انقلاب السودان: عزلة السودانيين عن العالم تتواصل في ظل استمرار قطع الانترنت
- سالي نبيل
- بي بي سي عربي – الخرطوم
لا تريد شاهندة سوى شيء واحد: “أن أسمع صوت ولدي، هذا كل أملي”، تخبرني بحرقة.
انقطع الاتصال بينها وبين ابنها طلال، الذي يدرس الطب في روسيا، منذ أن توقفت خدمة الإنترنت في السودان في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما نفذ الجيش انقلابا عسكريا.
لا تستطيع شاهندة تحمل كلفة المكالمات الدولية. وتخبرني أن ابنها طلال، البالغ من العمر عشرين عاما، لا يمكنه أن يهاتفها أيضا بسبب ضيق ذات اليد، فهو طالب محدود الموارد.
حكم قضائي
أصدر القضاء السوداني مؤخرا قرارا يلزم شركات الاتصالات بإعادة خدمة الإنترنت إلى البلاد. لكن صدور الحكم لا يعني بالضرورة عودة الخدمة، وفقا لمصادر محلية.
فقطع الإنترنت يهدف بالأساس لتعقيد مسألة تنظيم المظاهرات المناهضة للجيش. إذ عادة ما يتم حشد المتظاهرين وتحديد مواعيد وأماكن انطلاق المظاهرات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
لكن الشارع لا يزال على صفيح ساخن، إذ تكثر الدعوات للاحتجاج والعصيان المدني رفضا لسيطرة الجيش على مفاصل الدولة وحله للحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك.
الدعوات للتظاهر الآن تتم عبر طرق أبواب البيوت داخل الأحياء والمكالمات التليفونية والمنشورات وبعض المسيرات الليلية المحدودة.
ورغم أن المتجول في شوارع الخرطوم يشعر أن الحياة طبيعية نسبياً- إذ تعمل المتاجر والبنوك والصيدليات بشكل اعتيادي، إلا أن هناك غضبا ملحوظا تجاه ما قام به الجيش وتجاه الطريق المتعثرة التي تمر بها المرحلة الانتقالية في السودان.
فبين حين وآخر يقيم المحتجون متاريس تغلق الشوارع الرئيسية بالعاصمة، لتعود الشرطة وتفككها لاحقا. وكثيرا ما تقع مناوشات واشتباكات بين الجانبين يُستخدم فيها الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الرافضين للانقلاب العسكري.
“العصور الوسطى”
لكن بعيدا عن السياسة، يبقى كل ما يشغل والدة طالب سوداني مغترب هو الاطمئنان على ولدها.
تقول شاهندة: “كل ليلة أتذكر طلال وأبكي. فهو مريض ولا يزال يتعاطى بعض الأدوية والعلاج”
وتطالب المسؤول عن قطع الإنترنت، كائناً من كان، بإعادة الخدمة “حتى نشعر أننا جزء من العالم. حاليا أشعر وكأننا في العصور الوسطى.”
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها قطع الإنترنت عن السودان. فقبل أكثر من عامين توقفت خدمة الإنترنت في البلاد لنحو شهر بعد أن فضت قوات الأمن بعنف اعتصاما نظمه المحتجون الذين أطاحوا بالرئيس السابق عمر البشير قرب مقر قيادة الجيش. لكننا علمنا أن التعتيم الإلكتروني هذه المرة أشد إحكاما.
“نحن الأكثر تضررا”
يعمل الآلاف من الشباب السوداني بقيادة سيارات الأجرة لدى الشركات التي توفر الرحلات لزبائنها عبر تطبيقات إلكترونية. لم تعد التطبيقات تعمل حاليا، وبات هؤلاء السائقون يعانون أشد المعاناة.
التقينا أحمد الذي يعمل منذ نحو عامين سائق أجرة عبر التطبيقات الإلكترونية. يخبرني أنه فقد أغلب دخله منذ انقطاع الإنترنت. ويقوم، بالكاد، برحلة واحدة يوميا، بعدما كان يقوم بأكثر من سبع رحلات في اليوم الواحد.
يقول “كلما حدث اضطراب في السودان، توقفت خدمة الإنترنت، وتوقف عملنا كذلك. فنحن الأكثر تضررا بهذا الأمر.”
ويكتنف المشهد السياسي في السودان الكثير من الغموض في ظل تواصل الشد والجذب ما بين العسكريين والمدنيين.
فرئيس الحكومة المدنية المقالة عبدالله حمدوك يريد عودة الوضع السياسي لما قبل الانقلاب، بينما يتمسك قائد القوات المسلحة السودانية بتشكيل حكومة كفاءات جديدة. ورغم الضغوط الدولية المكثفة لم ينجح الطرفان في الوصول لحل وسط.
وتنعكس التعقيدات التي تسيطر على دوائر صنع القرار في البلاد على أبسط التفاصيل اليومية لحياة الناس.
يساهم أحمد في إعالة والديه وإخوته. وكان قد اقترض في وقت سابق مبلغا من المال من البنك كي يتمكن من شراء السيارة التي يستخدمها في توصيل زبائنه. وفي ظل تراجع وتيرة العمل بشكل حاد بسبب غياب الانترنت، لا يعلم ما إذا كان سيستطيع تسديد أقساط القرض في موعدها.
ويوضح “بدأت أسحب من مدخراتي حتى يمكنني أن أعيش.”
“قد أرحل عن السودان”
ربما تدفع التقلبات السياسية التي تعصف بالسودان حاليا بعض السودانيين للرحيل عن بلادهم بحثا عن حياة أكثر استقرارا.
تجري ميسون دراسات عليا في الصيدلة بإحدى الجامعات الأمريكية. ويعتمد جزء كبير من دراستها على المحاضرات التي تتلقاها عبر الإنترنت. لم تعد قادرة على مواصلة دروسها، بالطبع، وتفكر في الذهاب إلى بلد آخر لتتمكن من متابعة المحاضرات.
“عندما أفكر في الدروس التي لم أحضرها بسبب انقطاع الإنترنت، يستبد بي القلق وأحيانا لا أستطيع أن أنام.”
تخبرني ميسون أنها قد ترحل عن السودان نهائيا إذا استمر اضطراب الأوضاع بهذه الصورة. وقد يلجأ آخرون غيرها لخيار مماثل ما لم يتم الاتفاق على خارطة طريق واضحة ترسم مستقبل البلاد وتشجع أبناءه من أصحاب الكفاءات والدرجات العلمية الرفيعة على البقاء والإنتاج.