بين المذاق الشهي والطعام الصحي… حيرة ترفع وتيرتها أبحاث الصحة النفسية
[ad_1]
- سيرينا غوكه
- بي بي سي نيوز
على بعد عدة إمتار من منزلها ، لن تخطئ أنفك رائحة السمن البلدي والطعام الشهي الذي تعده السورية دشا صادق في إحدى ضواحي لندن الهادئة. روائح ومذاقات الوجبات الدسمة والأطعمة المتنوعة التي تُحضّرها دشا في مطبخها الدافئ؛ تذكر بطقوس الطبخ في المنطقة العربية؛ حيث يتعدى الطعام قيمته الغذائية ليرتبط بالعادات وتقاليد الضيافة والمشاعر المختلفة. ولكن، هذه العادات الغذائية قد تكون في الواقع سببا وراء تعرضك للاكتئاب الشديد بحسب دراسات حديثة.
متلازمة الطعام الشهي والقيمة الصحية، ظلت لعقود موضع أبحاث مثيرة للجدل، فالدهون قد تسبب ارتفاع الكولسترول والحلويات قد ترفع مستوى السكر. لكن الجديد الآن هو توجه الدراسات لبحث العلاقة بين الطعام والصحة النفسية .
فتنامي الوعي عالميا بالصحة النفسية جعل الكثير من الخبراء والأطباء يوجهون اهتمامهم نحو العلاقة بين الأغذية المختلفة وما تتسبب به من تغيرات في الحالة النفسية والعقلية. وخلصت غالبية الدراسات إلى أن الأطعمة تلعب دورا كبيرا في تغير مزاجنا ومستويات الاكتئاب والتوتر لدينا وإصابتنا باضطرابات نفسية مختلفة.
ولكن بالنسبة إلى “دشا”، فإن الاستمتاع بمذاق الطعام يمثل الأولوية لها ولعائلتها وإن كان يأتي أحيانا على حساب الصحة الجسدية أو النفسية.
أمام موقد الغاز ، تفتح “دشا” علبة من السمن “البلدي” للبدء بتحضير طبخة “الفريكة”؛ وهي الوجبة السورية الشهيرة ، والتي تتكون من القمح المجروش ولحم الغنم.
تقول “دشا” لبي بي سي عربي: “الأكل بالنسبة لي مرتبط بالذكريات والأيام الحلوة لما كنا نجتمع العائلة كلها بسوريا مع الأقارب؛ وفي أكلات تشعرني بالسعادة، وأعرف أن بعض المواد الغذائية قد تكوت مضرة بالصحة بس ما بصير الأكل شهي بدونها مثل السمن العربي مثلا”.
ماذا نأكل وماذا نتجنب؟
تؤكد وتتفق الدراسات والأبحاث في مجال التغذية والتغذية العلاجية على أن ما نتناوله يؤثر مباشرة على بنية أدمغتنا ووظائفها المختلفة وبالتالي على مزاجنا وصحتنا النفسية. فالجهاز الهضمي ليس مسؤولا فقط عن هضم الطعام، بل يساعد أيضا في تنظيم المزاج؛ بحيث تُنتَج غالبية النواقل العصبية المسؤولة عن ضبط الحالة النفسية في الجهاز الهضمي مثل السيروتونين والدوبامين والتي تنتقل إلى الدماغ عبر إشارة حيوية تسمى بالمحور الدماغي المعوي.
وبحسب خبيرة التغذية والتغذية العلاجية سونال شاه، فإن “الأمعاء هي الدماغ الثاني” ولذلك يجب علينا اعتماد نظام غذائي صحي ومتكامل والابتعاد عن العادات الغذائية المؤذية.
وفقا لسونال هناك أنواع من الأطعمة يجب أن نتجنبها قدر الإمكان وهي تلك “الغنية بالدهون المشبعة والمواد الغذائية المصنعة كالزبدة واللحوم المصنعة والسكر المكرر”، أما الأطعمة المفيدة التي قد تلعب دورا كبيرا في تحسين صحتنا الجسدية والنفسية على حد سواء فهي “الخضروات والفواكه والسمك والأغذية الطبيعية غير المصنعة قدر الإمكان فهذه الأطعمة تحمي أدمغتنا”.
اعتقادات خاطئة
الرغبة بالمحافظة على الوزن والشكل المثالي قد تشكل حافزا كبيرا لاتباع نظام غذائي محدد يدفعهم لانتقاء الوجبات بحذر واستبعاد الكثير من الأغذية التي يعتقدون أنها تسبب السمنة مثل الكربوهيدرات. ولكن وفقا لسونال، قد تكون هذه إحدى أكثر العادات الغذائية ضررا بالصحة النفسية والجسدية معا وتحدث غالبا بسبب خلط الأشخاص بين الكربوهيدرات المفيدة والمضرة.
