سويسرا: حكاية دولة تنتهج الحياد منذ أكثر من 500 عام
[ad_1]
رغم أن سويسرا بلد جبلي مغلق إلا أن موقعها الجغرافي في وسط أوروبا وحيادها منحها القدرة على الوصول إلى السواحل والاستقرار السياسي لتصبح واحدة من أغنى دول العالم.
ولطالما كانت سويسرا، وعلى مدى قرون، دولة محايدة مما يعني أنها لا تستطيع المشاركة في نزاع مسلح ما لم تتعرض للهجوم، ولا يمكنها استخدام قواتها إلا للدفاع عن النفس والأمن الداخلي.
لقد انضمت إلى الأمم المتحدة فقط في عام 2002. ونظرا لأن الاتحاد الأوروبي يحيط بها من كل جانب فقد تأرجحت بين السعي إلى مشاركة أوثق مع جارتها القوية والمنظمات الدولية الأخرى من جانب، وتفضيل مسار أكثر انعزالية من جانب آخر.
ويُمنح الناس في سويسرا رأيا مباشرا في شؤونهم الخاصة في ظل نظام الديمقراطية المباشرة هناك والذي لا مثيل له في أي بلد آخر حيث يتم دعوة المواطنين إلى صناديق الاقتراع عدة مرات في السنة للتصويت في الاستفتاءات الوطنية أو الإقليمية والمبادرات الشعبية.
لكن ما هي قصة حياد سويسرا؟
تقول دائرة المعارف البريطانية إن تاريخ سويسرا هو في الواقع تاريخ عصبة دفاعية تعود إلى العصور الوسطى وقد تشكلت في منطقة تفتقر إلى السلطة الإمبراطورية.
فقد تشكلت سويسرا في عام 1291 من خلال تحالف كانتونات ضد أسرة هابسبورغ تحت اسم الاتحاد السويسري.
وكانت الكانتونات المختلفة (التي تسمى تقليديا أورتي باللغة الألمانية) دولا مستقلة إلى حد كبير، وظلت موحدة من خلال الدفاع المشترك عن الحرية.
وعلى عكس جميع الاتحادات المماثلة (مثل الاتحاد الهانزي والسوابي)فقد نجا الاتحاد السويسري من تشكيل الدول الحديثة (الأميرية) دون التكيف معها، وذلك على الرغم من الصراع الداخلي خاصة بعد الإصلاح في القرن السادس عشر.
ولقد شكل الاتحاد السويسري مع فينيسيا وجنوة وهولندا، الاستثناء الجمهوري في أوروبا، وطور الهياكل السياسية على مستوى الكانتونات الثلاثة عشر التي شكلها وقت الإصلاح.
العصور الوسطى
في العصور الوسطى، كان السويسريون أبعد ما يكونوا عن الحياد والسلام، فقد قاتل أكثر من مليون مرتزق سويسري، لقرون، في جيوش أجنبية.
ولم تقدم أي دولة مرتزقة مثل سويسرا. وفي حالة الهجوم على سويسرا، كان من الممكن استدعاء تلك القوات السويسرية للوطن. لهذا السبب، لم تكن لأي دولة تقوم بتوظيف مرتزقة سويسريين أي مصلحة في مهاجمة سويسرا.
ومن المفارقات أن إعارة الجنود إلى جميع البلدان على قدم المساواة كانت الخطوة الأولى نحو الحياد السويسري.
معركة مارينيانو
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن جذور قصة الحياد السويسري تعود إلى انتصار فرنسا على جيش سويسري في معركة مارينيانو في سبتمبر/أيلول من عام 1515 خلال الحملة الإيطالية الأولى التي قادها ملك فرنسا فرانسيس الأول حيث نشبت المعركة بالقرب من قرية مارينيانو، على بعد 16 كيلومترا جنوب شرق ميلانو.
وقد أسفرت المعركة عن استعادة الفرنسيين لميلانو وإبرام معاهدة سلام جنيف في 7 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1515 بين فرنسا و الاتحاد السويسري.
لقد كان صداما كلاسيكيا بين قوات المشاة السويسريين والمدفعية الفرنسية وسلاح الفرسان. وقد انتصر الفرنسيون بصعوبة على الرغم من الميزة العددية الكبيرة.
وكان ملك فرنسا فرانسيس الأول قد اعتزم احتلال دوقية ميلانو فتحالف مع فينيسيا وعبر جبال الألب حيث استولت القوات الفرنسية على نوفارا وتوجهت نحو ميلانو التي دافع عنها حلفاؤها السويسريون.
