أفغانستان تحت حكم طالبان: قاضيات مختبئات أو هاربات، ومجرمون طلقاء يهددونهن
[ad_1]
- كلير برس
- بي بي سي- الخدمة العالمية
بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، اضطرت مئات القاضيات إلى الفرار من بيوتهن والاختباء خوفاً على حياتهن، فقد فتحت طالبان أبواب السجون في أنحاء البلاد، وأطلقت سراح المجرمين الذين حكمت القاضيات ذات يوم بحبسهم، وهاهم الآن يتعقبون القاضيات، ويهددونهن بالقتل.
وحاولت القاضيات مغادرة البلاد إلى أي بلد آمن، ومن بينهم 26 قاضية تمكنّ من الوصول إلى اليونان، وقد سافرت بي بي سي إلى هناك لمقابلتهن. وحفاظا على سلامتهن، اضطررنا إلى إعطائهن أسماءا مستعارة.
تحدثنا القاضية سناء عن ليلة انطلاقها في رحلة الخروج من أفغانستان، وتقول إنها تلقت اتصالا هاتفيا قرب منتصف الليل، وكان الوقت قد حان للمغادرة.
خرجت إلى الشارع، وقد غطت نفسها بالكامل بـ (شادور) أسود طويل، وكان طفلاها الصغيران بجانبها. كل منهما يحمل حقيبة واحدة، تحتوي على غيارين من الملابس وجواز سفر، وهاتف، وبعض النقود، وما تمكنوا من حمله من طعام ليكفيهم خلال الرحلة.
تتذكر سناء تلك الليلة قائلة “عندما غادرنا، لم نكن نعرف إلى أين نتجه، قيل لنا إنه ستكون هناك مخاطر أمنية في الطريق، لكننا قبلنا بكل شيء، لأننا كنا نعلم أن ذلك هو السبيل الوحيد للخروج”.
قبل أن تدخل سناء السيارة التي جاءت لأخذها مع طفليها. ألقت نظرة على المدينة التي ولدت وترعرعت فيها وكونت فيها عائلتها الخاصة. هل سينجون الآن وقد وضعوا مصيرهم في أيدي الغرباء الذين ينسقون جهود الإجلاء؟ لم يكن لديها أي فكرة عن وجهتهم، لكنها كانت على يقين بأن بقاءهم مستحيل.
تقول “كانت أسوأ لحظة في حياتي، عندما نظرت إلى طفليّ ونحن نهم بالمغادرة. كنت يائسة للغاية. وتساءلت عما إذا كنت فعلا سأتمكن من إخراجهما سالمين من أفغانستان”.
عانت سناء من الخوف خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت خروجها، وكانت مطاردة من قبل الرجال الذين سبق أن حكمت عليهم بالسجن لارتكابهم جرائم عنف ضد النساء. كما تقول، فبينما كان مقاتلو طالبان يبسطون سيطرتهم على البلاد، كانوا يفتحون أبواب السجون ويطلقون آلاف المجرمين للانتقام ممن احتجزوهم.
تشير سناء إلى أنها كانت تعمل في محكمة و”تعاملت مع العديد من الجرائم المختلفة، بما في ذلك القتل وحالات انتحار واغتصاب وجرائم معقدة أخرى. وكانت العقوبات التي حكمت بها طويلة وخطيرة”.
وتضيف “لكن بعد إطلاق سراح المجرمين جميعهم، تلقينا تهديدات من كل منهم: سنقتلك إذا وجدناك”.
وكان تحقيق أجرته بي بي سي مؤخرا كشف أن أكثر من 220 قاضية يعشن في مخابئ سرية داخل أفغانستان خشية الانتقام في ظل حكم طالبان. والعديد منهن قلن من مخابئهن، إنهن كن يتلقين تهديدات يومية بالقتل.
وردا على هذه الاتهامات، قال بلال كريمي، سكرتير المتحدث باسم طالبان، لبي بي سي “يجب أن تعيش القاضيات مثل أي أسرة أفغانية أخرى من دون خوف. ينبغي أن لا يهددهن أحد. وحداتنا العسكرية الخاصة ملزمة بالتحقيق في مثل هذه الشكاوى، والتصرف في حال وجود أي انتهاك”.
كما كرر كريمي وعد طالبان بمنح “عفو عام” لجميع موظفي الحكومة السابقة في أنحاء أفغانستان.
لكن سناء تصف ما عاشته خلال الشهور الأخيرة بأنه كان “كابوسا حيا”.
وتقول “كنا نغير أماكننا كل يومين أو ثلاثة، وننتقل من الشارع، ومن ملجأ آمن إلى آخر، ومن فندق إلى آخر، لم نتمكن من العودة إلى بيتنا. وكان منزلنا قد تعرض للمداهمة”.
