مظاهرات 21 أكتوبر في السودان: ما المغزى من اختيار هذا التاريخ لمظاهرات دعم الحكم المدني؟
[ad_1]
خرج مئات الآلاف من السودانيين في العاصمة الخرطوم وغيرها من مدن البلاد في احتجاجات للمطالبة بالتحول الديموقراطي وتسليم السلطة للمدنيين، في وقت توافد فيه المئات للانضمام للاعتصام المستمر منذ أيام أمام القصر الجمهوري والذي يطالب بحل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتسليم السلطة للجيش.
وجاءت الدعوة للخروج في مسيرات “مليونية” دعماً للانتقال للحكم المدني من قبل أحزاب سياسية وتيارات نقابية مثل تجمع المهنيين السودانيين وما يعرف بلجان المقاومة التي برزت خلال الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019.
ولم يأت اختيار يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول لخروج التظاهرات بشكل عفوي. فقد شهد السودان في هذا اليوم قبل 57 عاماً ثورة أطاحت بالحكم العسكري في البلاد.
فما هي قصة ثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول عام 1964 في السودان؟
تعد تلك الثورة أول ثورة شعبية تطيح بالحكم العسكري في العالم العربي.
وتعود جذور هذه الثورة إلى يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 1955، عندما اجتمع البرلمان السوداني ليعلن اسماعيل الأزهري زعيم الحزب الديمقراطي الاتحادي من داخل القبة استقلال السودان، وفي الأول من يناير/كانون الثاني من عام 1956 رفع اسماعيل الأزهري مع زعيم المعارضة حينها محمد أحمد المحجوب علم الاستقلال على سارية البرلمان.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن انتصار الديمقراطية الليبرالية في السودان لم يدم طويلا.
في البداية كانت الحكومة البرلمانية تحظى بتقدير كبير كرمز للقومية والاستقلال.
لكن لم يكن البرلمان فعالا، فقد تم إدخاله إلى السودان في الوقت الذي كانت فيه النماذج البرلمانية تختفي بسرعة من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط.
ولم تكن الأحزاب السياسية مجموعات جيدة التنظيم وذات أهداف مميزة، بل كانت تحالفات فضفاضة مدفوعة بشكل أساسي بالمصالح الشخصية والولاءات لمختلف الفصائل الدينية.
انقلاب عبود
وعندما استنفدت تكتيكات إدارة الأحزاب بات البرلمان فاقدا المعنى، ولم يستفد منه سوى السياسيين الذين حصدوا ثمار السلطة والمحسوبية.
وإثر خيبة الأمل من تجربتهم الديمقراطية الليبرالية، عاد السودانيون مرة أخرى إلى الاستبداد. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
ففي ليلة 16-17 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1958، قام الفريق ابراهيم عبود القائد العام للجيش السوداني بانقلاب غير دموي، وحل جميع الأحزاب السياسية، ومنع التجمعات، وأوقف صدور الصحف مؤقتا.
كما تم إنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة يتألف من 12 عضواً من كبار الضباط، وحقق حكم الجيش تحسينات اقتصادية سريعة.
وقد ألغت حكومة عبود على الفور السعر الثابت للقطن وباعت كل القطن السوداني، وأعادت بناء احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1959، أبرمت الحكومة اتفاقا مع مصر بشأن مياه النيل.
مشكلة الجنوب
في جنوب السودان، كانت سياسات عبود أقل نجاحا. فباسم الوحدة الوطنية، أدخل ضباط الجيش العديد من الإجراءات التي تهدف إلى تسهيل انتشار الإسلام واللغة العربية.
وشغل السودانيون الشماليون مناصب مهمة في الإدارة والشرطة كما تم تحويل التعليم من منهج اللغة الإنجليزية للمبشرين المسيحيين، الذين طالما كانوا مسؤولين وحدهم عن التعليم في الجنوب، إلى منهج عربي إسلامي، وتم طرد المبشرين المسيحيين الأجانب بين عامي 1962 و 1964.
