لماذا أغضبت اتفاقية أوكوس فرنسا، وهل تمثل تحولاً في ميزان القوى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟
[ad_1]
لدى مشاركته في قمة غلاسكو للمناخ، كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات سابقة له بأن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، كذب عليه فيما يتعلق بصفقة الغواصات التي انسحبت منها أستراليا، لتدخل بدلاً منها في اتفاقية دفاعية جديدة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أطلق عليها اسم “أوكوس”.
ليس من المستغرب أن ماكرون استشاط غضباً بعدما انسحبت أستراليا من صفقة قيمتها 37 ميار دولار (27 مليون جنيه إسترليني) كانت فرنسا ستبني بموجبها 12 غواصة، وأعلنت انضمامها لاتفاقية “أوكوس” في سبتمبر/أيلول الماضي، مما أدى إلى نشوب خلاف بين البلدين، وألقى بظلاله على العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة. فما هي هذه الاتفاقية محل الخلاف؟
غواصات نووية
الاسم “أوكوس” مشتق من بعض الأحرف الأولى التي ترمز اختصاراً لكل من أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ويشير إلى تحالف يهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تشمل الاتفاقية تبادل معلومات وتقنيات في عدد من المجالات، من بينها الاستخبارات والحوسبة الكمية، فضلاً عن تزويد أستراليا بصواريخ توماهوك كروز.
لكن الغواصات النووية مهمة للغاية، وسوف يتم بناؤها في مدينة أديلايد بجنوب أستراليا، حيث ستقوم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتزويد أستراليا بالاستشارات التكنولوجية اللازمة لإنتاجها.
تتسم الغواصات النووية بأنها أكثر كفاءة من الغواصات التقليدية – فهي تعمل بهدوء، وتتحرك بسهولة، ورصدها أكثر صعوبة.
وسوف يتم تزويد ثماني غواصات على الأقل بالتكنولوجيا المطلوبة، وإن لم يعرف بعد متى سيتم نشرها. ويتوقع أن تستغرق العملية وقتاً أطول نظراً لعدم وجود بنية تحتية نووية في أستراليا.
الغواصات لن تزود بأسلحة نووية، ولكن سيتم فقط تشغيلها بمفاعلات نووية.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه ستكون هناك فترة مشاورات أولية تستغرق 18 شهراً بين فرق من البلدان الثلاثة لتحديد كيف ستتم العملية، وضمان تماشيها مع تعهدات منع الانتشار النووي.
بيد أن الاتفاقية أظهرت أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مستعدتان لاتحاذ خطوة مهمة تتمثل في تصدير تكنولوجيا نووية لدولة غير نووية، وهو ما يجعل تلك الشراكة فريدة من نوعها.
وقد صرح مسؤول أمريكي لوكالة رويترز بأن “هذه التكنولوجيا حساسة للغاية. إنها بكل صراحة استثناء لسياستنا من جوانب عدة، ولا أتوقع أن تتكرر في مواقف أخرى في المستقبل. نحن ننظر إليها على أنها شيء يحدث مرة واحدة فقط”، وأضاف أن واشنطن لم تشاطر دولة أخرى تقنية الدفع النووي سوى مرة واحدة – في عام 1958 عندما زودت بريطانيا بتلك التقنية.
ورغم أن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، صرح بأن بلاده لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، أو بناء قاعدة نووية مدنية، إلى أن بعض المراقبين يرون أن “أوكوس” ستكسر حاجز العزوف عن امتلاك القوة النووية في أستراليا.
أكثر من مجرد غواصات
الاتفاقية الجديدة تظهر بلا شك جدية كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في خوض المنافسة الاستراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. ولكنها دلالة أيضاً، بحسب مختصين في الشأن الاستراتيجي الدولي، على رغبة في توسيع بنية ما يعرف بتحالف العيون الخمس، وهو ترتيب لتقاسم المعلومات الاستخباراتية بين خمس دول ديمقراطية ناطقة بالإنجليزية هي أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، قد طور خلال الحرب الباردة، ليشمل الصناعة والتكنولوجيا العسكرية المتطورة.
ويبدو أن التحالف يأتي في إطار تعهد إدارة بايدن الأمريكية بمنح الأولوية للتنافس الاستراتيجي مع الصين، وتعزيز تحالفات واشنطن التقليدية، ومن بينها “الرباعية” التي تضم أستراليا واليابان والهند إلى جانب الولايات المتحدة.
ويعتبر تحالف “أوكوس” نقلة نوعية مختلفة. ففضلاً عن أن صفقة الغواصات ستوطد الوجود الأمريكي-البريطاني في المنطقة لعقود، فإن التحالف سيسعى إلى الفوز بسباق التكنولوجيا الجاري مع الصين عبر دمج خطوط الإمدادات في مجال الصناعة والتقنية العسكرية.
