ليلى مصطفى: تعرف على الفائزة بجائزة “عمدة العالم” الدولية، صاحبة المهمة الأصعب في سوريا
[ad_1]
- هيفار حسن
- بي بي سي عربي
مرّت أربع سنوات على تحرير مدينة الرقة السورية، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، التي اتخذها تنظيم ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” عاصمة للخلافة المزعومة، والتي كان جلّ ضحاياها من النساء، لما تعرضن له من سبي، وفرض النقاب، وحصر عملهن في المهام المنزلية، ورعاية الزوج والأطفال.
أما المفارقة، فهي أن ليلى مصطفى، ابنة نفس المدينة، تفوز بجائزة “عمدة العالم” الدولية لعام 2021، التي تقدمها مؤسسة “سيتي مايرز” إلى أبرز رؤساء بلديات العالم المميزين، الذين خدموا مواطنيهم بنزاهة وعدالة ومساواة في وقت يواجه فيه العالم أخطر مشكلتين وهما تغير المناخ وتفشي فيروس كورونا، وتضاف إليهما بالنسبة لسوريا، الحرب الأهلية التي دمرت معظم مدنها.
من هي هذه الشابة؟
المهندسة المدنية ليلى مصطفى، هي شابة كردية من مواليد مدينة الرقة، تبلغ من العمر 34 عاماً، وهي حالياً الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني في شمال شرقي سوريا، منذ أن تحررت الرقة من براثن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2017، على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.
ويعمل حالياً تحت قيادتها آلاف من الرجال والنساء، جنباً إلى جنب، لإعادة بناء ما دمرته الحرب. ويعتبر المجلس واحداً من هيئات إقليمية عديدة أسستها قوات سوريا الديمقراطية.
ولجهودها الحثيثة في إعادة إعمار مدينة الرقة، التي اتخذها ذات يوم، تنظيم الدولة، عاصمة للخلافة الإسلامية، المزعومة والتي دُمرت بشكل كامل تقريباً، مُنحت مصطفى، الجائزة تقديراً لتفانيها وإخلاصها وإصرارها على إعادة إعمار المدينة، التي زرع فيها مسلحو التنظيم ألغاماً في كل زاوية وشارع وحي.
ويتناول مشروع “عمدة العالم”، الذي بدأ منذ عام 2004، موضوعات مختلفة كل عامين. ففي عام 2016، ركز على أزمة اللاجئين، تلاه في عام 2018، نقص تمثيل المرأة في المناصب الإدارية المحلية، وفي هذا العام، تناول وضع المدن أثناء جائحة كورونا.
ومُنحت الجائزة هذا العام لتسعة رؤساء بلديات من دول مختلفة حول العالم، وكانت ليلى مصطفى، هي المرأة الوحيدة من بينهم وصاحبة المهمة الأصعب، التي أخذت على عاتقها مهمة إعادة إعمار مدينة لم يبقَ منها سوى الحطام.
تحدثتُ مع هذه الشابة لتسليط الضوء على تجربتها في مواجهة التحديات والصعوبات، في مدينة يغلب عليها الطابع العشائري والمجتمع المحافظ، الذي لم يعتد على إدارة المدينة من قبل امرأة من جهة، ووجود الكثير من الألغام المزروعة والخلايا النائمة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في المدينة من جهة أخرى.
بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”
كان قد فرّ مئات الآلاف من أبناء الرقة من المدينة، بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها في عام 2014، وإعلانها عاصمة للخلافة الإسلامية المزعومة.
وتراجع عدد السكان في المدينة بحسب تقديرات الخبراء آنذاك إلى أقل من 200 ألف نسمة، هرب من استطاع السبيل إلى ذلك وحوصر الباقون في الداخل ليواجهوا مصيرهم، في ظل نظام اتبع ممارسات وأساليب وحشية بحق أبناء المدينة المخالفين لنظامه، مثل عقوبات قطع الأيدي والأعناق والرجم حتى الموت، وغيرها من أساليب القتل والتعذيب.
وبعد تحرير المدينة من قبضتهم في أكتوبر/تشرين الأول 2017، تولت ليلى مصطفى، منصب الرئاسة المشتركة لمجلس الرقة المدني – وهو مجلس تم تأسيسه من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي- بهدف عودة الحياة إليها مجدداً وإعادة إعمار المدينة.
وتقول مصطفى لبي بي سي عربي، إن مجلس الرقة المدني هو جزء من مشروع الإدارة الذاتية (أطلق الأكراد هذا المشروع في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال شرقي سوريا).
وتضيف: “تم اختياري كرئيسة مشتركة لمجلس الرقة المدني في الاجتماع التأسيسي الذي انعقد في عام 2017، وبموافقة الحاضرين الذين زاد عددهم عن 120 عضواً من مختلف مكونات وشرائح وشيوخ ووجهاء الرقة، وتمت إعادة الهيكلة بعدها مرتين” .
