المهدي بن بركة: هل كان المعارض المغربي حقا “جاسوسا” للاستخبارات التشيكوسلوفاكية؟
[ad_1]
شهدت المنصات الرقمية في المغرب نقاشا حول مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية عن الناشط اليساري المغربي، المهدي بن بركة، الذي لا تزال ملابسات اغتياله غامضة حتى اليوم.
وتضمن المقال وثائق وصفت بالسرية عن نشاط المعارض المغربي إبان الحرب الباردة.
وزعمت الوثائق التي نشرتها الغارديان، “ارتباط المهدي بن بركة، بأجهزة مخابرات غربية عدة”، مشيرة إلى أن المعارض اليساري ربما قد عمل جاسوسا لصالح تشيكوسلوفاكيا”.
من جهة أخرى، نفت أسرة بن بركة تلك الادعاءات، وطالبت بالمزيد من التدقيق والتثبت من مضمون تلك الوثائق.
وفي تصريح لصحيفة الأوبزرفر، قال البشير بن بركة، نجل السياسي المغربي الراحل، إن علاقات والده مع الدول الاشتراكية ودول أخرى “كانت متوقعة من أي شخص انخرط في النضال العالمي ضد الإمبريالية و الاستعمار” مضيفا بأن “الوثائق المسربة حديثا أُنتجت وحُررت داخل أجهزة المخابرات وقد تكون محرفة أو غير مكتملة”.
من أين جاءت تلك الوثائق؟ وما تفاصيلها؟
ذكرت الغارديان أن الملفات السرية المثيرة للجدل، خرجت إلى العلن من أرشيف الاتحاد السوفيتي سابقا.
ورغم الضجة التي أثارتها تلك الوثائق إلا أن القضية ليست جديدة، إذ سبق أن أثيرت قبل نحو 15 عاما، لكنها لم تلق الاهتمام نفسه الذي حظيت به هذه الأيام.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن ملفات سرية سابقة سُربت من العاصمة التشيكية، براغ، تشير إلى وجود علاقات وثيقة بين بن بركة وجهاز الأمن التشيكوسلوفاكي.
وفي حديثه مع الغارديان، يصف الأستاذ المساعد في جامعة تشارلز في براغ جان كورا، الذي تمكن من الوصول إلى الملف، بن بركة بـ “الانتهازي الذي كان يلعب لعبة خطيرة للغاية”.
وبحسب الملف الذي اطلع عليه جان كورا، فإن علاقة بن بركة مع جهاز الأمن تعود إلى عام 1960، عندما التقى بأهم جواسيس هذا الجهاز في باريس.
وعرضت الغارديان ما وصفته بسلسلة من العمليات الاستخباراتية التي نفذها بن بركة لصالح الجهاز التشيكوسلوفاكي، كـ “تجميع معلومات عن تفكير القادة العرب مثل الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، إلى جانب معلومات عن الأوضاع في الجزائر والتحركات الأمريكية في غينيا”.
وتقول الصحيفة في تقريرها إن “بن بركة تقاضى من جهاز الأمن مبالغ مالية مقابل ما قدمه من معلومات”.
فعلى سبيل المثال، تذكر الصحيفة أن “بن بركة زار العراق للحصول على معلومات حول انقلاب فبراير/شباط 1963، وتلقى مقابل ذلك 250 جنيها استرلينيا”.
لاحقا اكتشفت الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، أن “بن بركة خدعهم وباع لهم معلومات كانت متاحة للجميع”. وقد أثار الشكوك لديهم بأنه “تعاون مع فاعلين آخرين خلال الحرب الباردة” وفقا لما جاء في التقرير.
ويصف الأستاذ المساعد في جامعة تشارلز في براغ، جان كورا، السياسي المغربي بالرجل الذكي، مضيفا أنه رغم كل المعلومات التي قدمها المهدي بن بركة إلا أن مكتب الاستخبارات التشيكوسلوفاكية لم يصنفه كعميل، بل عده مجرد جهة اتصال سرية تقدم معلومات وتتلقى مقابلها مبلغا ماليا.
كما أن بن بركة لم يتحدث طيلة حياته عن أي علاقة ربطته بأي جهة أجنبية.
ولم يتسن لبي بي سي التأكد من الوثائق التي وردت في تقرير الغارديان.
