2021: عام “الالتزام الديني” بالقضايا البيئية
[ad_1]
استباقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مدينة غلاسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توجه البابا فرنسيس برسالة خاصة إلى زعماء العالم عبر بي بي سي، قال فيها: “كل واحد منا يمكنه أن يلعب دوراً في تغيير استجابتنا الجماعية للتهديد غير المسبوق لتغير المناخ وتدهور بيتنا المشترك”.
منذ بداية الألفية، تعلن القيادات الدينية عن اهتمامها بالشأن البيئي، ولكن سنة 2021 كانت مفصلية في انخراطها بخطاب التوعية حول مسألة تغير المناخ، والدعوة لاتخاذ إجراءات جدية لمواجهته.
فبعد توقيع الجماعات الدينية المختلفة على بيانات وإعلانات منفردة متفرقة للضغط في مسألة حماية البيئة، استضاف الفاتيكان لقاءً لممثلين عن عدد من الجماعات الدينية الفاعلة حول العالم، صدرت عنه وثيقة توصيات يمكن وصفها بـ”التاريخية”، كانت ثمرة نقاش بين القيادات الدينية وعلماء، حول دور الجماعات الدينية في إيجاد حلول لتغير المناخ.
وقال الموقعون إن “علينا واجباً أخلاقياً هو التعاون من أجل علاج الكوكب، ومواجهة التحديات من خلال المعرفة العلمية وحكمة الأديان”.
وتضمن النداء اتفاق القادة الدينيين على عدة نقاط منها:
- تعميق الجهود لإحداث تغيير في قناعات أتباعهم، وحثهم على تبني أنماط حياة مستدامة.
- السعي لمواءمة الاستثمارات المالية للمؤسسات الدينية مع المعايير المسؤولة بيئياً وأخلاقياً.
- تقييم السلع والخدمات التي تشتريها المؤسسات الدينية وفق عدسة أخلاقية مراعية للبيئة.
والصيف الماضي، دق شيخ الأزهر الإمام، أحمد الطيب، “ناقوس الخطر”، بعد الفيضانات التي هزّت العالم. وأكد “ضرورة التحرك الجاد والحازم لمكافحة أخطار التغير المناخيّ، وحماية مستقبل البشرية من هذا الخطر الحقيقي”.
ولم يكن ذلك الموقف الأول للأزهر حول الموضوع، ففي أبريل/ نيسان 2020، في احتفالية يوم الأرض العالمي، دعا الأزهر إلى “عدم إلحاق الضرر بالأرض التي وهبنا الله إياها نظيفة نقية صالحة للحياة، والابتعاد عن كل الممارسات الخاطئة التي تضر بها وتؤثر على حياة البشر”.
وكانت شخصيات إسلامية من خبراء وعلماء قد أطلقت أول “إعلان إسلامي حول التغير المناخي”، في إسطنبول عام 2015، وتضمن الإشارة إلى أن “كارثة التغير المناخي الراهنة هي نتيجة إخلال الانسان بالتوازن (…) فما نحن سوى واحد من كثرة الكائنات الحية التي نشاركها هذه الأرض، ولا يحق لنا أن نظلم الخلائق أو نعبث بها، وينبغي لنا معاملة كل شيء بتقوى الله والحرمة والإحسان”.
وفي سبتمبر/ أيلول وجّه البابا فرنسيس رسالة مشتركة مع البطريرك المسكوني برتلماوس ورئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، جاء فيها: “إنّ فقدان التنوع البيولوجي، والتدهور البيئي وتغير المناخ هي النتائج الحتمية لأفعالنا، لأننا استهلكنا بجشع موارد الأرض أكثر مما يمكن للكوكب أن يتحمل. لكننا نواجه أيضاً ظلماً عميقاً: لأن الأشخاص الذين يتحملون العواقب الكارثية لهذه الانتهاكات هم الأشخاص الأشدّ فقراً على هذا الكوكب وهم الأقل مسؤولية عن التسبّب فيها”.
ولكن بعيداً عن البيانات والرسائل التوعوية، ما الفرق الحقيقي الذي يمكن للقيادات الدينية أن تحدثه في مسألة تغير المناخ؟
في دراسة عن جامعة كولومبيا الأمريكية بعنوان “الانتماءات الدينية والتحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين”، منشورة في مجلة “الدين والسكان” الأكاديمية عام 2020، يشير الباحثون إلى أن تعاظم الأثار السلبية للتغير المناخي، يترافق مع تغيرات ديموغرافية ذات دلالة، وأبرزها أن نسبة سكان العام الذين ينتسبون إلى ديانة معينة، ستزيد، لتصل عام 2050 إلى 87 بالمئة عام 2050، بعدما كانت 84 بالمئة في عام 2010.