وقد واجهت إجراءات الحكومة المركزية في جنوب السودان مقاومة متزايدة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1962، أدى إضراب واسع النطاق في المدارس الجنوبية إلى مظاهرات مناهضة للحكومة أعقبها هروب عام للطلاب وغيرهم عبر الحدود.
وفي سبتمبر/أيلول من عام 1963 اندلع تمرد في شرق الولاية الاستوائية وفي منطقة أعلى النيل، بقيادة أنيا نيا، وهي منظمة حرب عصابات في جنوب السودان كانت تؤمن أن المقاومة العنيفة هي وحدها التي ستجعل حكومة الفريق عبود يوافق على حل مقبول للجنوبيين. وفي المقابل زاد القادة العسكريون في الخرطوم من عمليات القمع.
وقد استغل المثقفون في الشمال فشل الحكومة هناك لمهاجمة الحكم الاستبدادي وإحياء المطالبات بحكومة ديمقراطية.
وبحلول عام 1962، أصبحت العديد من العناصر الحضرية، بما في ذلك المثقفون، والنقابات العمالية، والخدمة المدنية، وكذلك التنظيمات الدينية القوية، معزولين عن النظام العسكري، وعلاوة على ذلك، باتت الجماهير القبلية والبروليتاريا المتنامية لامبالين بالحكومة.
ثورة 1964
وفي النهاية، أٌطيح بالنظام كرد فعل على تقاعسه تجاه مشكلة الجنوب.
ففي 21 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964، عقد طلاب جامعة الخرطوم مؤتمرا، في تحد للحظر الحكومي، من أجل إدانة عمل الحكومة في جنوب السودان والتنديد بالنظام.
وقد وقعت مناوشات بين الطلبة والأمن أسفرت عن مصرع الطالب أحمد القرشي فانتشرت المظاهرات ضد النظام.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، خرجت مظاهرة حاشدة في جنازة أحمد القرشي.
وحضر الجنازة أكثر من 30 ألف متظاهر بقيادة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. ورددت المتظاهرون شعارات مناهضة للحكومة، كما قدم أعضاء هيئة التدريس في الجامعة السودانية استقالاتهم ، قائلين إنهم لن يقوموا بسحبها إلا في حال انتهى النظام العسكري وتم تشكيل حكومة دستورية من شأنها حماية استقلال الجامعة.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر حزب الأمة في السودان بيانا شجب فيه السياسة الاقتصادية للنظام وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، وطالب بدستور ديمقراطي.
استمرت المظاهرات الطلابية وامتدت إلى مدن أخرى ، بما في ذلك أم درمان وجوبا وبورسودان بحلول 24 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي اليوم ذاته، حاولت مجموعة من المهنيين بقيادة المحامين تقديم التماس ضد الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الحكومة لعبود، لكن لم يُسمح للمهنيين بالمضي قدما.
وقبل أن يتفرق الناس أعلنوا إضرابا عاما.
ومع وجود معظم قواته في جنوب السودان، لم يكن النظام العسكري قادرا على الحفاظ على سيطرته.
وفي يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964 صدر بيان عن مجموعة من ضباط الجيش أطلقوا على أنفسهم “الضباط الأحرار” يعلنون فيه انضمامهم للشعب من أجل استعادة الديمقراطية والدستور.
وقد بادر الفريق عبود ابراهيم عبود إلى الدعوة لإجراء حوار وطني دون شروط وتشكيل حكومة جديدة يكون هو جزء منها، وتم تشكيل حكومة جديدة في 30 أكتوبر/تشرين الأول برئاسة مساعد وزير التربية والتعليم سر الختم الخليفة.
ولكن المؤسسة العسكرية السودانية قامت باعتقال الضباط الذين كتبوا بيان الضباط الأحرار، فتظاهر الناس تضامنا معهم، وسرعان ما انتشرت الاضطرابات ولم يستطع الفريق عبود مواجهتها.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1964 أي بعد 3 أسابيع فقط من اشتعال الثورة، وجد الفريق ابراهيم عبود نفسه مرغما على تقديم استقالته وتسليم السلطة للمدنيين، وهكذا عاد الجيش السوداني إلى ثكناته، وتم تعيين حكومة انتقالية للعمل بموجب الدستور المؤقت لعام 1956.
