قراءة التاروت: لماذا أصبحت العرافة سوقا تدر الملايين في العالم العربي؟
[ad_1]
- سلمى عمارة
- بي بي سي
عرفت قنوات وصفحات قراءة التاروت على مواقع التواصل الاجتماعي رواجا كبيرا، خلال السنوات الماضية، حتى أنها استحالت سوقا لملايين المستهلكين، ومصدر رزق يعتمد عليه الآلاف من قراء التاروت. فما سر جاذبية هذه الأوراق، التي ظهرت في أوروبا القرن الرابع عشر، واستُخدمت في العرافة، على نطاق واسع، قبل أن تتسلل إلى الثقافة العربية مؤخرا؟
أصل التاروت
يُعتقد أن أوراق التاروت ظهرت في إيطاليا، خلال القرن الرابع عشر الميلادي، كإحدى ألعاب الورق، وشاع استخدامها للعب في فرنسا وبريطانيا، قبل أن تشهد تصاميم حزم الأوراق تطورا كبيرا، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إثر الانفتاح على تأثير الثقافات والأديان الأسيوية والمصرية القديمة واليهودية والهندية.
ولا يُعرف، على وجه التحديد، متى استخدمت أوراق التاروت لأغراض العرافة، للمرة الأولى، ولا توجد أي أدلة موثقة على ذلك حتى بداية القرن الثامن عشر، غير أن الباحثة شريهان الأخرس، التي تحمل درجة الدكتوراه في الميثولوجيا والأدب المقارن من جامعة درم البريطانية، تقول إن الربط، الذي لا يقوم على أدلة تاريخية، بين أوراق التاروت والثقافات الشرقية، خلال القرن الثامن عشر، لعب دورا في تسويق تلك الأوراق وجذب الأوروبيين إليها وصفها “حاملة أسرار الحضارات القديمة وتمتلك قيمة روحانية”.
وفي حين رأى بعض من عكفوا على دراسة تلك الأوراق أنها تمثل سجِّلا ينطق بلغة الرموز والاستعارات ودلالاتها، ومرآة تكشف لهم ما يعتري النفس البشرية من حالات شعورية ورغبات، قال عنها رائد علم النفس التحليلي، كارل يونغ، إنها كانت بمثابة أداة التحليل النفسي في القرون الوسطى، غير أن الأخرس تفسر شعبية أوراق التاروت بالقول إن مكمن جاذبيتها يتمثل في”أنها تربط الخاص بالعام، لأنها تسقط الواقع الشخصي للأفراد على رموز تحمل دلالات عامة راسخة في الوعي الإنساني، فتُكسبها قدرة على رواية قصة ذات معنى ودلالات شخصية بالنسبة لهم”.
“دفعتُ الكثير من الأموال حتى وجدت القارئ المناسب”
بدأ اهتمام دعاء بالتاروت قبل أربع سنوات، حينما قدمت لها زميلتها في العمل قراءة خاصة، حملت نبؤات عن أحداث تقول إنها وقعت بعد مرور عامين على القراءة.
أصبحت دعاء متابعة لقنوات التاروت على يوتيوب، وبذلت الكثير من المال للحصول على قراءات خاصة، شعرت أن بعضها انطبق على واقع حالها بينما لم تجد نفسها في البعض الآخر، قبل أن تصبح زبونة مخلصة لدى أحد قراء التاروت، الذي قدّم لها قراءات خاصة، وجدت أنها “تصف حالتها النفسية والعاطفية وتتنبأ بأحداث اختبرتها بدقة قد تصل إلى نسبة 90 في المئة”.
وتبرر دعاء ذلك بالقول إن “طاقتها توافقت مع طاقة قارئ التاروت”، الذي غالبا ما يقدم لها نصائح وتحذيرات تعتمد عليها كلما جدّ عليها جديد في واقعها العملي والعاطفي، أو حيّرها سؤال لم تجد سبيلا للإجابة عليه.
