هالوين: لماذا تم ربط الساحرات بالشر والرغبة الجنسية الجامحة في القصص الشعبية؟
[ad_1]
توقف العالم عن مطاردة الساحرات وحرقهن منذ أمد بعيد لحسن الحظ! ولم يعد أحد يصدق وجود تجمعات ليلية مريبة لعجائز شمطاوات يحلّقن على متن المكانس، ويقتلن الاطفال، ويتلاعبن بظواهر الطبيعة ومصائر البشر بموجب صفقات خاصة مع الشياطين.
ربط السحر بالهرطقة والصراع بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتيستانتية، بل أشياء من قبيل أكسير الحب الذي يربط بين شخصين بعشق أبدي لا راد له كما في قصة “تريستان وإيزولد”، أو الشراب الذي يصيب الرجال بالعقم، أو النحس الذي يجلب الطاعون، كل ذلك تغير، وإن كانت بعض الأقوام والمجتمعات اليوم لا تزال تؤمن بالسحر الأسود وتمارسه، فهي نسبة قليلة، وليست سوى الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
والقاعدة هي أن السحر أصبح صناعة ترفيه هائلة، تعتمد على عروض مبهرة وتقنيات وخدع معينة، غايتها تسلية المشاهدين لتحقيق الأرباح، ولها نجومها الشهيرون في أنحاء العالم.
السحر في حلته الجديدة
بل، حتى هذه الصناعة تغيرت، ولم تعد تقتصر على مخاطبة مشاعر بدائية لدى الجمهور مثل الرعب والترقب أو قمة الدهشة، كما يحصل عند وضع شخص في صندوق وقطع جسمه بالمنشار إلى جزئين، قبل أن يعود كاملا على المسرح وسط تصفيق الحضور الذين تنفسوا الصعداء.
فقد أصبحت مهارات الحيل السحرية والخدع البصرية يمكن أن تحمل اليوم أيضا رسائل توعوية تخاطب قضايا ساخنة مثل حماية البيئة والتغير المناخي.
ومن بين مستخدمي السحر والخدع البصرية لخدمة القضايا الكبرى، الساحرة البريطانية الشابة ميغان سوان، التي تستغل مهاراتها لإيصال رسالة مهمة تحت عنوان “السحر البيئي” كما تدعوه، وقد أضحت سوان اسما معروفا لدى كافة المشتغلين في هذا المجال في أنحاء العالم.
والسبب؟ هذه الشابة التي يبلغ عمرها 28 عاما، أصبحت مؤخرا، أول امرأة تترأس “حلقة السحر”، The Magic Circle، وهي سابقة في تاريخ المنظمة الممتد لأكثر من 116 عاما، بعد أن كان المنصب حكرا على الرجال منذ تأسيسها عام 1905، علاوة عن كونها أصغر رؤساء منظمة السحر هذه سنا.
و”حلقة السحر”، منظمة بريطانية عالمية، تعتبر أكبر تجمع يمثل السحرة، وهي أقدم منظمة من نوعها في عالم اليوم، ويربو عدد أعضائها على 1500، من ضمنهم عدد من أشهر السحرة الاستعراضيين مثل ديفيد كوبرفيلد، ودينامو، وجيمي رافين وفاي بريستو، وريتشارد جونز، وديبي ماكجي، وماجيك بونز.
وبحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة فإن منتسبيها لا يقتصرون على الأعضاء المحترفين، فهناك السحرة الهواة، إلى جانب شخصيات شهيرة مثل ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، والممثل والمخرج البريطاني ستيفن فراي، وبطل العالم السابق في سباقات الفورمولا 1 نايجل مانسيل. وما يجمعمهم هو الشغف بالسحر.
التحيز ضد النساء أصبح من الماضي
من الأسس التي أنشئت عليها “حلقة السحر” قاعدة رئيسية لا يسمح بمخالفتها، ومفادها أن أعضاءها لا يمكنهم أبدا الكشف عن أسرار حيلهم، إضافة إلى قاعدة مهمة أخرى، استمر العمل بها حتى عام 1991، وهي عدم السماح للنساء بالانضمام إليها.
