هل قدمت السينما مساهمة النساء في المنجز العلمي الإنساني بشكل منصف؟
[ad_1]
- ندى منزلجي
- بي بي سي نيوز عربي
تعالوا نتذكر أجواء صالات السينما. مئات العيون التي ترقب الشاشة، مشاعر الحماس والإثارة، الأنفاس المكتومة، أو القهقهات التي سرعان ما ينتشر عدواها بين الجميع، أو الوجوم وعيون غارقة بالدمع هنا وهناك، أو وجوه جمدها الرعب والترقب، أو أخرى حالمة مأخوذة بالعرض، أو المرات التي يتعالى فيها تصفيق الجمهور في ختام العرض.
وهذا، إن دل على شيء فهي السطوة الجماهيرية الهائلة للفن السابع، وقدرته على التأثير في ملايين المشاهدين في العالم أجمع على اختلاف خلفياتهم وثقافاتهم، ما يجعله إضافة إلى وظيفته الترفيهية والفنية والثقافية، وسيلة جبارة في الاستقطاب، ونشر أفكار بعينها، وتكوين رأي عام.
وهذا يقود بالطبع إلى أن الفن السابع، يمتلك أيضا فعالية لا يستهان بها بالتوعية بقضايا تهم الإنسانية عامة، و”منها المساهمة بالتعريف بالتطورات العلمية، ودور العلماء وإنجازاتهم، وإرساء ثقافة سلام بين الشعوب، وتوسيع دائرة الاهتمام بالقضايا العلمية الجديدة وتعميق فهمنا لكوكب الأرض والتحديات التي تواجه البيئة”.
وتلك هي الأهداف التي سعت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حين أطلقت عام 2001 “اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام وللتنمية” الذي يحتفل فيه في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
الانتاجات السينمائية التي تناولت حياة كتاب ومفكرين ورسامين وموسيقيين وفنانين كثيرة، سواء كسير شخصية، أو كأفلام روائية مستوحاة من فترات من حياتهم أو أعمالهم، ولطالما كانت الفنون بأنواعها غذاء نهل منه الفن السابع، لكن الحال لا ينطبق على أهل العلم والاختراعات.
ومن الجدير بالذكر، كما تقول الكاتبة والناقدة السينمائية اليمنية هدى جعفر إن “معظم الأفلام العالمية التي عالجت مواضيع علمية هي أفلام خيال علمي، أما الأفلام الروائيّة التي تناولت حياة علماء حقيقيين، فهي أقل بكثير، إذ ترك الأمر للأفلام الوثائقية. وأعتقد أنّ النقطة الجوهرية هي أن حياة العلماء والعالمات، من وجهة نظر صانعي الأفلام الروائيّة، ليست مثيرة كما يجب!”.
وإذا كان العلماء شكلوا هم وإنجازاتهم مصادر قليلة الإغراء بالنسبة لصناع الأفلام بشكل عام، فإن الأقل حظا على الإطلاق هن النساء العالمات.
ونستغل مناسبة “اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام وللتنمية”، لنستعرض مدى مساهمة السينما في تعريف الجمهور الواسع بنساء ساهمن في إثراء المنجز العالمي للإنسانية في حقول عدة، والإضاءة على القضايا التي كرسوا علمهن وعملهن لأجلها سواء في الماضي أو اليوم، والمساحة التي خصصتها لهن في إنتاجها.
عالمات في السينما
الأوفر حظا في عالم السينما، هي ماري كوري، العالمة بولندية الأصل والحاصلة على الجنسية الفرنسية. ولدت عام 1867 وهي مكتشفة اليورانيوم ورائدة أبحاث النشاط الإشعاعي، وأول امرأة تفوز بجائزة نوبل للعلوم، وأول من فاز بالجائزة مرتين. كما أنها وزوجها، بيير كوري، أول زوجين على الإطلاق يفوزان بجائزة نوبل، كما أشرفت ماري على أولى الدراسات لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة، وقد انتجت عن ماري كوري ثلاثة أفلام.
فيلم بريطاني من إنتاج عام 2019، وهو الأحدث عن حياة ماري كوري، أخرجته الفرنسية إيرانية الأصل مارجان ساترابي، وهي أيضا مخرجة فيلم “برسبوليس” المأخوذ عن قصة مصورة بنفس العنوان.