تناوب ما يزيد عن ثلاثة رجال من أبناء مدينة الرقة، إلى جانب ليلى في الرئاسة المشتركة للمجلس، ولكنها ظلت هي العضو الثابت فيه منذ تأسيسه.
وقد سعت مصطفى إلى إنشاء فسيفساء من العلاقات التي تجمع وتربط المجتمعات المتنوعة في المدينة، للعمل يداً بيد على إعادة الحياة للمدينة التي معظم سكانها من العرب ونسبة أقل من الأكراد والمسيحيين والسريان.
“ملاذ آمن بعد أن كانت سجناً قاتماً”
عقب سيطرة التنظيم على المدينة، لم يبقَ من البنية التحتية للمدينة أي شيء، لا كهرباء ولا مياه جارية ولا أي خدمات عامة أخرى، مع وجود عدد قليل من الخدمات الصحية.
وبحلول عام 2020، كان متحف الرقة، الذي يعتبر رمزاً للتراث الثقافي والديني والتاريخي المتنوع للمدينة، قد أعيد ترميمه كرمز لإعادة انبعاثها من جديد.
تقول مصطفى: “رغم الإمكانات المحدودة وضعف الموارد المتاحة، حققنا العديد من الإنجازات بفضل تكاتف أبناء المنطقة ككل، وقمنا بوضع الخطط والبرامج بما يتناسب مع كل مرحلة”.
وتضيف: “إذا أردنا المقارنة مع حجم الدمارالذي تعرضت له الرقة الذي وصلت نسبته إلى 95 في المئة، ومع شكل المدينة اليوم، سنلاحظ أننا حققنا الكثير من الأعمال والإنجازات في زمن قياسي، حيث تعتبر الرقة اليوم، مركزاً وملاذاً لكل السوريين من مختلف المحافظات والمدن السورية، بعد أن حولها تنظيم الدولة إلى سجن قاتم لسكانها”.
تم تنفيذ المشاريع من إمدادات الكهرباء والمياه وغيرها من البنى التحتية مثل بناء المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية، بشكل تدريجي. وما زال العمل في ترميم المنازل والشوارع والخدمات الأخرى قيد التنفيذ.
ومن المشاريع التي تم تنفيذها حتى الآن، “تأهيل جسر الرقة القديم إلى جانب عدد من الجسور الفرعية الأخرى، وتفعيل ما يزيد عن 390 مدرسة، وإعادة تفعيل أكثر من 25 مركزا صحيا و10 مستشفيات خاصة وعامة و تأهيل 8 محطات كهرباء، و30 محطة مياه شرب و27 محطة ري، إلى جانب تهيئة الظروف الملائمة للقطاع الخاص لافتتاح ما يقرب من 70 مصنعا، وتأهيل وصيانة ما يقرب من 12 حديقة، وغيرها الكثير من المشاريع الخدمية الأساسية في المدينة”.
وتقول ليلى إن هذا دليل على مدى التطور الذي تشهده الرقة سواء من الناحية التعليمية أو الخدمية أو الصحية أو الاقتصادية”.
وارتفع عدد السكان مجدداً ليصل إلى حوالي المليون نسمة، من ضمنهم النازحين الجدد إليها، بحسب السلطات المحلية.
واستطاعت مصطفى نيل ثقة واحترام سكان المدينة بسبب عملها المتواصل من أجل تمكين الأشخاص من كافة الخلفيات الاجتماعية والثقافية، لإعادة الحياة إلى المدينة من جديد.
مشروع الإدارة الذاتية والمرأة
مثلها مثل أصحاب مشروع الإدارة الذاتية الذي يُطبق من قبل الأكراد في شمال شرقي البلاد، تأمل ليلى مصطفى أن تصبح الرقة نموذجاً يحتذى به في جميع أنحاء البلاد، وخاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين في جميع قطاعات ومجالات الحياة.
ولم تكن المهمة التي أخذتها الشابة على عاتقها مهمة سهلة، إذ كانت ولا تزال البيئة التي تعمل فيها، تفضل القيم والعادات القبلية التي تولي أهمية كبيرة إلى وجهاء العشائر.
وكشابة كردية تدير مجلس هذه المدينة، ألهمت ليلى العديد من نساء المنطقة باختلاف خلفياتهن للعب دورهن في بناء المجتمع والمدينة، فإخلاصها لعملها وقدرتها على التواصل مع سكانها باستمرار، جعل منها قائدة بارزة تحظى بالاحترام بالفعل.
وأوضحت ليلى أن نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب مهمة ووظائف إدارية في المجلس، بلغت 40 في المئة، وهي نسبة عالية جداً، لا تُطبق سوى في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد.