وتعتقد ميغان سوان أن سمعة المنظمة كمناهضة للنساء، تغيرت بالفعل، وهذا ما يؤكده انتخابها بالإجماع رئيسة لحلقة السحر في سبتمبر/أيلول الماضي، لتصبح بذلك بمثابة “دمبلدور سحرة بريطانيا” في إشارة إلى مدير مدرسة السحر في قصص هاري بوتر.
وتقول سوان “إنه لشرف عظيم، لا أصدق أنني أترأس حلقة السحر، وأن يكون ذلك سبقا تاريخيا أيضا”.
وتضيف “آمل بأن أتمكن من تشجيع مزيد من النساء على أن يصبحن ساحرات”.
وتؤكد سوان في حديث مع راديو 1 نيوزبيت “لقد تغير السحر بالتأكيد. هناك بعض السحرة المذهلين من جميع الأعمار والأجناس والأعراق، وقد لاحظت خلال السنوات القليلة الماضية تزايدا لافتا في الأعضاء الأصغر سنا”.
وإن “كان كثير من الناس، لا يزالون يحتفظون بصورة عفا عليها الزمن عن ساحر ذكر يعتمر قبعة عجيبة ويخرج منها أرانب بيضاء”، كما تقول.
مهارات سحرية في خدمة البيئة
برأي سوان، فإن محترفي خدع سحرية مشاهير مثل ديفيد بلين، ودينامو، جلبوا البهجة والجاذبية إلى عالم السحر من جديد.
لكن عروضها، كما تقول تتخذ اتجاها مختلفا، وتوضح قائلة “أركز على التوعية بقضايا بيئية، وكيف يمكننا المساعدة من خلال الحيل السحرية”.
وتضيف “لذلك أقدم أشياء لها علاقة بتغير المناخ، والنفايات، وتلوث المحيطات، وإزالة الغابات، كل ذلك من خلال السحر”.
وهي تعتبر أن هذه العروض قادرة على إيصال رسائل جدية هادفة من خلال الترفيه، وتقول “إنها وسيلة تواصل جيدة حقا، وفعالة في إشراك الناس. وإلا فإن الحديث عن هذه المواضيع يمكن أن يكون محبطا للغاية”.
وعلى غرار صناعات أخرى، وخاصة كل ما يتعلق بالمسرح وفنون الأداء، لم يتمكن السحرة من العمل لأشهر عدة بسبب الإغلاق الذي فرضه انتشار فيروس كورونا، وتقول سوان، إن العودة إلى الحياة الطبيعية “أشبه بتحد سحري”.
الساحرة القبيحة
لكن الأمر كما أشرنا في البداية، لم يكن دائما كذلك. وما أبعد صورة ميغان سوان، الشابة ذات المظهر اللطيف، عن الصورة النمطية للساحرات في الخيال الشعبي والحكايات، وصولا إلى القصص المصورة والأفلام السينمائية.
فالساحرة دائما عجوز شريرة، دميمة، بأسنان كبيرة قبيحة وذقن مدببة مع خال أسود منفر وأنف معقوف، وبالطبع ترتدي قبعة عجيبة، ولديها مكنسة طويلة جاهزة لتمتطيها وتحلق بها فوق الخرائب.
والأمثلة لا تعد ولا تحصى، فهي الشريرة القبيحة التي أعطت التفاحة المسمومة لسنو وايت” في قصة “الأميرة والأقزام السبعة”، وهي الشمطاء التي سلبت حورية البحر صوتها الجميل مقابل حصولها على ساقين بدل ذيل السمكة. حتى في عالم والت ديزني المرح ومجتمع “مدينة البط” حيث يعيش دونالداك (بطوط)، كانت الساحرة هيزيل شخصية ماكرة، قبيحة الشكل تستخدم تعاويذها لتأكيد وجهة نظرها، ولا تتوانى عن إيذاء من يواجهها.