يبدأ الفيلم وهو بطولة البريطانيين رزاموند بايك بدور ماري، وسام رايلي بدور بيير، من لحظة انهيار ماري كوري في مختبرها عام 1934 بسبب تعرضها المستمر للإشعاعات، ونقلها إلى المستشفى، ويعود بتقنية استرجاع الماضي إلى ماري التي أنهت دراستها في فرنسا، وتحاول بلا جدوى الحصول على تمويل لأبحاثها، إلى أن تدخل في شراكة مع بيير كوري، وعلاقتهما العاطفية وزواجهما، مقدما الكثير من التفاصيل عنها وعن حياتها.
ولكن أخذ على هذ الفيلم عدم التزامه بالدقة التاريخية، كما في مشهد عودة بيير كوري من ستكهولم، بعد إلقائه خطاب الفوز بجائزة نوبل، ليصطدم بغضب ماري وهي تلتقط ألعاب أبنائها من الأرض، وتوبخه على تعامله معها وكأنها “مجرد زوجة”، كما تقول كاتبة السير العلمية جورجينا فيري في مقال لها.
وفي الحقيقة، رفض بيير قبول جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903، ما لم تشمل زوجته، بوصفها شريكا مساويا له. ولم يحضر أي منهما مراسم منح الجائزة في ذلك العام، لكن بعد عامين عادا وألقى بيير المحاضرة.
وبالنسبة لشخصية ماري كما يقدمها الفيلم الذي لا يصور مكانتها العلمية كما كانت فعلا في أوساط العلماء، تقول فيري “كنت أتمنى أن يثق صناع الفيلم في أن المرأة المُعقدة والشغوفة والطموحة في قلب هذه القصة ستجذب اهتمام المشاهدين لأنها تملك رغبة عميقة في حل ألغاز الطبيعة، وليس على الرغم من امتلاكها تلك الرغبة”.
فيلم فرنسي من انتاج عام 2016، عرف بنسخته الإنجليزية باسم “ماري كوري: شجاعة المعرفة”، أخرجته ماري نويل، ولعبت فيه شخصية العالمة الشهيرة الممثلة كارولينا غروشكا، وحسب موقع روتن توميتوز” فقد أشاد معظم النقاد بالفيلم وحصل على تقييم 64 في المئة، فيما رأى آخرون أن شخصية ماري كوري كانت تستحق فيلما أفضل، وأن إيقاعه البطيء كان بمثابة اختبار لصبر المشاهدين، وإن أشادوا بمستوى التمثيل.
أول فيلم عن العالمة الشهيرة، وهو أمريكي من إنتاج شركة ميترو غلودن ماير عام 1934، أخرجه مرفين لوروي، ولعبت بطولته غرير غارسون في دور ماري كوري ووالتر بيدجون في دور زوجها.
ورشح الفيلم لعدة جوائز أوسكار بينها أفضل ممثل وأفضل ممثلة. ولكن تم اقتطاع معظم المشاهد التي تتحدث عن نواح علمية في الفيلم.
فيلم عن هيباتا الإسكندرانية، الفيلسوفة وعالمة الرياضيات والفلك، التي عاشت في القرن الرابع الميلادي في فترة الحكم الروماني لمصر، في وسط لا يقبل وجود امرأة عالمة، وقتلت بعد اتهامها بالهرطقة.
والفيلم من إنتاج عام 2009 ومخرجه الإسباني أليخاندرو أمينابار، وهو بطولة الممثلة البريطانية راشيلوايسز، وينتهي بمشهد رجم جثة هيبتا، التي كان عبد والدها قد خنقها ليجنبها عذاب الرجم، وأخبر الجمع المتعطش للدماء بأنها حية ولكن قد أغمي عليها.
فيلم خيال علمي متعلق بآدا لوفليس أول مبرمجة كومبيوتر في العالم، وإن كان تقديم سيرتها يتم بطريقة غير مباشرة عن طريق إيمي، عالمة الكومبيوتر المهووسة بالكونتيسة البريطانية آدا لوفليس.
تحاول إيمي الحامل، والخائفة من تأثير ذلك على مستقبلها العلمي، إيجاد طريقة للتواصل مع العالمة الميتة. وتنجح في النهاية، وتتمكن من التعرف على آدا ودراستها وعملها، وتحاول إقناعها بالحلول في جسدها، لكن آدا ترفض.
ولاحقا نرى إيمي تربي طفلة صغيرة هي ابنتها المتماهية في الوعي مع آدا، والتي تبدي بالفعل عبقرية مبكرة في التعامل مع الكومبيوتر.