ما لا يميزه الكثيرون بحسب سونال هو أن الكربوهيدرات تقسم إلى قسمين؛ بسيطة ومعقدة، وما يجب علينا فعله هو “الابتعاد عن الكربوهيدرات البسيطة فقط”، فما الفرق بينهما؟
تتلخص مهمة الكربوهيدرات في الجسم “بكونها المصدر الرئيس للطاقة” وفقا لسونال، وهنا يأتي الفرق بين النوعين من الكربوهيدرات. فالجسم يمتص الكربوهيدرات البسيطة بسرعة وبالتالي تتحرر الطاقة سريعا ويرتفع مستوى السكر في الدم، أما الكربوهيدرات المعقدة فهي تحمل فائدة كبيرة؛ حيث يمتصها الجسد ببطء وتطلق الجلوكوز تدريجيا في أجسادنا فتساعد على استقرار مزاجنا. وتكمن خطورة التقليل من الكربوهيدرات المعقدة المفيدة في التسبب باضطرابات نفسية وقلة التركيز وسوء المزاج والشعور بالتعب والإرهاق كما تنخفض نسبة السيروتونين لديهم فيتعرضون للاكتئاب أكثر.
الخبر الجيد هو أنه ليس عليك قطع جميع الأطعمة بسبب احتوائها على الكربوهيدرات بعد اليوم، فما زال بإمكانك تناول الخبز بالقمح الكامل والأطعمة التي يدخل بها الدقيق أو الحبوب الكاملة وأيضا المعكرونة/الباستا، كما يمكنك الحصول على الكربوهيدرات المفيدة من الخضار والفواكه.
أما إذا كنت من محبي الوجبات السريعة والمشروبات والأغذية السكرية التي تحتوي على الكربوهيدرات البسيطة المضرة، فغالبا لن يسرك ما ستقرؤه، فهذه الأغذية بحسب الدراسات تمتلك تأثيرا مشابها للمواد التي تسبب الإدمان في الدماغ، ووفقا لسونال هناك أطعمة تسمى “بأطعمة المزاج الجيد مثل الشوكولاتة” ولكن “تأثيرها قصير المدى وتؤدي كثرتها إلى القلق والتوتر” وكلما شعرنا بالإحباط أكثر ازدادت رغبتنا بتناول المزيد من هذه السكريات التي تخلق استجابة تشبه الإدمان في أدمغتنا فنشعر بأن مزاجنا يعتدل مباشرة، ولكن لا يكاد أن يعود هذا الشعور بالاكتئاب مجددا نتيجة تناول هذه الأطعمة نفسها التي تتسبب بنوع من التهيج أو الالتهاب في الجسد والدماغ فتسهم بشعورنا بالتوتر والقلق ونجد أنفسنا نخوض في دائرة مغلقة.
حيرة الاختيار
الاستمتاع بكأس دافئ من الشاي أو القهوة بجانب النافذة في الصباحات الباردة بعد إرسال الأطفال إلى المنزل هو أحد أهم الطقوس اليومية بالنسبة إلى دشا والمشكلة “أن طعم الشاي بلا ملعقة ونصف من السكر لن يكون لذيذا ولن أستطيع شربه وقتها؛ هكذا تعودت!”. تعلم دشا أن السكر المكرر قد يكون أكثر الأغذية ضررا، ولكن برأيها “القليل منه لن يحمل أثرا كبيرا” ولكن سونال لا تتفق مع هذا الرأي، فهي ترى أن استبدال السكر بالعسل قد يعطي المشروبات نفس الطعم اللذيذ بلا التسبب بضرر صحي.
رغم اختلافهما في بعض التفاصيل إلا أن سونال ودشا تتفقان مع العديد من الدراسات التي أجمعت على ضرورة تناول جميع العناصر الغذائية المفيدة التي يؤثر الحرمان منها بشكل سلبي على صحتك النفسية مثل الدهون غير المشبعة التي يمكن الحصول عليها من زيت الزيتون والأسماك وبعض المكسرات كما أنه من الضروري الحصول علي كميات من الفيتامينات المختلفة التي تساعد في إنتاج المواد المساهمة في تحقيق سعادة الدماغ مثل فيتامين ب وفيتامين د.
وإذا كنت من الأشخاص النشيطين في العمل أو الدراسة الذين يؤجلون وجباتهم وينشغلون بالمهام المختلفة، يجب أن تكون أكثر حذرا، فبحسب الدراسات كلما تركت جسدك بلا غذاء لفترة أطول ستزداد حاجتك ورغبتك بتناول الأطعمة غير المفيدة كالوجبات السريعة.
من المؤكد أن الحيرة بين المذاق الشهي والطعام الصحي تسبب صراعا داخل عقول وأجساد الكثير من الأشخاص ولكن بالنسبة إلى دشا فهي تحاول كغيرها الالتزام قدر الإمكان بنظام غذائي صحي والتضحية بالمذاق الشهي أحيانا في سبيل الحفاظ على صحتها وصحة أطفالها. وبينما تملأ الصحون بعد الانتهاء من تحضير “الفريكة مع اللحمة” تقول دشا: “إذا بدي أطبخ لازم يكون الأكل على أصوله، ولكن الأمر لا يتعلق بي وحدي فصحة عائلتي وأولادي تعتمد على الوجبات التي أقدمها لهم لذلك الاعتدال هو السبيل الذي أحاول أن أسلكه عند تحضير جميع الوجبات”.
[ad_2]
Source link