بحسب الدراسة، فإن العامل الديني مهم لفهم عدد من السلوكيات المرتبطة بتغير المناخ، منها مثلاً الخصوبة والإنجاب، وإيمان الأفراد بأن تغيّر المناخ ناتج عن سلوكيات بشرية، أو عن قوى ماورائية.
وتحاول الدراسة إيجاد رابط بين المعتقدات الدينية والسلوكيات المرتبطة بها من جهة، والنمو الاقتصادي، وانبعاثات غازات الدفيئة، والتعرض للضغوط البيئية (مثل الحرّ أو البرد الشديدين، التلوّث السمعي، الزحام، وغيرها)، من جهة أخرى.
تخلص الدراسة إلى المفارقة التالية: تسجل البلدان ذات النسبة الأقل من المتدينين، منسوب انبعاثات غازية أعلى، ولكنها في المقابل، أكثر جهوزية لمواجهة التحديات المناخية، كما أن النمو السكاني فيها منخفض أو سالب. أما الدول ذات النسبة الأعلى من المتدينين، فتسجل نمواً سكانياً عالياً، وجهوزيتها لمواجهة التحديات البيئية أقل.
على سبيل المثال، تسجّل أقل نسبة من المنتمين دينياً، في دول مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي أيضاً أكثر دول مسؤولة عن انبعاث غازات الدفيئة. في المقابل، تسجل الدول الأفريقية الأقل مسؤولية عن انبعاثات غازات الدفيئة، أكبر نسبة من المنتمين دينياً.
وبحسب الدراسة، فإنّ فهم تركيبة العالم الدينية تساعد على تحديد أي سياسيات بيئية يمكن أن تكون أكثر نجاعة، لأن إيجاد حلول للتغير المناخي، لا يمكن أن يغفل السلوك البشري، وبعض الأعراف الاجتماعية والثقافية، وتأثير الدين على الخيارات وأسلوب الحياة.
ولأن الدين قد يؤثر على سياسات الاستعداد لمواجهة انعكاسات تغير المناخ، من المهم فهم التغيرات في التكوين الديني للسكان، بموازاة دراسة حالة البيئة، وذلك من خلال ملاحظات عدة، أبرزها بحسب الدراسة:
- إيمان الناس بأن التغير المناخي ناتج عن قوى ماورائية، يمكن أن يدفعهم إلى تجاهل اتباع سلوكيات صديقة للبيئة، فبعض المؤمنين بسيناريوهات القيامة ويوم الدينونة قد يترددون في دعم سياسات الحد من التغير المناخي.
- في المقابل، يمكن للمجموعات الدينية أن تدفع إلى سلوكيات صديقة للبيئة لأسباب لاهوتية، منها الإيمان بأن البشرية مسؤولية عن حماية الأرض والخليقة.
- يرتفع منسوب التدين بين الجماعات بعد الكوارث الطبيعية، لأن الإيمان والروحانيات تساعد كثراً في التعامل مع المآسي.
- تلعب المؤسسات الدينية، خصوصاً في الدول الفقيرة، دوراً جوهرياً في تشكيل طريقة تعامل المجتمع مع الأزمات.
- الهجرات التي قد تنتج عن عوامل مناخية حادّة، قد تغير التركية الديموغرافية والدينية في مجتمعات معينة، ما يتطلب دراسة طريقة تفاعل الجماعات المهاجرة والمضيفة مع بعضها البعض.
أبرز وباء كورونا، أهمية صوت القادة الروحانيين والدينيين في حثّ جماعاتهم على الانصات إلى العلم، وعدم الاستجابة للأخبار الكاذبة والدعايات المضللة التي انتشرت في أوساط جماعات دينية عدّة.
ويبدو أنه يمكن البناء على تجربة دور المؤسسات الدينية خلال الوباء، في التعويل على الأثر المعنوي للقادة الدينيين في التوعية حول التحديات البيئية، خصوصاً أن بعض ناكري تغير المناخ على سبيل المثال، يبررون موقفهم بقناعات دينية محافظة.
لكن الأمر يتجاوز حدود الأثر المعنوي والروحي، إذ يمكن أن تكون الكنائس والمساجد والجمعيات الخيرية من أبرز المستثمرين في الطاقة البديلة.
[ad_2]
Source link