لكن لا يمكن اعتبار الفيلم سيرة شخصية فعلا للعالمة أوغوستا آدا كينغ، الكونتيسة لوفليس، التي ولدت عام 1815 وتوفيت عام 1852، وهي الابنة الشرعية الوحيدة للورد بايرون، وإن لم تلتق به أبدا، وتعتبر أم اللوغاريتمية.
أنتج الفيلم عام 1997 وهو من بطولة الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون في دور الكونتيسة آدا، وفرانشيسكا فريداني بدور إيمي، وأخرجته لين هيرشمان ليسون.
يروي الفيلم قصة ثلاث نساء استثنائيات عانين من العنصرية على مستويين، لكونهن نساء أولا، وأفريقيات الأصل ثانيا، وهن: كاثرين جونسون (تاراجي هينسون)، ودوروثي فون (أوكتافيا سبنسر)، وميري جاكسون (جانيل مونيه) العالمات في وكالة ناسا الأمريكية.
عملت النساء الثلاث بشكل منفصل عن نظرائهن البيض، وكن بمثابة “حواسيب بشرية”، لكن دورهن كان كبيرا في التقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة في غزو الفضاء، خصوصا جونسون، عالمة الرياضيات العبقرية، التي يمكن القول إن عملها مهد لهبوط الإنسان على سطح القمر عام 1969.
والفيلم من إخراج ثيودور ميلفي، وهو مأخوذ عن كتاب بنفس الاسم، تأليف مارغوت لي شيترلي، التي نقلت القصة عن والدها الذي عمل مع العالمات الثلاث في وكالة ناسا.
ترشح الفيلم لجوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم، وأفضل ممثلة مساعدة، وأفضل نص مقتبس، وفاز بجائزة نقابة ممثلي الشاشة كأفضل فريق عمل.
وتقول الناقدة هدى جعفر إن هذا الفيلم “استطاع بجدارة أن يضرب أكثر من عصفور في وقت واحد: نظرة المجتمع العلمي للنساء عامة، وللنساء الملونات بالذات، والمؤسسات التي يعملن لديها، والتي درجت على اجبارهنّ على لبس معين مثل الكعب العالي، وحتى فرض نوع الحلي والعقود التي يرتدينها، وعانين حتى من عدم وجود دورات مياه قريبة خاصة بهن كملونات!”.
وتضيف “بشكل عام، وخلال السنوات العشر الأخيرة بدا الاهتمام واضحا بالأفلام الروائيّة ذات البطولة النسائية المطلقة، بسبب الأصوات الداعمة لتصويب سياسية السينما، والرغبة في تغيير صورة النساء في الأفلام، وفي هوليوود تحديدا”.
غوريلا في الضباب
فيلم أمريكي درامي عن عالمة الحيوان ديان فوسي، التي غادرت الولايات المتحدة للقيام بدراسة مُستفيضة عن جماعات الغوريلا الجبلية على مدى 18 عاماً في رواندا وأوغندا. وكرست وقتها لحماية الحيوانات ومنع الصيد العشوائي، وساهمت في إنقاذ الغوريلا الجبلية من الانقراض.
والفيلم مأخوذ عن كتاب ألفته فوسي نفسها، وتحدثت فيه عن تجربتها الشخصية، وهو من إنتاج عام 1988، أخرجه البريطاني مايكل أبيتد، وقامت ببطولته الممثلة الأمريكية سغوني ويفر، ويصور فوسي المرأة القوية المستقلة في رحلاتها إلى أفريقيا لدراسة التواصل مع الغوريلا، وعلاقتها القوية معها، وحربها مع الصيادين.
في نهاية الفيلم تقتل ديان فوسي عام 1985، أثناء نومها في المخيم على يد شخص مجهول، وإن كانت الملابسات تشير إلى أن قتلها كان نتيجة لاصطدامها المتكرر مع الصيادين الذين قتلوا الكثير من الغوريلات ومن ضمنها حيوانات كانت تحبها جدا.
فيلم أمريكي بلمسة كوميدية أنتج عام 2015 ، وهو من إخراج ديفيد أو راسل، ويقدم القصة الحقيقية لجوي مانغانو، وهي مخترعة أمريكية وسيدة أعمال عصامية، كانت تسعى لتقديم اختراعها الذي يعرف اليوم بـ (الممسحة السحرية) للعالم وتسويقه، والصعوبات التي واجهتها لتجد الدعم اللازم.