الهروب من الديار
بعد أن استقلوا السيارة، واصلت سناء وعائلتها المرحلة التالية من رحلتهم البرية. وتقول إنهم سافروا عبر الصحراء لأكثر من 10 ساعات، ولم يناموا خلالها على الإطلاق. كل نصف ساعة أو نحوها، كانوا يصلون إلى نقطة تفتيش تابعة لطالبان حيث يقوم رجال مسلحون بتفتيش المسافرين.
كانت تحتضن طفلها الصغير بين ذراعيها طوال الطريق. ولم تكن تظن أنهم سيخرجون من أفغانستان على قيد الحياة.
تطفر دموع من عينيها وهي تقول “لو علموا أنني كنت قاضية، لقتلونا على الفور”. كانت سناء تحكم في كثير من الأحيان في قضايا أقدمت فيها نساء على الانتحار بسبب سوء معاملة أزواجهن.
وتقول “كنت أتساءل دائما ما هي النقطة التي تجعل المرأة بعدها تختار الموت؟ ولكن عندما بدأت أفقد الأمل، وصلت إلى تلك النقطة. كنت على استعداد لأن أقتل نفسي.”
بعد أن عبروا الصحراء بأمان، أمضت سناء وطفليها أكثر من أسبوع في مخبأ، إلى أن تم نقلهم أخيراً إلى مهبط طائرات.
وتقول إنه حين أقلعت الطائرة، كانت عيون جميع الموجودين مغرورقة بالدموع. لقد تمكنوا أخيرا من الخروج.
ملجأ مؤقت
بعد وصولهن إلى أثينا، خضعت القاضيات الـ 26 وأفراد أسرهن لاختبار فيروس كورونا، قبل أن يتم نقلهم إلى شقق سكنية مختلفة متوزعة في أنحاء المدينة. وبموجب نظام التأشيرات المؤقتة، فقد كان الطعام والمأوى مكفولين بالنسبة للقاضيات وعائلاتهن لمدة 14 يوما من قبل السلطات اليونانية بالتعاون مع مؤسسات خيرية مختلفة.
ولكن ما سيحدث بعد انقضاء الأسبوعين، فكان غير معروف، ونُصحت القاضيات بمباشرة إجراءات تقديم طلب لجوء إلى بلد ثالث.
من بين اللواتي قدمن طلبات لجوء إلى المملكة المتحدة، القاضية أسماء. ومع خبرة أكثر من 25 عاما في سلك القضاء في أفغانستان، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها للفرار بسبب طالبان.
عندما استولت الحركة المتشددة على السلطة عقب انسحاب الجيش السوفيتي عام 1996، فرت أسماء وعائلتها عبر الحدود إلى خارج أفغانستان.
وهي تقول “هذه هي المرة الثانية التي نشهد فيها استيلاء طالبان على السلطة. كنت قاضية عندما وصلوا إلى السلطة للمرة الأولى”. وتضيف “في ذلك الحين أيضا، كانت القاضيات أول المطرودين من المجتمع”.
ومع وصول قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو عام 2001، عادت أسماء إلى الوطن، واستأنفت عملها كقاضية. إلى أن بدأ التاريخ يعيد نفسه قبل نحو شهرين.
سناء أيضا شهدت سابقا وصول طالبان إلى السلطة. كانت قد تخرجت للتو من كلية الحقوق عندما بسطوا سيطرتهم على البلاد في التسعينيات. وتقول إنها أُجبرت على ملازمة المنزل لخمس سنوات والتخلي عن فكرة العمل.
وتؤكد “أن تصبح المرأة قاضية، هو بحد ذاته معركة كبيرة. فأولا يتعين عليها إقناع عائلتها بالسماح لها بالدراسة. وبعدها، حتى عندما تذهب إلى الجامعة وتحصل على وظيفة، سيكون عليها إثبات نفسها في كل خطوة”.
وتضيف “لكن هناك حاجة إلى قاضيات في أفغانستان لفهم الألم الذي تعيشه النساء. وكما أن الطبيب مطلوب لعلاج المرضى، يمكن للقاضية أن تفهم المصاعب التي تواجهها النساء وتساهم في حل مشكلة عدم المساواة”.
وتوضح سناء “بالنسبة للنساء، هناك عار مرتبط حتى بالإبلاغ عن جريمة. لكن الاحتمال أكبر في أن تدعم العائلات الإناث في حال وجود قاضية”.
ما تركنه خلفهن
تقلب سناء الصور الموجودة على هاتفها النقال وهي داخل شقتها الصغيرة المؤقتة في اليونان، وترينا صورة منزل عائلتها البعيد، وتقول بفخر إنه ملك قانوني لها، وليس لزوجها.
