المسيرة الخضراء: دعوة الحسن الثاني التي انتهت بإعلان “الجمهورية الصحراوية”
[ad_1]
خاطب ملك المغرب الراحل الحسن الثاني الشعب المغربي في مساء 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، داعيا إلى خروج 350 ألف متطوع في مسيرة للسيطرة على الصحراء الغربية، المتنازع عليها مع موريتانيا.
جاء الخطاب في نفس اليوم الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية قرارا استشاريا، قالت فيه إنه رغم ثبوت روابط تاريخية بين القبائل التي تسكن المنطقة وملوك المغرب، عبر الولاءات وتقديم البيعة، “إلا أن ذلك لا يثبت السيادة المغربية أو الموريتانية على الصحراء الغربية”.
فأطلق الحسن الثاني آخر محاولة للسيطرة على المنطقة. وبالفعل استجاب الآلاف، وخرجت “المسيرة الخضراء” في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني باتجاه الصحراء.
قال المغرب إن المسيرة مكونة من مواطنين عُزّل، لا يحملون سوى المصاحف وأعلام المغرب. واكتسبت شعبية كبيرة، إذ كان قوامها من سكان المناطق الريفية، وبلغت نسبة النساء فيها عشرة في المئة، ما يُعد خروجا على التقاليد المحافظة التي لم تكن تسمح للنساء بالمبيت خارج بيوتهن.
كما دعم المواطنون المغاربة المسيرة ماديا، بتقديم الماء والطعام اللازم لإعاشة المشاركين فيها. فماذا كان وراء هذا الحراك؟
الفوسفات
تقع الصحراء الغربية في الساحل الغربي من القارة الأفريقية. يحدها المغرب من جهة الشمال، وموريتانيا من الشرق والجنوب، في حين تلامس حدودها الجزائر من الزاوية الشمالية الشرقية.
وللصحراء ساحل على المحيط الأطلسي، يمتد لأكثر من 1100 كيلو متر.
لكن هذه الأراضي، التي تزيد مساحتها على 260 ألف كيلو متر مربع، تعد موطنا لعدد محدود من السكان، لا يتعدى مئة ألف على أقصى تقدير.
ورغم الثروة البشرية المحدودة، إلا أن رمال هذه الصحراء تحتضن ما يقرب من ملياري طن من الفوسفات النقي، وهي ثروة من شأنها تعزيز موقف المغرب في السوق العالمية.
فالمغرب كان أكبر مصدّر للفوسفات، وثالث أكبر منتج له في العالم، وضم الثروة المدفونة في أراضي الصحراء الغربية كان من شأنه إحداث نقلة في الاقتصاد المغربي.
كما أن احتياطي الفوسفات كانت وراء احتلال إسبانيا للصحراء من قبل.
لكن الملك الحسن الثاني أكد على أن الاهتمام المغربي بالمنطقة ليس اقتصاديا فحسب.
وكتب لاحقا في سيرته الذاتية أن المغاربة “ليست لديهم عقلية الأثرياء الجدد. وإذا اضطررت للاختيار بين عودة هذه الأراضي للمغرب وبين الفوسفات، سأتخلى عن الفوسفات طوعا”.
اضطرابات داخلية
عاش المغرب عقدا من الاضطرابات السياسية الداخلية، بين عامي 1965 و1975، ما بين ضغوط خارجية واحتجاجات داخلية.
ووصل الحسن الثاني إلى الحكم في مارس/أذار 1961. لكنه لم يكن يحظى بنفس شعبية والده، محمد الخامس، الذي اعتُبر بطلا شعبيا لمقاومته الاحتلال الفرنسي ودعمه للاستقلال.
ودفع محمد الخامس ثمن هذا الدعم في صورة نفي بأمر فرنسي، استمر لأكثر من عامين، بعد أن طوقت الدبابات الفرنسية قصره في أغسطس/آب عام 1953، وأُرسل مع ولديه إلى جزيرة كورسيكا.
ودفعت هذه التجربة ولي العهد آنذاك، الحسن الثاني، إلى الانخراط في العمل العسكري، فكان دوره الأساسي في تأسيس ورئاسة أركان القوات المسلحة الجديدة، التي عُرفت بـ القوات المسلحة الملكية.
