شكاوى في مصر من تأخر رحلات القطارات لفترات تصل أحيانا لأربعين ساعة
[ad_1]
- سالي نبيل
- بي بي سي – القاهرة
“شعرت أنني أموت ببطء”، هذا ما قالته نسرين بعد أن قضت أكثر من عشرين ساعة في رحلة قطار من جنوب مصر لشمالها، عادة ما تستغرق عشر ساعات تقريبا.
كانت نسرين متجهة من محافظة قنا جنوبي مصر إلى القاهرة لأغراض تتعلق بالعمل. ونسرين ليس الإسم الحقيقي للسيدة التي التقيناها وقد غيرنا اسمها بناء على طلبها.
“كان القطار يسير ببطء شديد، فيتحرك لنحو عشر دقائق ويتوقف لساعتين أو ثلاث”.
تقول نسرين إن القطار قطع أكثر من نصف المسافة في حوالي ثماني عشرة ساعة.
خلال الأيام القليلة الماضية، ضربت مصر موجة من الطقس السيء شهدت هطول أمطار غزيرة. وتزامن مع ذلك تصاعد الشكاوى على وسائل التواصل الاجتماعي من تأخر رحلات القطارات لفترات تصل أحيانا لأربعين ساعة.
“لا طعام ولا شراب”
تخبرني نسرين أنهم حاولوا الاستفسار من مسؤولي القطار عن سبب هذا التأخير فلم يحصلوا على كثير من التفاصيل، وعلموا أن هناك تعليمات للسائق بالتحرك البطيء، تجنبا لوقوع أي تصادم، وذلك لأن سوء الأحوال الجوية أحدث عطلا في الإشارات التي توجه السائق على خطوط السكك الحديدية.
“نفد ما كان بحوزتنا من طعام وشراب، وحتى عربة الطعام في القطار نفدت منها كل المؤن. وبدأ الأطفال الصغار يصرخون. وسمعنا أن بعض الركاب في عربات أخرى من القطار أصيبوا بغيبوبة سكر”.
تقول نسرين إن أغلب ركاب القطار اضطروا، في النهاية، للنزول في محافظة المنيا جنوبي البلاد، ليأخذوا وسائل مواصلات أخرى يستكملون بها رحلتهم للقاهرة. وتوضح أن القطار لم يكن يتوقف في المحطات المعتادة المؤهلة لخروج آمن للركاب، بل كان يتوقف في مناطق صحراوية أو زراعية، ما جعل من مغادرته مهمة عسيرة.
“كان المشهد مؤسفا ونحن نغادر القطار حاملين حقائبنا ونسير وسط الرمال والحجارة حتى نصل إلى طريق مُعَبَد يمكننا أن نجد فيه سيارات أجرة. كانت المشقة كبيرة على كبار السن بالتحديد.”
علمت نسرين أن القطار نجح، أخيرا، في الوصول للقاهرة بعد مرور أكثر من ثلاثين ساعة.
“نعتذر عن التأخير”
وقبل أيام أصدرت هيئة السكك الحديدية بيانا قالت فيه إن القطارات ستسير بسرعة بطيئة، نظرا لهطول الأمطار. وقدمت اعتذارها للمواطنين عن التأخير “الخارج عن إرادة الهيئة” والذي سينتهي بمجرد استقرار الأحوال الجوية.
وقال وزير النقل المصري كامل الوزير في تصريحات تلفزيونية إنه أصدر توجيهات بتقديم وجبات مجانية للركاب داخل القطارات، وزيادة أعداد الوجبات في عربات الطعام بالقطارات، حتى تعود الخدمة لطبيعتها، وتستقر الأوضاع.
وأضاف الوزير أن أطول خط للسكة الحديد في البلاد، والذي يصل لمحافظة أسوان في أقصى الجنوب، لم يكن يشهد تأخيرا أكثر من ساعتين، قبيل سقوط الأمطار.
وأوضح أن المرحلة الحالية تشهد تحديثا لمختلف نظم السكك الحديد، ووعد باختفاء ظاهرة التأخير بحلول نهاية يونيو /حزيران المقبل.
تأخير استثنائي
وتحدثت وزارة النقل مرارا، في الآونة الأخيرة، عن ضخ ملايين الدولارات لتطوير منظومة السكك الحديدية. وبعد زيادة شكاوى المواطنين بشأن التأخير غير المعتاد في رحلات القطارات، تساءل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي “أين تذهب كل هذه الأموال ؟” واندهشوا كيف تتحدث الحكومة عن التطوير في حين يتحمل ركاب القطارات كل هذه المعاناة “بسبب بعض الأمطار”.