بعد إجلائهم من أفغانستان، استولى أحد كبار عناصر طالبان على المنزل. وهو يعيش الآن في منزلها، ويقود سيارتها، ويمتلك كل متعلقاتها.
بالنسبة للقاضيات اللواتي يعشن الآن في الشتات، نادرا ما تكون الأخبار الواردة من الوطن إيجابية. في إحدى المجموعات العديدة على تطبيق واتساب، تتم مشاركة صورة مجمعة من وجوه عديدة، كل وجه منها لمدع عام سابق يقال إنه اغتيل خلال الـ 48 ساعة الماضية على يد أحد المجرمين الذين أطلقت طالبان سراحهم من السجن.
ومن بين القاضيات اللواتي تمكنّ من الوصول إلى اليونان، كانت الأصغر سناً هنّ الأكثر معاناة وتأثرا بسبب ما أجبرن على تركه وراءهن.
نرجس، وهي قاضية شابة، عملت لأقل من خمس سنوات في محكمة خاصة بالأسرة في منطقة ريفية قبل استيلاء طالبان على السلطة. وعاشت خلال كامل فترة دراستها الجامعية ومسيرتها المهنية في ظل حكومة أفغانية مدعومة من الولايات المتحدة.
وتقول نرجس “بوجود طالبان في السلطة، سيكون من المستحيل على المرأة أن تتقدم وتحافظ على كل ما حققته خلال العشرين عاماً الماضية”.
أما القاضيات الأكبر سنا، اللواتي لم يكن شاهدات على فترة صعود طالبان فحسب، وإنما اندحارها وخسارتها أيضا، فقد كان لديهن بعض الأمل.
تقول أسماء “نساء أفغانستان لسن اليوم كما كن قبل عشرين عاما. انظروا إلى النساء اللواتي خرجن في احتجاجات في الأيام الأولى لوصول طالبان، وطالبن بحقوقهن، وطالبن بحقهن بالتعليم”.
وتضيف “حتى الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن سهلاً. لكن اليوم كل بنات بلدنا واعيات”.
سناء أيضا، لديها بارقة الأمل الخاصة بها، وهي تقول إن القوانين التي ساعدت هي وزميلاتها القاضيات في صياغتها لا يمكن حذفها من التاريخ ببساطة. قد تتجاهلها طالبان، ولكن لا يمكن محوها. فالبحث عنها ممكن، وكذلك مشاركتها، إنها سجل لما حقق من إنجازات.
وتشير سناء إلى مواد بعينها من الدستور. المادة 22: يتمتع جميع مواطني أفغانستان، رجال ونساء، بحقوق متساوية. المادة 43: التعليم حق لجميع مواطني أفغانستان. المادة 48: العمل حق لكل أفغاني.
وقد ساهمت سناء في صياغة مسودة “قانون القضاء على العنف ضد المرأة”، والذي تم إقراره عام 2009 وأصبحت بموجبه المادة 22 تنص على أن الانتهاكات بحق النساء جرائم يحاسب عليها القانون، ويتضمن ذلك الاغتصاب والضرب والزواج القسري ومنع النساء من حيازة الممتلكات ومنع المرأة أو الفتاة من الذهاب إلى المدرسة أو العمل.
لكن الوضع مختلف حاليا، فقد أصدرت طالبان مرسوماً يقضي ببقاء جميع النساء العاملات والطالبات في المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة أو العمل إلى أن يتم اعتبار جميع أماكن العمل وبيئات التعلم “آمنة”. ورغم أن حكومة طالبان قالت إن الإجراء مؤقت، لكنها لم تحدد بعد جدولاً زمنياً للوقت الذي سيتغير فيه الوضع.
وكان كريمي عند سؤاله عما إذا كانت المرأة في المستقبل ستشغل مناصب بارزة، مثل قاضية أو وزيرة، قال لبي بي سي، إنه لا يمكنه التعليق، لأن “ظروف العمل والفرص المتاحة للمرأة لا تزال قيد المناقشة”.
ومن مأواها المؤقت الجديد في اليونان، ترى سناء أن بلادها تعيش ظلما وسقوطا فادحا للعدالة، وتقول “في هذه الأيام، النساء حبيسات بيوتهن، والمجرمون الذين وضعتهم في السجن، أحرار طلقاء”.
لكنها تعهدت بمواصلة محاربة هذا الظلم، وإن من خارج بلادها، و”دعم كل امرأة أفغانية”.
وتختتم حديثها معنا بالقول “أفغانستان ليست ملك طالبان، أو ملك أي جماعة أخرى. إنها لكل الأفغان”.
[ad_2]
Source link