وبالنظر إلى قنوات قراءة التاروت على موقع يوتيوب وما يصاحب بعضها من محال إليكترونية، خُصصت لشراء القراءات الخاصة، تتراوح أسعار القراءات الخاصة ما بين ما يقل عن 50 دولارا وما يزيد عن 200 دولار، ويعتمد ذلك على عدد الأسئلة التي يرغب طالب القراءة في الإجابة عليها. كما توفر بعض تلك المحال دورات إليكترونية لتعليم طرق قراءة التاروت للراغبين، قد تصل أسعارها إلى ما يجاوز 350 دولارا.
تدفع دعاء ما يقل عن 50 دولارا لقارئ التاروت، الذي تلجأ إليه “كل شهرين حينما تتغير طاقتها”، وتقول إنها حققت استفادة كبيرة؛ إذ تأمِّن لها النبؤات التي ترد في القراءات فرصة للاستعداد أو الحذر مما يطرأ على حياتها من أحداث وعلاقات.
توقعات ونصائح
يعتمد ميتشو، الذي يمتلك قناة لتقديم قراءات التاروت على يوتيوب، يتابعها نحو 200 ألف مشترك، بشكل كامل، على ما يتلقاه من طالبي القراءات الخاصة من أموال، لكنه يرى أن تركيز قارئ التاروت على الربح قد يحوله إلى دجّال يعمد إلى استغلال شغف الناس بمعرفة المستقبل، في حين أن ثمة مواصفات خاصة يجب أن تتوفر لدى قارئ التاروت، أبرزها “امتلاك معرفة جيدة برمزية الأوراق عبر دراستها، وكذلك بعلم النفس، فضلا عن امتلاك الحدس القوي والحساسية الروحانية والقدرة على التعاطف مع الآخرين والرغبة الحقيقية في مساعدتهم”.
ويلفت ميتشو إلى أن قراءة التاروت لا تقوم على تقديم توقعات بالأحداث المستقبلية بقدر ما تقوم على تقديم النصح للناس، ويبرر تزايد الإقبال على قراءة التاروت بالقول إن “غالبية من يلجأون إليَّ يعانون من مشاكل عاطفية، فالتواصل بين الناس بات مشكلة العصر”، ويلقي ميتشو باللائمة في ذلك على “مواقع التواصل الاجتماعي التي عززت قيم الادعاء والكذب وانتشار الشائعات؛ إذ غالبا ما يقدم مستخدمو تلك المواقع صورة زائفة عن أنفسهم”.
ويتابع: “انتشار الإباحية والعنف والزواج المبكر في العالم العربي عزّز من شيوع العلاقات الزائفة وصعوبة التواصل حتى بين أفراد الأسرة الواحدة”.
“قشّة الغريق”
واللافت أن تفسير ميتشو لا يبتعد كثيرا عن تفسير المختصة النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، لازدهار مهنة العرافة في العالم العربي؛ إذ ترى قصقص أن “شيوع أنماط العلاقات غير الصحية والمشاكل الأسرية والنفسية وغياب سبل الدعم الذاتي والمجتمعي في العالم العربي يعمّق لدى الأفراد الشعور بانعدام القدرة على تغيير واقعهم وتحقيق أمنياتهم، فيزداد لديهم الخوف من المستقبل والحاجة للاعتماد على الماورائيات لطمأنتهم ومنحهم الأمل في تحسن الأحوال”.
وتضيف قصقص أن طريقة التنشئة في المجتمعات العربية تزيد من فرص تكوين شخصيات أكثر قابلية للتأثر بالإيحاء وتفتقد الشعور بالأمان؛ إذ “يربي الأهالي، الذين يعانون من أثر الصدمات الجماعية التي أحدثها تاريخنا الحافل بالحروب والصراعات، أبناءهم على التمسك بالغيبي والتعلق بأي قشة أمل قد تنقذهم من الغرق في بحر الشعور بالإحباط والخيبة”.