يقيم صلاح في أسوان ويتوجه للقاهرة مرتين أو ثلاثة شهريا لدواعي العمل. وتبلغ المسافة بين المدينتين حوالي ألف كيلومتر، ويقطع القطار هذه المسافة، عادة، في نحو اثني عشر ساعة أو أكثر قليلا.
“أقوم بتلك الرحلة منذ نحو عشرين عاما ولم أشهد في حياتي تأخيرا كهذا”.
استقل صلاح، وهو ليس اسمه الحقيقي، القطار من القاهرة عائدا إلى أسوان. لكنه، مثل نسرين، اضطر للنزول في منتصف الرحلة ليستقل أربع وسائل نقل مختلفة كي يستكمل رحلته. ويتساءل “من سيتحمل مسؤولية كل هذه التكاليف؟ لقد دفعت ضعف ثمن تذكرة القطار”. نجح صلاح في الوصول إلى بيته بعد نحو ثلاثين ساعة.
ويقول إن بعض الركاب اضطروا للبقاء في القطار لأنهم كانوا يصطحبون أطفالا أو لأن حالتهم الصحية لا تسمح لهم بالحركة. وعلم، بعد وصوله أسوان، أن القطار استغرق نحو أربعين ساعة كي يتم رحلته.
“لا يمكنني أن أنسى الراكب الذي كان يجلس خلفي، وكان ذاهبا ليشيع والدته إلى مثواها الأخير، ولم يتمكن من حضور جنازتها بسبب تأخر القطار.”
مرحلة انتقالية
يرى أسامة عقيل، أستاذ هندسة النقل والطرق بجامعة عين شمس، أن السلطات كان يجب أن تخطر المواطنين مسبقا بوجود تأخير في الرحلات. “لم يكن ينبغي أن تباع تذاكر القطارات، من الأساس، في ظل اضطراب الخدمة بهذه الصورة”، ويضيف أنه كان من الضروري توفير رحلات حافلات بديلة للركاب العالقين داخل القطارات.
ويوضح أن حدوث أي عطل في الإشارات يربك جداول تشغيل القطارات بالكامل، فربما لجأت وزارة النقل لإجراءات احترازية مثل خفض السرعة للتقليل من فرص وقوع حوادث. ويضيف “الإشارات هي التي تتحكم في حركة القطار.”
ويقول إن تطوير مرفق ضخم مثل هيئة السكك الحديدية يحتاج لوقت طويل، مشيرا إلى أن عمليات التطوير قد تنجم عنها بعض الأعطال أو الاضطرابات، حتى تستقر المنظومة الجديدة.
“على سبيل المثال، نشهد حاليا التحول من نظام الإشارات اليدوي إلى الإلكتروني لتقليل احتمالات وقوع الأخطاء”.
وتنقل القطارات أكثر من مليون راكب يوميا. ولمصر تاريخ طويل مع حوادث السكك الحديدية والتي تتسبب في سقوط أعداد ضخمة من الضحايا، فقد شهد عام 2018 وقوع أكثر من ألفي حادث قطار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو جهة حكومية.
ومن بين أسوأ حوادث القطارات التي وقعت العام الماضي كان اصطدام قطارين بمحافظة سوهاج، جنوبي البلاد، ما أدى لمقتل نحو عشرين شخصا وإصابة نحو مئتين آخرين، وفقا لوزارة الصحة.
ويظل “حادث قطار الصعيد” إحدى أسوأ حوادث القطارات في مصر، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق، فقد شبت النيران بقطار كان متجها من القاهرة لمحافظة أسوان، في أقصى جنوب البلاد، في عام 2002، كان القطار مكدسا بالركاب العائدين لأسرهم في صعيد مصر لقضاء عطلة عيد الأضحى، وأدى الحادث لمقتل أكثر من 360 شخصا وفقا للتقديرات الرسمية، بينما أشارت تقديرات غير حكومية، حينها، إلى أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
“القطر وصل فين؟”
وعرض سكان المحافظات المختلفة تقديم المساعدات اللوجستية على الركاب الذين انتظروا لساعات وأحيانا لأيام داخل القطارات. فلقد بدأ بعض أعضاء مجموعة على الفيسبوك، أطلقت على نفسها اسم “القطر وصل فين؟”، يعرضون تقديم مشروبات أو طعام أو حتى حفاضات أطفال أو خدمات طبية على الركاب العالقين.
وقد أنشئت مثل هذه المجموعات في السنوات الأخيرة لمساعدة رواد مواقع التواصل الاجتماعي على متابعة مواعيد وجداول رحلات القطارات بين المحافظات المختلفة.
تخبرني نسرين أنها ممتنة لأنها لم تصطحب ابنيها معها في تلك الرحلة الشاقة، وتقول إنها قد لا تركب القطار أبدا بعد ذلك بسبب قسوة هذه التجربة.
[ad_2]
Source link