نادرا ما قدمت الساحرة كشخصية خيرة محبوبة، أو حتى عادية، وهي حين تسعد البشر وتحقق أحلام الأطفال، فغالبا ما تجرد من صفاتها الآدمية لتصبح “جنية”، ومثال ذلك الجنية اللطيفة التي ساعدت ساندريلا، وقدمت لها العربة السحرية الرائعة مع حاشيتها لتذهب إلى حفل الأمير.
هذا إضافة إلى عدد لا يحصى من أفلام الرعب، التي تظهر فيها ساحرات شريرات بأشكال مثيرة للخوف، أو حتى مضحكة.
فلماذا تربط الساحرة دائما بالقبح قلبا وقالبا؟
قد يكمن الجواب في بقايا رواسب فكرية ساهمت في صنع الخيال الشعبي، وهي تعود إلى العصور الوسطى وما قبلها، أي الفترات التي شهدت مطاردة الساحرات، ونصب محارق لهن في أرجاء أوروبا.
تسويغ الاضطهاد
تكريس صورة الساحرة كامرأة فظيعة الشكل، تمارس طقوسا جنسية سرية، وتنشر الخراب حيثما حلت، ويربطها بالشياطين تحالف وثيق لا تفك عراه، كان ضروريا في إطار تسويغ الجرائم التي ارتكبت على مدار قرون بحق نساء، قد يكون كل ما اقترفنه من ذنب هو امتلاك خبرة بالأعشاب، أو معرفة كانت حينها تعتبر حكرا على الرجال، أو الاستقلالية، أو الخروج عن السائد والمألوف، أو مجرد عدم إنجاب أطفال.
وهذا ما تؤكده الصحفية الفرنسية منى شوليه في كتاب صدر عام 2019 بعنوان “الساحرات”، وتسرد فيه تاريخ مطاردة الساحرات وحرقهنّ في أوروبا، بعد قول الكنيسة بأنهنّ يعبدن الشيطان.
بلغت محاربة الهرطقة ومن ضمنها مطاردة السحرة في أوروبا أوجها تقريبا ما بين القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر، وقد أعدم خلال هذه الفترة بتهمة مزاولة السحر ما بين 40 ألف إلى 100 ألف شخص، معظمهم أحرقوا أحياء، وتشكل نسبة النساء منهم من 75 إلى 85 في المئة، وغالبا ما كانت أعمارهن تزيد عن 40 عاما.
وهناك عدة أسباب لربط السحر والشعوذة بالنساء. كان العصر ذكوريا بامتياز وكون النساء هن الطرف الأضعف شجع على استهدافهن، كما روج رجال الدين المتشددون بشكل عام أن الوظيفة الحصرية للنساء هي إنجاب الأطفال، وتربيتهم، وإدارة الحياة المنزلية، وتقديم نموذج للخضوع المسيحي لأزواجهن، وبالتالي أي خروج عن هذا الإطار، يمكن وضعه ضمن الممارسات الشيطانية.
فقد نظرت الكنيسة إلى السحر على أنه تعبير عن التمرد ضد الأعراف والمؤسسة الدينية، وربطت بينه وبين الخضوع للشيطان، ولكن بينما كانت لدى الرجال فرصة لمقاومة الغواية الشيطانية انطلاقا من امتلاكهم الوعي والعلم، فإن النساء “الجاهلات”، أكثر عرضة للاستسلام للإغراء وإبرام مواثيق “الإخلاص للشياطين”.
لطالما كان احتكار المعرفة من أدوات السيطرة، لذا كان رجال الكنيسة يدافعون عن مواقعهم كمالكين حصريين للحكمة والمعرفة بأنواعها، ومثلت النساء اللواتي كن خبيرات بأسرار العقاقير والأعشاب، وبارعات في استقراء ظواهر الطبيعة، تهديدا لا يمكن قبوله.
وبحسب الكتاب سيء السمعة “مطرقة الساحرات” الذي كتبه هاينريش كرامر، وهو أحد رجال الدين الكاثوليك الألمان عام 1486، ونُشر عام 1487، وينسب أيضا لجاكوب سبرنجر ، وهو بمثابة دليل لمطاردة الساحرات، فإن “افتقار النساء الملحوظ للذكاء” يجعلهن عرضة للخضوع للشياطين.
