية”، التي تعني “ما يخص العائلة المالكة”. وتقول الأسطورة إن حساءا شافيا مصنوعا من نبات الملوخية ساعد حاكما مصريا على استعادة صحته وعافيته في القرن العاشر الميلادي. وهكذا، ظهر حساء يليق بالفراعنة، وتوج بخضار ملكي.
تقول ميشيل بيريديل جونسون، مؤرخة في مجال الطعام وكاتبة متخصصة في الصحة الغذائية: “عندما تتبع الجذور تجد أن الناس كانوا يأكلون الأطعمة المحلية، وما كان محليا على طول نهر النيل هو الملوخية”.
وحتى يومنا هذا، يعيش 95 في المئة من المصريين على طول ضفاف النهر الأسطورية الواهبة للحياة، والدلتا التي تأخذ شكل القوس.
وتضيف بيريديل جونسون: “كانوا يأكلون الفول والملوخية في العصر الفرعوني، كما يأكلون الفول والملوخية الآن، لأن هذا هو ما يزرعونه وما يناسب نظامهم الغذائي والمناخ”.
وتتابع: “ستجد بعض أوراق الملوخية على بعض نقوش المقابر”.
وفي كتاب “كنز من الفوائد والتنوع على الموائد: كتاب طبخ مصري من القرن الرابع عشر” ، تقول المؤلفة نوال نصر الله: “لم يترك المصريون القدماء أي وصفات للطهي، لكن بقايا طعام من قبورهم وجداريات التوابيت التي تصور الخبز وغيره من الأنشطة ذات الصلة بالأطعمة، تشهد على المستوى المتطور لمطبخهم، وتكشف هذه النقوش أيضا عن وفرة منتجاتهم مثل الملوخية”.
وعلى الرغم من وفرة المعروض، لم تكن الملوخية متاحة دائما للعامة. ووفقا للفولكلور، حظر الخليفة في القاهرة (أحد حكام مصر من الأسرة الفاطمية في القرن العاشر) تناول الملوخية بسبب تأثيرها المزعوم كمثير للشهوة الجنسية لدى النساء.
لم تعد الملوخية حكرا على الفراعنة، بل أصبحت هذه الأيام عنصرا أساسيا في كل مطبخ مصري. وفي حين أن الطبق الشعبي هو الكشري (مزيج من الأرز والحمص والمعكرونة والعدس)، يعتبر معظم المصريين الملوخية الوجبة المميزة للبلاد.
وعادة ما يتناول المصريون الملوخية في المساء – مع الأرز أو الخبز أو اللحم. ومع ذلك، فإن بعض الأصوليين (والأطفال) يتناولون الملوخية كحساء وقت الغداء. كما تعد الملوخية عنصرا ثابتا في قوائم المطاعم المصرية، مثل مطعم “البرنس” في شارع طلعب حرب بالقاهرة.
يقول فرج: “إنها ليست خضروات باهظة الثمن، فالملوخية طعام للأغنياء والفقراء على حد سواء”.
وفي شارع السوق بأسوان، وقفت في صف إلى جانب عامل بناء ومدير بنك وسائق سيارة أجرة لشراء الملوخية من عربة يد صدئة يديرها بائع يبلغ من العمر 15 عاما يسمى محمود، والذي أخبرني بأنه يبيع ملوخية يوميا بقيمة 110 جنيهات (سبعة دولارات)، بعد أن يجمعها من قطعة أرض مساحتها هكتار واحد مملوكة لعائلته في منطقة أبو الريش المجاورة.
ويحتمي أصحاب الأكشاك من أشعة الشمس الحارقة تحت المظلات التي تصطف على طول البنايات السبع الموجودة في البازار، بمحازاة نهر النيل. اتجهت إلى متجر الرضا للتوابل في شارع سعد زغلول، حيث تمتلئ أكياس من الخيش بزهور الكركديه المجففة والكمون والملوخية المجففة. وأخبرني مالك المتجر، مصطفى محمد، بأن أسلافه كانوا أيضا يبيعيون الملوخية المجففة، والتي تعرف شعبيا باسم “الملوخية الناشفة”.
إن تقاليد الأسرة المصرية والجغرافيا من الأمور التي تحدد ماذا يؤكل مع الملوخية. ففي المدن الساحلية مثل الإسكندرية، يأكل السكان المحليون الملوخية بالجمبري. أما في المناطق الريفية النائية في البلاد، فيتناول السكان الملوخية بالأرانب المسلوقة – وهي اللحوم التي كانت تتناولها النخبة المميزة في مصر القديمة.