وفي مثل هذا الوقت من عام 1515 تقدم السويسريون صوب المواقع الفرنسية بالقرب من مارينيانو وهاجموا الفرنسيين عبر أرض المستنقعات التي تفصل بين الجيشين لكنهم انسحبوا بحلول منتصف الليل.
وفي اليوم التالي، وبعد 8 ساعات من القتال غير الحاسم أجبر سلاح الفرسان الفرنسي السويسريين على التراجع بعد أن لحقت بهم خسائر كبيرة.
وبعد أن عانت سويسرا من الهزيمة وعدد القتلى المرتفع في معركة مارينيانو، بات من الواضح أن السياسات التوسعية لن تؤدي إلا إلى الخراب، وأصبح السويسريون يجنحون إلى السلام منذ ذلك الحين.
“حياد” بالقانون الدولي
وقد وصفت سويسرا نفسها صراحة بأنها محايدة منذ عام 1674. وفي مؤتمر فيينا في عام 1815، تم الاعتراف بالحياد السويسري بموجب القانون الدولي.
وكانت سويسرا، جنبا إلى جنب مع سان مارينو، من بقى على قيد الحياة من الجمهوريات المبكرة في عهد نابليون الأول.
ولقد قامت سويسرا بتحديث هياكلها السياسية عندما تم اعتماد دستور عام 1848 حيث تضمن المبادئ الليبرالية مثل الحقوق الفردية، وفصل السلطات، والنظام البرلماني ثنائي المجلس المنصوص عليه في الثورة الفرنسية في عام 1789 ودستور الولايات المتحدة.
وقبل عام 1848، كان الصراع الداخلي شائعا جدا، لكن سويسرا تمتعت بهدوء محلي نسبي منذ منتصف القرن التاسع عشر وظل تنظيمها على حاله بشكل أساسي. فهي تتشكل من اتحاد يضم أكثر من 3 آلاف كوميون أو بلدية، تقع في 26 كانتونا، و6 منها يشار إليها تقليديا باسم ديميكانتون (نصف كانتونات) ولكنها تعمل ككانتونات كاملة.
وخلال الفترة الممتدة من نهاية القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، تم دمج الكانتونات الناطقة بالفرنسية والإيطالية والمناطق الريفية الكبيرة.
الحياد “النشط“
بعد انتهاء الحرب الباردة، فقد الحياد السويسري أهميته لأن وظيفته الدفاعية قد عفا عليها الزمن.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت سويسرا في الاضطلاع بدور نشط بشكل متزايد في السياسة الدولية حيث اعتبرت لسنوات عديدة مشاركتها الإنسانية والمساعي الدبلوماسية الحميدة أمور مكملة لحيادها.
وحتى العضوية في الأمم المتحدة كان يُنظر إليها على أنها متوافقة مع الحياد، وقد كتبت الحكومة السويسرية في طلبها الانضمام للمنظمة الدولية في عام 2002 أن سويسرا ستظل محايدة حتى كعضو في الأمم المتحدة.
ومازالت سويسرا تشهد نقاشات منتظمة حول ما يتوافق مع الحياد وما هو غير متوافق.
فصادرات الأسلحة، على سبيل المثال، هي مصدر مهم للإيرادات لسويسرا، لكن يُنظر إليها في كثير من الأحيان على أنها انتهاك للحياد.
ومنذ عام 1953، شاركت سويسرا في مهمات السلام، لكن قد لا يشارك العسكريون السويسريون في القتال بسبب الحياد. وظلت مسألة السماح لهم بالتسلح للدفاع عن النفس معلقة حتى استفتاء عام 2001.
تنوع الشعب السويسري
تلتقي معظم الهويات الثقافية الرئيسية في أوروبا الغربية، الألمانية والفرنسية والإيطالية، في سويسرا.
وبالتالي، فإن إحدى السمات المميزة لهذا البلد هي تنوع لغاتها.
ويعترف الدستور السويسري بالألمانية والفرنسية والإيطالية كلغات رسمية. ومنذ عام 1996، باتت لغة رومانش (لغة الغجر) وهي لغة موجودة في المناطق الجبلية، تتمتع بوضع رسمي على المستوى الفيدرالي.
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، كان أكثر من ثلاثة أخماس إجمالي السكان يتحدثون الألمانية، وخُمسهم الفرنسية، وحوالي واحد على اثنى عشر الإيطالية، وأقل من 1 في المئة لغة رومانش.
ويتحدث ما يقرب من عُشر السكان لغة غير رسمية حيث يتواجد ذوي الأصل الكرواتي والبرتغالي والصربي والإسباني في هذه الفئة.