كما أن الصحفية البريطانية نقلت عن محللين قولهم بأن ما نسب إلى المهدي بن بركة من تهم لا يزال محل تمحيص وتدقيق.
وبغض النظر عن مدى دقة تلك المعلومات من عدمها، إلا أنها استطاعت أن تشغل اهتمام قطاع واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة.
فمن المتابعين من عبر عن صدمته لدى قراءة المقال، ومنهم من قلل من أهميته بدعوى أنه لم يقدم معلومات جديدة.
بالنسبة لكثيرين يعد المهدي من بركة رمزا وأيقونة للثورة والنضال ضد الاستبداد والاستعمار.
لذا ينظر هؤلاء إلى تلك الوثائق المسربة حديثا بعين الربية، ويرون أن توقيت إصدارها يهدف إلى “التشويش على المساعي التي تقودها أسرته للكشف عن ظروف اغتياله”.
ويصف بعضهم ما يحدث بأنه “محاولة لاغتيال السياسي المغربي معنويا في نفوس محبيه وتكريس الولاء المطلق للحاكم”.
في حين يميل قطاع آخر من المدافعين عن إرث بن بركة إلى تصديق ما جاء في المقال من تفاصيل. فمنهم من أشاد بمهنية الصحيفة البريطانية وحرصها على نقل الأخبار بحيادية.
لكن في الوقت ذاته يرى أولئك المدافعون عن بن بركة أن التفاصيل التي كشفت عنها الصحيفة “لا تجعل منه جاسوسا”.
ويدعو بعضهم إلى وضع المعلومات في سياقها التاريخي لفهم توجهات بن بركة بشكل منطقي، قائلين إن “تعاون يساريي المنطقة مع الدول الاشتراكية أو الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة لم يكن مستغربا، نظرا لعدائهم المشتركة للإمبريالية والقوى الاستعمارية” على حد قولهم.
في المقابل، هاجم قطاع آخر من المغاربة إرث بن بركة واتهموا المدافعين عنه بخلق الأعذار الواهية لتبرير تصرفاته”. ويرى هؤلاء أن ما كشف عنه التقرير “كان كافيا لإثبات حقيقة المعارضة في تلك الحقبة من تاريخ المغرب”.
كما اغتنم آخرون الفرصة لانتقاد التيار اليساري برمته.
يذكر أن الجدل حول مقال الغارديان قد تجاوز البعد المحلي الضيق، وتردد صداه إلى مسامع متابعين في عدد من الدول العربية.
من هو المهدي بن بركة؟
يعد المهدي بن بركة المولود بالرباط، في يناير/ كانون الثاني عام 1920مؤسس اليسار المغربي الحديث.
وقد لمع نجمه في الأربعينيات كرمز من رموز المقاومة ضد المستعمر ولاحقا كواحد من أشرس المعارضين والمنتقدين للحكم الملكي في المغرب.
وكان أحد أبرز معارضي العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني.
وقد دفعه الاختلاف الجذري مع النظام الملكي المغربي إلى مغادرة البلاد، بعد أن أصدرت المحاكم المغربية حكما غيابيا عليه بالإعدام.
وقد ذاع صيت بن بركة في الخارج، خاصة في دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول لإفريقية والآسيوية ذات الميول الاشتراكية والشيوعية.
عام 1965، كان بن بركة بصدد الالتحاق بمؤتمر تحت اسم “مؤتمر القارات الثلاث” في العاصمة الكوبية، لكنه لم يتمكن من حضور المؤتمر بعد أن اختفى بطريقة غامضة من قلب العاصمة الفرنسية، ولم يعثر على أثر له منذ ذلك الحين.
وتشير إحدى الروايات الشائعة آنذاك إلى أن بن بركة عُذب وخُدّر على أيدي ضباط الاستخبارات الفرنسية قبل أن يتسلمه الجنرال المغربي محمد أوفقير ورفاقه جثة هامدة.
وقد فند الحسن الثاني التهمة الموجهة لنظامه آنذاك بالتورط في تلك الجريمة.
وحتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على اختفائه، لا تزال قضيته تطرح كثيرا من التساؤلات، بينما تستمر عائلة بن بركة إلى اليوم بملاحقة القضية.
[ad_2]
Source link