وعند وصول الحسن الثاني إلى الحكم، ظهر اعتماده الشديد على الجيش في مواجهة الحكم البرلماني. وخرجت مظاهرات طلابية وعمالية عام 1965 تندد بهذا التوجه، فعلق الملك البرلمان وأعلن “حالة الطوارئ” التي استمرت حتى إقرار الدستور الجديد عام 1970.
لكن هذه السياسات أنهكت الجيش، الذي وجد نفسه طرفا في العديد من المواجهات، لعل أبرزها كان عام 1963 مع الجزائر، في ما عُرف بـ “حرب الرمال”.
وتعرض الحسن الثاني لمحاولتي اغتيال، الأولى في يوليو/ تموز عام 1971 عندما هاجم عدد من كبار الضباط حفل عيد ميلاده على أحد الشواطئ. والثانية كانت في أغسطس/آب عام 1972، عندما حاولت طائرات من القوات الجوية إسقاط طائرته في طريق العودة من فرنسا.
كما شهد هذا العقد اشتداد شوكة المعارضة، متمثلة في الكتلة الوطنية التي تأسست عام 1970، وهي اتحاد حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوى الشعبية. وكان الهدف الأساسي من تكوين هذه الكتلة هو الاحتجاج على الدستور الجديد، الذي اعتبروه فاقدا لأسس الديمقراطية.
وفي خضم هذا المشهد السياسي الملتهب، كان الملك بحاجة إلى انتصار يعزز من صورة نظامه، ويزيد من شعبيته، فجاء الحل عبر مسألة الصحراء الغربية.
دلالات تاريخية
تاريخيا، اعتاد شيوخ القبائل تقديم البيعة لـ “سلطان المغرب” وإعلان ولائهم له. هذا بجانب الروابط الجغرافية والتجارية بين القبائل وأرض المغرب (التي عُرفت بالمخزن).
وفي عام 1973، بدأ الملك الحسن الثاني بالتواصل مع زعماء القبائل في الصحراء الغربية، وإعلان دعمه لحراك مقاومة الاحتلال الأسباني، والتنسيق مع الأطراف الموريتانية والمغربية.
وبالفعل، نجح هذا التوجه في زيادة رصيد شعبية الملك لدى الشعب المغربي، الذي اعتبر أرض الصحراء جزءا من المغرب.
وفي أغطس/آب 1974، أعلنت إسبانيا عن نيتها إجراء استفتاء بشأن حق تقرير المصير لسكان المنطقة، وحددت موعده في يوليو/تموز 1975.
وهنا تقدم المغرب بطلب الحصول على رأي قانوني استشاري، ووافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 1974.
وعندما جاء قرار المحكمة مغايرا للطموح المغربي، خرج الحسن الثاني داعيا للمسيرة الخضراء. وحدد فيها عدد المتطوعين من العامة ليكون 306,500. أما الباقين، وعددهم 43,500، فهم من المسؤولين والموظفين الحكوميين.
كما أن الرقم الإجمالي، 350 ألفا، لم يكن عشوائيا، وإنما يمثل عدد المواليد سنويا في المغرب.
وحُددت نسبة المشاركين بناء على تعداد السكان في كل إقليم، فكان أكثرهم من الدار البيضاء (35 ألف متطوع) وأغادير (33 ألف متطوع). في حين جاءت أقل الأعداد من بولمان وشفشاون والناظور وطنجة، بواقع 500 متطوع من كل منها.
ما بعد المسيرة
نجح المغرب في ضم الصحراء الغربية بعد هذه المسيرة، التي اعتُبرت أكبر مسيرة على الإطلاق في أفريقيا.
كما كانت انتصارا للملك الحسن الثاني، إذ اعتُبرت توحيدا لصفوف القوى الوطنية. ونجح النظام بعدها في لجم المعارضة.
لكن مقابل هذا الانتصار، اندلعت في فبراير/شباط 1976 مواجهات لم تهدأ حتى اليوم، مع إعلان جبهة البوليساريو إقامة “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” في منطقة الصحراء.
[ad_2]
Source link