عاشت جوي التي كانت ترعى أطفالها الثلاثة وتهتم بهم بمفردها، مع عائلة غريبة الأطوار ومفككة، وكانت في الوقت نفسه تعمل على إقناع من حولها باختراعها، وتواجه العديد من الظروف المحبطة على الصعيدين الشخصي والمهني.
تنجح جوي في تخطي المصاعب وتسويق اختراعها، الذي يعود عليها لاحقا بأرباح وفيرة تجعلها مليونيرة.
الفيلم من بطولة جينيفر لورانس، وروبرت دي نيرو وبرادلي كوبر، وقد ترشحت لورانس لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها في الفيلم.
فيلم تلفزيوني من إنتاج عام 2010 ويقدم السيرة الشخصية للعالمة الأمريكية المختصة بسلوك الحيوانات، تمبل غراندين.
ولدت غراندين عام 1947، وكانت مصابة بالتوحد، لكنها تغلبت على كل المصاعب، وأحدثت ثورة في ممارسات التعامل الإنساني مع الماشية في المزارع والمسالخ، وألفت العديد من الكتب في هذا المجال.
وفي عام 2010، أدرجت مجلة التايم اسمها ضمن فئة “الأبطال”على قائمتها السنوية للـ 100 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم.
الفيلم من إخراج ميك جاكسون، وبطولة كلير دانس في دور غراندين، وقد فاز بالعديد من الجوائز بما في ذلك جوائز أيمي وغولدن غلوب.
أفلام وثائقية
في خضم الانشغال بقضية حماية البيئة والمصير القاتم الذي ينتظر كوكب الأرض إن لم تتخذ إجراءات سريعة وصارمة، لا بد من إفراد مساحة خاصة للعالمة راشيل كارسون، صاحبة العبارة الشهيرة “كل ما أحبه مهدد، لن أعيش في سلام إن بقيت صامتة”، وهي عالمة أحياء بحرية أمريكية، ومن أول الداعين للتحرك من أجل الحفاظ على البيئة.
حذرت كارسون في كتابها “الربيع الصامت” الصادر عام 1962 من أن الغابات ستدمر والطيور ستقتل والأشجار ستقتلع، وسترتفع حموضة المياه إلى مائة ضعف مقارنة بما كانت عليه قبل العصر الصناعي، ونبهت إلى المشاكل البيئية التي تتسبب بها المبيدات الحشرية وخاصة مبيد “دي دي تي”
وجوبه الكتاب بمعارضة كبيرة من قبل شركات المواد الكيماوية المصنعة للمبيدات، ووصل الأمر إلى اتهام مؤلفته بالجنون، ولكنه أدى في النهاية إلى تغيير تعامل السياسات الوطنية مع المبيدات الحشرية.
توفيت كارسون عن 57 عاما، بعد نشر كتابها بعامين، لكنها ساهمت في قيام حركة بيئية أدت إلى إنشاء وكالة حماية البيئة الأمريكية، ومنحها الرئيس جيمي كارتر وسام الحرية الرئاسي بعد وفاتها.
أنتج عن حياة راشيل كارسون فيلم وثائقي عام 2017 ضمن سلسلة “تجربة أمريكية” التي توثق أهم الشخصيات في الولايات المتحدة في القرن العشرين.
وفي عام 2012 كانت هناك أخبار عن إنتاج فيلم سينمائي درامي عن حياة كارسون بعنوان “الربيع الصامت”، إلا أن المشروع لم يتحقق حتى الآن بسبب عدم الحصول على تمويل.
يقدم هذا الفيلم صورة حميمة غير مسبوقة للعالمة البريطانية جين غودال، المتخصصة في السلوك الحيواني والناشطة البيئية، والحاصلة على وسام الاستحقاق للإمبراطورية البريطانية، وهي أيضا مؤسسة معهد جين غودال، وسفيرة سلام لدى الأمم المتحدة.
وأنجز هذا الفيلم عام 2017 بالاعتماد على أكثر من 100 ساعة من لقطات الفيديو التي لم يسبق عرضها، وكانت محفوظة ضمن أرشيف ناشيونال جيوغرافيك لأكثر من 50 عاما.