تقارب مع بريطانيا وأستراليا واستبعاد لفرنسا
ربما ما جعل بريطانيا وأستراليا الشريكين التكنولوجيين الأقرب لواشنطن كونهما عضوين في تحالف العيون الخمس، الذي عادة ما يوصف بأنه أكثر التحالفات الاستخباراتية نجاحاً في العالم، حيث طور منذ إنشائه منظومات لجمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما أسس لثقة وتعاون مشتركين في مجال مكافحة الإرهاب.
ويرجح خبراء أن يكون ذلك هو السبب الرئيسي لاستبعاد فرنسا، كونها خارج تحالف العيون الخمس، نظراً لأن “أوكوس” سيعمل على تقنيات شديدة الحساسية مرتبطة بالاستخبارات، لا تستطيع واشنطن أن تأتمن عليها سوى أوثق حلفائها في هذا المجال.
وإذا أحرز تحالف “أوكوس” نجاحاً وحظي بقبول إقليمي خلال السنوات المقبلة، ربما سيجد آلية لمشاركة تقنياته وبياناته العسكرية مع المزيد من حلفاء واشنطن، ومن بينهم فرنسا.
ولكن ربما لن يمثل ذلك عزاء لباريس في الوقت الحالي، التي وصفت انسحاب أستراليا من صفقة الغواصات التي كان من المقرر أن تبنيها لها فرنسا وانضمامها إلى “أوكوس” بأنه “طعنة في الظهر. كما استدعت سفيريها في كل من واشنطن وكانبيرا.
وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول، قرر الاتحاد الأوروبي تأجيل مفاوضاته التجارية مع أستراليا، والتي كان من المقرر إجراؤها في الثاني عشر من الشهر نفسه، فيما بدا تضامناً مع فرنسا.
رد فعل حلفاء واشنطن في آسيا
في الأعوام الأخيرة، كانت هناك دلائل عديدة على تعاظم قوة الصين ونفوذها في آسيا. وقد استثمرت الولايات المتحدة بشكل كبير أيضاً في شراكات أخرى في المنطقة، مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايلندا والفلبين والهند وفيتنام.
وربما تعود اتفاقية “أوكوس” بالنفع على كل تلك الدول، بحسب مايكل شوبريدج، مدير الدفاعة والاستراتيجية والأمن القومي في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي.
وأضاف شوبريدج أن “المنطقة ستثمن (الاتفاقية). إنها تأتي في إطار تحول جيوسياسي سببه شيء واحد مهم، ألا وهو الاتجاه الذي يسير فيه (الرئيس الصيني) شي جينبينغ. (الاتفاقية) جاءت في إطار المشاركات المتنامية لكبرى الدول الديمقراطية في العالم في جهود ردع الصين”.
رد فعل تلك البلدان كان إيجابياً وفق تقارير، حتى وإن لم يكن صاخبا.
تقول بوني غليزر، مديرة برنامج آسيا بمعهد جيرمان مارشال فاند للدراسات السياسية: “حسب ما قاله لي أشخاص في الإدارة الأمريكية تحدثوا إلى حلفاء (واشنطن) وشركائها المعنين بالسلام والأمن في منطقة الهندي-الهادئ، فإنه لم يكن هناك أي رد فعل سلبي. هناك تأييد في المنطقة لفكرة الردع، ولأن يكون للولايات المتحدة وجود عسكري في المنطقة”.
ماذا تعني “إوكوس” للعلاقات الأسترالية-الصينية؟
العلاقة التي ستتأثر بالتأكيد نتيجة لذلك الاتفاق هي علاقة الصين بأستراليا.
تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لأستراليا، ولطالما كانت هناك علاقات طيبة بين البلدين. كما أن هناك عدداً كبيراً من الطلبة الصينيين الذين يدرسون في أستراليا.
ولكن العلاقات السياسة تدهورت مؤخراً، بعد أن أيدت أستراليا إجراء تحقيق دولي في منشأ فيروس كورونا.
وتظهر الاتفاقية انحياز أستراليا لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وأنها على استعداد للعب دور أكثر نشاطاً في أمن القارة الآسيوية.
وفي رد فعل على الاتفاقية، صرح السفير الصيني في واشنطن بأن على الحكومات الموقعة عليها “التخلص من عقلية الحرب الباردة والانحياز الأيديولوجي”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية زاو ليجيان إن التحالف يجازف “بإلحاق أضرار بالغة بالسلام الإقليمي…واحتدام سباق التسلح”.
[ad_2]
Source link