“تعداد العاملين في مجلس الرقة المدني حالياً يقرب 10500 موظف من بينهم 4080 امرأة يعملن في مختلف مؤسسات وقطاعات المدينة، أما عن عددهن في مناطق الإدارة المدنية الديمقراطية في الرقة ككل، فيتجاوز 7000 امرأة في جميع المؤسسات، وهذا دليل على العدالة والمساواة التي نسعى إليها دائماً”.
وعن الدعم والمساعدات المالية التي تلقوها، تقول مصطفى، إنه بالرغم من كل الإنجازات التي حققوها، لا تزال هناك الكثير من المشاريع الحيوية والبنى التحتية التي ينتظرها سكان المدينة، “لكن الدعم الدولي المقدم لنا خجول ويكاد يكون معدوماً مقارنة مع حجم الأعمال المطلوب إنجازها، لذا نتمنى أن يفي المجتمع الدولي بواجباته تجاه الرقة”.
“لا زلنا بحاجة إلى تطوير الخبرات والكفاءات ودعم من المنظمات والدول من أجل إنجاح هذه التجربة، وتحقيق العدالة والمساواة من خلال تفعيل دور المرأة، وتمكينها في كافة مجالات الحياة”.
وتريد مصطفى أن تقول للنساء في جميع البلدان التي لا تزال فيها حقوق المرأة محدودة: “إن المرأة قادرة على إثبات دورها في كافة المجالات إذا ما امتلكت العزيمة والإصرار والإيمان بالذات، وهي موجودة لدى كل امرأة إذا فتشت عنها”.
واليوم، تشكل رئاسة مصطفى للمجلس حالة استثنائية ومميزة في تاريخ المدينة، التي لم يحكمها على مر الزمن سوى الرجال، سواء كان في ظل الحكومة السورية قبل الحرب، أو من قبل المعارضة السورية الموالية لتركيا، أو تنظيم “الدولة الإسلامية”.
تسلسل زمني لما حدث في الرقة
كانت الرقة موطناً لأكثر من 200 ألف نسمة قبل الحرب، وكانوا من خلفيات عرقية ودينية واجتماعية مختلفة، من عرب وأكراد وأكراد ومسيحيين وسريان وغيرهم.
ويُنظر إلى المدينة على أنَّها ذات طابع محافظ اجتماعياً، ومتأثرة للغاية بالقيم والعادات القبلية.
لكن الحرب الأهلية في البلاد غيرت من السياسات السارية في المنطقة تباعاً.
ففي مارس/آذار 2013، خرجت الرقة من تحت سلطة الحكومة السورية بعد أن سيطر عليها “الجيش الحر” المعارض لحكومة بشار الأسد، وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي غيرت اسمها إلى هيئة تحرير الشام، بعد أن أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية.
وبعد أقل من عام سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”، واتخذها عاصمة للخلافة الإسلامية المزعومة، ففرّ منها مئات الآلاف نحو المناطق المجاورة.
وبعدما هزم التنظيم في أكتوبر/تشرين الأول 2017، على يد قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، تم تشكيل مجلس الرقة المدني من أجل إعادة بناء الرقة، الذي يضم محامين، ومهندسين، وأطباء، وزعماء قبائل، ومجالس التكنوقراط.
وتعد مصطفى، أول امرأة في تاريخ المدينة تشغل منصب رئاسة مجلس المدينة.
ألغام وخلايا نائمة
لا تزال المدينة تواجه الكثير من التحديات والصعوبات والمخاطر من كل حدب وصوب. فمن جهة، هناك نقص في عدد الأطباء والمعلمين وغيرهم من أصحاب المهن والحرف الأساسية، الذين هاجر معظمهم إلى أوروبا أو الدول المجاورة خلال سنوات الحرب في هذه المنطقة، ومن جهة أخرى، هناك خطورة الألغام التي زرعها تنظيم الدولة في جميع أنحاء المدينة قبل هزيمته، إلى جانب وجود خلايا التنظيم النائمة التي تشكل قنبلة موقوتة في المنطقة، عدا عن الحكومة السورية التي تريد استعادة السيطرة على المدينة.
لكن ليلى مصطفى مصرة على إتمام المهمة وترفض الهزيمة أمام العقبات والتهديدات التي تواجهها.
وباعتبارها رئيسة مشتركة، تُظهر مصطفى قيادة استثنائية من خلال الاستمرار في بناء تحالفات من السكان المحليين للتعاون في إعادة الحياة للرقة، وإعادة المصالحة بين أبناء المنطقة المتنوعين، لتشكيل مجتمع مدني مبني على الديمقراطية والاحترام المتبادل بحسب تعبيرها.
[ad_2]
Source link