ويروي المخرج بريت مورغن قصة جين، التي أمضت سنوات طويلة في الغابات المطيرة، وتخصصت في علم السلوك والأنثروبولوجيا، ودرست سلوك الشمبانزي، وأحدثت ثورة في فهمنا لعالم الطبيعة، وتحدت الصعاب والهيمنة الذكورية لتصبح واحدة من أكثر دعاة الحفاظ على البيئة إثارة للإعجاب في العالم.
المهمة الزرقاء
فيلم من إنتاج نتفليكس عام 2014، أخرجه روبرت نيكسون، ويروي قصة عالمة المحيطات المشهورة عالميا سيلفيا إيرل، التي تسافر حول العالم في مهمة عاجلة لإلقاء الضوء على الحالة المزرية التي وصلت إليها المحيطات على كوكب الأرض.
وإيرل عالمة محيطات ومستكشفة أمريكية ولدت عام 1935 في منطقة قريبة من خليج المكسيك، حيث بدأ عشقها للحياة البرية والمحيطات، وأطلقت عليها مجلة تايم الأمريكية لقب “بطلة كوكب الأرض” عام 1998.
تصوير العالمة
يسلط هذا الفيلم الضوء على نساء رائدات في مجالات علمية مختلفة، ويكشف التحديات المستمرة التي تواجهها النساء في دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو عند ممارسة مهنة في أحد المجالات المذكورة.
تصحب عالمة الأحياء نانسي هوبكنز وعالمة الكيمياء رايشيل بيركس وعالمة الجيولوجيا جين ويلنبرينج المشاهدين في رحلة عميقة في تجاربهن الخاصة، بدءا من المضايقات الوقحة، إلى سنوات من الإهانات المبطنة والازدراء، في مسيرة قطعنها من أروقة المختبرات الضيقة إلى النجاحات الميدانية المذهلة.
ويقدم الفيلم، وهو من إخراج شارون شاتوك وإيان تشيني عام 2020، شخصيات علمية بارزة تسعى لجعل العلم نفسه أكثر تنوعا وإنصافا وانفتاحا على الجميع.
هل جمال العالمة شرط لتقديمها في السينما؟
تقول هدى جعفر “كما نلاحظ بشكل عام، هناك قلة واضحة في الأفلام الروائية التي تتناول حياة عالمات حقيقيات أو ما يُسمى بأفلام السيرة الشخصية’، مقابل تفوق في أعداد الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية عن حياة العلماء أو العالمات، لكن هذا لا ينطبق ذلك مثلا على كاتبات، او فنانات، أو ممثلات”.
وهناك أيضا نقطة أخرى جديرة بالإشارة برأي هدى جعفر “وهي أنّ الأفلام التي تناولت حياة العالمات على الغالب كانت الممثلات فيها مثيرات، ورشيقات، وفي سن صغير نسبيا، الثلاثينات والأربعينات حتى أوائل الخمسينات”.
وتضيف “وكأنّ هناك رغبة في تأكيد خفي بأن العلم للنساء لا يعني أن تكون المرأة قبيحة أو مهملة لشكلها، أو مملة، أو ربما عليها أن تكون جميلة لتحقق شرط جذب المشاهدين برأي شركات الإنتاج، بينما لا يوجد مثل هذا التأكيد عند تقديم العلماء الرجال”.
السينما العربية وغياب المرأة العالمة
لم تخل الساحة العربية بالطبع من شخصيات علمية نسائية عديدة ذات مساهمات مهمة ولافتة، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر العالمة المصرية سميرة موسى، التي كانت أول عالمة مصرية في الفيزياء النووية، وحاولت التوصل عبر أبحاثها إلى علاجات ميسورة التكلفة، وهي القائلة “أمنيتي أن يصبح علاج السرطان بالذرة متوفرا ورخيصا مثل الأسبرين”.
والعالمة المغربية أسمهان الوافي، الخبيرة في البحوث والتنمية الزراعية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط واستخدام المياه غير العذبة في الزراعة، والعالمة الإماراتية مريم مطر، التي أجرت العديد من الأبحاث حول مرض التلاسيميا.
والعالمة السعودية حياة السندي، التي اخترعت مجسا للموجات الصوتية والمغناطيسية، يمكنه تحديد الدواء المطلوب، ويساعد رواد الفضاء على مراقبة معدلات السكر وضغط الدم وله تطبيقات متعددة.
إلا أن السينما العربية التي ابتعدت بشكل عام عن أفلام السير الذاتية، إلا ما ندر، غاب حضور النساء العالمات عن انتاجها بشكل كامل، بل حتى في أفلام الخيال العلمي تقريبا.