مكانس القش مقابل الخيول المسحورة
وبسبب هذا الخلل في ذكاء النساء، فهن أكثر ميلا إلى نبذ الإيمان. ومن خلال عيبهن الثاني المتمثل في الاستسلام للعواطف، يتمكن منهن جنون الانتقام، ويلجأن في تنفيذ ذلك إلى السحر. لذا، لا عجب أن يضم جنس النساء عددا كبيرا من الساحرات، حسب الكتاب.
وأحد التفسيرات أيضا، هو ما قدمه المؤرخ مايكل د. بايلي، وهو أنه في مرحلة ما خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، كان هناك مفهومين مختلفين للسحر، “الشائع”، وهذا لا يتطلب دراسة خاصة، ويرتبط عادة بالجنس والعقاقير الشافية.
والثاني “المكتسب”، وهو على نقيض الأول، وصل إلى أوروبا من الشرق، عبر “كتيبات سحر” تم تداولها في أوساط رجال متعلمين.
واللافت هنا، أنه وفقا لمخطوطات من تلك الفترة، فإن الرجال السحرة، كانوا يمتطون خيولا مسحورة تطير بهم، في حين امتطت الساحرات مكانس القش الطويلة.
ومن تفسيرات هذا، أن المكنسة نوع من محاولة إرجاع الساحرة إلى بيئتها الأساسية، وهي البيت، في حين يعتمد تفسير آخر على ربط علماء أنثروبولوجيا بين المكنسة وطقوس خصب وثنية.
ومع الوقت ارتبطت المكنسة في الخيال الشعبي برغبات الساحرات الجامحة، وممارستهنّ الجنس مع الشياطين، وهناك نظريات تقول أن هذه المكنسة هي الأساس، الذي استوحي منه العمود الذي تستخدمه راقصات التعري اليوم في عروضهن.
“منافسة السوق” وحرق الساحرات
تقدم دراسة أعدها بيتر ليسو، الخبير الاقتصادي في جامعة جورج ميسون، وجاكوب دبليو روس، الخبير الاقتصادي في شركة بلوم إنتليجنس، نظرية جديدة قائمة على ما أطلقا عليه اسم “منافسة السوق”، لوصف الصراع بين الكنيستين الكاثوليكية والبروستانتية في العصور الوسطى.
وترى هذه النظرية أن ارتفاع حدة الحرب على السحر والهرطقة، وتنامي أعداد الذين أحرقوا في القرن السادس عشر في ألمانيا خصوصا بتهمة السحر، وجلهم نساء، يأتي في إطار المنافسة على تقديم “خدمة الخلاص من الشيطان”.
فمطاردة السحرة هي “خدمة رئيسية” تتنافس فيها الكنيستان على “استرضاء الجماهير، من خلال إظهار البراعة في محاربة الشيطان”، كما يقول المؤلفان.
ووفقا لميسون، ودبليو روس، فعلى غرار الطريقة التي يسعى المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون في الحملات الانتخابية لكسب ولاء الناخبين المترددين في الولايات المتحدة، “ركز المسؤولون الكاثوليك والبروتستانت على محاكمة السحرة في ساحات المعارك الطائفية”.
لكن أساطير الساحرات، تسللت من جديد إلى العالم الحديث، ولها في كل عام حضور قوي في عيد الهالوين، الذي تتجمع فيه الأرواح والساحرات، وإن كان حضورها هذه المرة احتفاليا، ولا يخلو من الطرافة والمرح وسط مهرجان من الأزياء الغريبة والقبعات الطويلة المدببة والأقنعة المخيفة.
لكن ما لا يمكن إنكاره، هو أن هذا المهرجان الاحتفالي ككل، يتغذى أيضا من فكرة “منافسة السوق”، سواء بين شركات تصنيع الأزياء، أو بين العاملين في عالم الترفيه ومنظمي الاحتفالات، التي تتنافس على “تقديم خدمة” تحظى بإعجاب المستهلكين.
[ad_2]
Source link