ويأكل طارق حلمي، استشاري متقاعد من القاهرة، الملوخية مع الأرز، كما كان يفعل والده. وقال لي حلمي خلال مأدبة غداء فخمة في منزله على أطراف القاهرة: “طريقة تناول الملوخية يمكن أن تختلف من منزل إلى آخر أيضا”. وكان حلمي قد وجه لي الدعوة لزيارة منزله بعد لقاء عن طريق الصدفة بأحد أصدقائه المقربين في الأقصر.
ويعد حلمي واحدا من عدد متزايد من المصريين من الطبقة المتوسطة العليا الذين ابتعدوا عن الضجيج والغبار في القاهرة وفضلوا الإقامة في الضواحي الخضراء. ولا يزال حلمي يسعد بتناول الملوخية مرتين في الأسبوع.
ويقول: “الملوخية الجيدة هي تلك التي تلتصق بالأرز بدلا من أن تنفصل مثل الماء على الطبق. عشقي للملوخية جعلني أطلب من والدتي السفر بالطائرة إلى دبي، عندما كنت أعيش هناك، لتعليم طباخي كيفية صنع الملوخية!”
وعندما دخلت إلى مطبخ حلمي، شاهدت طباخا (اسمه طارق أيضا)، وهو يتعرق بينما يضغط على “المخرطة” – أداة تصنع خصيصا لتقطيع الملوخية – ذهابا وإيابا على أوراق الملوخية الطازجة. إنها مهمة شاقة، لكنها تلعب دورا أساسيا في تماسك الملوخية، بالشكل الذي يجعل السياح يحبون أو يكرهون هذا الطبق.
وعن فوائد الملوخية في الهضم، تقول بيريديل جونسون: “الملوخية بها جميع أنواع الفضائل الهضمية الجيدة”. وكشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة علم الأدوية الإثنية أن أوراق الملوخية يمكن أن تمنع التهاب الأمعاء والسمنة.
وتعتبر الملوخية من الأطعمة الخارقة ذات الأسعار الزهيدة، كما أنها مليئة بفيتامين سي وفيتامين هـ، والبوتاسيوم، والحديد، والألياف.
تقول مي عامر، أخصائية تغذية الأطفال في القاهرة، عن القوة الغذائية للملوخية: “تحتوي الملوخية أيضا على بعض الكاروتينات المضادة للأكسدة والعناصر المضادة للأكسدة، وهو ما يجعلها إضافة جيدة ومفيدة للغاية لنظامك الغذائي”.
عدت إلى المطبخ مع طارق، الذي قال لي وهو يضع الملوخية في قدر يغلي به ثوم وكزبرة مطحونة وسمن ذائب: “إذا سمعت الطشة (صوت الملوخية أثناء وضعها على الثوم ومواد أخرى)، فهذا يعني أنك تطهيها بشكل صحيح. إنني أضيف بعض الطماطم من أجل منع الحموضة ولكي تجعل مذاق الملوخية أفضل”.
وعلاوة على ذلك، هناك اختلاف في وصفات الطهاة لطريقة طهي الملوخية، إذ يقول محمد فاتح، طاهٍ في مطعم مكة بشارع أبطال التحرير بأسوان: “سرّي في طهي هذا الطبق هو أن أطبخ حساء ذيل بقرة وأغليه على نار هادئة لمدة ثلاث ساعات”. وبعد ذلك، تُضاف الملوخية ببطء إلى الحساء.
وفي الوقت نفسه، يؤكد رئيس الطهاة حسين مصطفى، المولود في الأقصر، (والذي يعمل في ثلاثة يخوت فاخرة على نهر النيل) على أهمية المكان الذي تزرع فيه الملوخية، قائلا: “أفضل ملوخية هي تلك التي تُزرع في حقول قصب السكر، وهذا هو السبب في أن الملوخية في جنوب مصر أفضل منها في الشمال”.
وتعد الفيوم، التي تقع على بُعد 100 كيلومتر جنوب غربي القاهرة في وسط مصر، واحة خصبة، حيث تفسح الكثبان الصحراوية المجال لأشجار النخيل المتمايلة والينابيع الكبريتية الطبيعية والحقول الخضراء التي لا نهاية لها. وكان الفرعون أمنمحات الثالث (1818-1770 قبل الميلاد) أول من اكتشف الإمكانيات الزراعية الجيدة لهذه المنطقة، وبعد 3500 عام لا تزال الفيوم أرضا خصبة لزراعة الملوخية.
وتعتبر أشعة الشمس والتربة جيدة التصريف ظروفا مثالية لزراعة الملوخية، التي تنمو هنا خلال الفترة من مايو/آيار إلى أغسطس/آب وتُحصد بعد أقل من 60 يوما من زراعتها.
[ad_2]
Source link