تقول الناقدة هدى جعفر “لا توجد أفلام جدية عن العلم، ولا عن العلماء، وخاصة العالمات، حتى في أفلام الخيال العلمي، ويمكننا القول بثقة أن الإنتاج العربي بهذا المجال، يتميز بالشح والتواضع الذي يقترب من ‘الإسفاف’ ودور النساء فيها، بشكل عام بالطبع، لا يخرج عن كونهن تسلية لفريق العلماء، أو ضحايا لهم”.
وترى جعفر أن هناك موضوعين لا ثالث لهما في معظم أفلام الخيال العلمي العربية، وهما “السفر إلى القمر/أرض مجهولة، والعقاقير الكيميائية التي تغير من واقع الإنسان ثم لا يلبث أن يعرف أنّها وبالٌ عليه فيُبدي رغبته بالعودة إلى حياته السابقة مهما كانت سيئة، كما في أفلام “رحلة إلى القمر”، و”مملكة الحُب”، و”أبو عيون جريئة”.
وتضيف أن من أحدث الأفلام التي “يمكن القول أنّها تعاطت مع ثيمة التجارب العلمية هو فيلم ‘خطة جيمي ‘ إنتاج عام 2014 وتؤدي فيه المطربة ساندي دور طالبة كيمياء تتمكن من إنتاج عقار لتخفيف وزنها واستمالة حبيها!”.
أما أبرز الأفلام العربية التي تقدم موضوعا علميا برأي جعفر فهو هو فيلم “الرقص مع الشيطان” الذي أخرجه علاء محجوب عام 1993، وهو من بطولة نور الشريف والممثلة السورية صباح السالم، وفيه يعود الدكتور واصل من الاتحاد السوفييتي، ويقضي وقته في محاولة استخراج عقار من زهور غريبة، لتؤدي به محاولاته المستميتة هذه إلى خروج حياته عن السيطرة.
وتقول الناقدة اليمنية “نبرة الهجاء السياسي بالغة العلو في هذا الفيلم، وسبب إعجابي به يكمن في إتقان الصورة بشكل كبير”.
وتضيف “في سياق متصل يُمكن أن نذكر فيلم ‘فبراير الأسود’ الذي كتبه وأخرجه محمد أمين، وهو فيلم كوميديا سوداء عن المشاكل التي تطارد العلماء المصريين. إلى أن يصل الأمر بزوجين عالميْن نتيجة الإحباط وفساد المؤسسات العلمية إلى التخصص في صناعة المخلل!”.
آمال مستقبلية
وبالعودة إلى الدور التوعوي وتقريب العلم والعلماء من الحياة اليومية للبشر، والذي يمكن أن تقوم به السينما بتقديمها سير شخصيات علمية ملهمة، فلاشك في أن السينما العالمية بشكل عام والعربية في شكل خاص، لم تتقاعس بشكل واضح فحسب، بل على الأغلب خسرت أيضا فرصا غالية لتقديم أعمال بحبكات غنية مثيرة، كان من الممكن أن تحقق نجاحا جماهيريا كبيرا، إن وضعنا في الحسبان حجم المعاناة وكمية التحدي اللذين رافقا لا بد مسيرة العالمات في أنحاء العالم.
فهل سنشاهد في المستقبل أفلاما روائية عن إيمانويل ماري شاربنتييه، العالمة الفرنسية المختصة بالأحياء الدقيقة وعلوم الوراثة والكيمياء الحيوية والحاصلة مناصفة على جائزة نوبل للكيمياء عام 2020، أو العالمة الألمانية ذات الأصل التركي أوزلام توريجي، التي تقف مع وزوجها أوغور شاهين وراء تطوير لقاح فايزر.
أو البروفسورة سارة غيلبرت العالمة البريطانية، التي قادت فريقا من العلماء في تطوير لقاح أسترازينيكا ضد فيروس كورونا، وقررت شركة باربي إطلاق دمية تشبهها.
أو ربما نغالي في التفاؤل ونأمل في أن نرى مستقبلا فيلما عن رنا الدجاني، العالمة والباحثة الأردنية في مجال دراسات الجينات وعلاقتها بمرض السكري والسرطان، أو العالمة الجزائرية حليمة بن بوزة التي تعمل في مجال البيتكنولوجيا، أو العالمة المصرية سميرة موسى.
[ad_2]
Source link