بعد الثورة
وتحت قيادة سر الخاتم الخليفة، أجرت الحكومة الانتقالية انتخابات في أبريل/نيسان ومايو/آيار من عام 1965 لتشكيل حكومة نيابية.
وتم تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة سياسي حزب الأمة البارز محمد أحمد المحجوب في يونيو/حزيران من عام 1965.
وكما حدث في السابق، اتسمت الحكومة النيابية بالخلافات بين مكوناتها.
فمن ناحية، كان محجوب يتمتع بدعم التقليديين داخل حزب الأمة ويمثلهم الإمام الهادي، الخليفة الروحي للمهدي، ومن ناحية أخرى واجهه الشاب الصادق المهدي، حفيد المهدي، الذي قاد القوى الأكثر تقدمية داخل الحزب.
وقد فشل البرلمان في إيجاد أهداف مشتركة للتعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والدستورية في السودان.
وعلاوة على ذلك، سرعان ما تلاشت الآمال التي أعربت عنها الحكومة الانتقالية في التعاون مع الجنوبيين، واستمر الصراع في الجنوب مع أمل ضئيل في الحل.
عسكري..مدني..عسكري
وفي 25 مايو/آيار من عام 1969استولت مجموعة من الضباط الشباب بقيادة العقيد جعفر النميري على السلطة.
وظل النميري في الحكم طيلة 16 عاما تخللتها محاولات انقلابية فاشلة، لتنتهي فترة حكمه بانتفاضة جماهيرية واسعة استجاب لها وزير الدفاع آنذاك المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي أعلن تنحية النميري واستلام الجيش للسلطة في 6 أبريل/نيسان من 1985، ولفترة انتقالية لمدة عام.
وقد نفذ سوار الذهب وعده وسلم السلطة بعد عام لحكومة منتخبة ترأسها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي.
وفي 30 يونيو/ حزيران من عام 1989 قاد الفريق عمر البشير انقلابا عسكريا ضد حكومة الصادق المهدي.
وأسفر الانقلاب عن تولي البشير رئيس مجلس قيادة “ثورة الإنقاذ الوطني”، ثم أصبح خلال العام ذاته رئيسا للبلاد.
وقد أُزيح البشير عن السلطة في 11 من أبريل/ نيسان من عام 2019، من جانب الجيش الذي أعلن دعمه لانتفاضة شعبية استمرت شهورا، احتجاجا على غلاء الأسعار وتردي الأحوال الاقتصادية في البلاد.
وأودع الرئيس المعزول في سجن كوبر شمالي الخرطوم في اليوم ذاته، وذلك بعد نحو ثلاثة عقود قضاها في حكم البلاد.
ويواجه البشير تهما أخرى فضلا عن تدبير انقلاب جبهة الانقاذ، ومنها: قتل عدد من الضباط عام 1990، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وأخيرا تهم تتعلق بالفساد واستغلال السلطة والتجارة في النقد الأجنبي.
والآن يخرج السودانيون مرة أخرى إلى الشوارع بعد عامين ونصف من الإطاحة بحكم البشير، لكنهم منقسمون بين من يناصر الجيش ويريد منه تولي إدارة البلاد ومن يطالب بالانتقال إلى الحكم المدني.
أبرز المحطات الزمنية في تاريخ السودان
- 1821 – احتلت الإمبراطورية العثمانية الجزء الشمالي من البلاد.
- 1899-1955 – السودان تحت الحكم البريطاني المصري المشترك.
- 1956 – استقلال السودان.
- 1983 – الرئيس النميري يدخل الشريعة الإسلامية.
- 2003 – بدء الصراع في إقليم دارفور.
- 2009 – المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتعلق بالصراع الذي طال أمده في دارفور.
- 2011 – جنوب السودان يحصل على الاستقلال بعد سنوات من الحرب مع الحكومة المركزية في الخرطوم.
- 2019 – الجيش يطيح بالرئيس البشير بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه.
[ad_2]
Source link