ويعكس الانقسام العرقي في البلاد إلى حد كبير الانقسامات اللغوية. ويشكل المقيمون الأجانب حوالي خُمس إجمالي سكان البلاد، وفي بعض الكانتونات تكون النسبة أعلى بكثير، فعلى سبيل المثال، أكثر من ثلث المقيمين في جنيف هم من الأجانب.
كما ازداد عدد السكان المولودين في الخارج في سويسرا بشكل كبير في التسعينيات، عندما قدمت الدولة اللجوء للوافدين من كوسوفو والبوسنة.
السلام طويل الأمد
وهكذا، تجنبت سويسرا التفكك مثل الدول التقليدية الجبلية الأخرى مثل نافارا أو سافوي، والتي دمرتها فكرة “الحدود الطبيعية” أو إمبراطورية هابسبورغ، والتي تمزقت في النهاية وتحولت إلى عنصرها الألماني من قبل أولئك الذين يتبنون القومية. ولم تتعرض سويسرا لهجوم بعد عام 1499 إلا مرة واحدة فقط في عام 1798.
وقد تمتعت سويسرا بالسلام لفترة طويلة الأمد، ونجت من حربين عالميتين في القرن العشرين عندما تم تطوير مفهوم “الحياد المسلح”.
وقد حظيت سويسرا بالاحترام من قبل جيرانها، وتبع ذلك الازدهار الاقتصادي إلى حد كبير حيث تكيفت سويسرا بشكل جيد مع الثورة الصناعية ونمو أسواق التمويل الدولية.
ولطالما كانت سويسرا نموذجا للمجتمع متعدد الأعراق واللغات، ومكاناً يمكن فيه لمختلف الشعوب أن تعيش في وئام اجتماعي وتتحد من أجل المصلحة المشتركة، وهو أمر يفتخر السويسريون.
وفي عام 1999 باتت روث دريفوس أول امرأة وأول يهودية تتولى منصب الرئاسة (منصب يتم التناوب عليه سنويا).
وللبقاء على قيد الحياة كوحدة متماسكة ولحماية الحياد الذي كان ضمانا لهم، كان على العناصر المتباينة من الشعب السويسري أن تتعلم التعاون مع بعضها.
لقد تشكلت وجهات نظر السويسريين إلى حد كبير من خلال الضرورة الاقتصادية والسياسية، مما جعلهم واقعيين وحذرين وحكماء في قبول الابتكار والإبداع في استخدام مواردهم.
لقد تم تعليم الموارد البشرية في سويسرا بشكل فعال واستخدامها بكفاءة لتحويل بلد جبلي وريفي وغير ساحلي له موارد طبيعية محدودة إلى واحد من أكثر البلدان الصناعية والتجارية تنوعا وأهمية في العالم.
محطات مهمة في التاريخ السويسري
- 1515 – هزيمة السويسريين في معركة مارينيانو واتجاههم إلى الحياد.
- 1815 – في أعقاب الحروب النابليونية، تم إرساء حدود سويسرا وحيادها في مؤتمر فيينا.
- 1848 – حدد الدستور الفيدرالي النظام السياسي، ووفر حكومة مركزية.
- 1874 – سمح الدستور المعدل بممارسة الديمقراطية المباشرة عن طريق الاستفتاء.
- 1914: 1918 – نظمت سويسرا وحدات الصليب الأحمر خلال الحرب العالمية الأولى.
- 1919 – معاهدة فرساي تؤكد حياد سويسرا.
- 1920 – انضمت إلى عصبة الأمم، وكان مقر العصبة في جنيف.
- 1923 – أبرمت اتحادا جمركيا مع ليختنشتاين.
- 1939: 1945 – أصدر المجلس الاتحادي إعلان الحياد في بداية الحرب العالمية الثانية، ورفض الانضمام للأمم المتحدة.
- 1959 – باتت سويسرا عضوا مؤسسا في الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (إفتا).
- 1963 – انضمت إلى مجلس أوروبا.
- 1967 – جماعات يمينية تشن حملة لتقييد دخول العمال الأجانب.
- 1971 – منح المرأة حق التصويت في الانتخابات الفيدرالية.
- 1985 – استفتاء يضمن للمرأة المساواة القانونية مع الرجل في الزواج.
- 1986 – استفتاء يعارض عضوية الأمم المتحدة بثلاثة إلى واحد.
- 1992 – انضمت سويسرا إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
- 1994 – استفتاء يوافق على قانون يجعل التمييز العنصري وإنكار المحرقة النازية أمورا غير قانونية. تشديد القوانين ضد تجار المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين.
- 2002 – انضمت سويسرا إلى الأمم المتحدة.
[ad_2]
Source link