وتلفت قصقص إلى أن المشتغلين بالعرافة والتنجيم غالبا ما يمتلكون قدرا من الفراسة والإلمام بمبادئ التحليل النفسي والقدرة على قراءة لغة الجسد، يؤهلهم للتأثير في من يلجأون إليهم.
لماذا صمدت العرافة في عصر التكنولوجيا؟
تلفت شريهان الأخرس، المختصة في الميثولوجيا والأدب المقارن، إلى أن كلمة خرافة يمكن إطلاقها على كل ما لا يستند إلى أدلة علمية تدعمه، وقد يندرج تحت ذلك القدر الكبير من القَصَص الديني أو المعتقدات والتقاليد التي يعتقد فيها الملايين، بالرغم من غياب الأدلة على صحتها وفاعليتها؛ ولذلك “فالمصطلح لا يتضمن أية إحالة لحكم أخلاقي على تلك الروايات بالكذب أو الزيف، وإنما يُعنى الباحثون بالميثولوجيا بوصفها طريقتنا لفهم العالم وتفسير ما استعصى فهمه من الظواهر عن طريق مقاربته عبر القصص والروايات التي تحمل معنى يقدم لنا إجابات عن الأسئلة التي تحتشد بها عقولنا”.
وفي تفسيرها لصمود العرافة، بوصفها ظاهرة إنسانية، منذ فجر التاريخ وحتى عصر الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، تقول الأخرس إن ثمة حاجة إنسانية لبناء القصص والروايات التي تقدم لنا تفسيرا لما استغلق علينا فهمه، ولذا فمن المنطقي أن تبقى الخرافة والميثولوجيا ما بقيت التجارب الإنسانية التي تنطوي على الألم والمعاناة؛ لأن “الأسطورة تعكس طريقتنا في مقاربة الواقع الصعب ووضعه ضمن سياق أكثر شمولية، يمكّننا من فهم الرحلة الإنسانية بما يعتريها من صعاب ومتناقضات، فهي تخلق لدينا نوعا من التصالح مع التجارب، بحلوها ومرها، وقد تعزز من قدرتنا على مواجهة الشعور بالخوف والذنب والألم”.
وبالعودة إلى أوراق التاروت، ترى الأخرس أن التاروت اكتسب وظيفة علاجية في الستينات، فثمة علماء يقولون إن “السحر ليس في الأوراق وإنما في التفاعل الإنساني بين قارئ التاروت وبين من يقرأ له الطالع، وكأي نوع من التفاعل الإنساني قد تتحول تلك الممارسة إلى ممارسة استهلاكية ودجل يدر الأموال على صاحبه ويخلو من أي قيمة روحانية أو علاجية”.
وتضيف الأخرس أن ثمة حاجة للنظر إلى الخرافة من منظور سيكولوجي، عوضا عن التوقف عند حدِّ التسفيه منها أو إهمالها لعدم استنادها على أدلة علمية.
وتدلل على ذلك بالقول إن “الرياضي الذي يتفاءل بارتداء حذاء معين قبل خوض مباراة صعبة يعرف أن ذلك ليس كافيا لجلب الفوز لكن تفاؤله به وإيمانه بارتباطه بالحظ السعيد قد يمنحه شعورا بالاطمئنان ويخفض معدلات القلق والتوتر لديه، على الرغم من أن تطوير مهاراته الرياضية يبدو الخيار الأكثر منطقية لتحقيق الفوز”، ولذا لا يمكن إهمال تأثير هذه المعتقدات والممارسات على الإنسان.
وتختم الأخرس بالقول إن “ما يُعتبر مثار قلق في رواج هذا النوع من العرافة هو أنها صارت متاحة وعلى بعد ضغطة زر منا، وقد يتحول اللجوء إليها إلى هاجس مسيطر وممارسة إدمانية تؤثر بشكل سلبي على حياتنا”.
[ad_2]
Source link